كارتر.. مطرقة الحقيقة

كان أولَ حاكمٍ لولاية جنوبية يُعطي مناصبَ للسود .. و3 نساء أثرن في حياته.. وأدمن تأليف الكتب

TT

ليس هناك مفتاح سري في شخصية الرئيس الاميركي الأسبق جيمي كارتر سوى انه دائما يتقدم على الآخرين خطوة للأمام، حتى اذا اثار هذا انتقاد المنتقدين. فكارتر الذي لم يغادر المسرح السياسي العالمي منذ نحو 5 عقود عرف دائما متى وكيف يخرج عن المسار السائد ويشق لنفسه مسارا خاصا به. حدث هذا عندما اصبح حاكم ولاية جورجيا، إذ أعلن انه لن يتسامح مع التفرقة العنصرية. وأعطى وظائف كبيرة للسود، وكان اول حاكم من ولايات الجنوب يفعل ذلك. كذلك كان كارتر اول رئيس يعلن ان الحرب الباردة والمواجهة مع الشيوعية ونشر الديمقراطية «قضايا أخلاقية». وقال كارتر انه لا يقدر، لهزيمة الشيوعية، على ان يتحالف مع حكام دكتاتوريين ربما لا يقلون ظلما لشعوبهم عن الحكام الشيوعيين. ولذا، انتقد الجنرال بينوشيه، حاكم تشيلي، وانتقد حكومة الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا. غير انه في الوقت نفسه كان منفتحا على «المختلفين»، فقد قابل كارتر الرئيس الكوري الشمالي كيم إيل سونغ (الأب)، والرئيس الكوبي فيدل كاسترو وهو ما لا يفعله الرؤساء في السلطة. وخلال تجربته، أثبت كارتر ان العمل السياسي ليس مهنة بل رسالة لا تنتهي إلا بالموت او العجز، فهو بالرغم من تجاوزه الثمانين من العمر، ما زال يجوب الكرة الارضية في مهام دبلوماسية، فقد اشرف على انتخابات في هايتي والضفة الغربية وغزة والسلفادور وموزمبيق. وتوسط لوقف الحرب الأهلية في اثيوبيا والسودان. ونال جائزة نوبل للسلام (ثالث رئيس اميركي بعد ويلسون وروزفلت). كذلك كافح، مع زوجته روزلين، لمحاربة الملاريا في افريقيا والايدز في الهند. غير ان انغماسه في السياسة لم ينسه حبه الاول وهو تاليف الكتب، فكارتر له نحو 28 كتابا منشورا، (كتب سياسية ومذكرات شخصية، بل له كتب للاطفال أيضا). يتحدر كارتر، 82 عاما، من عائلة ظلت تزرع القطن، جيلا بعد جيل، في ولاية جورجيا. (لم تبدأ العائلة إلا أخيرا في زراعة الفول السوداني الذي اشتهر به كارتر). استخدم اجداد كارتر العبيد السود في مزارع القطن، ودافعوا عن ذلك، وعارضوا الحكومة الفيدرالية عندما منعت تجارة الرقيق، واشترك، سنة 1860، ووكر كارتر، واحد من جدوده، في الحرب الاهلية ضد الحكومة الفيدرالية.

لكن، كانت عائلة غوردي، التي انحدرت منها ليليان كارتر، والدة جيمي، كانت اكثر ليبرالية من عائلة كارتر. ويبدو ان جيمس غوردي، والد ليليان، هو الذي اسس هذا الاتجاه الليبرالى. تخرج في مدرسة ثانوية، وعمل موظفا في مكتب بريد في نفس ولاية جورجيا، وتعود على الحديث مع السود كزبائن، وليس كعبيد او مزارعين مثلما تعودت عائلة كارتر. وورثت ليليان هذه الميول الليبرالية، وظهر ذلك عليها منذ ان كانت صغيرة: اولا، كان عمرها عشرين سنة عندما تطوعت للعمل ممرضة مع القوات الاميركية خلال الحرب العالمية الاولى. ثانيا، اختلطت، بحكم وظيفتها كممرضة، مع مرضى سود. ثالثا، تفوقت على والدها، وألغت التفرقة العنصرية داخل المنزل، وسمحت للخدم والخادمات السود بأن يدخلوا المنزل من الباب الامامي، لا من الباب الخلفي، وشجعتهم ليتحدثوا مع افراد العائلة (حول فنجان قهوة مثلا).

