هنية.. المنطقة الرمادية

برز خطيباً مفوهاً.. وكرة القدم جمعته بأحمد ياسين.. والبعض يأخذ عليه عدم الحسم في القضايا الخلافية

TT

كما السهم أنطلق الشاب الوسيم الذي يرتدي بزة أنيقة، في البهو المفضي الى الغرفة التي يوجد فيها رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية في الطابق الثالث من ديوانه في حي النصر بمدينة غزة، ودخل الغرفة بدون استئذان. وما أن قضى ذلك الموظف بضع دقائق، حتى دخل ذات الغرفة موظف آخر، وهو يحمل هاتفا جوالا ويطلب هامسا من الشخص الذي على الطرف الآخر من الخط أن ينتظر قليلا حتى يرد عليه الرئيس. وبمجرد أن خرج الموظفان حتى دخل المستشار السياسي الخاص الدكتور أحمد يوسف ومعه الناطق باسم الحكومة الدكتور غازي حمد، ورئيس الديوان الدكتور محمد المدهون ليتباحث الأربعة في مجمل القضايا التي استجدت منذ أن افترقا الليلة الماضية. وكما يحدث في كل لقاء من هذا النوع يقوم المدهون بربط هنية تليفونيا بعدد من وزرائه في الضفة، للاطمئنان على سير الأمور هناك، ويستفسر عن عمل الوزارات، فالتواصل التليفوني هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن هنية من متابعة ما يحدث في الضفة. وفجأة يبلغ هنية أحد الوزراء وكان يتحدث معه أنه سيعاود الاتصال به لاحقا، فأحد الموظفين قد أومأ له أن وزير خارجية إحدى الدول العربية ينتظر على الخط الهاتفي، فيسرع الرئيس للرد عليه. وفي غمرة المشاورات والاتصالات يقتحم موظف آخر الغرفة ليقول إن عدداً من ممثلي الفصائل الفلسطينية ينتظرون في صالة الاستقبال حسب موعد تم تحديده سابقا. يترك هنية غرفته متجها صوب الصالة. هكذا تبدو الحياة في الساعات الثلاث الأولى من يوم عمل هنية، مع العلم أن هذا اليوم ينتهي عادة في الساعات الاولى من فجر اليوم التالي، والملاحظ أن معظم طاقم العمل في ديوان هنية هم من الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين الخامسة والعشرين والثلاثين عاماً. ومن المفارقة أن الشارع الذي يقع فيه ديوان هنية الرسمي والذي يدخله هو وموكبه كرئيس للوزراء الفلسطيني يومياً تقريباً، قد سلكه الرجل مشياً على قدميه آلاف المرات عندما كان طفلا وشابا ينتمى لإحدى العائلات الفقيرة في مخيم «الشاطئ» للاجئين، الذي يفضي اليه الشارع من الناحية الغربية؛ فهذا الشارع يربط بين هذا المخيم وبين مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التي تتلمذ فيها هنية كما هو الحال مع أبنائه حاليا، مثل سائر أبناء المخيم.

