الأولمبياد والسلوكيات

أولمبياد 2008 في بكين يعلم الصينيين الإنجليزية والالتزام بقواعد المرور.. وعدم البصق في الشوارع

TT

عندما تقدمت الصين بطلب تنظيم دورة الالعاب الاولمبية رقم 29، واجهت معارضة شديدة بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الانسان والتضييق على حريات الرأي والتعبير وعدم الثقة في ان الشعب الصيني قادر على استضافة هذا الحدث الكبير. الا ان بكين حصلت على حق تنظيم الدورة الاولمبية لعام 2008 بعد منافسة مع تورونتو في كندا وباريس في فرنسا في يوليو (تموز) عام 2001. ويبدو ان الكثير من الأشياء في الصين تتغير في اطار الاستعداد لاستضافة الاولمبياد، واول الاشياء التي تتغير الثقافة اليومية للصينيين، الذين بدأ الآلاف منهم يتلقون دورسا في طريقة التعامل مع الأجانب، وغير ذلك من التصرفات الشخصية مثل البصق في الطرقات، والسير بدون الالتزام بإشارات المرور، أو استخدام المرافق العامة بدون الالتزام بالقواعد أو بطريقة لائقة. كما أن عشرات الآلاف بدأوا يتعلمون اللغة الانجليزية، أما بسبب انهم يريدون العمل في تنظيم الالمبياد، أو لأن اعمالهم الأخرى، السياحة او قطاع الخدمات عموما، ستتأثر ايجابيا وتزدهر من الالمبياد. فكيف تستعد اكبر دولة في العالم، من حيث عدد السكان للحدث الرياضي الهائل، ولا سيما انها المرة الاولى منذ اولمبياد موسكو عام 1980 التى تنظم فيها دولة تسيطر على وسائل الاعلام الالعاب الاولمبية.

طبقا للموقع الرسمي لاولمبياد 2008 على الانترنت خصصت الصين 40 مليار دولار للبنية الاساسية للدورة الاولمبية في العاصمة بكين، وعلى تدريب الاشخاص الذين سيعملون بها.

وقد قارب العمل على الانتهاء في الاستادات المخصصة للدورة، حيث يجري العمل فيها لمدة 24 ساعة في اليوم. وتشهد بكين، التي يقطنها 14 مليون نسمة، عملية تجديد شاملة حيث اقيم فيها شبكة مترو انفاق جديدة وطرق علوية ومطار وشبكة مجار جديدة. وتم هدم 300 الف منزل جديد لبناء 36 استادا و59 مركزا للتدريب ومركز للمؤتمرات والقرية الأولمبية ومركز الالعاب المائية والسباحة ومركز ووكسونغ الثقافي والرياضي.

واشارت التقارير الصحافية الى ان عملية التنفيذ تسير طبقا للبرنامج الخاص بها، بما في ذلك الاستاد الأولمبي الرئيسي الذي اطلق عليه اسم «عش الطيور» ومركز السباحة والالعاب المائية الذي يعرف باسم «مكعب الماء» بسبب تصميمها غير العادي. وترمز استضافة الصين للدورة الاولمبية للوضع الاقتصادي والسياسي المتزايد للصين، مثلما فعلت دورة طوكيو للالعاب الاولمبية عام 1964 لليابان. وربما كان ذلك السبب وراء اختيار الصين لشعار «نفس العالم ونفس الاحلام»، شعارا للدورة.

الحرفية هي الكلمة الأساسية بالنسبة للإعداد للدورة الأولمبية، والتي يتم الترويج لها عبر كل «النوافذ الصناعية والحرفية» مع التعديلات التي تطرأ على قواعد الخدمة لتحسينها كي تقدم خدمات ذات مستوى عال للمساعدة على ترسيخ صورة «بكين جديدة، دورة ألعاب أولمبية عظيمة». وسيتم تقديم الأزياء الموحدة في بعض الخدمات مثل خدمات التاكسي والحافلات والقطارات. ويتدرب الشعب الصيني كي يتصرف أمام المجتمع الدولي باعتباره «نموذجا في بناء أخلاقية المواطن» لتعزيز المبادئ الأخلاقية للكياسة الاجتماعية، وروح المساعدة والعناية بملكية الدولة وحماية البيئة وطاعة القانون. كما ان الكثير من الممارسات اليومية مثل القاء نفايات ورقية فى الشارع او البصق فى الطرقات او الكتابة على الجدران خضعت بدروها للتغيير، اذ تقوم السلطات بإعطاء عشرات الآلاف دروسا في طريقة التصرف وحسن السلوك. كذلك أطلقت لجنة الألعاب الأولمبية برامج لتعلم اللغات الأجنبية، وبالذات الانجليزية لجعل عدد كبير من المواطنين قادرين على التحدث بمائة جملة لتلبية متطلبات الاحتياجات اليومية لما لا يقل عن لغة اجنبية واحدة قبل انتهاء عام 2007. ويجب أن يتدرب الموظفون الذين يعملون في الخدمات ذات الاحتكاك بالأجانب، خاصة على تعلم اللغات الأجنبية وخصوصا الانجليزية.