فعلت كل هذا حتى قبل ان يتزوجها ايرل كارتر، والد جيمي. وواصلت، عندما انتقلت الى بيت زوجها، هذه السياسة الليبرالية، رغم ان زوجها لم يتحمس لها في البداية. وكتبت في كتاب مذكراتها، «خطابات الى عائلتي»: «لم يتعود ايرل (زوجها) على ان يأتي الى المنزل من العمل، ويرى سودا يجلسون ويشربون قهوة مع اي امرأة بيضاء، ناهيك من ان تكون زوجته». واضافت: «اعتقد ان ايرل كان اول رجل ابيض يقبل ذلك في كل ولايات الجنوب. كانت ولايات الجنوب مختلفة في تلك الايام». علمت ليليان ابنها جيمي حب الناس رغم اختلاف ألوانهم. وعلمته، ايضا، حب الله (حسب تعاليم الكنيسة المعمدانية المحافظة، كنيسة العائلة خلال اجيال وأجيال). كانت الأم تدرس الاطفال (ومعهم ابنها) الانجيل في كنيسة بلينز كل يوم أحد، وتدرس ابنها، مرة اخرى، في البيت. وكبر كارتر، وصار هو نفسه مدرسا في نفس الكنيسة، حاملا نفس الانجيل الذي استعملته والدته. وحتى بعد ان ترك البيت الابيض، وعاد الى بلينز، استمر يفعل نفس الشيء (لكنه قلل ذلك أخيرا بسبب كبر سنه).

كتب كارتر في كتاب «مصدر قوة: قراءة الكتاب المقدس لتقوية الايمان»: «غرست والدتي، ربما اكثر من اي شخص آخر، فيَّ حب الله، والاخلاص في ذلك. وأثرت، بذلك، على كل حياتي. لم اترك الصلاة، سرا او جهرا. ولم اصل فقط خلال الازمات. عندما كنت في البيت الابيض، كنت اصلي مرات كثيرة اثناء النوم». وقال كارتر، في مناسبات كثيرة، ان قوة ايمانه هي اساس اهتمامه بحقوق الانسان، ورفع الظلم، والانتخابات النزيهة في دول العالم الثالث. وكتب كارتر في كتاب مذكراته، «الحفاظ على الايمان: مذكرات رئيس» الذي صدر قبل اكثر من عشرين سنة، ان ثلاث نساء اثرن في حياته اكثر من غيرهن: والدته ليليان، وزوجته روزلين، ومعلمته جوليا كولمان. كانت الأخيرة مدرسة في مدرسة بلين الثانوية (حيث ولد كارتر وتربَّى). وكتب كارتر انها شجعته لقراءة كتب التاريخ والادب. (وردت هي بأنها فعلت ذلك لأنها وجدت كارتر تلميذا ذكيا يهتم بما حوله في المنطقة والعالم). كتب كارتر: «شجعتني جوليا لأقرأ كتاب «الحرب والسلام» (للأديب الروسي ليو تولستوي). ظننت، في البداية، ان الكتاب عن الحرب والسلام في الدنيا الجديدة، وان ابطاله رعاة بقر وهنود حمر».

اشار كارتر، سنة 1977 في خطاب تنصيبه رئيسا للجمهورية، الى معلمته جوليا، وقال انها لم تفتح عينيه على العالم فقط، ولكنها، ايضا، غيرت رأيه في اصحاب العاهات والأمراض (كانت شبه مقعدة)، وعمقت آراءه الانسانية. شجعت جوليا كارتر ليدخل الجامعة (كان اول واحد من عائلته يفعل ذلك). تخصص في العلوم والتكنولوجيا، ثم دخل اكاديمية البحرية الاميركية حيث اصبح مهندس غواصات. وطاف المحيطات، وزار دولا كثيرة، وكان واحدا من رؤساء قلائل عملوا (ولم يتطوعوا) في القوات المسلحة. وكان آخر رئيس عمل في القوات المسلحة، باستثناء بوش الاب (تطوع). رونالد ريغان مثلا، وبيل كلنتون وجورج بوش الابن تحايلا حتى لا يتطوعا. لكن، لم يقدر كارتر على ان يستمر في هذا المجال، وكان عمره ثلاثين سنة عندما توفيَّ والده واضطر للعودة الى بلينز للاشراف على مزرعة الفول السوداني، ولدخول السياسة. شجعته الأم على حب الله واحترام السود، وشجعته المدرسة على الانفتاح على العالم الخارجي، وشجعته الزوجة على العمل في السياسة. وكتب عن دور زوجته في كتاب «نقطة تحول: مرشح وولاية ووطن»، الذي فصل فيه مراحل دخوله العمل السياسي: ترشح وفاز في مناصب بمجلس آباء وامهات المدرسة الابتدائية (درس فيها اولاده الثلاثة)، ثم في مجلس المستشفى (عملت فيه والدته ممرضة)، ثم في مجلس ادارة المكتبة، ثم في مجلس الولاية التشريعي، ثم حاكما للولاية. كان كارتر، في ذلك الوقت، اقل محافظة من غيره من السياسيين في ولاية جورجيا. لكنه لم يكن ليبرالياً. وربما، حتى اليوم، لا يمكن اعتباره ليبرالياً عقائديا (يبدو ان اهتمامه بحقوق الانسان اهتمام ديني اكثر منه علماني). ولا يزال ينتمي الى الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي (اذا اعتبرنا ان هيلاري كلنتون والقس الاسود جيسي جاكسون من الجناح الليبرالي). لم يخف كارتر ميله نحو آراء دينية محافظة. ولم يخف انه تغلب، بصعوبة، على خلفيته الجنوبية المحافظة، وعلى عقلية مزارعي القطن، ومعاملتهم للسود. كتب عن ذلك، ربما في حياد، المؤرخ ستانلي غودبولد، وقال ان كارتر، عندما ترشح لمنصب حاكم ولاية جورجيا، لم يعارض «في وضوح وبصراحة» جورج والاس، حاكم ولاية الباما، الذي كان رمز العنصرية في ذلك الوقت، عندما منع طلابا سودا من دخول جامعة الباما.

وان كارتر استغل صورة لمنافسه مع لاعبين سود في كرة السلة لإحراج المنافس. لكن كارتر، بعد ان صار حاكما للولاية، اعلن انه لن يتسامح مع التفرقة العنصرية، وأعطى وظائف كبيرة للسود، وكان اول حاكم من ولايات الجنوب يفعل ذلك. وقد استفاد كارتر من خلفيته الدينية عندما ترشح (وفاز) بالرئاسة سنة 1976: اولا، كسب السود عندما رفع راية المساواة. ثانيا، تعهد بأن ايمانه يمنعه من الكذب (اشارة الى الرئيس ريتشارد نيكسون الذي كذب، ثم اضطر لأن يستقيل، في فضيحة ووترغيت). ثالثا، ركز على حقوق الانسان خارج اميركا كموضوع اخلاقي اكثر منه سياسي.

ربما كان كارتر سيئ الحظ لأنه واجه مشاكل لم يتوقعها قبل ان يدخل البيت الابيض: اولا، تفاقم الغلاء بسبب ارتفاع سعر البترول (بعد وقف ضخ البترول، ثم زيادة سعره زيادة كبيرة بعد حرب 1973 بين العرب واسرائيل). ثانيا، اصاب الشعب الاميركي احباط عام بسبب الهزيمة في فيتنام (اول هزيمة في تاريخ اميركا)، وبسبب استقالة نيكسون (اول رئيس اميركي استقال). ثالثا، ثورة ايران بقيادة آية الله الخميني، والتي كانت سبب احتجاز الرهائن الاميركيين في السفارة الاميركية في طهران. ثم فشلت محاولة انقاذهم التي امر بها كارتر، والتي تحمل مسؤوليتها، والتي كانت من اسباب زيادة اسهم ريغان، حاكم ولاية كاليفورنيا الجمهوري، عندما ترشح ضد كارتر، وفاز عليه في انتخابات سنة 1980.

استغل ريغان ما سماه « تساهل» كارتر مع المعسكر الشيوعي، وهزم كارتر في الانتخابات. لكن، كان كارتر اول رئيس يعلن ان الحرب الباردة والمواجهة مع الشيوعية ونشر الديمقراطية قضايا اخلاقية اكثر منها قضايا موازين قوى وتحالفات. كان الرؤساء قبله يركزون على «احتواء» الدول الشيوعية، ويتحالفون مع «الشيطان» لهزيمة الشيوعية. وجاء كارتر وقال انه لا يقدر، لهزيمة الشيوعية، على ان يتحالف مع حكام دكتاتوريين ربما لا يقلون ظلما لشعوبهم عن الحكام الشيوعيين. ولذا، انتقد الجنرال بينوشيه، حاكم تشيلي، والجنرال ستروسر، حاكم اوروغواي، وانتقد سوموزا، حاكم نيكاراغوا، وأيضا حكومة الاقلية البيضاء في جنوب افريقيا. حتى فساد السياسيين باسم الدين انتقده كارتر، مثلما فعل بعد انتخابات في زمبابوي، سنة 1979، والتي فاز فيها رجل دين، الأسقف موزوريوا، على اليساري روبرت موغابي. لكن، لم تكن الانتخابات نزيهة. وضغطت اميركا (وبريطانيا) حتى جرت انتخابات اخرى فاز فيها موغابي (لكن موغابي في وقت لاحق، تنكر للديمقراطية، وصار، هو الآخر، حاكما دكتاتوريا). وحتى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل نظر اليها كارتر نظرة اخلاقية اكثر منها استراتيجية. وقبل ان يلقي خطابه، يوم توقيع الاتفاقية، مسك بيدي الرئيس المصري انور السادات، ورئيس وزراء اسرائيل، مناحيم بيغن، ودعاهما للصلاة معه. ثم بدأ خطابه بآية من الكتاب المقدس تقول: «الرحمة للذين يحققون السلام. سيكون هؤلاء اكثر قربا الى الله». لم يقلل كارتر الأنيق الذي يحب الضحك من اهتمامه بحقوق الانسان بعد ان خرج من البيت الابيض. واصبح «مركز كارتر» في ولاية جورجيا قلعة لحملات عالمية لمراقبة انتخابات، وتبني مفاوضات، وعقد ندوات، وتوقيع اتفاقيات. وبعد هجوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001، وبداية حروب بوش ضد الارهاب، عارض غزو العراق، وكتب بعد الغزو بشهور قليلة: «سوف تمضي سنوات كثيرة قبل ان يعود الاستقرار الى المنطقة». وانتقد فضائح سجن ابو غريب في العراق، وفضائح سجن غوانتنانامو في كوبا. وكافح، مع زوجته روزلين، لمحاربة الملاريا في افريقيا والايدز في الهند. وما زال كارتر مثيرا للجدل الآن حتى اكثر من ذي قبل، فقد أثار كتابه الجديد، «فلسطين: سلام لا فصل عنصري»، ضجة كبيرة في الولايات المتحدة، وانتقدته كثيرا المنظمات اليهودية، ووصفته جريدة «واشنطن بوست» بأنه «مطرقة في شكل كتاب» (ضربا لإسرائيل)، ووصفته جريدة «لوس انجليس تايمز» بأنه: «هجوم مباشر على اسرائيل، وستكون له نتائج كبيرة». وقال كارتر، في كتابه: اولا، «المستعمرات الاسرائيلية في الضفة وغزة ليست إلا نظام تفرقة عنصرية. يحتل شعبان نفس الارض، لكنهما مفصولان فصلا كاملا. شعب اقوى يحتل ارض الشعب الاضعف ويحرمه من حقوقه الانسانية، لكن الشعب المحتل يقاوم». ثانيا، «صار استعمار اسرائيل المتواصل لأرض الفلسطينيين عقبة رئيسية نحو سلام كلام في الارض المقدسة». ثالثا، «لا ينتقد احد سياسة اسرائيل او يدينها، الا نادرا، وذلك بسبب قوة جماعات سياسية واقتصادية ودينية اميركية». تعمد كارتر ألا يصدر كتابه قبل انتخابات الشهر الماضي، وذلك لأن تحالف «اليهود الجمهوريين» كان قد شن حملة ضد الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات، واتهم الحزب بأنه «لا يؤيد اسرائيل تأييدا كاملا». وهاجم التحالف كارتر، حتى قبل صدور الكتاب، بعد ان كتب في جريدة «واشنطن بوست» خلال الحرب بين اسرائيل وحزب الله: «لا تملك اسرائيل أي مبرر اخلاقي لضربها الشديد لكل لبنان وكل اللبنانيين». وسارع الحزب الديمقراطي، وأصدر بيانا، قبل الانتخابات، قال فيه انه بريء من آراء كارتر. وسارع تحالف «اليهود الديمقراطيين»، ووزع تصريحا قاله كارتر قبل ثلاثين سنة (عندما كان رئيسا) قال فيه: «يجب ألا نشك ولو لمرة واحدة في التزامنا بحق اسرائيل في ان تعيش الى الابد، وفي سلام». لم يهاجم كارتر فقط اليهود الجمهوريون، ولا بقية يهود اميركا، ولكن هاجمه، ايضا، يهود من نفس حزبه، الحزب الديمقراطي. مثل ستيفن اسرائيل، عضو الكونغرس (من نيويورك)، الذي قال، في مقابلة تلفزيونية: «لا يمثل هذا الكتاب الحزب الديمقراطي. انه يمثل رأي كاتبه». وقال آرون ميلر، مستشار يهودي سابق في وزارة الخارجية: «اشك في ان كتاب كارتر سيغير السياسة الاميركية نحو اسرائيل. لكن، لا اشك في ان كثيرا من الناس سيقرأون الكتاب». وأصدر ديفيد هاريس، مدير تنفيذي في اللجنة الاميركية اليهودية، اعترف فيه بجهود كارتر لتحقيق السلام عندما كان رئيسا (اتفاقية كامب ديفيد)، لكنه اضاف: «من الآن فصاعدا، لن يقدر كارتر على ان يكون وسيطا نزيها». وانتقل نقد كارتر من اميركا الى اسرائيل التي كانت بدأت تنتقد جيمس بيكر بسبب تقرير لجنته الذي ربط بين المشكلة العراقية والمشكلة الفلسطينية. قال غاري ديرفنر، صحافي في جريدة « جيروساليم بوست» ان كارتر وبيكر مثل «ريد نيك» (صاحب رقبة حمراء. هو وصف اميركي لسكان الريف في الولايات الجنوبية، والمشهورين بمعاداة السود واليهود). واشار الى ان كارتر وبيكر من ولايات جنوبية (جورجيا وتكساس)، واشار الى عبارة غير مهذبة قال ان بيكر وصف بها اليهود. وقال: «لا اقدر على ان اقول ان كارتر وبيكر يعاديان اليهود. اعترف انهما صديقان لإسرائيل. لكن المشكلة هي انهما يريدان ان يكونا صديقين للعرب ايضا. لن تقبل اسرائيل من احد ان يكون صديقا لها وصديقا للعرب في نفس الوقت. صديق اسرائيل الحقيقي هو الذي يعادي العرب». وكتب ديفيد فورمان في نفس الجريدة: «يا كارتر، عد الى مزرعتك، مزرعة الفول السوداني». وربط كثير من الذين انتقدوا الكتاب بين هجوم كارتر على اسرائيل وبين قوة ايمانه بالله. وكتب جفري غولدبيرج في مجلة «نيويوركر»: «يعتقد كارتر في كتابه انه مبعوث من الله. ليس هذا نقدا سياسيا لاسرائيل. هذا نقد ديني». لم يخف كارتر، الذي تلقى كل الانتقادات بابتسامة وبرودة اعصاب، تأييده لهذا النقاط، بصورة عامة. واكد ذلك في كتابه الاخير عندما كتب عن لقاء، في سنة 1975، مع غولدا مائير، رئيسة وزراء اسرائيل في ذلك الوقت: «قلت لها ان الكتاب المقدس يقول ان الله يعاقب اسرائيل كلما ترفض عبادته عبادة مخلصة».

ومن غير المبالغة، القول ان كارتر مدمن تاليف الكتب، اذا اخذنا في الاعتبار انه ليس كاتبا محترفا. فقد كتب كتبا عن حياته مع زوجته: «تقاسم اوقاتا طيبة». وعن كبر سنه: «فضيلة الكبر». وعن هواية الصيد والمعسكرات والكشافة: «جورنال الخارج». وعن ابناء النبي ابراهيم: «دم ابراهيم: نظرات داخل الشرق الاوسط». وعن سقوط القيم الاخلاقية في اميركا بعد هجوم 11 سبتمبر، وبداية حروب اميركا ضد الارهاب: «قيم في خطر: ازمة اميركا الاخلاقية». وكتب كتابا للاطفال: «طفل صغير»، رسمت ابنته ايمي رسوماته. وكتب ديوان شعر: «دائما نتذكر». وكتب قصة خيالية «عش الزنبور»، لكنه قال انه اصعب كتاب كتبه، لأنه تعوّد على كتابة الكتب الجادة لا الخيالية.