التداول.. على مدار الساعة

توحيد فترة التداول في السوق السعودي قد يساعد على منع إهدار 844562 ساعة يوميا

TT

أثار توجه هيئة سوق المال السعودية لدراسة قصر تداول الأسهم على فترة واحدة بدلا من فترتين صباحية ومسائية تتقاسمان أربع ساعات من التداول يوميا على مدى خمسة أيام أسبوعيا، اراء متعددة بين نحو أربعة ملايين مستثمر في السوق. ووصلت آراء المستثمرين إلى حدّ التناقض، بعد أن أشهر كل فريق حججه للدفاع عن وجهة نظره التي يرى أنها الأصلح، ليس لفريقه فحسب بل لجميع المتداولين الآخرين في السوق الذي يعد الأكبر على مستوى المنطقة، بقيمة سوقية تصل إلى 1.6 تريليون ريال (426.6 مليار دولار). حيث بدأ كثير منهم في تداول أوقات يرون أنها الأفضل للسوق من خلال مجالسهم الخاصة أو منتديات الإنترنت التي عجت باقتراحات انحصرت في تحديد زمن يبدأ من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة التاسعة مساء بأوقات مختلفة، فمنهم من يرى الاستمرار بأربع ساعات يوميا للتداول ومنهم من يرى زيادتها إلى سبع ساعات فيما يرى آخرون قصرها على ثلاث ساعات فقط. وظهرت هذه الآراء المتناقضة بعد نشر «الشرق الأوسط» تصريحا خاصا للدكتور عبد الرحمن التويجري محافظ هيئة السوق المالية المكلف والذي أشار فيه إلى جملة من الأفكار تدرسها الهيئة من بينها دمج فترتي التداول في فترة واحدة، موضحا ان هدف ذلك تقليل نتائج سلبية يعاني منها السوق والاقتصاد بل والمجتمع نتيجة لتقسيم التداول على فترتين.

وغلب الأكاديميون ومسؤولو بنوك ومديرو محافظ ومستثمرون كبار، على الفريق الذي يؤيد الدمج، بينما يغلب على الطرف الآخر عامة المتداولون لاسيما الموظفون الذين دخلوا السوق في الفترة الأخيرة بغية الاستفادة من الطفرة التي يشهدها. حيث يرون أن الدمج قد يؤدي إلى تقليل فرصهم في إيجاد مداخيل إضافية تساعدهم على الوفاء بالالتزمات المعيشية ومتطلبات الحياة التي – حسب وصفهم – لا تستطيع رواتبهم أن تفي بها.

وكان التويجري ذكر في تصريحه أن كثيرا من القطاعات تأثرت نتيجة اتجاه المواطنين إلى الاستثمار في الأسهم وإغفال أنشطتهم الأصلية بسبب طول التداول المقسم على فترتين زمنيتين منفصلتين تسببتا بضيق الوقت لدى الراغبين في الجمع بين مهنهم الأصلية والاستثمار في الأسهم. وأضاف محافظ الهيئة أن من سلبيات الفترتين أن الفترة المسائية تبدأ بينما الشركات التي يتم تداول أسهمها مغلقة مما قد يتسبب في تأخير الحصول على المعلومات حين الاحتياج لها إضافة إلى أن هناك شركات تنشر إعلاناتها بين الفترتين وهذا قد يؤدي إلى عدم اطلاع بعض المستثمرين على تلك الإعلانات حينها. وتتداول الأسهم السعودية حاليا على مدى أربع ساعات يوميا مقسمة على فترتين زمنيتين، حيث تبدأ الفترة الصباحية منذ الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الـ 12 ظهرا، فيما تبدأ الفترة المسائية منذ الساعة 4:30 عصرا وحتى الساعة 6:30 مساء.

ويشكل الأفراد السواد الأعظم من المتداولين في السوق السعودية بعد أن استقطبهم نشاط الأسهم في السنوات الأربع الأخيرة نتيجة الارتفاع الكبير الذي شهدته السوق خلال تلك الفترة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين محفظة استثمارية نشطة في سوق الأسهم، أضيف لها أكثر من 400 ألف محفظة في اكتتاب شركة إعمار، المدينة الاقتصادية المطورة لمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ ليقارب العدد الأربعة ملايين محفظة. وتضم هذه المحافظ أكثر من عشرة ملايين شخص يمثلون أكثر من نصف المجتمع السعودي. إذ تسجل المحفظة باسم المكتتب الرئيسي ويحق له الاكتتاب بأسماء عائلته لزيادة حصصه من أسهم الشركات التي طرحت للاكتتاب العام. وتسعى هيئة السوق ومعها جهات حكومية أخرى معنية بالشأن الاقتصادي في القضاء على ظاهرة تسربات أو غياب الموظفين في القطاعين العام والخاص لأجل تداول الأسهم في الفترة الصباحية. وحدا هذا الأمر بكثير من الجهات إلى التشديد على منسوبيها لمنعهم من متابعة أو تداول الأسهم أثناء الدوام الرسمي حتى لا تتأثر الأعمال المناطة بهم. ومن ذلك خطاب وجهه الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء السعودي، إلى وزير التربية والتعليم في وقت سابق، حذر فيه من تفشي ظاهرة مشاركة بعض المعلمين في تعاملات سوق الأسهم أثناء الدوام الرسمي.

وذكر الأمير عبد العزيز في الخطاب أن تغيب المعلمين عن مدارسهم وانشغالهم في سوق الأسهم في الفترة الصباحية أثناء الدوام الرسمي، «مخالفة شرعية ونظامية، وابتعاد عن أخلاقيات المهنة». كما أنه يعتبر «استحلالا لما يؤخذ من الرواتب عن أوقات الدوام التي لا يعملون (المعلمون) بها، ولا يمارسون فيها واجبات وظيفتهم». وهنا يعترف سعد الغامدي المعلم في إحدى مدارس الرياض بالتسرب الذي يحدث من المدرسين، مشيرا إلى أن معلمين يجلبون معهم للمدارس جهاز كومبيوتر محمول (لاب توب)، مستفيدين من تقنية «الجوال. نت»، لمتابعة آخر تطورات سوق الأسهم السعودية. لكنه أكد أن الذين يخرجون في أوقات حصصهم لمتابعة حركة الأسهم قلة. ويعد العمل على فترتي تداول أمرا قليل الحدوث في الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء، وتترك فترتا التداول آثارا على السوق والمتعاملين فيه وعلى وجه الخصوص كفاءة المعلومات المتاحة فمن أهم الخصائص النوعية لمعلومات أسواق المال ما يعرف بـ «الوقتية» Timeliness ويقصد بها توافر المعلومات لجميع المتعاملين في اللحظة نفسها، لكن تجزئة السوق إلى فترتين يقلل من ذلك بحجة إمكانية استئثار فئة بالمعلومة دون الأخرى. كما أن نظام الفترتين يشعل المضاربات العشوائية، ويلاحظ ذلك من التذبذب الحاد في أسعار الأسهم وقيم المؤشر بين الفترتين. إذ تزيد عادة المضاربة في الفترة المسائية. وهنا يؤكد الدكتور عبد الرحمن بن محمد البراك أستاذ المالية المساعد في جامعة الملك فيصل في الظهران (شرق السعودية)، أن تحديد فترة واحدة للتداول فيها من الفوائد والنتائج الإيجابية الكثير الأمر الذي يؤدي في حال تطبيقه إلى تقليل النتائج السلبية التي تحدث نتيجة تقسيم تداول السوق إلى فترتين. لكنه يقترح أن تكون الفترة بعد خروج الموظفين من أعمالهم في ظل أن أغلب المتداولين هم من تلك الفئة المرتبطة بأعمال أخرى، على أن يتم اقتصارها إلى ثلاث ساعات، معتقدا أنها كافية لانعكاس أية خبر على السهم في ظل محدودية إعداد الشركات والأسهم المتداولة. لكن البراك يربط اقتراحه في الفترة المسائية بأن يكون لفترة زمنية محددة حتى زيادة الوعي الاستثماري لدى المتداولين ومن ثم يمكن إعادته إلى الفترة الصباحية وقصره عليها بعد زيادة الوعي الاستثماري.

ولا يرضي ما ذهب إليه البراك كثيرا من الأفراد المستثمرين في السوق، حيث يؤكدون أن قصر التداول على فترة واحدة يقلل من فرص متابعة السوق، مشيرين إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تسرب الموظفين من أعمالهم أو الإخلال بما يوكل إليهم من مهام في سبيل متابعة حركة مؤشر السوق.

وتوضح دراسة نشرت مؤخرا قام بها فريق بحثي متخصص من جامعة القصيم برئاسة الدكتور عبد الله بن علي الخريجي رئيس قسم الرياضيات في كلية العلوم في الجامعة أن السعوديين يهدرون 844562 ساعة يوميا لارتياد صالات البنوك ومتابعة سوق الأسهم ‏السعودية. وخلصت الدراسة إلى أن الموظفين يشكلون السواد الأعظم من المتعاملين وأن 47.7 في المائة من إجمالي الموظفين يعتمدون على الفترة الصباحية لاتخاذ القرار الاستثماري.

أمام ذلك يبيّن خالد العبد الكريم وهو موظف في إحدى الإدارات الحكومية في العاصمة الرياض، انه وزملاءه لا يجدون مناصا من متابعة سوق الأسهم السعودية في فترته الصباحية، كي لا تفوتهم فرصة بيع أو شراء أي من الأسهم المتداولة، بل أنه زاد وأشار إلى أنهم يتبادلون التوصيات عبر رسائل الجوّال، بقصد تعظيم مداخيلهم للوفاء بالتزامات أسرهم.

لكن الدكتور خليل الكردي وهو خبير مالي وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي الأعلى يؤيد وبشدة العمل بفترة واحدة، مشيرا إلى أن تواصل السوق في فترة واحدة أفضل من حيث دمج وتوحيد العمليات التي تحدث فيه، موضحا أن التداول ثم التوقف لانتهاء الفترة الصباحية ثم العودة مرة أخرى للفترة المسائية قد يؤدي إلى «الارتجالية» وتذبذب الأسعار التي كان بالإمكان تفاديها بالاستمرارية في فترة واحدة.

ويسوق الكردي اقتراحا بأن يكون التداول أطول ويمتد لسبع ساعات متواصلة يوميا، مبررا ما ذهب إليه من أن تلك الفترة ستسمح بإعطاء وقت لمتخذ القرار الاستثماري من دراسته قبل الإقبال عليه إضافة إلى إمكانية فتح المجال أمام أعداد كبيرة للتداول، لاسيما أن السوق يزداد عمقا بدخول شركات جديدة يتوقع أن يكون لها أثر كبير عليه.

يذكر أنه يتم حاليا تداول أسهم 81 شركة في السوق، وانتهى قبل أسابيع الاكتتاب في شركتين هما «إعمار المدينة الاقتصادية والبحر الأحمر»، فيما تشهد البنوك حاليا اكتتاب شركة «سبكيم» المتخصصة في المواد البتروكيماوية، وسينطلق خلال شهر رمضان الاكتتاب في شركة فواز عبد العزيز الحكير. ويتوقع أن يصل عدد الشركات المساهمة إلى نحو المائة خلال الفترة المتبقية من العام الجاري أو مطلع العام المقبل على أبعد تقدير. حيث تتنظر السوق انتهاء متطلبات الطرح للاكتتاب لأكثر من شركة من بينها: كيان السعودية، معادن، جبل عمر، بنك الإثمار إضافة إلى 13 شركة متخصصة في التأمين.

من جانبه يرى، خالد المقيرن عضو مجلس إدارة بنك البلاد ـ البنك الأحدث المحلي في السوق السعودية ـ أنه على الرغم من وجود 5 أيام تداول في الأسبوع إلا أنها تعتبر في الأصل 10 أيام إذا ما احتسبت كل فترة تداول مستقلة بحد ذاتها. ويسترسل المقيرن الذي هو أيضا عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض ورئيس لجنة الأوراق المالية فيها، أن تطبيق فترة واحدة للتداول يمنح المتداولين فرصة لالتقاط الأنفاس، بدلا من الوقوع تحت ضغط متابعة السوق وأخبار الشركات بشكل أطول يوميا يمتد من الصباح وحتى إغلاق التداول في الفترة المسائية، مفيدا أن اختزال التداول يمنح المتداولين وأجهزة الرقابة وقتا كافيا لمراجعة العمليات التي تمت.

وزاد المقيرن على ذلك بأن التوجه الجديد سيؤدي إلى تقليل المصاريف التي تتكبدها البنوك بفتح صالات التداول فيها لمدة أطول من خلال المبالغ التي تدفعها لتوفير الكهرباء، والاتصالات، والموظفين وغيرها، متطرقا إلى أن معظم أسواق دول العالم تطبق فترة واحدة بل أن دولا تحولت إلى أكثر من فترة ثم عادت مرة أخرى لتطبيق فترة زمنية واحدة.

ويضيف عضو مجلس إدارة بنك البلاد أن تقليص فترة التداول لها أبعاد اجتماعية أيضا من خلال إعطاء المتداول فترة أطول للتواصل مع أسرته وبالتالي مع مجتمعه. وهنا يلتقط الدكتور عبد الله بن محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع المشارك في جامعة الملك سعود في الرياض، أطراف الحديث ليبيّن أن عوامل التشتت الأسري في المجتمع السعودي متعددة زادت نسبتها بعد طفرة الأسهم، مشيرا إلى أن غياب رب الأسرة عنها لسحبه من خلال ارتباطه بفترتي تداول أدى إلى ضعف الرقابة الأسرية وانحسار العلاقة داخلها.

وذكر الفوزان أن الأسرة التي تعتبر القلب النابض للمجتمع إذا ما صلحت فسيصلح المجتمع، موضحا أن أي اختزال للوقت سيكون نتيجته لملمة الأسرة بحيث تنتفع من وقت ربانها وبالتالي ستكون تأثيراته الإيجابية ملموسة من حيث إشباعها عاطفيا سواء للأبناء أو للزوجة، متوقعا أن يؤدي ذلك إلى تقليل معدلات الجريمة.

ويسترسل أستاذ علم الاجتماع أنه متى ما كان هناك توفير للوقت للأب فسيكون هناك تواصل للأسرة مع أقربائها وأصدقائها وجيرانها، ومن ثم ازدهار للعلاقات الاجتماعية. لكن الفوزان ألمح إلى أن قصر تداول الأسهم على فترة صباحية قد يؤدي إلى تقليل فرص زيادة مداخيل الأسرة، مبديا خوفه من أن يكون لذلك انعكاس سلبي عليها، ومشيرا إلى أن ازدهار الأسهم نتج عنه إنعاش الأسر من الناحية الاقتصادية في ظل غلاء المعيشة وزيادة متطلبات الحياة.

من جانبه، يرى الدكتور أبو بكر باقادر أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، أن الولع بالأسهم كبير جدا ومتسع بعد أن اتجهت له شرائح مختلفة من المجتمع. وأشار إلى أن تقليص التداول إلى فترة واحدة قد يمنح المتداولين «فسحة» لشغلها بأخرى سواء بالتواصل العائلي أو مزاولة نشاط تجاري أو حتى ممارسة الرياضة. ونبه إلى أن أغلب أحاديث الناس في الفترة الأخيرة تتركز حول سوق الأسهم وما يحدث فيه، إذ يتبادل المجتمعون التوصيات حول الشركات التي يتوقع لها أن ترتفع، متخوفا من إمكانية أن تؤدي تلك إلى مشاكل بين الأقارب والأصدقاء والمعارف في حال لم تصدق تلك التوقعات وأدت إلى خسائر لمتبعها. لكنه في المقام الأخر، يبيّن أن صالات تداول الأسهم أصبحت مدعاة للتواصل فغدا الأصدقاء يتقابلون في تلك الصالات.