على الرغم من أن الكثيرين من داخل حركة حماس قد اقترحوا على هنية بعد تكليفه بتشكيل الحكومة الفلسطينية أن ينتقل بشكل مؤقت للإقامة في منزل آخر غير بيته الكائن في الطرف الجنوبي من مخيم «الشاطئ»، على اعتبار أن المكان غير مناسب، لاسيما أن الشارع المؤدي اليه ضيق، مثل بقية شوارع وأزقة المخيم الذي يتكدس فيه أكثر من 80 ألف نسمة على بقعة لا تتجاوز مساحتها الثلاثة كيلومترات مربعة، ويصعب على الكثير من كبار الزوار الوصول الى البيت بسياراتهم، إلا أن هنية رفض ذلك بإصرار. ويعتبر منزل هنية الذي يتكون من ثلاثة طوابق بؤرة عمل لا تقل أهمية عن ديوانه الرسمي، فان كان الرجل يخرج من منزله في تمام الساعة العاشرة صباحا تقريبا، فانه يعكف منذ ساعات الصباح الاولى على الإطلاع على تقارير تخص عمل الحكومة ويجرى اتصالات مكثفة مع مستويات وجهات مختلفة، الى جانب عقد اجتماعات ولقاءات داخل المنزل، لاسيما اللقاءات التي يعقدها من قادة حركة حماس. ومن يدخل منزل هنية، فانه سيجد صعوبة في التمييز بين معاونيه وحراسه وأبنائه، فللرجل أحد عشر من الأبناء الذين لا علاقة لهم بعمل أبيهم، ويقتصر دورهم على تقديم واجب الضيافة للزوار. ولد هنية في عام 1963، في مخيم الشاطئ للاجئين. وهو ينتمي الى عائلة فلسطينية هاجرت في العام 1948 من قرية «الجورة»، التي كانت تقع الى الشمال من مدينة «عسقلان»، الواقعة 20 كلم، شمال قطاع غزة، بعد أن هاجمتها العصابات الصهيونية. كان معظم الأهالي في هذه القرية يعملون في مجال صيد الأسماك، ومعظم هؤلاء واصلوا العمل في هذه المهنة بعد تهجيرهم الى قطاع غزة. ومن الذين هجروا من نفس القرية الشيخ أحمد ياسين مؤسس وزعيم حركة حماس الذي اغتالته اسرائيل في مارس (آذار) من عام 2004، كما ان عائلات كل من وزير الداخلية الحالي سعيد صيام والقائم بأعمال رئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، والناطق باسم كتلة الحركة في التشريعي صلاح البردويل هجرت من نفس القرية، كما أن عددا من القيادات الشابة وبعض نواب الحركة ينتمون الى عائلات هجرت من نفس القرية. ويقول أهل الجورة إنهم اكتسبوا الصبر وتميزوا ببرودة الأعصاب بسبب ما كابدوه في البحر. ومنذ نعومة أظفاره كان هنية مولعاً بالأنشطة الرياضية، وعندما كان طالبا في الصف الأول الإعدادي أنضم لفريق الأشبال التابع لمسجد الحي الذي كان يصلي فيه. في ذلك الوقت نظم المجمع الإسلامي الذي كان يرأسه الشيخ أحمد ياسين، والذي كان يمثل واجهة جماعة الاخوان المسلمين في قطاع غزة قد نظم دوري كرة قدم لفرق الأشبال التابعة لمساجد غزة، وفاز فريق هنية بالدوري، وكقائد للفريق كان عليه أن يتسلم كأس الدوري من الشيخ ياسين، فكانت هذه أول مرة يرى فيها هنية الرجل المقعد الذي ارتباط به أكثر من أي شخص آخر، فيما بعد. في المرحلة الاعدادية والثانوية ظل يلعب ضمن فريق كرة القدم، ووجد فرصته لكي يلعب ضمن فريق الجمعية الإسلامية بمدينة غزة، وكانت إحدى الجمعيات الخيرية التابعة للإخوان المسلمين في قطاع غزة، الى جانب اللعب ضمن منتخب المخيم. ظل هنية يواظب على دراسته من جهة وعلى ممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية والدينية ضمن الجمعية الإسلامية. في حديث سابق مع «الشرق الأوسط»، سرد هنية مشواره مع الرياضة. ويقول «أنا لاعب كرة قدم، لعبت منذ عام 1976 في نادي أشبال خدمات