علي عبد الله صالح: التمديد والمغادرة

نعم لولاية ثانية «أخيرة» :«لا» للتمديد رغم المخاطرة

TT

* نصر طه مصطفى*

* قرار الرئيس اليمني علي عبد الله صالح هذا الاسبوع الترشح لفترة رئاسية جديدة تمتد 7 سنوات، بعدما كان قد أعلن بعد الاصلاحات السياسية التي اقرها عام 1994 انه لن يترشح مرة ثانية، اثار ردود فعل متباينة في اليمن. فالرئيس صالح الذي وصل الى السلطة في اليمن الشمالي آنذاك عام 1978، وتبقى الوحدة اليمنية اهم انجاز حققه بعد دمج الشطرين 1990، شرح كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية المصاعب الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعانيها بلاده. ويقول المؤيدون لاستمراره في ولاية ثانية انه افضل من يواصل جدول اعماله، فيما يقول المعارضون له ان الاداء الاقتصادي والسياسي يحتاج الى وقفه والى تغيير دماء، وان الرئيس الذي بادر بحزمة اصلاحات سياسية واقتصادية عليه ان ينفذها عمليا. «الشرق الاوسط» تفتح موضوع التمديد للرئيس اليمني للنقاش بين كاتبين يمنيين. يوضح أولا نصر طه مصطفى لماذا يؤيد التمديد للرئيس، ويوضح الدكتور عبد الله الفقيه لماذا يعارض.

* نعم لولاية ثانية «أخيرة»

* عندما أقول إن اليمن مازال بحاجة لاستمرار الرئيس علي عبد الله صالح لدورة رئاسية ثانية و«أخيرة» خلال السنوات السبع القادمة، لا أنطلق في هذه الرؤية من عاطفة أو تزلف، ولكن من منطلقات موضوعية وحاجات واقعية تفرضها الحقائق التي نعيشها جميعا كيمنيين. فأولا، أنا لست ممن يعتقدون أن الرئيس صالح هو «القائد الضرورة»، أو «الزعيم الملهم»، أو هو الرئيس الذي إن غاب ضاعت البلاد والعباد، وذلك لسبب بسيط يكمن في المبدأ الدستوري الذي تبناه صالح نفسه في تعديلات عام 1994، والذي يقضي بحصر فترة الرئاسة في دورتين انتخابيتين فقط، مدة كل واحدة منهما سبع سنوات من أول انتخابات تجري بالاقتراع المباشر (جرت الاولى فعلا في عام 1999). وذلك يعني أن الرئيس صالح سيترك الرئاسة حتما في عام 2013. وأقول «حتما» لأني أعرف الرجل جيدا عن قرب، وأعلم تماما أنه جاد في تطبيق هذه المادة الدستورية ولن يقبل حينها تعديلها لأي سبب من الأسباب، وهذا يعني تطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة فعليا. وهذه المعرفة بالتحديد هي التي جعلتني أؤيد بوضوح إعادة انتخابه للدورة الرئاسية القادمة التي ستبدأ في سبتمبر (ايلول) المقبل، باعتبار أنها أولا حق دستوري له، وثانيا باعتبار أن هناك مجموعة من المهام الكبرى بدأ هو نفسه بإنجازها ومن الأفضل أن يكملها بنفسه.  وعلى رأس هذه المهام، استكمال البناء المؤسسي لسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحلية، حيث تم إنجاز شوط من هذه المهمة السيادية، ولا تزال البلاد بحاجة لوقت ليس بالقليل باعتبار أنها عملية تراكمية تتكامل فيها التنمية السياسية والبناء الثقافي والتشريعات القانونية وتطور المجتمع المدني. إذ يلحظ أن أداء البرلمان واستقلاليته تتطور شيئا فشيئا عما كان عليه الأمر من قبل، وكذلك ينطبق الأمر على السلطة القضائية التي تتعزز استقلاليتها ويتطور أداؤها مقارنة بالسنوات السابقة. أما السلطة المحلية تحديدا فهي تجربة محسوبة كليا على الرئيس علي عبد الله صالح الذي تحمل مسؤولية الدفع بها وإخراجها إلى حيز الوجود منذ عام 2001، رغم اعتراض كثير من قيادات السلطة والمعارضة وتخوفهم من آثارها السلبية على الوحدة الوطنية، ومع ذلك فإنها لا تزال تعاني كثيرا من التعثر بسبب عدم إعطائها الصلاحيات الكاملة التي ستؤدي للتخفيف من المركزية، الأمر الذي سيعني بالتأكيد أن يشرف الرئيس صالح بنفسه على استكمال السلطة المحلية لصلاحيتها.

