حمى قبل الأوان

الأحزاب السياسية فى المغرب نحو 40 .. أقواها الإسلاميون ونسبة المغاربة المسجلين فى أحزاب 2% فقط

TT

تقترب الانتخابات في المغرب وتبدو علاماتها واضحة على الصفحات الأولى للصحف. فقبل فترة هاجم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، محمد اليازغي (يسار حكومي) حزب العدالة والتنمية الاصولي المعارض، ووصفه بأنه يتحمل المسؤولية المعنوية في انتشار ظاهرة التطرف في البلاد، مشيرا الى ان المغرب مستهدف من طرف «الشبكات الإرهابية والحركات الظلامية». هجوم اليازغي على «العدالة والتنمية» ينظر إليه البعض أنه يأتي في سياق اقتراب موعد انتخابات عام 2007. ورغم أن يوم الاقتراع تفصلنا عنه أشهر، فإن عملية الإحماء الانتخابي انطلقت قبل أوانها متميزة بالهجمات القوية والملاسنات المتبادلة، والتي عادة ما تكون بين اليسار، بزعامة الاتحاد الاشتراكي، وبين الإسلاميين، بزعامة «العدالة والتنمية»، الذي يعتبر اليوم القوة المعارضة الأولى في البرلمان المغربي، على الرغم من أنه لا يمارس معارضة ملموسة ويكتفي بقضاء حوائجه عبر تركها.

ويقول عبد الإله بن كيران، القيادي في حزب «العدالة والتنمية» لـ«الشرق الأوسط»، إنه من المسيء للغاية أن يعود البعض إلى اتهام حزب العدالة والتنمية بمثل هذه الاتهامات. ويعتبر بن كيران أن اليازغي، وليس حزب الاتحاد الاشتراكي، تم استقطابه من لدن جهات استئصالية، وأنه «يسيء إلى نفسه وحزبه غاية الإساءة». ويشير بن كيران إلى أن حزبه سيستعد لانتخابات 2007 بطريقة عادية، وأن «المغاربة هم الذين يقررون ويختارون»، مضيفا أنه لا يوجد «أي شيء» بين الحزب والدولة، من قبيل ضغوط رسمية لكي يخفض الحزب سقف مشاركته في الانتخابات «تجنبا لاكتساح انتخابي». ويبدو حزب العدالة والتنمية اليوم، الأوفر حظا لكي يجمع غنائم الانتخابات المقبلة بعدما رشحته استطلاعات للرأي لذلك. ويقول استطلاع أجراه معهد أميركي مختص إن هذا الحزب سيفوز بأزيد من 47 في المائة من أصوات الناخبين خلال انتخابات العام المقبل، وهي نسبة كفيلة بزرع الرعب في قلوب منافسيه، في الوقت الذي، يضيف فيه الاستطلاع، أن أقوى حزبين تقليديين في البلاد، هما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، لن يحصلا سوى على المرتبتين الثانية بنسبة 19 في المائة، والمرتبة الثالثة بنسبة 16 في المائة.

بيد أن المثير هو أنه في الوقت الذي تعمد فيه أغلب الأحزاب السياسية في البلاد إلى تضخيم نفسها عبر إحصاءات مختلقة أحيانا، تعطيها حجما أكبر من حجمها الطبيعي، فإن حزب العدالة والتنمية يكون من الأوائل الذين يسارعون إلى تكذيب التكهنات التي تفيد فوزه في انتخابات 2007، في محاولة لعدم إرباك الساحة السياسية المغربية وللتخفيف من مخاوف خصومه من اكتساح انتخابي مفترض. ويشكل حزب العدالة والتنمية جزءا من فسيفساء سياسية إسلامية تبدأ من أقصى اليمين مع مجموعات صغيرة راديكالية مثل ما يطلق عليه اسم تيار «السلفية الجهادية»، الذي لا يؤمن بأية مشاركة سياسية، واتهم بتدبير تفجيرات 16 مايو (أيار) 2003، أو جماعة «العدل والإحسان» التي ينظر إليها كونها أكبر جماعة إسلامية في البلاد، غير معترف بها، والتي تحظى بتسامح نسبي من قبل السلطات، إلا أن مراحل شد وجذب تسود تعاملها مع الحكومة، حيث شهدت الشهور الأخيرة مرحلة توتر ملحوظ مع السلطات بعد أن بدأت الجماعة تطبيق برنامج «الأبواب المفتوحة»، الذي يهدف إلى التعريف بنشاطها واستقطاب أنصار جدد. ثم هناك ما يوصف بتيار «اليسار الإسلامي» مثل «البديل الحضاري»، الذي دخل ساحة العمل القانوني منذ بضعة أشهر، ويطمح إلى الخروج من مجال النخبوية إلى مجال العمل الشعبي والالتحام بالشارع.