معسكر الشاطئ، لعبت في فريق الشباب التابع للنادي، ثم انتقلت للعب في نادي الجمعية الاسلامية، وكنت «كابتن» فريق الجمعية الاسلامية، وبعد ذلك كنت كابتن فريق الجامعة الاسلامية، شاركت في مباريات على صعيد الضفة والقطاع، ورأست نادي فريق الجامعة الاسلامية لمدة عشر سنوات، كنت رئيس البعثة الرياضية التي شاركت في الدورة الخامسة عشرة للأندية العربية لكرة الطائرة في الرياض». ويضيف «لكن، الآن لا امارس هذه الهواية، بسبب المشاغل، لكن أجد نفسي مشدوداً لمتابعة بعض الانشطة الرياضية في التلفزيون وغيرها لكن في نطاق ضيق جداً». ترعرع هنية في الوقت الذي كانت فيه الحركات الفلسطينية العلمانية تحتكر العمل السياسي، وكانت جماعة الإخوان تركز جهودها على العمل الدعوي والاجتماعي. بعد انهائه الثانوية العامة انتقل هنية للدراسة في معهد الأزهر الديني لعامين. وكانت هذه الفترة من أهم الفترات التي ساهمت في بلورة شخصيته وتوجهاته الإسلامية، ولعل ذلك جعل هنية يصر في زيارته الرسمية الأولى لمصر على الالتقاء بشيخ الأزهر. انتقل هنية بعد ذلك للدراسة في قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية التي كانت وما زالت معقلا هاما من معاقل الإخوان المسلمين وبعد ذلك حركة حماس. وانضم الى الكتلة الإسلامية وهي الجناح النقابي الطلابي التابع للإخوان المسلمين. وفي بداية دراسته الجامعية برز نجم هنية كخطيب مفوه، وتم انتخابه كعضو في مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة الذي تسيطر عليه حركة حماس حتى هذه اللحظة، وتولى رئاسة المجلس في الفترة بين العامين 1985 و1986. ولقد تولى معظم زملائه في مجلس اتحاد الطلبة مواقع قيادية بعد ذلك في الجناح العسكري لحركة حماس في الحكومة الحالية. وكان من أوثق زملائه يحيى السنوار ذو الشخصية الفولاذية والذي ينظر اليه عناصر حماس حتى الآن على أنه شخصية اسطورية، على الرغم من أنه قضى حتى الآن عشرين عاماً في سجون الاحتلال بعد صدور حكم عليه بالسجن مدى الحياة لقيادته جهاز «مجد»، الذي اقامه الإخوان المسلمون قبل الانتفاضة الأولى، وقد أدين السنوار بالمسؤولية المباشرة عن قتل عدد من جنود وضباط المخابرات الإسرائيلية الى جانب عدد من الفلسطينيين الذين كانوا يقدمون معلومات للاحتلال. وكان يقف في مواجهة هنية وزملائه في ذلك الوقت محمد دحلان رئيس لجنة الأمن والداخلية في المجلس التشريعي حالياً، الذي كان يتزعم حركة «الشبيبة»، الجناح النقابي الطلابي لحركة «فتح» في الجامعة الإسلامية. بعد تخرجه من الجامعة الاسلامية وحصوله على شهادة الماجستير عمل هنية معيدا في الجامعة الاسلامية ثم مسؤولا عن الشؤون الادارية في الجامعة. وكان مشهودا له بكفاءاته الادارية.اعتقلت اسرائيل هنية 4 مرات؛ الاولى منها خلال الانتفاضة الاولى التى اندلعت في ديسمبر (كانون الاول) عام 1987 في مخيم جباليا وهو نفس الشهر والعام الذي أعلن فيه انطلاقة حماس. ومكث بالسجن 18 يوما. وفي عام 1988 اعتقل مرة أخرى واستمر مسجونا لمدة ستة أشهر.أما المرة الثالثة فكانت عام 1989 وهي الاطول واعتقل بتهمة ادارة الجناح الأمني لحماس. وامضى ثلاث سنوات في السجون الاسرائيلية قبل إبعاده مع حوالي 400 من كوادر حماس والجهاد الاسلامي وقادتهما الى مرج الزهور في جنوب لبنان في 17 ديسمبر (كانون الاول) عام 1992، حيث استمر إبعاده لمدة سنة.

