التنين والجيران

طول الحدود وكثرة الجيران جلبا للصين الكثير من القوة .. والعديد من النزاعات

TT

بمجاورتها 14 بلداً، وامتلاكها حدوداً برية طولها 22 الف كيلومتر، تعد الصين من أطول البلدان حدودا وأكثرها جيرانا في العالم. وبذلك، يرتبط العملاق الآسيوي، وهو يسعى لتحقيق مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية، بعلاقات متبانية ومعقدة مع جيرانه.

وقعت الصين اتفاقيات حدودية مع ميانمار (بورما سابقاً) ونيبال ومنغوليا وباكستان وأفغانستان في الستينات من القرن الماضي، وتوصلت الى حلول لمشاكل حدودية مع روسيا ولاوس وفيتنام وكازاخستان وقرغيستان وتاجيكستان في سنوات التسعينات، وفقا لمعلومات منشورة على موقع وزارة الخارجية الصينية على الانترنت.

وتبنت الصين ما يسمى بـ«سياسة الجوار الطيب» عام 2003 كجزء من استراتيجية جديدة «للتنمية السلمية»، وبذلت جهودا لتخفيف التوترات في آسيا، كما أسهمت في استقرار شبه الجزيرة الكورية، وعززت علاقات تعاون مع دول أعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا «آسيان»، هي بروناي وميانمار واندونيسيا ولاوس وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام. كذلك، تحسنت العلاقات بين الهند والصين بدرجة ملحوظة، وعملت الصين بنشاط لإحراز دعم دولي في مساعيها للحؤول دون خروج هونغ كونغ وماكاو وتايوان عن عباءتها.

غير ان هناك نزاعا حدودياً بحرياً، طويل الأمد، في بحر الصين الجنوبي حول جزر سبراتلي وباراسيل، قد يزيد اشتعالاً بسبب مساعي الصين لتحقيق امنها «الطاقوي». وتخضع جزر الباراسيل، وعددها 130 جزيرة، لسيطرة الصين التي احتلتها عام 1974، الا ان فيتنام وتايوان تطالبان أيضاً بالجزر. أما جزر السبراتلي، وعددها 400 جزيرة، فتطالب بهم جزئياً كل من الفلبين وبروناي واندونيسيا، بينما تطالب بهم كلياً كل من فيتنام وتايوان والصين.

من الناحية التاريخية حاولت الصين ضم أقاليم مثل كسينغيانغ (تركستان الشرقية) والتيبيت ومنغوليا، في حين كانت تتوقع من الآخرين الخضوع والدخول في بيت الطاعة. لكن روسيا واليابان ظلتا تنتقدان من حين لآخر هذه الاستراتيجية. في عام 1950 أرسلت الصين الشعبية جنودها إلى كوريا الشمالية كـ«متطوعين» لمساعدة هذه الأخيرة على وقف تقدم قوات الأمم المتحدة التي كانت وصلت إلى نهر يالو. وبعد انتهاء الحرب الكورية، سعت الصين الى موازنة سياستها باعتبارها من الكتلة السوفياتية، فأقامت علاقات ودية مع باكستان ودول أخرى في العالم الثالث وخصوصا في جنوب شرقي آسيا.

يلاحظ ان علاقات الصين باليابان، ظلت في العهد الحديث، متوترة بسبب جملة قضايا تمتد من فترة الحرب العالمية الثانية الى خصومات الوقت الحالي بشأن الموارد الطبيعية في بحر الصين الشرقي المتنازع عليه، والنفوذ الإقليمي بشأن الوضع المتنازع عليه في جزر سينكاكو أو دياويو. كما أن الصين تشعر بالقلق من علاقات اليابان الوثيقة مع تايوان، المستعمرة اليابانية السابقة.

ورغم أن الصين وتايوان تداران من قبل حكومتين مستقلتين عن بعضيهما، منذ الحرب الأهلية التي انتهت عام 1949، فان الصين ما تزال ترى في تايوان أرضا تابعة لها وتهدد باستخدام القوة اذا اتجهت الجزيرة الى اعلان استقلالها. وتعتبر تايوان لاعبا مهما في التحالف المناهض للصين، ويبدو من المستبعد ان تسمح اليابان والولايات المتحدة للصين بضم الجزيرة.

وبخصوص العلاقة مع فيتنام، دخلت الصين في حرب مع هذه الدولة، عام 1979، انتهت بتراجع الصينيين إثر تكبدهم خسائر جسيمة. ووقعت اتفاقية حول الحدود البرية مع فيتنام في ديسمبر (كانون الاول) 1999، ولكن تفاصيل الاتفاقية لم يكشف عنها. غير ان التوترات الصينية ـ الفيتنامية خفت في الفترة الأخيرة لتفسح المجال امام ازدهار العلاقة التجارية بين الدولتين، وأصبحت الصين حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لفيتنام. وينظر الحزب الشيوعي الفيتنامي إلى الحزب الشيوعي الصيني باعتباره نموذجا في الانفتاح في مجال الاقتصاد في حين يبقي على القبضة الصارمة في مجال السياسة.

كذلك، تعود العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية إلى قرون، لكن في خمسينيات القرن الماضي وقف الطرفان في جانبين متعارضين في الحرب الكورية. وفي الوقت الحالي تقيم الصين علاقات مع كوريا الجنوبية تعد أوسع من علاقاتها مع جارها الشيوعي في الشمال. ويحدث هذا رغم الحلف «الاديولوجي» بين بكين وبيونغ يانغ، والذي يبرز خصوصاً في موقف الصين، الداعم او اللين على الاقل مقارنة ببقية المجتمع الدولي، تجاه الطموحات النووية لكوريا الشمالية.

ودفع الازدهار في العلاقات بين بكين وسيول، البعض للشعور بالقلق من أن يعجز الكوريون الجنوبيون، في غمرة افتتانهم بالاقتصاد الصيني، عن رؤية الاهداف الاستراتيجية البعيدة المدى لبكين.

ويقول البروفيسور تايلور فرافيل، وهو خبير في السياسة الخارجية والشؤون الاستراتيجية العسكرية الصينية، «ان خلافات الصين الحدودية الإقليمة مع جيرانها، قادرة على أن تتصاعد إلى درجة التحول إلى نزاعات دولية، إذا أخذنا في الاعتبار أهمية الممرات البحرية للتجارة الدولية والاتفاقيات الامنية الثنائية بين الدول الاقليمية والقوى العالمية مثل الاتفاقات المبرمة بين الولايات المتحدة والفلبين، او بين سنغافورة وتايلاند، او بين العديد من القوى الغربية ومستعمراتها السابقة، مثل بريطانيا مع ماليزيا وسنغافورة او فرنسا مع فيتنام». ويشير فرفيل الى انه عقب احتلال الصين عام 1995 لجزر فلبينية تبعد 217 كيلومتراً إلى الغرب من جزر بالاوان، التابعة للفلبين، أجرت الولايات المتحدة مناورات بحرية مع الفلبين على مقربة من الجزر المتنازع عليها.

أما عن تزايد العلاقات بين الصين ودول آسيا الوسطى، فان ذلك حدث بدوافع مصالح استراتيجية. فقد حسنت الصين علاقاتها مع روسيا لاعتبارات تتعلق بميزان القوى تجاه الولايات المتحدة. وخلال عقد الستينات من القرن الماضي تنافست كل من بكين وموسكو في مجال النفوذ السياسي على الأحزاب الشيوعية في العالم الثالث. وعقب غزو الاتحاد السوفياتي السابق لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 والنزاعات الحدودية بين الصين والاتحاد السوفياتي عام 1969 عكس التنافس الصيني في مواجهة الولايات المتحدة قلقا تجاه الموقع الاستراتجي للصين. وشاركت الصين، إلى جانب روسيا وكازاخستان وقرغيزستان وتاجيكستان واوزبكستان، في تأسيس «منظمة شنغهاي للتعاون» في يونيو (حزيران) 2001، وهي منظمة كان الغرض الاساسي منها توسيع العلاقات الاقتصادية وتعزيز الاستقرار الاقليمي والتعاون في مجال مكافحة الارهاب في المنطقة. وساعدت الصين ايضا في تطوير حقول نفط في اوزبكستان وفي مشاريع لتوليد الكهرباء من الطاقة المائية في قرغيزستان وتاجيكستان. كذلك، اتسمت علاقات الصين مع الهند بعد الاستقرار، إذ لم تحقق الدولتان أي تقدم يذكر في عدة جولات من المفاوضات بشأن حل النزاع بينهما حول حدود طولها 3500 كليومتر. وتتهم نيودلهي بكين بالسيطرة على أكثر من 38000 كليومتر مربع (حوالي 15000 ميل مربع) في منطقة حوض التيبيت، وهي اراض استولت عليها الصين من الهند في حرب عام 1962. ومن جانبها، تدعي الصين ملكية اراض تبلغ مساحتها 90000 كيلومتر مربع (حوالي 35000 ميل مربع) خاضعة لسيطرة الهند في الجزء الشرقي من الحدود، ويقع جزء كبير منها في مقاطعة آروناشال براديش.

وظلت الهند تراقب باغتياظ وحذر النمو الصيني غير العادي في المجالين الاقتصادي والعسكري. كما ظلت الصين في المقابل تراقب عن كثب تطور القوة العسكرية الهندية وخصوصاً في المجال النووي وصناعة الصواريخ. وتشعر بكين بقلق إزاء استراتيجية نيودلهي القائمة على اساس الاتجاه شرقا فيما يتعلق بتطوير علاقات اقتصادية وعسكرية اكبر مع اليابان ودول «رابطة دول جنوب شرقي آسيا». كما ان الوجود الصيني في ميانمار يثير قلق الهند. وأفادت مجلة «كورين جورنال اوف ديفانس اناليسيس» بأن «الصين تركز على زيادة قوتها وتأثيرها، حتى ترجح كفة التوازن الاستراتيجي لصالحها في منطقة جنوب آسيا».

وتعود علاقات الصين الدفاعية مع دول أخرى مجاورة للهند، مثل سري لانكا، إلى عقد السبعينات من القرن الماضي وتتركز حول إنتاج معدات وآليات عسكرية مثل الدبابات والمركبات المصفحة والأسلحة الصغيرة والذخيرة. كما ان الصين وقعت اتفاقية تعاون دفاعي مع بنغلاديش بغرض تحديث الجيش البنغلاديشي من خلال المبيعات المباشرة والبرامج الفنية. كما ان نيبال عبرت دوما عن تأييدها للصين في قضية تايوان، وتتمتع بعلاقة صداقة جيدة مع بكين.

كذلك، ظلت علاقات الصين مع باكستان جيدة على مدى فترة طويلة، إذ استطاعت اسلام آباد تطوير قدرتها النووية بمساعدة بكين. وترى الصين ان العلاقة الثنائية ساعدتها على الخروج من عزلة عالمية وكانت بمثابة رادع أمني.

ظلت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية من عام 1842 حتى عام 1997 عندما تحولت سيادتها إلى الصين. وبموجب بنود الإعلان الصيني ـ البريطاني المشترك، وعدت الصين بأن يكون لهونغ كونغ قدر كبير من الحكم الذاتي حتى عام 2047، أي بعد خمسين عاما من تحويل السيادة إلى الصين. وتحت ظل نظام «دولة واحدة ونظامان» احتفظت هونغ كونغ بنظامها القضائي وبعملتها وسياساتها الجمركية وفرقها الرياضية الدولية وقوانينها الخاصة بالهجرة مع تمثيل الصين لها دبلوماسياً وعسكرياً.

اما اندونيسيا، فقد دفنت عداءها القديم مع الحكومة الصينية على أمل الحصول على عقود بتصدير الغاز بقيمة 9 مليارات دولار لاستخدامه في الطاقة والصناعات في جنوب الصين. كذلك، احتفظت منغوليا، التي تقع شمال شرقي الصين، بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع بكين. وفي الوقت الراهن تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لمنغوليا وتشكل العائدات التجارية بين البلدين حوالي ثلث حجم التجارة الخارجية لمنغوليا. وأقامت الصين وسنغافورة علاقات دبلوماسية في 3 اكتوبر (تشرين الاول) 1990، وكانت بين الجانبين صلات وثيقة قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. ويقول ر. موهان، الخبير الهندي في شؤون الصين، انه «بصرف النظر عن بقائها شمولية او تحولها الى نظام ديمقراطي، ستصبح الصين قوة كبرى في آسيا تماما كما تشكل الولايات المتحدة حاليا قوة كبرى في النصف الغربي» من الكرة الارضية. ويرى أيضا ان الصين ستسعى لتوسيع فارق القوة بينها وجيرانها، خصوصا اليابان وروسيا، بالضبط مثلما تفضل الولايات المتحدة ان تبقى جارتاها كندا والمكسيك ضعيفتين.