بوتين: قبضة حديدية في قفاز من حرير 

عاش طفولة متواضعة.. ومن ظل الاستخبارات خرج بلا سابق إنذار سيدا للكرملين

TT

يميل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الغموض والصمت. فسنوات عديدة من حياته قضاها في الاستخبارات الروسية، يعمل من وراء الستار في السنوات الحاسمة، التي سبقت سقوط الاتحاد السوفياتي السابق. لكن ان كانت هناك قضية تخرج بوتين من صمته فهي القومية الروسية، فالرجل قومي يريد استعادة امجاد الامبراطورية التي كانت، وهو أثبت عمليا، من خلال تجربة الشيشان، انه سيواصل نهجه في اتخاذ «اي اجراء ضروري، من اجل تنفيذ مصالح روسيا العليا». لكن نهج بوتين وصف مرارا بانه يتنافي مع حقوق الانسان والحريات العامة، وهو، في هذا الصدد، له منتقدون داخل روسيا مثلما له منتقدون خارجها. لكن بوتين لا ينقصه حس التمتع بالحياة، على الرغم من كل المشاكل والانتقادات، فمن المعروف عنه انه من بين اكثر الشخصيات على المسرح العالمي حبا لمظاهر الحياة، ولا يخلو الكرملين من حفلات كبيرة بين الحين والاخر. وبسبب ذوق بوتين وحرصه على اناقة لافتة، ليس من الغريب ان يقتني ساعة «فيليب باتيك» قيمتها 60 ألف دولار (مقارنة بالرئيس الأميركي جورج بوش الذي يقتني «تايميكس» قيمتها 50 دولارا). وهذا ما يتناقض مع طفولته المتواضعة. ولد بوتين في لينينغراد (سانت بيترسبورغ الآن) مهد ثورة اكتوبر1917 في عام 1952. واختار له ابوه فلاديمير اسم فلاديمير ايضا، ربما تيمنا بزعيم ثورة اكتوبر البلشفية، فيما ساقه القدر للدراسة في كلية الحقوق بجامعة المدينة، في نفس الكلية التي درس بها لينين، وتخرج بوتين عام 1975. لا يعرف الكثير عن طفولته، لكن المعلوم انه ولد في عائلة تعاني من شظف العيش في أفقر أحياء المدينة.

تعمد بوتين ممارسة الجودو، وهي رياضة للدفاع عن النفس، تعويضا عن قامة قصيرة وجسد نحيف، واعرب عن اهتمام بالعمل في جهاز المخابرات منذ سني الدراسة. ذهب الى الاستخبارات ولم يكن قد انهى دراسته المتوسطة متأثرا بافلام المجد والروايات البوليسية. لم يقبلوه وإن تابعوه، ليلتقطوه في الوقت المناسب مع آخر سنوات دراسته في كلية الحقوق، لينضم رسميا الى جهاز كي جي بي في عام 1975 تحت اسم الملازم بلاتوف، الاسم الحركي الذي اختاروه له. وتمضي السنون لتحمله مع اولى سنوات البيريسترويكا الى مدينة درزدن الالمانية الشرقية (حيث اتقن الالمانية) ليعايش على البعد مرارة تقلبات وهموم الوطن ابان سنوات البيريسترويكا. وحين سقط جدار برلين وهاجمت الجماهير الثائرة مبنى المخابرات السوفياتية، الذي عمل تحت سقف السفارة لم يجد من يلوذ اليه. كانوا في موسكو غارقين في تصفية حسابات رفاق الامس. تابع معركة ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين وكشف عن صلابة وحسن تصرف مع الجماهير الهادرة.

عاد بوتين الى روسيا يبتغي هدوء العيش في كنف جامعته الام، نائبا لرئيس الجامعة للعلاقات الخارجية، ثم ترأس من يوليو (تموز) 1989 إلى أغسطس (اب) 1999 جهاز «اف اس بي»، الذي قام على أكتاف كيه جي بي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لكن القدر ساق اليه سوبتشاك استاذه في كلية الحقوق، وكان قد فاز بمنصب عمدة المدينة، استنادا الى شعبية جارفة. ففي أغسطس 1999 لمع نجم بوتين بلا سابق إنذار عندما عينه الرئيس بوريس يلتسين رئيسا لوزراء روسيا الفيدرالية. وقبيل استقالة يلتسين في 31 ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام عين بوتين نائبا ثانيا (بالوكالة) للرئيس، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في 26 مارس (اذار) 2000، التي فاز بها بوتين من الجولة الأولى. وقد تزامنت بداية ولايته رئيسا للوزراء في أغسطس 1999 مع تجدد الأزمة في شمال القوقاز، عندما غزا المقاتلون الشيشان داغستان المجاورة لجمهوريتهم. وبعد توليه الرئاسة بالوكالة، شوهد على شاشات التلفزيون وهو يقدم، أثناء زيارة له الى الجنود الروس في الجمهورية المسلمة، خناجر صيد لبعضهم، في إشارة رمزية الى التحدي الروسي.