وقد فطن الشيخ أحمد ياسين بعدما أطلق سراحه من السجن في العام 1997، الى حيوية هنية الذي كان الخطيب الرئيسي في الحفل الذي اقامته حماس بمناسبة اطلاق سراح ياسين في استاد اليرموك، وعرض عليه أن يعمل لديه. لم يتردد هنية الذي كان في ذلك الوقت يعمل محاضراً في الجامعة الإسلامية بغزة، وعمل مديرا لمكتب الشيخ ياسين وأمين أسراره. ولما كان الشيخ يعاني من إعاقة دائمة، فقد كان هنية يقوم بكثير من الواجبات التي كان يتوجب على زعيم الحركة أن يقوم بها، وهذا ما سمح لهنية بتجذير مكانته في الحركة. وعند اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000، وقيام «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحماس بشن سلسلة من العمليات التفجيرية في قلب اسرائيل، تدرجت اسرائيل في الأهداف التي قررت المس بها داخل حركة حماس، حتى اتخذت حكومة شارون في عام 2003 قرارها القاضي بتصفية جميع مركبات القيادة السياسية لحركة حماس حتى الشيخ أحمد ياسين. ومثله مثل بقية قيادات حركة حماس، أصبح هنية مطارداً من جيش الاحتلال. وتعرض هنية لمحاولة اغتيال بينما كان برفقة الشيخ ياسين في 6 سبتمبر (ايلول) عام 2003، عندما ألقت طائرة حربية إسرائيلية من طراز «اف 16»، قنبلة تزن نصف طن على منزل في غزة يملكه النائب الحالي عن حركة حماس الدكتور مروان ابو راس، وكان الشيخ ياسين وهنية من المفترض أن يكونا بداخله. بمجرد ان وصل الشيخ ومعه هنية للمنطقة التي يقع فيها منزل أبو راس وقبل أن يدخلا فيه ألقت الطائرة القنبلة، فانهار المبنى الذي لم يكن يوجد فيه أحد، وأصيب كل من هنية والشيخ ببعض الشظايا. حماس قالت حينها أن ياسين وهنية كانا قادمين لتقديم التهنئة لأبو راس بمناسبة اجتماعية، لكن المخابرات الإسرائيلية قالت إن الاثنين كان ينويان الالتقاء بقيادة الجهاز العسكري لحركة حماس في الطابق الثالث من منزل ابو راس. إسرائيل قالت في حينه إن المعلومات الاستخبارية التي لديها لم تكن دقيقة الى حد تحديد موعد دخول الشيخ ياسين ومن معه المنزل بالضبط، وهذا ما أدى الى نجاة الاثنين. ولاحقا أدى غياب القادة المؤسسين لحركة حماس الى فتح الطريق أمام تبوؤ هنية موقعه الحالية؛ ففي مارس من عام 2004 تمت تصفية الشيخ ياسين، وفي الشهر الذي يليه تمت تصفية الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وقبلهما تمت تصفية الدكتور ابراهيم المقادمة وإسماعيل ابو شنب. وعندما خاضت حماس الانتخابات التشريعية الأخيرة، وقع اختيار المؤسسات الشورية في الحركة على هنية ليتصدر قائمتها الانتخابية ومن ثم ليتولى رئاسة اول حكومة تكلف بتشكيلها. وبذلك يكون هنية اول شخصية من حماس تتولى رئاسة الوزراء في السلطة وثالث رئيس للوزراء بعد محمود عباس (ابو مازن) (من ابريل (نيسان) 2003 وحتى اغسطس (آب) 2003)، واحمد قريع (ابو علاء) سبتمبر (أيلول) 2003 وحتى مارس (آذار) 2006). ويكون هنية ايضا اول فلسطيني من الداخل، ليس هذا فحسب، بل اول فلسطيني ولد وترعرع في أحد مخيمات غزة، يتبوأ هذا المنصب. اذ اقتصرت المناصب الرئيسية في السلطة الفلسطينية على العائدين، كما انه اصغر من تولى هذا المنصب. ومنذ تولى هنية رئاسة الحكومة الفلسطينية تباينت وجهات النظر فى أداء حكومته، وما اذا كان اتخذ القرارات الصحيحة، مثلما تباينت الآراء فى معالجة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للوضع. ويأخذ البعض على هنية مثلا ميله لعدم الحسم في القضايا مثار الجدل، والإمساك بالعصا من النصف، وأنه لا يستطيع «الضرب على الطاولة» عند اللزوم لفرض قيادته، لاسيما داخل الحكومة. ويشير هؤلاء الى المشاورات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، واتهام فتح له بأنه تراجع عن الاتفاق الذي توصل اليه معها حول البرنامج السياسي للحكومة. يرفض مستشاره السياسى الخاص الدكتور