ويجرب مكتب السياحة المحلي، استخدام كتب الدليل السياحي وإشارات الخرائط السياحية ومواقعها على شوارع مختلفة، وعلى مواقع سياحية اساسية ومرافق خدمية بارزة. وتم تقديم مواقع المرافق العامة التي يستخدمها السياح بانتظام على شاشات موضوعة في أماكن عامة، كذلك سيكون هناك أشخاص متحركون يقدمون المعلومات للزوار أثناء الألعاب الأولمبية. كذلك ستمتلك الدوائر المعنية بالسياحة إشارات مكتوبة بالصينية والإنجليزية مع وجود إشارات مكتوبة بلغات متعددة في بعض المواقع والملاعب. غير ان التحديات لا تشمل فقط التنظيم واعداد الملاعب، بل ايضا اعداد الطعام. وقد شكلت السلطات الصينية لجنة مسؤولة عن أمن الطعام. وسيتم استخدام الفئران لاختبار الطعام والشراب من خلوه من المواد السامة قبل يوم من اعطائه على الرياضيين المشاركين في الدورة. وقال جاو خينشينغ من مكتب التفتيش الصحي الخاص ببكين، لوكالة خينهاو للأنباء «سيتم فحص الحليب والكحول والسلطة والرز والزيت والملح والتوابل من قبل فئران بيضاء قبل 24 ساعة، من استخدامها من قبل الرياضيين».

ويتم اعداد قائمة طعام خاصة مع التركيز على المطبخ الصيني للرياضيين، وهناك أكثر من 100 وجبة صينية على قائمة الطعام مع التحضير للطلب المتزايد للسوق المستقبلية خلال دورة الألعاب الأولمبية المقبلة، وسيتعشى الرياضيون والزوار بالتأكيد خلال الدورة خارج مباني الألعاب. وتتوفر مطاعم تتماشى مع رغباتهم. وللتقليل من المخاطر التي يمكن أن يواجهها الرياضيون خارج المناطق الأولمبية ستهيئ المطاعم قوائم طعام خاصة لهم. وحاليا يتم تدارس وضع قواعد للمطاعم التي يوصى بزيارتها بالنسبة للرياضيين.

وبسبب المناخ والطبيعة الصناعية للمدينة، تكثف سلطات بكين جهودها في حملة «تشجير أولمبي» عبر تزيين السقوف بالحدائق. وتخصص الحكومة المحلية ملايين الدولارات لتشجير 100 ألف متر مربع من السقوف العام المقبل، بصورة رئيسية في مناطق قريبة من منشآت أولمبياد 2008. وبحلول نهاية عام 2007 سيرى المسافرون مباني خضراء عندما تحلق طائراتهم فوق منطقة المطار.

وبالرغم مما انفقته الصين حتى الآن، الا ان الاولمبياد ستؤدى الى تعزيز اقتصاد الصين. اذ ان هناك مليار دولار بصيغة استثمار أجنبي مباشر، يركز على البيوتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والالكترونيات والطاقة وحماية البيئة وقطاعات المواد الجديدة. وتنفق مليارات الدولارات على الاتصالات السلكية واللاسلكية.

كما أن الألعاب ستوفر مليار دولار في صيغة رعاية، بينما تحصل بكين على ملايين الدولارات عبر مبيعات الرموز الاولمبية والطوابع البريدية وأكثر من 300 من المنتجات الأخرى المرخص ببيعها، وهي في 188 مكانا عبر البلاد في الوقت الحالي، وتوسيع خط انتاجي لقمصان «التي شيرت» والقبعات والأقلام والحقائب التي تحمل شعار العاب 2008، وفقا لما اورده مسؤولون عن الاولمبياد.

