معركة زواج أميركية

زواج بنت قاصر يصبح قضية أمام المحاكم ويفتح ملف المورمون وتعدد الزوجات

TT

يوم الجمعة الماضي قرر جيمس شوميت، قاضي المحكمة الفيدرالية في ولاية يوتا الأميركية، ان يمثل أمام المحكمة في ابريل (نيسان) المقبل القس وارين جيفز، زعيم احدى الجماعات الدينية التي تتبع للكنيسة المورمونية، وذلك بتهمة «الاشتراك في اغتصاب بنت قاصر». ليس لأنه شارك فعلا، ولكن لأنه ضغط على البنت لتقبل الزواج وهي قاصر باعتبار أن تلك إرادة إلهية. وإذا أدين القس جيفز (عمره 51 عاما)، فيتوقع ان يقضي بقية عمره في السجن، وذلك لأن القانون الاميركي يفرض احكاما سجن قاسية في ما يعتبر «اعتداء على صغار السن أو المشاركة في الاعتداء عليهم».

لكن، ليست هذه قضية عما يعتبر جريمة «اعتداء عادية»، ولكنها عن «اغتصاب باسم الزواج»، وذلك لأن القس جيفز أقنع البنت القاصر بأن «تتزوج» وأجرى مراسيم «الزواج». وكان ذلك قبل ست سنوات، وكان عمر البنت 14 سنة، وعمر الزوج 24 سنة.

لم تحضر البنت جلسة المحكمة يوم الجمعة، ولم يحضر زوجها، وهو قريبها أيضاً، ولكن حضر القس جيفز، وكان مقيدا بالسلاسل (اعتقل في السنة الماضية)، ولم يسمح له بأن يتحدث للصحافيين. لكن، تحدث للصحافيين محاميه، والي بيغدان، واعترض على قرار المحكمة، وقال ان موكله بريء. وهاجم البنت هجوما شديدا، ووصفها بالمنافقة.

وتحدث بعده للصحافيين روجر هول، محامي البنت، وقال: «كلفتني موكلتي ان اعلن بالنيابة عنها انها سعيدة جدا لأن القانون، اخيرا، برهن على انه عادل ونزيه. هذه قضية عن الحرية».

وتحدث للصحافيين، ايضا، بروك بلناب، ممثل الاتهام، وقال: «كرر المتهم (القس جيفز) مرات كثيرة، داخل المحكمة وخارجها، انه فعل ما فعل لأن دينه يحلل له ذلك. نعم، يملك كل شخص في الولايات المتحدة الاميركية حرية ان يقول ما يريد، وان يفعل ما يريد. لكن، اشتراك المتهم في اغتصاب بنت قاصر. يرفض القانون ذلك رفضا قاطعا». وسأل صحافي: «لكن، لم يشترك القس جيفز في عملية الاغتصاب؟»، وأجاب ممثل الاتهام: «كانت البنت الضحية، في ذلك الوقت، عضوا في الجماعة الدينية التي يقودها القس جيفز، والذي كان يسيطر سيطرة كاملة على أتباعه، ويقدر على ان يحدد ماذا يفعلون، وأين يسكنون، ومن يتزوجون. لم يكن هناك أي خيار لبنت عمرها 14 سنة، غير ان تطيع الزعيم الديني».

حتى القاضي شوميت، الذي اصدر الحكم، تحدث بغضب عن القضية. ومن جانها قالت البنت عندما شهدت أمام القاضي الشهر الماضي: «اكثر لحظة سوداء في حياتي كانت ليلة جعلوني اقابل من قالوا انه زوجي. حدث ذلك ذات ليلة في غرفة في فندق في منطقة ريفية (في ولاية يوتا). شعرت بأن كرامتي انهزمت هزيمة قاسية».