أحمد يوسف هذا الحكم، ويقول إن حقيقة جمع هنية بين رئاسة الوزراء وقيادة حركة حماس، يجعله ملتزما بمقررات الهيئات الشورية لحركة حماس، على اعتبار أنها الحركة التي فازت في الانتخابات التشريعية وعلى أساس برنامجها تشكلت الحكومة. ويؤكد يوسف أن هنية لا يستطع أن يتبنى موقفا مستقلا. ويستدرك قائلا إنه دائما ما يحاول اقناع زملائه في قيادة الحركة والحكومة بتبني المواقف التي تساهم في دفع نحو التوافق الداخلي. ويضيف «قد يبدو هنية احياناً كحمل وديع، لكنه يتحول الى أسد هصور، إذا ما شعر أن خطراً يهدد المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني». لكن الأمر الذي لا خلاف عليه بين كل الذين احتكوا بهنية، سواء كانوا أعضاء في طاقم العمل معه، أو من الذين ينتمون الى حركته، أو من خصومه السياسيين أن الرجل يتميز بتواضع كبير وابتسامة دمثة لا تفارقه. والذي يدخل ديوان هنية، وتحديدا الطابق الثالث في المكتب يلمس الشعور بالرضى لدى طاقم الشباب الذي يعمل مع هنية. فلدى دخوله وخروجه من غرفته يتبادل النكات مع الشباب الذين يعملون في الغرف المجاورة لغرفته. ويقول مستشاره السياسي أنه مضى على عمله مع هنية حوالي عام وجده فيها قائداً متواضعاً، لكنه ذو كاريزما، محب للعاملين معه، يؤمن بالتكامل بين طاقم العمل في الديوان. ويضيف «إذا نصحته يقبل النصيحة، اذا وجهت له نقداً يتقبل النقد بصدر رحب، يحرص على استشارة كل من يرى أنه قادر على تقديم النصح والمشورة». ويشدد يوسف على أن هنية لا يحاول دائما فرض رأيه، منوهاً بأنه حضر عدة لقاءات لفرز مرشحين لتولي مناصب كبيرة في الحكومة ومؤسساتها، حيث لم يحاول هنية فرض المرشحين الذين اقترحهم، بل أنه تنازل عن معظم هؤلاء المرشحين عندما اطلع على قائمة المرشحين الأخرى.

ويتذكر يوسف انه اتفق معه ذات مرة على ارسال رسالة عبر البريد الإلكتروني باسم الحكومة للجنة الرباعية للرد على ما جاء في نهاية احد اجتماعات اللجنة، وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكان جهاز الحاسوب الوحيد في منزل هنية يقع في غرفة نومه، فما كان منه إلا أن أيقظ زوجته وطلب منها المغادرة، وبعد ذلك سمح ليوسف بالدخول لإرسال الرسالة. ويشير يوسف الى أن هنية دائماً ما كان يدفع حركته لإبداء التنازلات في الحوار الداخلي، من أجل التوافق مع الفصائل الفلسطينية الأخرى ولتعزيز الوحدة الوطنية. ويتفق صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الذي عمل الى جانب هنية ضمن «لجنة المتابعة العليا للفصائل الفلسطينية» مع ذلك قائلا إن أكثر ما يميز هنية او «ابو العبد»، هو التواضع الجم والأدب والترفع عن صغائر الأمور، والاستقامة وطيب المعاملة، وقدرته الفائقة على الاتصال بالآخرين وبناء جسور تواصل معهم. ويضيف زيدان أنه يمكن وصف «ابو العبد» بأنه «رجل الحوار». ويشير الى بعد آخر يجعله دائما يكن احتراماً كبيراً لشخص هنية رغم التباينات الكبيرة في وجهات النظر السياسية. ويقول «عندما تجلس أمام رجل نجا من عدة محاولات اغتيال دبرها جيش ودولة الاحتلال له بسبب مواقفه الوطنية، ولتحمله أعباء القضية الفلسطينية، انك تدرك دائما أنك تجلس أمام شهيد حي، لا يمكنك إلا أن تشعر بالاحترام والمهابة تجاهه». ويشدد زيدان على مساهمات هنية الشخصية في بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، عبر اسهاماته الإيجابية في الحوار الوطني، ودفعه زملاءه في قيادة حركة حماس للتوافق من أجل التوصل لقواسم مشتركة مع بقية الفصائل. وما بين المنطقة الرمادية وبين من يرون ان هنية حريص على وحدة الصف الفلسطيني وانه من اجل ذلك لا يمانع في ان يقدم تنازلات، وبين من يرون في تقديم هنية لهذه التنازلات «استسلاما» من جانبه وعدم اتجاهه بما يكفي للحسم في القضايا التي تحتاج الى حسم، توجد مساحة كبيرة للتفسير من مؤيد ومعارض.