وتعتزم عاصمة الصين استثمار 854 مليون دولار في تشييد وتجديد المتاحف استعداد للألعاب الأولمبية. وبحلول عام 2008 سيكون هناك 130 متحفا في بكين. وأنفقت بكين ما يقرب من سبعة مليارات على المشاريع البيئية مثل انشاء انابيب الغاز الطبيعي ومستودعات الخزن وتحسين توزيع الطاقة الكهربائية، واعادة هندسة هياكل تجهيزالطاقة وتنفيذ المعايير الأوروبية الخاصة بعوادم السيارات وزيادة استخدام الغاز الطبيعي النظيف والغاز الطبيعي المسيل.

وفيما يتعلق بالترتيبات الأمنية، ستنتج الصين ماكنات خاصة في مطاراتها المدنية البالغ عددها 147 مطارا لتشخيص المتفجرات السائلة، وتحسين العمل الاستخباراتي وتعزيز تدريب موظفي الأمن والقيام بترتيبات الاستجابة الطارئة، وتحسين الأمن العام من أجل خلق بيئة مستقرة ومنسجمة للألعاب الاولمبية. وخلال الألعاب الاولمبية عام 2008 سيكون مسافرو الأنفاق قادرين على مشاهدة البث التلفزيوني وبرامج الترفيه ونشرات الأحوال الجوية ومواعيد قطارات الأنفاق ومعلومات الطوارئ والانذارات الأمنية على شاشات التلفزيون. ويصل عدد المسافرين يوميا على طرق الأنفاق الأربعة الى ما يقرب من مليونين. وتتميز بكين ايضا بانشاء «المبنى الأعلى»، وهو المكاتب الجديدة للتلفزيون المركزي في الصين التي تسيطر على معظم البث الرياضي في الصين، قبل ان يصل الى المشاهدين الأجانب.

وقد منحت الحكومة في اطار الاستعدادات للدورة الاولمبية، وسائل الاعلام الاجنبية حرية كبيرة للتنقل وكتابة تقارير حول الدورة «والقضايا المتعلقة بها ابتداء من يناير القادم».

الا ان تلك اللوائح الجديدة لم تطبق على الصحافيين الصينيين، حيث لا تزال وسائل الاعلام المحلية مقيدة.

وتتوقع الحكومة الصينية، وصول ما يقرب من 30 الف صحافي اجنبي لتغطية الدورة الاولمبية. ومن المتوقع مشاركة ما يقرب من 10500 رياضي، بالاضافة الى المنظمين. كما ستساهم الدورة في تنشيط السياحة في الصين حيث من المتوقع حضور حوالي 7 ملايين سائح للصين. وقد بذلت بكين جهدا كبيرا لتحسين مستوى الخدمات في الفنادق. ومن المتوقع بحلول عام 2008 زيادة عدد الفنادق في العاصمة الصينية من 600 فندق الى 800 فندق، وهو يشمل 37 فندقا خمسة نجوم و83 فندقا 4 نجوم، بالاضافة الى نصف مليون سرير في خان ومنتجع خارج نطاق الدرجات السياحية.

وقد تم توقيع اتفاقية بين مكتب السياحة في هونغ كونغ ومكتب السياحة في بكين لتبادل الدعم في مجال الترويج للسياحة في الفترة السابقة للدورة. وأدى تنظيم الدورة الاولمبية في بكين الى خلق 1.82 مليون وظيفة جديدة في قطاع السياحة. وقالت لجنة تنظيم الألعاب الأولمبية في بكين إنها ستدرب 200 ألف شخص لدورة لألعاب الأولمبية. وسيكون طلاب الجامعات القوة الأساسية ضمن المتطوعين لخدمة الدورة، حيث سيتم تدريبهم حول الألعاب الأولمبية، وما يخص ألعاب المعوقين. كذلك ستجرى للمتطوعين اختبارات الكفاءة للغة الانجليزية. ونقلت صحيفة «تشاينا ديلي» عن ليو كي رئيس المسؤولين عن تنظيم الألعاب الأولمبية على مستوى الصين إنه يريد عكس «الخصائص الصينية» من خلال مناسبات ثقافية تقدم على مستوى إعلامي واسع، وأن تكون هناك حركة مرور سهلة مع خدمات إعلامية ممتازة مع أداء ممتاز للرياضيين الصينيين. وباستضافة الألعاب، يريد الصينيون اعترافا دوليا بالكنوز المذهلة، التي خلقها عملهم الشاق والدؤوب، وظهور بلدهم كواحدة من اهم القوى الدولية في عالم اليوم، ليس فقط اقتصاديا، لكن على كل المستويات.