لكن، هناك رأيا آخر تمثله آن وايلد، رئيسة جمعية «برنسبل فويس» (صوت المبدأ) في ولاية يوتا. فقد قالت «نحن ضد القس جيفز لأنه اشرف على زواج بنت قاصر، وخرق القانون. لكننا معه لأنه يؤمن إيمانا دينيا بتعدد الزوجات». وقالت إن تعدد الزوجات كان وما يزال موضوعا هامشيا في تعاليم الكنيسة المرمونية. وان الكنيسة تركز على الاخلاص في العبادة، وتقوية العلاقات العائلية، والمحافظة على الصحة، وحسن المظهر، وحسن الاخلاق، وتمنع الخمر، وتمنع الجنس قبل الزواج، والجنس خارج الزواج، وتعارض الشذوذ الجنسي. ويذكر أن الكنيسة المرمونية (اسمها الرسمي: كنيسة عيسى المسيح لآخر الايام) أسسها القس جوزيف سميث في ولاية يوتا سنة 1830. وزعم ان الوحي نزل عليه لتأكيد تعاليم المسيح التي قال ان المسيحيين في ذلك الوقت كانوا «يدعون لها، ولا يمارسونها». لكن، عارض الشعب الاميركي كله تقريبا هذه الرسالة. اولا، اعتبرها تمردا على تعاليم الكنيسة البروتستانية السائدة. ثانيا، عارض تعدد الزوجات لأسباب دينية، ولأسباب سياسية (اعتبره نوعا من الرقيق، رغم ان امتلاك الرقيق السود كان قانونيا في ذلك الوقت).

وأعلن الكونغرس ان تعدد الزوجات ضد القانون، وأيدته المحكمة العليا، وقالت، في قرارها «لا تقدر الحكومة على منع اي عقيدة او فكر. لكنها تقدر على منع ممارسة معينة». وبدأت وزارة العدل حملة ضد المورمون، ورفعت قضايا ضد بعضهم، وصادرت بعض كنائسهم، وضايقتهم خلال خمسين سنة تقريبا. واضطر اتباع الطائفة للتجمع في يوتا. ثم رضخوا، واضطروا لإلغاء تعدد الزوجات رسميا رغم ان بعضهم ظل يمارسه. وكان ذلك شرطا من شروط اعتراف الكونغرس بولاية يوتا، التي لم تنضم الى الولايات المتحدة الاميركية الا في وقت لاحق سنة 1896.

ثم تجمع، قبل مائة سنة تقريبا، مؤيدو تعدد الزوجات، وأسسوا «الكنيسة المرمونية الاصولية». وكتبت، مؤخرا، جريدة «سولت ليك تربيون» ان عدد هؤلاء 40 ألف شخص تقريبا اكثر من نصفهم اطفال. لكن حتى هؤلاء ينقسمون الى جماعات، منهم:

ـ أولا: «ابوستل بروذرس» (الاخوان الحواريون) الذين ينتمي اليهم القس جيفز. ويرفض هؤلاء اي تدخل حكومي في شؤونهم الدينية، وذلك اعتمادا على فصل الدين عن الدولة فصلا كاملا (حتى اكثر مما نص عليه الدستور الاميركي)، وعددهم عشرة آلاف شخص تقريبا، ويعيشون في مناطق ريفية على الحدود بين ولايتي يوتا واريزونا. وهم الذين تطاردهم الشرطة اكثر من غيرهم، لأنهم يتزوجون بنات قاصرات، ولأنهم يظهرون في التلفزيون ويفتخرون بتعدد الزوجات.

