وجوه جديدة .. مهام صعبة

وزراء الحكومة العراقية الجديدة أمامهم تحديات كبيرة من الكهرباء والصرف الصحي والسكن.. إلى الأمن

TT

وضع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في خطابه الأول على رأس جدول أعمال حكومته أولويتين: مواجهة الإرهاب واستعادة عافية الاقتصاد العراقي من دون القفز فوق وقائع «عنيدة» وتحديات كبرى يواجهها الطاقم الحكومي في الأمد القريب والمنظور. وعلى الرغم من إخفاق حكومة المالكي حتى الآن في تسمية وزراء أصليين لحقائب الأمن الوطني والداخلية والدفاع هي الأهم بالنسبة إلى أولوياتها، إلا أن الاتجاه المعلن بتولي هذه الحقائب كفاءات من خارج دائرة الاستقطاب السياسي يعني أن الحكومة قفزت فوق مصاعب عدّة وتجاوزت الاتهام والتشكيك. وإذا كانت قضايا البطالة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين العراقيين وتحسين مستوى الخدمات ومحاربة الفساد المالي والإداري هي من صميم واجبات تفرض نفسها على الحكومة الجديدة، فإن الملف الأمني يقع في المقدمة منها؛ فلا تنمية اقتصادية بدون أمن، ولا وظائف للعاطلين بدون أمن، ولا استثمارات بدون أمن.

ومن أهم أولويات حكومة المالكي يبقى نزع سلاح المليشيات وإعادة احتكار الأمن والسلاح بيد الحكومة.

واذا ما استعرضنا وجوه الحكومة العراقية الجديدة والمهام الملقاة على عاتق وزارة، نجد اولا ان وزير الداخلية في الحكومة السابقة باقر جبر صولاغ قد عاد إلى الحكومة الجديدة وزيراً للمال، وهي مهمة صعبة ذلك أن من اولويات الحكومة تحريك عجلة الاقتصاد من خلال تبني سياسات مالية تخفف من الشعور الشعبي بالأذى العميق من تدهور الاوضاع. وأمام صولاغ تحديات كبيرة ليس أقلها تعقيداً مشاكل التضخم وتثبيت سعر صرف الدينار العراقي والسيطرة على العجز المالي المتفاقم في العراق، إضافة إلى التخفيف من وطأة الديون الخارجية التي تشكل لوحدها عبئاً كفيلاً بالقضاء على جهود إعادة الإعمار. لكن وبسبب تشابك الملفات وصعوبة الازمة الاقتصادية، ليس الكل متفائلا حيال معالجة الملف المالي، خصوصاً لجهة تثبيت سعر صرف الدينار العراقي، والنهوض بالقطاع المصرفي المتعثر، وبالتالي فإن الشكوك بقدرة الوضع المالي العراقي على الصمود سوف تظل قائمة ولو إلى حين. وفيما يبدو باقر جبر صولاغ في الغالب متحرراً من الرسميات، ونادراً ما يرتدي بذلة رسمية أو يعقد ربطة عنق، يعنى وزير النفط حسين الشهرستاني العالم النووي العراقي الشهير بقيافته وهندامه ومظهره، وإن بدت عليه سمات التواضع أيضاً. والشهرستانى الذي تتهاوى يداه الطويلتان على جسمه برخاوة وتلفت الانتباه أصابعه الطويلة ممسك بين يديه الآن بملف قطاع النفط العراقي وما يعنيه ذلك من تحديات جسام ستواجه وزارته تتمثل أساساً في استرداد هذا القطاع مجدداً إلى كنف الدولة، سواء من حيث الإنتاج أو التسويق أو العائدات. في هذا المضمار، يتعين الإشارة إلى الاحتياجات المتصلة بإعادة بناء الصناعة النفطية وتطويرها من أجل زيادة طاقة إنتاج النفط من 2.3 مليون برميل يومياً في الربع الأول من العام الجاري إلى نحو 4 إلى 5 ملايين برميل يومياً في نهاية العام المقبل.

وثمة تحد مماثل يطل برأسه باستمرار وسوف يؤرق الوزير الجديد الذي يتمتع بقدر وفير من الاستقامة ويتمثل أساساً في عمليات تهريب النفط العراقي التي قدرها المفتش العام بوزارة النفط بمليارات الدولارات. ولكن التحدي الأخطر للشهرستاني ما زال يتمثل في استمرار تعرض المنشآت النفطية العراقية إلى عمليات تخريبية طالت البنى التحتية النفطية من مصاف ومصانع وأنابيب، كلفت البلاد خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. اما وزارة الكهرباء فتولى حقيبتها المهندس كريم وحيد وهو كان يشغل منصب المدير التنفيذي للوزارة، فقد نجح في توطيد مركزه هذا بدون المرور الإجباري في التركيبة السياسية العراقية، حيث أظهر مهارة لافتة في التنظيم وطاقات في التنفيذ، وهو فوق هذا يدرك أن الأعمال التخريبية تسببت في تعطيل تحسين الشبكة الكهربائية في البلاد، حيث كان من المؤمل أن يتم إنجاز 160 مشروعاً مقرراً في مجال توليد الطاقة الكهربائية، لكن الجهود المبذولة في هذا المضمار أثمرت عن إنجاز 57 مشروعاً منها.