غير أن «العدل والإحسان» لن تدخل غمار الانتخابات المقبلة كما لم يسبق لها الدخول في غمار أية انتخابات سابقة، وهي بذلك تترك الساحة فارغة لحزب «العدالة والتنمية» الذي سيجد نفسه من جديد يحتكر الأصوات المتعاطفة مع التيار الإسلامي، ويفرض نفسه على اعتبار أنه «القوة الإسلامية» السياسية الأولى في البلاد. ويقول فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة «لن تدخل لعبة فاسدة من أجل تزكيتها»، وأن ما يتحدث عنه البعض حول منح أنصار الجماعة أصواتهم لحزب العدالة والتنمية لا أساس له من الصحة، وأنه «من غير الممكن أن يدلي أنصار الجماعة بأصواتهم لهذه الفئة أو تلك»، مشيرا إلى أنه «ليست الأصوات التي تنجح طرفا معينا. وحتى لو نجح حزب العدالة والتنمية فإنه سيتم توريطه في واقع نعرفه جيدا». وقال أرسلان: «الانتخابات المغربية، سواء بالأسلوب الذي تجري به أو السياق الذي يحكمها، هي مثل الدستور الذي ينظمها، انتخابات ممنوحة، ولا تفرز أغلبية لتحكم، بل تبرز موظفين جددا لدى من يحكمون بالفعل». ويضيف «موقفنا من الانتخابات ينسجم مع موقف أغلبية الشعب الذي يقاطع هذه المهازل وانقطعت ثقته بها رغم كل الوعود البراقة التي يحاولون ويعاودون تلميعها في كل مناسبة انتخابية». ويعتبر أرسلان انتخابات تجديد ثلث مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، التي جرت أخيرا دليلا على شراء الذمم، وأن المال كان هو السائد ويحظى بالأولوية في الانتخابات، مشيرا إلى أن «مأدبة الانتخابات غير مغرية إطلاقا، ولن تساهم سوى في تكريس واقع السيرك، حسب تعبير الملك الراحل الحسن الثاني»، وأن «الشعب لم يعد له استعداد للمزيد من هذا الوضع». وتنظر غالبية المغاربة إلى الأحزاب السياسية عموما بخليط من اللامبالاة والانتقاد والسخط احيانا. لكن يبدو أن لا أحد أصبح ينظر إليها بإعجاب. فالأحزاب في المغرب صارت جزءا من المشكلة بعد أن كانت جزءا من الحل. هذا ما يجمع عليه الكثير من المغاربة، بل ويوافق عليه أيضا زعماء أحزاب لا يتورعون عن ممارسة النقد الذاتي بين الفينة والأخرى في محاولة لتنقية ذواتهم الحزبية من الشوائب التي زادت عن اللزوم.

ولا يتجاوز عدد المغاربة المنخرطين في الأحزاب نسبة 2 في المائة، وهي نسبة مثيرة للاستغراب في بلد تناسلت فيه الاحزاب السياسية مثل الفطر، وتجاوز عددها الاربعين، بل إن تشكيل حزب سياسي في المغرب أصبح أسهل أحيانا من تشكيل جمعية لبيع الحليب المجفف. وعلى بعد سنة واحدة فقط من الانتخابات التشريعية المقبلة، التي يرى الكثيرون أنها ستكون حاسمة في رسم خريطة سياسية جديدة في البلاد، فإن الأحزاب بدأت منذ مدة في رسم خرائط طرقها التي ستوصلها إلى سدة الحكم، أو الى مقاعد البرلمان، وفي أقل الأحوال تجنبها خسائر مفجعة ترمي بها خارج قبة البرلمان. وعلى الجانب الآخر، يتصدر حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال المشهد الحزبي التقليدي، وهما الحزبان اللذان احتكرا ساحة المعارضة في البلاد لفترة طويلة، خصوصا الاتحاد الاشتراكي، الذي يجر خلفه رصيدا كبيرا من العمل السياسي، وتعرض مناضلوه للكثير من التنكيل فيما نفي آخرون، قبل أن تدب إليه أمراض الشيخوخة الحزبية، ويعرف بدوره ما تعرفه باقي الأحزاب من أمراض الانشقاقات، وهو ما فاقمه دخوله الحكومة خلال العقد الأخير بزعامة أحد قيادييه التاريخيين، عبد الرحمن اليوسفي، الذي خرج من الحكومة والحزب ونأى بعيدا عن السياسة مكتفيا بالتأمل.

غير أن إدريس لشكر، رئيس الفريق النيابي لحزب الاتحاد الاشتراكي يرى أن الحزب لا يزال في أوج قوته وشبابه. ويقول إن استطلاعات الرأي كلها تدل على أنه لا يزال يحظى بثقة الناس.

