الإنفاق على المعرفة

منحت جامعات آسيا 1.2 مليون طالب درجة في مجال العلوم والتكنولوجيا

TT

تتحول آسيا، على نحو سريع، الى محور عالمي جديد للأبحاث في العلوم والتكنولوجيا متحدية هيمنة الولايات المتحدة وأوروبا. ويشير بحث أجرته مؤسسة «ديموس» البريطانية الى هيمنة آسيا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والأعمال والاختراعات في العقد المقبل، مشيرا الى أن الصين والهند وكوريا الجنوبية تبرز باعتبارها «مراكز استقطاب في مجال الاختراعات». وبالأرقام فان الصين تجاوزت اليابان لتصبح المستثمر الثاني في العالم في مجال الأبحاث والتطوير بعد الولايات المتحدة. ووفقا لأرقام في «تقرير العلوم والتكنولوجيا والصناعة لعام 2006» أنفقت الصين ما يقرب من 136 مليار يورو على الأبحاث والتطوير في عام 2006، واليابان ما مجموعه 130 مليار يورو. غير أن الولايات المتحدة ظلت تقف على رأس دول العالم في استثمارات الأبحاث والتطوير بما يقرب من 330 مليار يورو. أما دول الاتحاد الأوروبي، التي تضم 15 دولة بينها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، فقد انفقت 230 مليار دولار. وفي الفترة من 1995 حتى 2001 زادت الصين وكوريا الجنوبية وتايوان من اجمالي الانفاق على الأبحاث والتطوير بما يقرب من 14%، بينما زادت الولايات المتحدة استثماراتها بـ 34%.

وفي مجال الجوائز والشهادات وبراءات الاختراع زادت الحصة الآسيوية أيضا. فالحصة الأميركية من جوائز نوبل خلال الفترة فى العقود من الستينات الى التسعينات انخفضت عام 2000 الى ما يقرب من النصف. ويمكن رؤية المثال الأكثر ملموسية على التفوق الآسيوي في مجال الأبحاث العلمية والهندسية المنشورة. فقد تابعت سلسلة من كبريات مجلات الفيزياء الكبرى في العالم تغيرا في الاتجاه، اذ هبطت المطبوعات الأميركية خلال العقدين الماضيين بنسبة 29 % من نسبة 61% عام 1983، بينما زادت المطبوعات الآسيوية من 11 الى 17%. وتقدمت الصين سريعا عبر ما يزيد على ألف مطبوعة سنويا. وتتقدم تايوان وسنغافورة على الولايات المتحدة في الرقم العام لبراءات الاختراع. ويشير تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» حول نمو آسيا في مجال الابتكار العلمي والتكنولوجي، مستشهدة بما قالته ديانا هيكس، رئيسة معهد السياسة العامة في معهد جورجيا للتكنولوجيا، الى أنه «من المدهش ان نرى هذه الحصيلة في ارقام المطبوعات والشهادات وبراءات الاختراع تتسارع على هذا النحو. انه شيء لا يصدق».

ومن عام 1989 وحتى عام 2001 زادت براءات الاختراع المسجلة بأسماء باحثين آسيويين من الصين والهند وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، بنسبة 859%، بينما النشاط في مجال براءات الاختراع في التكنولوجيا داخل هذه البلدان كان بسرعة اقل بحيث بلغت نسبته 116%.