كذلك يجب أن يبقى صالح لاستكمال تنفيذ أجندة الإصلاحات الوطنية التي تم إقرارها من المؤتمر العام السابع للحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، وتتضمن برنامجا متكاملا لمجموعة من إجراءات الإصلاح السياسي والاقتصادي والقضائي ومكافحة الفساد والتي لقيت القبول والدعم من المؤسسات الدولية المانحة، وهي إجراءات سيتطلب تنفيذها ثلاث سنوات على الأقل، وكان الرئيس صالح هو الذي طرحها على تلك المؤسسات أثناء زيارته للعاصمة الأميركية واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتعهد بتنفيذها، ولأن بعضها تحتاج لإجراءات معقدة وطويلة كالتعديل الدستوري والاستفتاء الشعبي، بالذات فيما يتعلق بتحويل مجلس الشورى إلى غرفة تشريعية ثانية. فالعارفون بالشأن اليمني يعتقدون أن إخراجها إلى حيز الوجود يحتاج إلى خبرة الرئيس صالح وقدراته السياسية. أيضا يجب على الرئيس صالح الشروع في تنفيذ برنامج تهيئة الاقتصاد اليمني للاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي الذي تم إقراره في القمة الخليجية الأخيرة في أبوظبي. وهذا الموضوع تحديدا يحتاج إلى اطمئنان خليجي باتجاه عوامل الاستقرار السياسي والأمني في اليمن باعتبار أن هناك أموالا خليجية ستتدفق للاستثمار فيه، الأمر الذي يعني توفير كل أجواء الطمأنينة. ويعتقد غالبية المستثمرين أن استمرار الرئيس صالح في موقعه هو الضمانة الأهم في هذا الصدد ما يجعلنا نتفهم موقف القطاع الخاص اليمني الذي عبر صراحة ـ بمختلف الانتماءات السياسية لرجاله ـ عن انزعاجه من قرار الرئيس اليمني عدم ترشيح نفسه، فعقد لقاءات مكثفة انتهت بتشكيل لجنة لإقناعه بالعدول عن هذا القرار والتبرع بما يوازي خمسة ملايين دولار لدعم حملته الانتخابية، والأكيد أن هذا الموقف من القطاع الخاص لا يعبر عن رفضه لمبدأ التداول السلمي للسلطة بقدر ما يعبر عن خوفه وقلقه من المجهول. ومن المهام التي يجب على الرئيس اليمني إنجازها قبل مغادرته المسرح السياسي، تنفيذ برنامج واضح لترسيخ الوحدة الوطنية، ومقاومة وتحجيم التيارات «التمزيقية»، السياسية منها والدينية، التي تعتمد في فكرها وحركتها على استثارة العصبيات المذهبية والعرقية والجهوية والقبلية، وكان آخرها، وأسوأها على الإطلاق، التمرد المذهبي الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي في محافظة صعده صيف 2004، ولا تزال تداعياته قائمة حتى الآن رغم قرار العفو العام الذي أصدره الرئيس صالح عن أنصاره في سبتمبر (ايلول) من العام الماضي. والبرنامج المطلوب خليط من العمل السياسي والتعليمي والثقافي. ويعتبر المراقبون أن الرئيس صالح هو الأقدر على تنفيذه باعتباره القاسم المشترك بين جميع اليمنيين، وباعتباره الذي أعاد الوحدة اليمنية قبل ستة عشر عاما ونجح في الحفاظ عليها. على الرئيس أيضا استكمال البناء السياسي والتنظيمي لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم الذي أسسه الرئيس صالح 1982، ورغم ان عمره الذي يقارب ربع القرن فإنه ـ أي الحزب الحاكم ـ وقف مصدوما وعاجزا عن التعامل مع تداعيات قرار رئيسه العام الماضي بعدم ترشحه لمنصب الرئاسة وتصميمه عليه عند انعقاد مؤتمره الاستثنائي في 21 يونيو (حزيران) الماضي، إذ عجز أعضاء المؤتمر العام عن إقناع الرئيس بالتراجع عن قراره، ولم يسمع منهم ما كان ينبغي سماعه من رؤى حول مستقبل اليمن بدون الرئيس صالح، وهو الأمر الذي كان سيبعث الطمأنينة في نفس الرئيس واليمنيين. ونتيجة لذلك، تضمن البيان الختامي الصادر عن المؤتمر نقدا ذاتيا لأدائه للمرة الأولى في تاريخه، وأعطى في نفس الوقت تفويضا للرئيس صالح باتخاذ ما يراه مناسبا لإعادة ترتيب أوضاعه. وقبل أن يغادر صالح الرئاسة، عليه أيضا تهيئة القوات المسلحة للتعامل مع مرحلة التداول السلمي للسلطة بعد أن قطعه شوطا في نزع الصفة العسكرية عن نفسه وعن الحكم وأبعد الجيش عن العمل السياسي خلال السنوات الأخيرة.