وفي الحقيقة، ليست الأعمال التخريبية لوحدها المسؤولة عن معاناة المواطنين العراقيين من مشكلة الانقطاعات المتواترة في التيار الكهربائي، بل يكمن السبب الرئيسي في عدم كفاية إمدادات الكهرباء في العراق في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، فقد تم تصميم البنية التحتية في العراق، سواء محطات توليد الكهرباء أو شبكة توزيع الكهرباء، في الستينيات من القرن الماضي لسكان يبلغ تعدادهم 16 مليون نسمة، وبالكاد تم تطويرها أو تحديثها منذ ذلك الحين، بينما ارتفع عدد السكان ليصبح 27 مليون نسمة. ومع ازدياد الطلب على التيار الكهربائي، تم دفع نظام توليد وتوزيع الكهرباء إلى أقصى حدوده مما أدى إلى تدهوره بشكل متزايد. وطوال سنوات عديدة لم يحصل المهندسون العراقيون على أموال كافية وميزانيات مستمرة للتوسع بنظام الشبكة الكهربائية وصيانتها بشكل ملائم، فقد انقطعوا عن التكنولوجيا الحديثة والتطورات التجارية التي كانت ستمكنهم من تحسين كفاءة قطاع الكهرباء. أما حقيبة الموارد المائية فقد كانت من نصيب عبد اللطيف جمال رشيد الذي أشرف على إدخال تحسينات نوعية على إدارة موارد البلاد المائية. ويعرف رشيد أن سكان العراق كانوا يتمتعون في الفترة التي سبقت حرب الخليج العام 1991 بنسبة توزيع للمياه عالية نسبيا. ولقد أدت عشر سنوات من الحصار تبعها تدمير مباشر من جراء العمليات الحربية خلال غزو العراق 2003 بما فيها سرقة المعدات والأجهزة والافتقار إلى الإدامة والانقطاع المستمر في التيار الكهربائي إلى تدهور في معالجة المياه وشبكات توزيعه. ففي بغداد، مثلاً، يصل توزيع المياه إلى ثلث المشتركين بالمقارنة مع نسب العام 1990، إضافة إلى ذلك فان نسبة 30 في المائة من السكان غير مربوطين بشبكة صرف صحي ومعالجة مما يشكل مخاطر صحية وبيئية جسيمة.

ولا يؤتى بجديد حين يقال إن شبكات المياه والصرف الصحي في العراق عموماً تعاني من تدهور كبير، حيث انحسر مخزون المياه إلى نحو 50 في المائة من مستواه الطبيعي وأصبح حوالي نصف سكان الريف غير قادرين على الحصول على الماء النظيف، كما تعاني المياه من درجة عالية من التلوث تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 25 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فقد تم رصد مبلغ 1.1 مليار دولار لتنفيذ 147 مشروعاً تتعلق جميعها بقطاعي المياه والصرف الصحي، إلا أن عمليات التخريب المتواصلة لتمديدات المياه، جعلت تنفيذ المشاريع المتعاقد عليها في هذا القطاع الحيوي تتباطأ، ولم ينجز منها سوى 47 مشروعاً؛ إذ غالباً ما تتعرض شبكات المياه الرئيسية لهجمات إرهابية، كما حدث لمحطة تصفية المياه في الطارمية ببغداد في منتصف يناير (كانون الثاني) 2005، حيث تسبب تفجيرها في حدوث أزمة مياه شديدة لأكثر من أسبوعين ضربت مناطق الكرخ وأجزاء من الرصافة. اما حقيبة الإعمار والإسكان فكانت من نصيب بيان دزة ئي التي تبذل جهداً ملحوظاً للحفاظ على شيء من الهدوء، وهي غيورة على صلاحياتها وضنينة بأفكارها المستقبلية، في حين يشكو المسؤولون العراقيون بمرارة من أزمة الإسكان التي تنذر، على حد قولهم، بـ«أزمة كبيرة قد تتحول إلى كارثة إذا بقي الوضع من دون معالجة سريعة».

وما يفاقم مشكلة السكن في العراق وجود 23 ألف عائلة عراقية عادت من الخارج، تضاف إلى نحو 900 ألف عائلة تم ترحيلها خلال سنوات النظام السابق من الجنوب والشمال إلى وسط البلاد، يقيمون حالياً في مباني الدولة المهجورة. وأوضح هؤلاء المسؤولون أن هناك حاجة ماسة لبناء وحدات سكنية في مختلف المحافظات من أجل معالجة مشكلة المهجرين والعائدين، إضافة إلى المشردين والعائلات ذات الدخل المتدني. ووفقا للمتاح من الاحصاءات فان العجز الحالي في الوحدات السكنية في العراق يصل إلى أكثر من مليون وحدة سكنية، بينما تشير تقديرات وزارة الإسكان والإعمار العراقية إلى الحاجة إلى تأمين مليوني وحدة سكنية خلال السنوات العشر المقبلة. كما يشير واقع الحال كذلك إلى أنه من أصل ثلاثة عشر مشروع مجمع سكني بقيمة 134 مليون دولار، بحيث تؤمن سبعة آلاف وحدة سكنية في مختلف المحافظات، لم يباشر بتنفيذ سوى ثلاثة مشاريع فقط على يد شركات عراقية في كل من بغداد (سبع بكار) وكركوك (بنجه علي) والموصل (الحدباء)، وذلك بسبب تمنع الشركات الملتزمة البدء بالتنفيذ نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في البلاد. ومهما يكن من أمر التركيبة الحكومية الجديدة، فإن نجاحها يعتمد بالأساس على إثبات أن تقدير الوزراء لمصالح البلاد أهم من تكرار شعارات إيديولوجية ضبابية عن الوحدة الوطنية وباقي التعويذات الرائجة في وادي الرافدين.

* كاتب وأكاديمي عراقي مقيم في فيينا