حذار.. من النساء

صورة المرأة اليابانية الخجولة في الكيمونو.. تتلاشى أمام نساء يحصلن على أعلى الأجور ولا يردن الزواج من ياباني

TT

مشغولات اليابانيات كثيرا بأعمالهن وتعليمهن لدرجة ان معدلات زواجهن انخفضت، كما أن سن الزواج لديهن ارتفع ليصل في المتوسط الى الثلاثينات من العمر، لكن حتى اذا تزوجت اليابانيات، فإن الكثير منهن يتزوجن من رجال أصغر سنا، والكثير منهن ايضا يفضلن الزواج من رجال أوروبيين أو أميركيين. ولهذا انخفضت معدلات الخصوبة في اليابان، وترتب عليها ارتفاع عدد الكلاب على عدد الأطفال في بلد بدأ يشيخ ويشعر بالقلق من جراء هذا.

فماذا حدث للمرأة اليابانية التي كان يضرب بها المثال كنموذج للمرأة الشرقية التي تقدم الرجل عليها، وتؤخر نفسها من أجل العائلة والاطفال؟ خلال النصف قرن الماضي اقامت اليابان انجح المجتمعات الصناعية في العالم اعتمادا على تقاليد أخلاقية شرقية صارمة، تفصل فصلا حاسما بين دور الرجل والمرأة ومكانة كل منهما. فقد كان دور المرأة هو المنزل ورعاية الأطفال، فيما دور الرجل هو العمل بالخارج، وجمع المال. لكن هذه الصيغة التقليدية بدأ الجيل الجديد من ملايين الفتيات اليابانيات لفظها، بسبب التعليم العالي والمرتبات الكبيرة. فالاحصاءات الأخيرة توضح أن نسبة النساء اللائي يكملن تعليمهن الجامعي في ارتفاع. ففي عام 2003 بلغت نسبة النساء اللائي انضممن للجامعة 48.3%. وطبقا لدراسة للمعهد الوطني الياباني للاسكان والتأمين الاجتماعي، فإن الاستقلال الاقتصادي ومستويات التعليم العالي والمسؤوليات الاجتماعية الصعبة عقب الزواج تجعل فكرة الزواج غير جذابة بالنسبة للمرأة. وبسبب ذلك فإن 25% اليابانيات بين سن 30 و34 عاما بلا زواج، طبقا لاحصائيات العام الماضي. وبلغ عدد الزيجات التي تم في العام الماضي 713 الفا، وهي رابع سنة على التوالي ينخفض فيها معدل الزيجات في اليابان. وكشفت إحصائية اجريت مؤخرا عن أن ما يتراوح بين 85 و90% من النساء العاملات في العشرينات من اعمارهن غير متزوجات، أما النساء في الثلاثينات من اعمارهن، فأظهرت الدراسات أنهن يمكن ان يتخلين عن العزوبية اذا كان الشريك المحتمل غير تقليدي، ولا يشترط ان تكف المرأة عن العمل. ومنذ نحو عقد من الزمان بدأت النساء اليابانيات في اعتبار الدور التقليدي للزواج «عائقا» فيما يتعلق بموارد الوقت ـ فعليهن تحمل اعباء الاعمال المنزلية بالاضافة الى خسارة وقتهم الحر، طبقا لما ذكره الكاتب تشيزوكو ينو، استاذ علم الاجتماع في جامعة طوكيو. وتقول هيرو شياتا وهي امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها تعمل في شركة ادوية متعددة الجنسيات في اليابان ان الاولوية بالنسبة لها هي عملها: «لست ضد الزواج. ولكنه لم يتوفر لي حتى الآن. ربما سأصبح امرأة عجوزا وحيدة، ولكني لا استطيع الزواج من شخص ليس جيدا وأواجه الكثير من المتاعب. لا اعتقد ان النساء من امثالنا خاسرات». وطبقا لسوميكو اواو مؤلفة كتاب «المرأة اليابانية» فإن العديد من النساء اليابانيات اليوم لم يعدن تنظرن للزواج باعتباره هدفا مهما. وأضافت «اعتقد انهن لا ينوين البقاء عازبات، الا انهن لم يلتقين بنوعية الشخص الذي يردن الزواج منه. ولا يشعرن بالرغبة الحادة في التحول الى ربة بيت. اذا ما عثرت على زوج جيد فهذا امر لطيف، واذا لم تعثر على مثل هذا الزواج فالأمر لطيف ايضا».