جاء الى السلطة رئيسا للحكومة، ولم يكن اسلافه كيرينكو وبريماكوف وستيباشين قد طال امد بقائهم في هذا المنصب اكثر من ثمانية اشهر ونصف الشهر لافضلهم حظا، وكان يفجيني بريماكوف، الذي شاءت الاقدار ان يكون اقربهم الى عقله وقلبه. ولذا لم يكن يحلم، وباعترافه، باكثر من عام على اكثر تقدير. وحين استدعاه يلتسين مع آخر ايام ديسمبر 1999، ولم يكن قد مضى على تقلده لرئاسة الحكومة اكثر من اربعة اشهر، ساورته الهواجس.

«بوريس نيكولايفيتش، ان وجودكم امر بالغ الاهمية للدولة والمجتمع معا. لقد صرتم عامل استقرار وصار وجودكم ضروريا لتحقيق التوازن في الساحة السياسية». قالها حين خاطبه الرئيس في امر الخلافة. ولم يكن ذلك صحيحا، فلم يكن يلتسين و«العائلة» دافعا للاستقرار، ولم تكن روسيا لتعرف للاستقرار طعما، الا بعد رحيل يلتسين واندثار شمل «العائلة» بعد ان حامت حول الكثير من اعضائها غيوم الاتهامات بالفساد والافساد واستضافت السجون من استضافت، فيما تولت اسرائيل وبريطانيا ايواء الكثيرين ممن بقي، من امثال جوسينسكي اول رئيس للمؤتمر اليهودى وبوريس بيريزوفسكي، الذي يواصل من منفاه في بريطانيا محاولات الاطاحة بمن ساهم في تنصيبه قيصرا للكرملين. جاء بوتين للسلطة ولم تكن السلطة تعمل. تنفس الكثيرون الصعداء قائلين: ها نحن يصير لدينا رئيس يذهب الى مقر عمله مع كل صباح، في اشارة ساخرة الى يلتسين، الذي لم يكن يتردد على مكتبه الا لماما، بسبب مرضه وادمانه على الكحول، ما كان تفسيرا لما افتقده الكرملين من هيبة، بعد ان تناثر وقاره مع فوضى التسعينات وما شهدته من فساد وافساد وسرقات قننتها قوانين الخصخصة وشرعتها مافيا الجريمة المنظمة، بعد تزاوج غير مألوف نجم عنه تسلل رموزها الى النسق الاعلى للسلطتين التنفيذية والتشريعية. القضية الاولى التي أولاها بوتين الاهتمام هي الشيشان. لم يتحرج في استخدام الكلمات القاسية. قال «سأتعقبهم حتى المراحيض» و«لا تفريط في شبر واحد.. من كوريل الى الشيشان». استخدم بوتين في الشيشان كل الاساليب، من اجل القضاء على المقاتلين الشيشان وانهاء حركتهم، مما دفع الكثير من منظمات حقوق الانسان في العالم الى انتقاد نهجه. لكن في النهاية لم تجد الحركة الشيشانية اي منفذ بعد مقتل قادتها الواحد تلو الاخر. وكان هذا بالرغم من تكلفته الانسانية يعده أنصاره نجاحا يحسب لبوتين، فإيقاف الحرب في الشيشان كان اولوية قصوى بالنسبة لروسيا.