تلك بعض المهام التي لا يمكن تنفيذها بعيدا عن الشخصية المحورية للرئيس صالح فهو بحكم طول مدة بقائه في الحكم، امتلك كل خيوط إدارة العملية السياسية بمنتهى المهارة، ساعده على ذلك ما تتميز به شخصيته من مرونة وتسامح وسعة صدر في بلد تتشابك فيه مصالح القوى السياسية والقبلية والاقتصادية ولا يمكن إدارته بالقوة والعنف والاستبداد.

* رئيس وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»

* «لا» للتمديد رغم المخاطرة

* د. عبد الله الفقيه*

* يرى معارضو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والساعون إلى الإطاحة به سلميا في انتخابات سبتمبر (أيلول) المقبل، ان صالح (64 عاما) تسلم السلطة عام 1978، وقد أمضى فيها حتى الآن حوالي ثلاثة عقود، وأن كل شيء يتغير في اليمن إلا رئيسه. وترى أحزاب «اللقاء المشترك»، وهو تجمع يضم أقوى حزبي معارضة في اليمن، وهما التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، بالإضافة إلى ثلاثة أحزاب صغيرة هي، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وحزب الحق، وحزب اتحاد القوى الشعبية، ان ما لم يقدمه صالح خلال الثمانية وعشرين عاما الماضية، لن يقدمه في السنوات السبع القادمة.