وأوضحت ريوكو اشيكاوا وهي طبيبة نفسية «ما هي فوائد الزواج؟ ولم تعد المرأة اليابانية راضية بالاختيار بين الطفل والعمل. بل يردن الاثنين معا. واعتقد ان الأميرة ماساكو سان هي مثال جيد، فقد تعرضت الى ضغوط نفسية شديدة بعدما اضطرت الى ترك عملها الدبلوماسي الناجح لانجاب ولي عهد ذكر للاسرة المالكة. لا اعتقد انها شاذة. اعتقد انها عادية». وتعتقد اشيكاوا ان النساء اللائي تعدين الثلاثين من العمر لا يردن «تكرار اخطاء امهاتهن»، في الاستسلام لدور ربة البيت. ولكنها قالت ان العديد من طموحات مرضاها من النساء لا تحظى بتأييد الازواج، لأن روح التضحية الذاتية القديمة، التي جعلت امهاتهن يبقين في البيت تلاشت وحل محلها نهم للارضاء الذاتي. وقد ادى تردد اليابانيات في الانجاب الى انخفاض معدل الخصوبة الى 1.29 في المائة. كما من المتوقع انخفاض عدد سكان اليابان من 128 مليون نسمة الى مائة مليون نسمة بحلول عام 2050. وأوضحت سوميكو اواو استاذة علم النفس الاجتماعي في معهد «موساشي للتكنولوجيا» في يوكوهاما «اعتقد ان عدد النساء اللائي يردن انجاب اطفال، بدون الزواج، قد زاد. والكلب هو بديل للاطفال. ويوجد في اليابان كلاب اكثر من الأطفال». ولهذا تشيخ اليابان سريعا لأن نساءها الشابات يرفضن الزواج وانجاب الأطفال. ولأن الانجاب لم يعد الهدف الاساسي من الزواج، فإن مفهوم الزواج باعتباره هدفا للمرأة اصبح اقل انتشارا، مما كان عليه في الماضي. ففي عام 1980، بلغت نسبة الرجال الذين لم يتزوجوا بين سن الخامسة والعشرين والتاسعة والعشرين 55.1%، وبالنسبة للنساء 24%. وبحلول عام 2000، زادت هذه النسبة زيادة كبيرة الى 69.3% بالنسبة للرجال و54% بالنسبة للنساء. وقدر تقرير لمعهد الاسكان والتأمين الاجتماعي الياباني ان الفتيات اللائي تقل اعمارهن عن 16 سنة اليوم، ستبقى واحدة من بين سبع فتيات بلا زواج على الاطلاق. ايضا ادى الاستقلال المالي المتزايد للمرأة اليابانية، الى جعل العلاقات مع شباب اصغر اكثر سهولة هذه الايام.. فقد تبين ان الزيجات التي تزيد فيها عمر العروس عن العريس اصبحت تمثل نحو 20% من الزيجات عام 2002، طبقا لاستطلاع لمعهد السكان والتأمين الاجتماعي.