وتدريجيا تخلص بوتين من وصاية الحرس القديم، اصطدم برموزه وكشر عن انيابه، حين حاول يلتسين انتقاد قرار العودة الى موسيقى النشيد القومي السوفياتية قالها حاسمة، «ليلتسين رأيه ولي رأيي»، ونفذ ما اراده. وبخلاف سلفه يلتسين، لم يكن بوتين حريصا على محو الماضي السوفياتي من أذهان الروس، وقد أعلن قناعته بأن الأنظمة الشيوعية، بغض النظر عن جرائمها، جزء مهم من التاريخ الروسي وأدت دورا حيويا في تشكيل المجتمع الروسي الحديث. ونتيجة لذلك استعادت البلاد عددا من الرموز السوفياتية القديمة، مثل علم الجيش ذي اللون الأحمر والنجمة السوفياتية والنشيد الوطني السوفياتي (وإن كان بقدر من التعديل في كلماته). وفي 25 أبريل (نيسان) 2005 أثار بوتين موجة من الامتعاض في الغرب وبعض الدول المجاورة حين أعلن ان سقوط الاتحاد السوفياتي «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين».

معركته خاضها بمنطق رجل أمن محترف. جاء بذويه من ابناء مدينته الأم ومن جهاز امن الدولة، ولم يكن قد تأثر كثيرا بما كانت تموج به الساحة من فوضى وفساد بفضل حنكة رئيسه آنذاك، يفجيني بريماكوف. وجد في رفاق الامس العون والتأييد. خاض الحرب في سبيل استعادة وحدة اراضي الدولة، استعاد ما ابتلعه حكام الاقاليم من استقلالية، خصما من رصيد الكرملين. اطلق سهامه صوب اجهزة الاعلام التي سبق ووقعت في شرك اساطين المال والاعمال، غير انه كذلك ضيق على وسائل الاعلام المستقلة، التي وجدت في نهجه عودة الى تقاليد الحاكم واسع السلطات بلا مراقبة، وقد دفع الكثير من وسائل الاعلام والكثير من الصحافيين الروس ثمن مواقفهم المنتقدة لبوتين وطريقة ادارته، ووجهت اصابع الاتهام الى الكرملين بالوقوف وراء اغتيالات سياسية لبعض الصحافيين والمعارضين السياسيين. ففي 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أعلنت وفاة الكسندر فالتروفيتش ليتفينينكو، وهو عميل سابق لوكالة الاستخبارات السوفياتية «كيه جي بي»، ووكالة الاستخبارات الروسية التي خلفتها «اف اس بي»، انشق عام 2000 ونال اللجوء السياسي الى بريطانيا وحصل في ما بعد على جنسيتها. وقد مات في لندن مسموما بمادة «البولنيوم 210» المشعة في ظروف غامضة، فوجه هو شخصيا قبيل مماته، إضافة الى سائر أصدقائه ومعارفه من اللاجئين الروس، اصبع الاتهام الى الكرملين بقتله، بسبب انتقاداته العلنية للرئيس الروسي ونظامه وفضحه أسرارا خطيرة في أروقة المخابرات الروسية. وقال آخرون إن مقتله تحذير للمعارض رجل الأعمال الملياردير بوريس بيروزوفسكي، الذي كان سكرتيرا لمجلس الأمن الروسي ومقربا من الرئيس السابق بوريس يلتسين، ثم اختصم مع بوتين ولجأ الى بريطانيا من مغبة تدخله في الانتخابات الرئاسية الروسية عام 2008.

وفي الاقتصاد فرض بوتين شروطه بتحرير الاقتصاد والتوجه نحو اقتصاد السوق، غير ان التكلفة الاجتماعية لهذه القرارات كانت صعبة، خاصة على الطبقة الوسطى الروسية. وبعد ترتيب البيت من الداخل، بدأ رحلة لملمة وقار الدولة الذي تبعثر في الخارج تسانده قوة اقتصادية اعتمدت في بدايتها على ارتفاع اسعار النفط والغاز. استخدم كل الآليات من ترهيب الى ترغيب، من اجل اجبار الغرب على القبول بروسيا كقوى دولية لها وزنها، على الرغم من كل ما ألم بها من امراض اقتصادية واجتماعية وسياسية. وقد سعى بوتين لتعزيز العلاقات مع دول «كومنولث الدول المستقلة» (تألف من بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق). وبينما أبدى رضاء غير معلن عن توسع حلف شمال الأطلسي ليضم دول البلطيق، فقد كثف النفوذ الروسي في أوكرانيا وروسيا البيضاء (بيلاروسيا). وفي ما يتعلق بالعراق، عارض بوتين بشدة غزوه عام 2003. في هذا العام نفسه اكتسح حزب روسيا المتحدة الموالي لبوتين الانتخابات التشريعية. وبينما أعلن المراقبون الأجانب الانتخابات نفسها حرة ونزيهة، فقد انتقدوا ان الإعلام الروسي تحيز علنا لذلك الحزب على حساب الأحزاب الأخرى، في امتداد للتقليد السوفياتي القديم الذي تخضع فيه وسائل الإعلام للكرملين وإن لم يكن بشكل مباشر.

وعلى إثر مذبحة مدرسة بيسلان، على يد المسلحين الشيشان، وإحباط عمليات أخرى متزامنة معها في موسكو، طرح بوتين في 13 سبتمبر (ايلول) 2004 مبادرة للاستبدال بانتخاب الحكام الإقليميين من الشعب مباشرة نظاما جديدا يعين فيه الرئيس الحكام شريطة موافقة المجالس التشريعية الإقليمية عليه. وهي مبادرة عارضها ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين ووزير الخارجية الأميركي كولن باول، باعتبارها انحرافا عن الديمقراطية وعودة الى النظام القديم، الذي كانت تمسك فيه موسكو بزمام الأمور في عموم الاتحاد السوفياتي. وفي ذلك اليوم نفسه أيد بوتين مبادرة من لجنة الانتخابات المركزية يصوت فيها الشعب لقوائم حزبية بدلا عن مرشحين أفراد. ومجددا قيل ان بوتين يسعى بذلك لتعزيز سلطاته السياسية. ويصف بعض الحكام الغربيين الرئيس الروسي بأنه «مستبد»، غير ان ذلك لم يمنع تمتعه بعلاقات صداقة مع الرئيس الأميركي جورج بوش والمستشار الألماني (السابق) غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الإيطالي (السابق) سيلفيو بيرلسكوني.   في 14 مارس (اذار) 2004 فاز بوتين بولاية رئاسية ثانية عندما حصل على 71 في المائة من الأصوات. ومجددا أعلن المراقبون الأجانب شكواهم من انحياز الإعلام له على حساب المرشحين الآخرين، وإن كانت الانتخابات نفسها نزيهة. وربما بسبب سنوات عمل بوتين في الاستخبارات، فإنه يميل للتحفظ والكتمان، كما كان يميل الى الانطوائية. اعترفت له بذلك قرينته لودميلا في حديث حول ذكرياتها معه، قالت انه لم يكن يوما من ذوي النزعات القيادية، وكشفت عن انه طالما اوكل امر قيادة مجموعة الاصدقاء المشتركين الى اكثرهم حيوية ونشاطا، وانه لم يكن محبا لتصدر الموكب في رحلاته بالسيارة مع الاصدقاء، من دون ان تدرك ان طبيعة رجل المخابرات لا يمكن ان تدفعه لتصدر موكب او قيادة مجموعة، لكنه حين تحمله الاقدار الى موقع صدارة تنعكس هذه الطبيعة في قالب مغاير. انا اشك اذن انا موجود. سمة من سمات رجال الأمن والمخابرات حددت الكثير من ملامحه. قاعدة طبقها على اقرب الناس اليه. منذ تعرف على زوجته لودميلا وكانت في زيارة لينينغراد قادمة من كالينيغراد لم يكف عن اختبارها. حكاية ننقلها عنها نقلا عن اوليج بلوتسكي، احد كتاب الذكريات. في «ثلاثية بوتين» قالت  لودميلا ما نشره بلوتسكي، تحت عنوان: «امتحان الصلابة»:

«من الواضح والمؤكد ان فلاديمير فلاديميروفيتش لم يتوقف عن اختباري طوال حياتنا المشتركة. وطالما راودني شعور بأنه يراقبني على الدوام، عله يستوضح اي قرار يمكنني اتخاذه، ومدى صحة مثل هذا القرار والى اي حد استطيع تحمل هذا الاختبار او ذاك». قالت انها لم تعرف بحقيقة ان زوج المستقبل ضابط في لجنة أمن الدولة (كيه جي بي) وليس في جهاز المباحث الجنائية، الا بعد انقضاء ما يقرب من العام ونصف العام، فضلا عن انه لم يتول ابلاغها بنفسه، بل علمت بذلك صدفة، من زوجة احد المعارف المشتركين، التي اوكل اليها مهمة اطلاعي على مثل هذا السر، وهو ما اعترف لها لاحقا به. وفيما اشارت الى عدالة مثل هذا السلوك قالت بحق من يعمل في مثل هذه الاجهزة الحساسة في مراقبة من يريد الارتباط بها. ولم تكتف بذلك حيث مضت لتسرد واقعة محددة دليلا على جدية ما تقول: «اتفقت مع فلاديمير على الاتصال به في السابعة مساء. وبسبب عدم وجود تليفون في مسكن الاقامة الجماعية بمنطقة جزيرة فاسيليفسكي، كنت اضطر عادة الى الخروج الى الشارع لاستخدام التليفون العمومي، وبسبب تأخر فلاديمير الذي لم يعد الى بيته الا في الثامنة والنصف، كنت أعاود مرغمة الخروج كل ربع ساعة تقريبا لمحاولة الاتصال. وفيما راح الظلام يزحف على المكان، وفي احدى مرات خروجي احسست بغتة بمن يقتفي اثري. وجدته شابا يقصدني في وقت خلا فيه الشارع من المارة، ما دفعني الى ان اسرع الخطى خوفا من المجهول. لكنه راح بدوره ايضا يفعل نفس الشيء. وحين ادركت انه يتحول الى الهرولة  للحاق بي سارعت  بالجري لافاجأ به يصيح  في اثري: ارجوك التوقف. لست أريد بك ضررا. انني اريد فقط الحديث اليك. مجرد ثانيتين لا أكثر. بدت نبرة صدق احسستها في صوته، على نحو يمكن القول معه، ان كلماته كانت نابعة من القلب. توقفت الى ان اقترب مني قائلا: ايتها الفتاة.. انه القدر، القدر المحتوم الذي يدفعني الى محاولة التعرف اليك. اي كلام هذا؟ عن اي قدر تتحدث؟ ارجوك.. وألح في الرجاء، اعطيني رقم تليفونك ليس لدي تليفون.

اذن فلتكتبي رقم تليفوني.

لست في حاجة الى تليفونك. آسفة ولست ارى في ذلك شيئا من القدر.

لعلك تعيدين التفكير في موقفك. اكتبيه على اسوأ الفروض.

لا يمكن ان تكون هناك اية فروض.

وسارعت بالابتعاد لاعود ادراجي من دون الالتفات اليه. هكذا كان الموقف الذي قالت لودميلا انها لم تكن تتوقعه كمحاولة من جانب فلاديمير لاختبارها. ومع ذلك فقد التمست له العذر بعد ان عرفت انه ضابط في جهاز امن الدولة. لكنها وحين حاولت استيضاح كنه هذه الواقعة في حديث لاحق معه، لم تستطع الخروج بنتيجة تذكر. على انها ورغما عن ذلك قالت انها لا تستطيع اعتبار مثل ذلك «الامتحان» عملا منافيا للاعتبارات الاخلاقية.. فمن يدرى.. لربما هناك من يفكر في احتمالات ان اوافق على اللقاء مع آخرين بعد الزواج وان كنت لم اعر هذا الامر اهتماما يذكر آنذاك. لم يكن هذا الاختبار هو الوحيد الذى مرت به زوجة بوتين، ولم يكف بوتين عن اختبار من حوله من وزراء واعوان. فهو يميل للشك في كل من حوله، ولهذا ربما استطاع احكام سيطرته. لبوتين ابنتان، يكاترينا، ولدت عام 1985، وماريا التي ولدت في دريزدن بألمانيا عام 1986، وتلقتا تعليمهما في المدرسة الألمانية بموسكو. وهو على خلاف الرؤوساء الروس السابقين يظهر مع زوجته وابنتيه في المناسبات العامة، كما يختلف كثيرا عن سابقيه من الرؤساء الروس/ السوفيات فهو يهوى الرياضة بكل اشكالها، خصوصا قيادة السيارات والجري والجودو ويمارسها علانية امام الكاميرات، خاصة خلال حضوره مؤتمرات عالمية، كما انه متدين يؤدي صلواته بانتظام في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، ويتحدث الألمانية مثل أهلها تقريبا، إضافة الى الانجليزية التي يتحدثها على نحو لا بأس به، غير ان بوتين ورث عن ابائه السابقين قبضة حديدية وان كانت في قفاز من حرير.  

* شارك في إعداد البروفايل وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»