وإذا كانت فترة الخدمة الطويلة للرئيس صالح لا تمثل حجة قوية عند الناخب اليمني، فإن معارضي الرئيس صالح قد قدموا العام الماضي ما سمي بـ«مبادرة اللقاء المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل» والتي شخصوا فيها أزمة النظام السياسي القائم في التركيز الشديد للسلطة، وهو التركيز الذي قاد إلى تغليب مبدأ القرابة والولاء السياسي على مبدأ الكفاءة والقدرة في اختيار كبار المسؤولين في الدولة، وإلى إضعاف شديد لمؤسسات الدولة، وخصوصا القضاء والبرلمان. وقد ساهم الاختلال القائم في النظام السياسي في انتشار الفساد إلى الحد الذي حقق فيه اليمن خلال السنوات من 2003 الى 2005 درجات متواضعة على مقياس الشفافية الدولية تراوحت بين 2.4 و2.7 من أصل عشر درجات، في حين أن الأردن مثلا حقق درجة تقترب من ثلاثة أضعاف الدرجة التي حققها اليمن. وقد طالبت أحزاب اللقاء المشترك في مبادرتها تلك، والتي ستمثل الإطار العام لبرنامجها الانتخابي الذي ستنزل به إلى المواطنين في الانتخابات، بإجراء إصلاحات جذرية وجوهرية على النظام السياسي القائم بشكل يكفل إقامة نظام حكم برلماني يتمتع فيه القضاء باستقلال تام، وتتمايز فيه السلطات بشكل واضح، وينتقل فيه البلد من حكم الفرد إلى حكم القانون. وكانت المؤشرات الخاصة بأداء النظام السياسي اليمني، وفقا لبيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي، قد شهدت تدهورا كبيرا خلال الفترة من 1996 الى 2004، حيث انخفض معدل الاستقرار السياسي من 17.7% عام 1996 إلى 7.3% في عام 2004، في حين انخفضت درجة فاعلية الحكومة خلال نفس الفترة من 26.8% الى 20.7%. أما متوسط السيطرة على الفساد فقد انخفض من 49.3% في عام 1996 الى 22.7% في عام 2004. وتمثل أحداث صعدة التي اندلعت في عام 2004، وتجددت في عام 2005، ثم في عام 2006، وأحداث العنف التي اندلعت في يوليو (تموز) عام 2005، وكذلك العودة القوية لظاهرة خطف السائحين خلال الربع الأخير من عام 2005، أبرز المؤشرات على تدهور الاستقرار. وبالرغم من أن هناك العديد من القوانين التي تنظم وتضمن بعض الحقوق وبعض الحريات، كالقانون رقم 66 لسنة 1991 بشأن الأحزاب والتنظيمات السياسية، والقانون رقم 95 لسنة 1991 بشأن الصحافة والمطبوعات، والقانون رقم 1 لسنة 2001 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية والقوانين الخاصة بتنظيم الانتخابات والتي كان آخرها القانون رقم 13 لسنة 2001 بشأن الانتخابات العامة والاستفتاء، إلا أن المشكلة الكبيرة في اليمن هي ضعف سيادة القانون. ومن الواضح أن الحقوق السياسية والحريات المدنية التي تمتع بها اليمنيون لفترة قصيرة خلال السنوات الأولى من العقد الماضي قد تم التراجع عنها تدريجيا منذ نهاية حرب عام 1994 الأهلية وتم بالتدريج تحويل النظام، بحسب أستاذة العلوم السياسية الأميركية جيليان شرودر في دراسة لها، إلى حكم عسكري فردي يوظف الديمقراطية كقناع للحصول على المعونات الخارجية. وتعكس تقارير «بيت الحرية»، وهي منظمة أهلية تعنى بالحريات المدنية والحقوق السياسية في مختلف الدول، للخمس وثلاثين سنة الماضية، نتيجة مفجعة. فوفقا لتلك التقارير، فإن وضع الحقوق والحريات فيما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية كان في بداية السبعينات من القرن الماضي أفضل مما كان عليه الحال في الجمهورية اليمنية خلال السنوات الماضية من عمر الجمهورية اليمنية. هذا من ناحية الأداء السياسي، أما من ناحية الأداء الاقتصادي، فتمثل الأوضاع الاقتصادية المتردية والأداء الضعيف للحكومات المتعاقبة التي ترأسها الأستاذ عبد القادر باجمال خلال السنوات القليلة الماضية ورقة قوية بيد المعارضة. فالأداء السيئ للحكومة دفع الهيئة الفنية الأميركية المتخصصة بفحص تأهل الدول للحصول على دعم من صندوق الألفية الأميركي في نهاية العام الماضي إلى إسقاط اليمن من القائمة التي تحتوي على مجموعة من الدول التي تقع على مقربة من التأهل وتستحق بعض الدعم لمساعدتها على الوصول إلى درجة التأهل الكامل. وقد ذكرت الهيئة، وكانت قد وضعت اليمن على قائمة الدول القريبة من التأهل في عام 2004 ثم في عام 2005، في تبرير قرارها بأن اليمن فشل في الحفاظ على نفس المستوى في ثمانية مؤشرات، مما أدى إلى سقوطه في أربعة منها هي: الفساد، جودة الأنظمة، السياسات التجارية، والسياسات المالية. كما دفع ذلك الأداء المانحين الدوليين، وفي مقدمتهم البنك الدولي والمفوضية الأوروبية، إلى تخفيض دعمهم المالي، مطالبين الرئيس صالح، وكشرط لاستئناف الدعم، بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة يكون من شأنها محاربة الفساد وخلق بيئة استثمارية قادرة على جذب الاستثمارات الخارجية وتوفير الظروف الموائمة لعمل الاقتصاد الحر. لقد صعد الرئيس علي عبد الله صالح إلى السلطة، كما يقول أحد قادة المعارضة، وسعر الدولار يساوي حوالي أربعة ريالات. أما اليوم وبعد ثمان وعشرين سنة من حكمه، فإن الدولار أصبح يساوي حوالي المائتي ريال. ويتبدى سوء الأوضاع الاقتصادية في الانخفاض الكبير لدخل الفرد في اليمن، ليس فقط مقارنة بالدول العربية الأخرى، ولكن أيضا مقارنة باليمن ذاته في سنوات سابقة. فقد قدر البنك الدولي متوسط دخل الفرد في اليمن للسنوات 2000 وحتى 2004 بـ 410 دولارات سنويا عام 2004، و460 دولارا عام 2003، و480 دولارا عام 2002، و500 دولار عام 2001. وهو معدل يقل عما كان عليه دخل الفرد في اليمن عام 1990 والذي كان قد بلغ حوالي 700 دولار. كما أن ذلك المعدل يقل أيضا عن المعدل السنوي لدخل الفرد في بعض الدول العربية المقاربة لليمن في أوضاعها. ففي سورية مثلا، بلغ دخل الفرد لنفس الفترة حوالي ضعفي دخل الفرد في اليمن، في حين بلغ في مصر ثلاثة أضعاف، وفي الأردن حوالي أربعة أضعاف، وفي سلطنة عمان بلغ دخل الفرد السنوي ستة عشر ضعف دخل الفرد في اليمن. ومع انه من الصعب تقدير نسبة البطالة في اليمن، إلا أن بعض التقديرات تذهب إلى انه يفوق الـ40% من قوة العمل. ويعود التدهور الاقتصادي في اليمن، إلى فشل حكومات الرئيس صالح في تحقيق نمو اقتصادي مرتفع ومستدام، حيث يقدر البنك الدولي معدل النمو الاقتصادي في اليمن بـ3.14% و2.7% في عامي 2003 و2004، وهو ما يعني، إذا أخذنا في الاعتبار، المعدل المرتفع للنمو السكاني في اليمن والذي يقدر بـ3.5% سنويا، أن الاقتصاد اليمني ينمو بالسالب في بعض السنوات. وكنتيجة طبيعية للفشل الذريع في تحقيق نمو اقتصادي عال ومستدام، أصبح الفقر، الذي لم يكن يمثل مشكلة لليمنيين، هو التحدي الأكبر لليمن اليوم، حيث يقدر عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر بشكل عام (أي يعيشون على أقل من دولارين في اليوم) بمعدل يتراوح بين 70 ـ 80%. ويعتبر اليمن الدولة الأفقر في غرب آسيا، وإحدى الدول الأشد فقرا في الشرق الأوسط. ويمثل الوضع الاجتماعي انعكاسا مباشرا لتخبط السياسات والفشل الاقتصادي. فمؤشرات اليمن الخاصة بالتنمية البشرية هي الأسوأ من بين دول الاقليم. فقد نزل ترتيب اليمن على مقياس التنمية البشرية الذي يصدره البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، من المرتبة 126 مع نهاية العقد الماضي، إلى المرتبة 151 عام 2005، وذلك من بين 177 دولة شملها القياس. وتشير بيانات «اليونسيف»، إلى أن معدل البالغين الذين يجيدون القراءة والكتابة في اليمن قد بلغ 49% عام 2003، في حين أن المعدل للدول العربية هو حوالي 64%. وفي حين بلغت نسبة الأطفال الذين يكملون المرحلة الأساسية من التعليم إلى إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية بين 6 ـ 15 سنة في مصر خلال الفترة 2000 ـ 2004 ما بين 93 ـ 97%، وفي الأردن، ما بين 94 ـ 98%، وفي سلطنة عمان ما بين 81 ـ 92%، فإنها قد تراوحت بالنسبة لليمن ما بين 59 ـ 63%.