كما يتجلى الدور المتغير للنساء في المجتمع الياباني من خلال أنواع الأعمال التي يشغلوها. ففي 2002 كان ما يقرب من 25.5 مليون من النساء في اليابان يعملن في وظائف مربحة. ومن بين هذا العدد كان 21.6 مليون شخص يعملن في مجالات غير العمل العائلي. وقبل سنوات ستينات القرن الماضي كانت أغلبية النساء العاملات اما عاملات لحسابهن الخاص أو في مشاريع عائلية صغيرة. وفي عام 1960 كانت نسبة النساء العاملات في مشاريع عائلية 43.4% وفي عام 2003 انخفضت الى 15.8%. هذه التغييرات مثيرة للتأمل لأنها حدثت خلال عقود قليلة جدا. فقبل الحرب العالمية الثانية كانت مكانة النساء في المجتمع الياباني متدنية جدا، وكن يتعرضن الى استغلال بشع. وبموجب القانون المدني تعتبر النساء غير كفؤات والسلطة العليا للرجال، اما حقوق الملكية والإرث فتحدها قيود. وعند نهاية الحرب تحول المجتمع الياباني، فبدون عمل نساء اليابان فإن المعجزة الجلية للنمو الاقتصادي لم تكن ممكنة. ومع التحاق ملايين الرجال بالجيش وجدت النساء اليابانيات انفسهن يعملن في مناجم الفحم ومصانع الفولاذ والأسلحة. وقد أدت الحرب الى تغيير البنية الاجتماعية لليابان، وتحقيق قدر من المساواة بين الرجال والنساء. وفي عام 1972 كانت 83.7% من النساء اليابانيات في الثلاثين من العمر يفضلن فكرة ان يعمل الزوج خارج البيت، وأن تعتني الزوجة بالعائلة. غير أن هذه النسبة هبطت عام 2002 بصورة حادة الى 39.9%. وفي عام 2002 زادت نسبة النساء اللواتى يبقين فى سوق العمل بعد الولادة لتصل الى 38%. وتظهر هذه الأرقام بوضوح التغيرات في مواقف النساء اللواتي هن في الثلاثينات من العمر. وفي تقرير نشر عام 2004 اشارت صحيفة «كريستيان ساينز مونيتور»، الى أنه في اليابان المتغيرة حيث النساء يصبحن مستقلات ماليا، فإن كثيرا منهن بدأن البحث عن شركاء غربيين ممن يمكن أن يتعاملوا معهن بصورة اقرب الى المساواة. وتقول ميزوغوتشي البالغة 30 عاما، والتي تعمل في شركة تجارية كبرى «انهم يعاملونك كشخص مساو، ولا يترددون في التعبير عن مشاعر الاحترام المتبادلة. أعتقد أن الرجال الغربيين أكثر مهارة في مثل هذه الأمور من الرجال اليابانيين. انهم لا يتصرفون مع النساء باعتبارهن خادمات وانما كأفراد». ويبدو ان النساء اليابانيات لم يعدن يقلقن من التعبير عن انتقادهن لأزواجهن او للرجال اليابانيين عموما. فزوجة رئيس الوزراء الاسبق ميكي قالت علنا، ان زوجها «نادرا ما يعرف كيفية غسل وجهه بصورة صحيحة». وقبل خمسين عاما كانت مثل هذه التصريحات غير واردة. وتظهر حقيقة حديث النساء عن أزواجهن بهذه الطريقة انهم لم يعدن يعتبرن انفسهم مجرد مخلوقات خانعة. لقد ساد لديهن شعور قوي بالمساواة، ان لم يكن التفوق. والنساء اليابانيات وفقا لايو او، أستاذة علم النفس في طوكيو، «هن على خلاف صورة الاستعباد، التي يبدو أن الغرب يرسمونها لهن». فلديهن حرية أكبر من الرجال اليابانيين، ممن هم مجرد عمال مثل ذكور النحل. ولدى النساء مزيد من الوقت للأصدقاء والعائلة والاهتمامات الشخصية، كما أنهن يتحكمن بالأمور المالية للعائلة. وعلى الرغم من أن المفهوم التقليدي لأدوار الرجال والنساء ما يزال قائما في أذهان اليابانيين، فإن معدل أولئك الذين يتفقون مع الفكرة التقليدية يشهد انخفاضا. ففي عام 1995 اتفقت 22.3% من النساء مع فكرة أن «الرجل للعمل والمرأة للبقاء في البيت»، بينما لم يتفق 53.9% مع ذلك. ويمكن أن يعزى التغير في نمط حياة النساء في اليابان بصورة أساسية الى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ولكن عاملا أساسيا آخر يكمن في تحقيق المساواة القانونية بين الجنسين، فقد أقرت حكومة رئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي عام 2005 خطة المساواة بين الجنسين تهدف الى منح مزيد من النساء مواقع قيادية. وقد ادى هذا ثماره، فعلى الصعيد السياسي شهدت انتخابات عام 2005 أعلى نسبة لمشاركة النساء حيث انتخبت 43 امرأة في المجلس الأدنى للبرلمان، وهو تقدم بالمقارنة مع انتخاب 34 عضوا عام 2003. وفي عام 2003 شغلت النساء اليابانيات 8.26% من المقاعد في الحكومة. وفي عام 2004 ضم مجلس النواب 34 امرأة (7% من المجموع الكلي)، ومجلس المستشارين 33 امرأة (13.6%).