ـ ثانيا، «انديبندانتز» (المستقلون) الذين تنتمي اليهم آن وايلد، التي تحدثت دفاعا عن القس جيفز. ويؤمن هؤلاء بتعدد الزوجات مع الالتزام بالقانون، وعددهم 15 ألفاُ تقريبا، وتسكن اغلبيتهم في مدينة سولت ليك سيتي ومدن اخرى في ولايات مجاورة (ينتمي عدد قليل منهم الى كنائس اخرى، او ليسوا مسيحيين). لكن تعدد الزوجات ليست ظاهرة جديدة في الغرب، فقد كتب صمويل جابمان في كتابه «تعدد الزوجات وقانون حقوق الانسان» يقول «تؤكد وثائق اغريقية ورومانية كثيرة انهم كانوا يمارسون تعدد الزوجات قبل ميلاد المسيح». ولم يشر الانجيل الى تعدد الزوجات، لكن، سأل القس ايوجين هيلمان، في كتابه «اعادة النظر في تعدد الزوجات»: «كيف نحرم ما لم يحرم المسيح؟». ومنع تعدد الزوجات القديس اوغسطين، لكنه فعل ذلك تحت ضغط الامبراطور الروماني. وكتب: «تزوج آباؤنا (الانبياء الاوائل) اكثر من زوجة لأنهم كانوا يريدون زيادة النسل. لكن، تمنع العادات الرومانية الحالية تعدد الزوجات». وجاء بعده، بأكثر من ألف سنة، مارتن لوثر، مؤسس المذهب البروتستاني، ولم يقدر، ايضا، على حسم الموضوع، فمنع تعدد الزوجات، لكنه نصح الذين لا يقدرون على التخلص من عشيقاتهم ان يتزوجوهم. لكن، في وقت لاحق، حسم المسيحيون الموضوع، ومنعوا تعدد الزوجات.

ومارس الصينيون القدماء أيضاً تعدد الزوجات اعتمادا على الدين البوذي والتعاليم الكونفيوشنية التي تشجع العمل لزيادة الممتلكات (وترى الزوجات ممتلكات، وايضا الجاريات). واستمرت العادة، خاصة وسط الحكام والأغنياء حتى قبل ستين سنة، عندما قامت الثورة الشيوعية في الصين، ومنعت ذلك.

واعتمد الهنود القدماء على دينهم الهندوسي، ومارسوا تعدد الزوجات (والجاريات)، ولأن الهندوسية تعترف بالطبقات، سمحت للطبقات العليا بتعدد الزوجات، ومنعت الطبقات الدنيا من ذلك، حتى استعمر البريطانيون الهند، ومنعوا ذلك. (يمنع دستور الهند الحالي تعدد الزوجات، لكنه يسمح به للمسلمين).

ويمارس الأفارقة، في دول أفريقية كثيرة، تعدد الزوجات أيضاً. ومارس عدد قليل جدا من اميركيين واميركيات، خلال سنوات تحرير المرأة وتحرير الزنوج قبل ثلاثين سنة تقريبا «الزواج الجماعي»، حيث عاش ازواج وزوجات في منزل واحد وتقاسموا المعاشرة وتربية الاطفال.

وخلال الثلاثين سنة الماضية، ألغت ولايات أميركية كثيرة قوانين كانت تمنع سكن رجل وامرأة غير متزوجين في منزل واحد. وألغت قوانين كانت تمنع المعاشرة ما دامت برضى طرفين بالغين. لكن القانون الاميركي واضح في نقطتين: أولا، الزواج القانوني هو الذي توافق عليه بلدية او مقاطعة او ولاية. ثانيا، ليس هناك مبرر لزواج رجل من زوجة ثانية اذا كانت تعلم الاولى او الثانية، او اذا كانتا لا تعلمان.

وقالت آن وايلد لـ«الشرق الأوسط» انها كانت زوجة لرجل تزوج زوجتين في نفس الوقت، وبعلم كل الاطراف. لكنها قالت ان طائفتها المرمونية (المستقلين) ليست متطرفة مثل طائفة القس جيفز (الاخوان الحواريين)، وذلك لأنها لا تفاخر بتعدد الزوجات، ولا تتعمد إعلانه للناس، ولا تتحرش بالقانون.

وأضافت: «تربيت، منذ ان كنت طفلة صغيرة، تربية مستقلة. وكنت دائما فخورة بفرديتي. لم انضم الى الكنيسة المرمونية لأكون زوجة ثانية. انضممت اليها لأني وجدتها تركز على الاخلاق في السلوك اليومي. كرهت نفاق المسيحيين وغير المسيحيين الذين يدعون لشيء، ويمارسون شيئا آخر».