وفي الوقت الذي بلغ فيه معدل الولادات التي تتم بحضور صحي مدرب، خلال الفترة 1995 ـ 2003، 22%، فإن المعدل للدول العربية قد بلغ 70%. وبالنسبة لأهداف الألفية الثمان، فإن بيانات الحكومة تشير الى انه من غير المحتمل أن يتم تحقيق أي منها بحلول عام 2015. تدرك أحزاب المعارضة اليمنية، وهي تسعى إلى منافسة صالح على كرسي الرئاسة في ظل الأوضاع الصعبة لليمن، بأن الأمر لا يخلو من مخاطرة وقد يقود إلى الإطاحة بالاستقرار النسبي في البلاد. وهي، انطلاقا من ذلك الوعي، لا تمانع من الدخول في حوار مع صالح وحزبه ينتهي بتبني حزب السلطة وأحزاب المعارضة لبرنامج إصلاح وطني شامل، وبنزول صالح كمرشح للإجماع الوطني. لكن بعض النافذين في الحزب الحاكم يعملون بشكل متواصل على إدخال الرئيس في منافسة صعبة مع أحزاب المعارضة. والواضح انه ما لم تدخل القوى السياسية اليمنية في حوار جاد خلال الأسابيع القليلة القادمة، فإن صيف اليمن هذا العام سيكون الأسخن من أي صيف سبقه.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء