برلمان المحنة

المحاصصة والوضع الأمني والغياب .. مشاكل تواجه مجلس النواب العراقي

TT

مجلس النواب العراقي هو التجربة الثانية لبلورة معنى البرلمان بعد تجربة الجمعية الوطنية التي تعد اول برلمان عراقي منتخب بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، والذي كان البرلمان في زمنه يسمى (المجلس الوطني) والذي كان أعضاؤه من البعثيين فقط.

وحسب المواد 1و2و3و4 من النظام الداخلي للمجلس فهو «السلطة التشريعية والرقابية العليا ويمارس الاختصاصات المنصوص عليها في الدستور». و«يتألف مجلس النواب من 275 عضواً، تم انتخابهم بموجب قانون الانتخابات»، وتكفل أحكام النظام الداخلي «حرية التعبير عن الرأي والفكر لجميع أعضاء مجلس النواب أياً كانت اتجاهاتهم أو انتماءاتهم السياسية أو الحزبية بما لا يتعارض وأحكام الدستور، وتضمن حرية المعارضة الموضوعية والنقد البناء، وتحقيق التعاون بين مجلس النواب والمؤسسات الدستورية الأخرى»، بحيث «يلتزم أعضاء مجلس النواب في مناقشاتهم وما يتخذونه من قرارات، بأحكام الدستور والنظام الداخلي».

وحسب النظام الداخلي أيضا فان الجلسة الأولى لاجتماعات مجلس النواب يرأسها «أكبر اعضائهِ سناً من الحاضرين، وتنحصر مهمته في إدارة الجلسة الأولى وإجراء انتخابات رئيس المجلس ونائبيه، ثم يعلن الرئيس المؤقت فتح باب الترشيح لمناصب رئيس المجلس ونائبيه. بعد غلق باب الترشيح ينتخب مجلس النواب رئيساً له ثم نائباً اول ثم نائباً ثانياً بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس قد وصلوا الى مقاعدهم عن طريق الانتخابات، المجلس بالانتخاب السري المباشر». لكن شيئا من هذا لم يتم في مجلس النواب. بالرغم مما قيل عن عدم شفافية او نزاهة هذه الانتخابات، فان تشكيلة رئاسته ورئاسات اللجان المنبثقة عنه تم اختيارها عن طريق المحاصصة الطائفية وليس عن طريق الانتخابات الديمقراطية الحرة، كما جاء في نظامه الداخلي، حيث يترأس المجلس عربي سني واحد نائباه كردي والآخر عربي شيعي. ويري اعضاء في مجلس النواب تحدثت «الشرق الاوسط» معهم ان نظام المحاصصة في المجلس اثر سلبيا في عمله وإنجازاته وبالتالي أثر ذلك على عموم مسيرة البرلمان.

وخلال متابعتنا لجلسات غير منتخبة للمجلس وكذلك متابعتنا له من خلال موقعه على شبكة الانترنت، اتضح ان الكثير من جلساته تم تأجيلها بسبب عدم اكتمال النصاب، وان هناك غيابا او تغيبا او عدم حضور وصفه احد النواب بـ«المتعمد لعرقلة سير العملية السياسية»، مع ان النظام الداخلي للمجلس يقول «لهيئة الرئاسة في حالة تكرر الغياب من دون عذر مشروع خمس مرات متتالية او عشر مرات غير متتالية خلال الدورة السنوية أن توجه تنبيهاً خطياً إلى العضو الغائب تدعوه إلى الالتزام بالحضور، وفي حالة عدم امتثاله لهيئة الرئاسة يعرض الموضوع على المجلس بناءً على طلب الهيئة».

ويقر المتحدث الرسمي باسم رئيس مجلس النواب الصحافي مهند عبد الجبار، بهذه الظاهرة قائلا لـ«الشرق الاوسط»: ان«رئاسة مجلس النواب مدركة لخطورة هذه الظاهرة، كونها معيقة للمجلس من أداء مهامه، وقد قررت هيئة رئاسة المجلس خصم مبلغ (500.000) دينار من المخصصات الشهرية لعضو المجلس عن كل يوم غياب بدون سبب مشروع، مطالبة الكتل النيابية باستبدال الاعضاء المتغيبين بشكل دائم بآخرين من نفس القائمة وكل حسب قائمته وتجميد صرف المستحقات المالية للاعضاء المتغيبين بكثرة ومطالبة كتلهم بمحاسبتهم مع نشر أسماء المتغيبين في الصحف ووسائل الاعلام».

ويري النائب الكردي الدكتور محمود عثمان، سياسي مستقل عن قائمة التحالف الكردستاني، ان تشكيلة مجلس النواب غير صحيحة أساسا، ذلك ان «مجلس النواب يتشكل من قوائم، والأعضاء هم تابعون لهذه القوائم وهذا يعني ان رئيس الحزب او الكتلة النيابية هو الذي يتحكم بأعضاء كتلته الذين عمليا هم لا صوت لهم، وبذلك يكون رئيس الكتلة او الحزب هو الأقوى، رؤساء الكتل أقوى من مجلس النواب».

ويضيف عثمان قائلا لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد، ان «هذا المجلس لا يمشي أمور البلد ولا يعمل الاعضاء شيئا سوى ممارسات روتينية مثل قراءة القرارات ومناقشتها لغرض إقرارها، ولا يلعبون دورا أساسيا بإصلاح أوضاع البلد»، معترفا بأن «المجلس ضعيف والمفروض به ان يلعب دورا أكبر وما يبحثه من أمور ضعيفة وليست أساسية».

ويؤكد عثمان قائلا ان «صوت كل كتلة برلمانية يتلخص بصوت رئيسها الذي يتحكم بالكتلة كلها، وبصورة عامة لا يستطيع العضو التغريد خارج سرب الكتلة او معارضة رئيسها كونهم جاءوا به الى مقاعد المجلس». ويشدد النائب الكردي المستقل على اعضاء المجلس بأن «ينتجوا، هذا هو المهم، لكن هذا لا يتحقق؛ فالنصاب القانوني دائما ناقص وغير مكتمل وضعيف»، ويتساءل قائلا «اذا داوموا وحضروا فماذا سيفعلون؟ انهم لا ينجزون أي شيء وسواء داومنا او لم نداوم فان الامر لا يفرق كثيرا؛ فالمجلس لا يمارس صلاحياته كسلطة تشريعية والسلطة الحقيقية هي سلطة رؤساء الكتل والأحزاب كونها هي الاقوى».

ويضرب النائب عثمان مثلا على ما ذهب اليه فيقول «مثلا شكلنا لجنة دستورية تكونت من 75 شخصا اشتغلنا فيها على صياغة الدستور لأكثر من ثلاثة أشهر ثم جاء رؤساء الكتل وجلسوا ليغيروا هذه الفقرة ويرفضوا تلك وقوضوا تقريبا عمل 75 شخصا لأكثر من 3 اشهر».

وتحدث عثمان عن عمل اللجان البرلمانية قائلا «غياب الاعضاء ينسحب على عمل اللجان ويؤثر بها سلبيا، وهذه اللجان حتى وان عملت واجتمعت واقترحت ورفعت تقاريرها الى البرلمان ومن ثم الى الحكومة هناك سوف تتوقف ولا نسمع عنها أي شيء ولا يؤخذ بها».

ويخلص عثمان قائلا ان «المجلس أصبح هيئة روتينية ووجوده ضعيف، لا يغير سياسات او يحل مشاكل الناس التي تعيش أزمة عميقة وحلها صعب؛ فالأزمة بالأساس هي سياسية»، وأشار الى ان «الازمة تتعمق والحكومة تفشل في حلها وأجهزة الدولة مصابة بالشلل، الجامعات والمدارس معطلة وجزء كبير من دوائر الدولة مشلول. الحكومة محصورة في المنطقة الخضراء وتركت الشارع للارهابيين وفي اعتقادي ان هذه الكتل البرلمانية هي جزء من العملية السياسية، وما يقال عن الحكومة يقال عن الكتل البرلمانية».

وأقرت صفية السهيل عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية، بأن «اعضاء البرلمان لا يسمون الامور بمسمياتها والكل واقع بين المطرقة والسندان، واذا سمينا ما يجري بأسمائها الحقيقية فسوف نساهم بصب الزيت على نار الاقتتال؛ فمجلس النواب معطل والسبب هو المحاصصة التي تعمل وفقها العملية السياسية، ولذلك هو بعيد عن مساءلة الحكومة ومتابعة عمل الوزراء والوزارات».

وأضافت السهيل قائلة ان «مجلس النواب العراقي يعمل وفق منطق الفعل ورد الفعل، أي اننا لا نعمل وفق برنامج او خطة واضحة ومحددة، ونتحرك اذا حدث شيء ما وفق قوة هذا الحدث». وقالت السهيل لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من عمان ان «كل اللجان البرلمانية مهمة وفيها عمل والأولوية للجنة الامن والدفاع، وأنا طالبت ان تكون هناك غرفة طوارئ للامن والدفاع ترتبط بغرفة طوارئ للداخلية والدفاع وبقية الاجهزة الامنية للتنسيق بين البرلمان والحكومة، فانا أمثل الشعب ويجب ان يكون اتصالي مباشرا مع المواطنين واستقبل اتصالاتهم في حالة انهم احتاجوا لي او تعرضوا لأي طارئ، وبالفعل أنا استقبل اتصالات من نساء يتحدثن فيها عن تعرض مناطقهن لهجوم من هذه الجهة او تلك، وأحاول الاتصال بالجهات الامنية، لكن اذا كانت الحكومة غير مسيطرة على الملف الأمني وهناك مناطق لا تستطيع دخولها فماذا نستطيع ان نفعل نحن».

وأضافت السهيل قائلة ان «البرلمان يفترض به ان يكون صاحب قضية وان يتمسك بقضايا المواطنين، وهذا يعني تفعيل اللجان البرلمانية، لكن طريقة اختيار رؤساء اللجان وعن طريق المحاصصة ادت الى ان يترأس غالبية هذه اللجان وليس جميعها، باستثناء ثلاثة او اربعة، اشخاص بعيدون عن معرفة الملف، والمسؤولون عنه لا يعملون كفريق بالضبط مثلما حدث في الوزارة»، نوهت الى ان «بعض اعضاء المجلس تم ارسالهم الى الخارج للتدريب لكنهم استغلوا هذه الرحلات كسياحة وترفيه فقط».

وأشارت الي ان على «النائب ان يبادر بالعمل لا ان ينتظر الاوامر من رئيس كتلته او حزبه، وان تكون مهمته هي رفع يده موافقا وإنزالها في حالة ان رئيس كتلته غير موافق والسبب الرئيسي ان هؤلاء النواب جيء بهم أي ان احزابهم جاءت بهم الى المجلس ولم يعرفوا شيئا عن العمل البرلماني، كما ان من انتخبهم لا يعرفهم لأن الناخبين صوتوا لقوائم وليس لأشخاص».

وأعربت السهيل عن عدم رضاها عن نفسها كونها نائبة في البرلمان. وقالت «انا لست راضية عن نفسي في البرلمان واشعر بتأنيب ضمير لوجودي داخل برلمان احترمه ولا استطيع تقديم الكثير للناخبين وأتقاضى راتبا شهريا ولي حماية، بالرغم من انها غير كافية، اشعر بالخجل لأنني لم اقدم ما استطيعه للشعب»، مشيرة الى ان «البرلمان العراقي لم يقدم الكثير للشعب العراقي ومعالجة قضاياه الاساسية التي تخص الامن والبطالة والخدمات؛ فالبرلمان قادر على محاسبة الحكومة وتغييرها اذا وجد ذلك ضروريا للشعب».

ووصف النائب الدكتور سعد جواد قنديل عن المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، ظاهرة غياب اعضاء مجلس النواب بأنها «سلبية وناتجة عن تردد بعض الكتل في المشاركة بالعملية السياسية نتيجة اختلافات سياسية»، وقال لـ«الشرق الاوسط» في لندن إن «هذه الكتل بدل ان تكون لها وجهة نظر بالأمور وتطرحها داخل قبة البرلمان تقرر عدم الحضور». واعتبر قنديل ان «هذه الظاهرة مقصودة وبعض الكتل البرلمانية تعلن ذلك مثل الكتلة الصدرية التي سحبت ممثليها الثلاثين من المجلس، فاذا اضفنا اليهم غياب بعض الاعضاء لأسباب شخصية او غياب كتلة التوافق لسبب ما، فانه من المستحيل إكمال النصاب، يضاف الى ذلك سفر غالبية الأعضاء في وفود رسمية وغيرها». واقترح النائب قنديل انه «في حالة وصول المجلس الى حالة عدم امكانيته من اتخاذ القرار بسبب عدم اكتمال النصاب وتعطيل العملية السياسية، فانه من الفضل حل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة». واعترف قنديل ان «المجلس أنجز تشريع وتصديق الكثير من القوانين أو صادق عليها او اقترحها وتم تفعيلها».

وقال النائب مثال الآلوسي رئيس حزب الامة العراقية لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد ان «سبب اخفاق عمل اللجان البرلمانية ناتج عن المحاصصة التي شملت اللجان ايضا؛ فالحزب الذي يفوز بأغلبية برلمانبة يترأس اللجان البرلمانية». واعترف الآلوسي قائلا «عندنا خلل كبير في تركيبة اعضاء المجلس، فأعضاء المجلس يتغيبون عن حضور الجلسات بتعمد او غير تعمد»، وقال «تصور نناقش حاليا ميزانية الدولة، فهل يجوز عدم الحضور وتأجيل الميزانية التي تقوم عليها الدول، مثل هذا العمل يعني التخطيط لإسقاط الحكومة وإيقاف عجلة الدولة وتهديم العملية السياسية». واعترف الآلوسي بان «لعضو المجلس كامل الحقوق في التحدث عن أية قضية يريد». وتحدث الآلوسي عن المخصصات المادية التي يتقاضاها عضو مجلس النواب فقال «العضو بدرجة وزير ويتقاضى 8 ملايين دينار (سبعة الاف دولار) ومع مخصصات حمايته يكون المبلغ 15 مليون دينار(10 آلاف دولار ولكل نائب الحق بتعيين 20 من حراسه الشخصيين)»، مطالبا بوجود ضوابط للرواتب «فهناك من يتقاضى رواتب خيالية تتجاوز عشرات الآلاف من الدولارات». ووصف زعيم حزب الامة العراقية طريقة ادارة جلسات البرلمان، بأنها قريبة من «لغة المقاهي»، وقال «كنت انتقد سابقا الجمعية الوطنية، لكننا في مجلس النواب لم نصل الى مستواهم».

منذ تشكيل المجلس لم يتم رفع الحصانة عن أي من اعضائه سوى عن النائب السني مشعان الجبوري، ويشرح المتحدث الرسمي باسم رئيس المجلس قائلا «حسب النظام الداخلي لمجلس النواب فانه لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية. ولا يجوز إلقاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي إلا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، او اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية، مشيرا الى انه يجب ان «يقدم الطلب الى المجلس بمذكرة قضائية صادرة من مجلس القضاء الاعلى بناء على مذكرة ترفع من الجهات التنفيذية المختصة كهيئة النزاهة». لكن النائب الجبوري اعتبر أن المجلس رفع الحصانة عنه «لأسباب طائفية بحتة». وقال لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من دمشق، ان «رفع الحصانة لا يعني إقصائي من عضوية مجلس النواب بالرغم من ان عملية رفع الحصانة بحد ذاتها غير قانونية وغير دستورية، فهم اتهموا شركة يملكها ابني متخصصة بتوفير الطعام لأفواج الحراسات بدفع الرشاوى، وهذه الشركة متعاقدة مع وزارة الدفاع العراقية، فما دخلي أنا بهذه العملية، أنا نائب دخلت المجلس بأكثر من 142 ألف صوت». مشيرا الى «ان المادة التي رفعوا الحصانة عني بموجبها 311 وهي جنحة، بينما النظام الداخلي للمجلس يقول يجوز رفع الحصانة عن النائب اذا اتهم بجناية». وأضاف الجبوري قائلا «مما يؤكد ان هناك مؤامرة كانت مدبرة ضدي، هو ان مجلس النواب طالب بحجز اموالي وطلب من وزارة الداخلية القبض علي قبل رفع الحصانة؛ أي عندما كنت ما ازال نائبا في المجلس بعشرة أشهر، ومن غير ان تتم مناقشة هذا الموضوع تحت قبة البرلمان والأكثر من هذا أرسلوا طلب إلقاء القبض علي الى الدول العربية بينما انا كنت في بغداد وغادرت العراق عن طريق مطار بغداد من غير ان يعترضني أحد، لكنني عندما وصلت الى مطار عمان عرفت ان هناك طلبا بإلقاء القبض علي، بينما كنت أتمتع بالحصانة البرلمانية التي تتعارض مع إجراء القبض علي». وما بين نظام المحاصصة بين السنة والشيعة والأكراد، وغياب النواب، والبيروقراطية والروتين وإلغاء الجلسات بسبب الوضع الامني، يبدو ان مجلس النواب العراقي يتعثر في أداء مهامه، على أمل ان تتغير الاوضاع قريبا.