* لماذا تتزوجين رجلا أصغر منك؟

* اليابانيات لا يبدو عليهن الكبر بسرعة، لأنهن يأكلن طعاما يغلب عليه السمك والخضراوات والفواكة، كما أن الشاي الأخضر يزيد من قدرتهن على أن يبدون أصغر سنا. وهذا بحد ذاته يسهل زواج اليابانيات من رجال أصغر منهن. وطبقا لاحصاءات المعهد الوطني للسكان والتأمين الاجتماعي، فإن الزيجات التي تكبر فيها العروس عن العريس كانت تمثل ثلث كل الزيجات عام 2002 بعد أن كانت العدد أقل من 18 في المائة عام 1987. وأصبحت النساء ينتظرن فترة أطول للزواج اذ قفز متوسط عمر الزواج الاول الى 8.29 عام في 2005 بعد أن كان 9.25 عام في 1992 في حين أن نسبة النساء غير المتزوجات وأعمارهن في أوائل الثلاثينات ارتفع الى 32 في المائة بعد أن كان 14 في المائة عام 1990. وادى الاستقلال المالي المتزايد للمرأة اليابانية لجعل العلاقات مع شباب اصغر ا كثر سهولة هذه الايام في بلاد تعتمد فيها النساء تقليديا على الرجل اقتصاديا. وتقول كاوري هايشي البالغة من العمر 40 سنة ومتزوجة من رجل في الرابعة والثلاثين من عمره وألفت كتابين حول موضوع العلاقات الزوجية: «كان الزواج في الماضي للأبد. اما الآن فالاهتمام هو الحصول على شريك يمكنك قضاء بقية العمر معه». وذكرت شركة دايسوكي اينو لحسن النوايا، وهي شركة للتوفيق بين الرجال والنساء من خلال تنظيم الحفلات بين الجنسين أن نحو نصف زبائن الشركة من النساء في الثلاثينات من العمر يطلبن مقابلة رجال أصغر، وأن العدد سيزيد غالبا. ولكن الحياة ليست وردية تماما بالنسبة للنساء اللاتي يتزوجن من رجال يصغرهن سنا. فقد وجد كاوري وياسوشي أن المصرفيين المحافظين كانوا ينظرون لهما شزرا عندما كانا يطلبان قرضا لشراء مسكن. قالت «لم يقرضونا المال لأن العرف من وجهة نظرهم أن يكون الرجل أكبر والمرأة أصغر وأن مكان المرأة المنزل». وتابعت «في هذه الحالات كانوا ينظرون الى دخل الزوج». ويرى تاكاشي تسوكودا ميزة لزواج نساء من رجال أصغر سنا وهو قلة احتمال ترملهن. وقال «فرق متوسط الأعمار بين الرجال والنساء سبع سنوات.. لذلك فيمكننا الموت معا». لم يعد متوقعا من اليابانيات ترك العمل لدى الزواج. وفي حين أن أوضاعهن ما زالت متأخرة عن نظيراتهن في الكثير من الدول المتقدمة، فإن قانون فرص التشغيل المتساوية لعام 1986 أزال الكثير من المعوقات الرسمية التي تحول دون نجاحهن في الحياة العملية.