ويضيف لشكر «نحن حزب كان دوما متميزا بموقعه في المعارضة بطريقة إعداده للحملة الانتخابية سواء عبر الشارات أو البرامج، ولدينا ثقافة اسمها ثقافة إدارة الحملات الانتخابية لأننا نرى فيها آلية من آليات التواصل مع المواطنين، وتطوير الديمقراطية، وتدخل في صلب استراتيجية النضال الديمقراطي، وكنا نرى دائما أنه يجب الإعداد للانتخابات بشكل جيد للاتصال بالناس العاديين حتى في سنوات الجمر».

وحول مدى تأثير دخول الحزب إلى الحكومة وتأثير ذلك على شعبيته، يقول لشكر، إن فترة المشاركة أكسبت الحزب احترافية أكثر في التواصل مع الناس وتدبير الاجتماعات العمومية في المنازل والمقار الحزبية، مما جعل الاتحاد الاشتراكي، حسب لشكر، أول حزب عقد أكبر عدد من الاجتماعات العمومية، مضيفا أن حزب «العدالة والتنمية» استفاد من اسلوب الاتحاد الاشتراكي في هذا المجال، لأنه حزب حديث النشأة واستفاد من تجارب غيره، وهو في طريق اكتشاف هذه الطرق التنظيمية الجماهيرية.

ويعترض لشكر على تلك الأرقام التي نشرتها معاهد أجنبية حول إمكانية فوز «العدالة والتنمية» بحوالي 47 في المائة من الأصوات، متبوعا بالاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال. ويقول «نحن نثمن نتائج استطلاعات الرأي التي تكون مفيدة في غالب الأحيان، لكن كان هناك خطأ غريب في هذه الاستطلاعات. فكل الأسئلة التي كانت تتوجه إلى المستجوبين كانت تعطي الصدارة للاتحاد الاشتراكي، لكن أصحاب استطلاع الرأي عادوا إلى العينة التي بقيت مترددة ولم تقرر بعد، وأرغموها على حسم اختيارها وكيف سيكون قرارها في حالة حسمت اختيارها. من هنا جاءت نتائج استطلاع الرأي على تلك الطريقة التي لا تعكس الحقيقة»، يقول لشكر. وبين حزب العدالة والتنمية الذي يطمح إلى تولي حكومة المغرب بعد انتخابات 2007، أو الاتحاد الاشتراكي الذي يريد أن يحافظ على مهابته كحزب قوي، أو حزب الاستقلال الذي لا يبدو أنه يقبل أن يكون متقهقرا، أو تحالف الحركات الشعبية التي تتآلف وتتنافر باستمرار حسب الظروف، فإن هناك أحزابا سياسية صغيرة لا يكاد يسمع بها أحد، ويقفز اسمها إلى الساحة مع قرب موعد الانتخابات. وقبل بضعة أشهر سار العشرات من أنصار الحزب العمالي، وهو حزب صغير، حديث النشأة، ونزعوا أحذيتهم في الشارع العام، وساروا حفاة احتجاجا على القانون الانتخابي، وهي وسيلة تبرز أن الأحزاب الصغيرة في المغرب التي لا يسمع صوتها تكون بحاجة إلى سلك طرق غريبة ومثيرة لإسماع صوتها. لكن بمجرد أن عاد أنصار «العمالي» المغربي إلى ارتداء أحذيتهم حتى صاروا مثل غيرهم من انصار الاحزاب الصغيرة الاخرى، يلفهم النسيان.

ويبدو ان الانطباع السائد في المغرب هو أن الأحزاب الصغيرة لم يعد لها وجود فعلي على الساحة السياسية في البلاد، ووجودها في الانتخابات يقتصر على تأثيث المشهد الانتخابي أو منح التزكية لأشخاص يأتون في آخر لحظة بحثا عن إطار حزبي. وهناك أحزاب صغيرة لا يكاد يسمع لها صوت سوى في الانتخابات مثل حزب العمل أو حزب اتحاد الحريات أو حزب القوات المواطنة أو حزب التجديد والإنصاف، أو غيرها من الأحزاب التي لا يروقها أن توصف كونها مجرد دكاكين انتخابية تفتح أبوابها قبل الانتخابات وتقفلها ليلة الاقتراع. وترى أغلب الأحزاب الصغيرة أن القانون الانتخابي، الذي توافقت على قبوله الغالبية الحكومية التي تضم أحزابا قوية، يحرمها من حقها في الحصول على نصيبها من الكعكة الانتخابية. وفي الوقت الذي توجد فيه تخمة في المجال الحزبي المغربي، حيث يتوقع أن يشارك أزيد من 30 حزبا في الانتخابات التشريعية المقبلة، بما فيها أحزاب تشارك لأول مرة على الرغم من وجودها لوقت طويل في الساحة السياسية مثل حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المعارض من خارج البرلمان، فإن المستقبل سيفرز بالتأكيد المزيد من الأحزاب الجديدة أو التي ستنشق عنها، والتي ستزيد من غموض وتلوينات المشهد السياسي في البلاد.