كما أن مجال المواهب يشهد نموا. فعدد الباحثين في روسيا يزيد بسرعة ومزيد من الآسيويين يحصلون على درجات الدكتوراه. وفي عام 2000 منحت الجامعات الآسيوية ما يقرب من 1.2 مليون درجة في مجال العلوم والتكنولوجيا، بالمقارنة مع 850 ألف درجة في أوروبا و500 ألف درجة في أميركا الشمالية. وفي عام 2001 كان ما يزيد على نصف المواقع ما بعد الدكتوراه في مجال العلوم والتكنولوجيا في الولايات المتحدة يحملها باحثون ولدوا في بلدان اجنبية. ويتخرج في الهند 2.5 مليون في مجال تكنولوجيا المعلومات والعلوم والهندسة سنويا. وتحتل الصين الآن المرتبة الثانية في العالم حيث يوجد 966 الف باحث لتأتي مباشرة بعد الولايات المتحدة حيث يوجد ما يزيد على 1.3 مليون باحث، وتتقدم على اليابان التي يوجد فيها 677 ألف باحث بينما تحتل روسيا المركز الرابع، وفقا لما اورده تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من باريس مقرا لها حول اتجاهات التكنولوجيا في العالم. ويقول تقرير اليونسكو العلمي لعام 2005 ان اجمالي الانفاق على الأبحاث والتطوير في آسيا زاد من حصة عالمية بلغت 27.9% عام 1997 الى 36.5 % عام 2004، مما ادى الى أعداد هائلة من المواهب في مجال العلوم والتكنولوجيا والادارة في آسيا، التي لديها آفاق في تجاوز الغرب سواء في النوعية او الكمية. وتشهد الهيمنة الأوروبية الأميركية في الابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا انخفاضا. وخلال العقدين المقبلين ستخلق آسيا مراكز جديدة هامة للابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا. كما تتزايد اقامة مؤسسات الملكية الفكرية للتعامل مع الأسواق العالمية في الصين وكوريا الجنوبية والهند.

وكانت شركات اجنبية قد اتجهت الى إقامة مراكز لعمليات البحث والتطوير في القارة الآسيوية، ذلك ان المنطقة تضم اسواق سريعة النمو، فضلا عن قلة تكلفة التشغيل، كما بوسعها الاستفادة من فارق الوقت لعمل البحث على مدار الساعة. كما ان الأمر الأكثر اهمية هو ان هذه المنطقة تتمتع بتعليم عالي المستوى.

ونشر في الآونة الاخيرة كتيب بعنوان «الصين: القوة العلمية العظمى المقبلة» China: The Next Science Superpower، ويتضمن الكتيب (73 صفحة) إعادة صياغة الصين كشعب خلاق بنهاية العام 2020 واحتمال ان تصبح القوة العلمية الاولى عالميا في عام 2050. اذا سارت التوجهات في الصين على هذا المنوال، فإنها ستنفق نفس معدل إجمالي الناتج المحلي الذي سينفقه الاتحاد الاوروبي على البحوث عام 2010، أي 2.2% حسبما جاء في التقرير. ويحتل الاقتصاد الكوري الجنوبي المرتبة السابعة عالميا من ناحية الميزانيات المخصصة للبحوث والتطوير بقيمة 24 مليار دولار، وتأتي في المرتبة التالية الهند (23 مليار دولار)، فيما تحتل تايوان المرتبة الـ12، إذ يقدر إنفاقها على هذا المجال 15 مليار دولار. مجالا التقنيات المتناهية الصغر وأبحاث الخلايا الجذعية اصبحا كذلك يجتذبان قدرا كبيرا من الاهتمام والاستثمارات في الصين، علما بأن العمل في مجال أحياء الخلايا الجذعية بات اكثر سرعة في الصين مقارنة بأوروبا بسبب ازدياد إنفاق الصين على بأكثر من نسبة 20% سنويا اعتبارا من عام 1997. جدير بالذكر ان براءات الاختراع في الصين تسجل زيادة سنوية قدرها 23 % منذ عام 2000، كما ان هناك 750 شركة عالمية باتت لها مراكز بحث في الصين خلال السنوات الثماني الماضية. ونجحت الجهات المعنية في اغراء 200 ألف صيني بالعودة من خلال تقديم محفزات حكومية وفرص تجارية. يضاف الى ما سبق ان جامعة مقاطعة بكين وحدها تخرج عددا من المهندسين يساوي عدد المهندسين الذين تخرجهم جامعات اوروبا الغربية مجتمعة. وتحاول كل دولة آسيوية ان تتخصص في مجالها. الهند، على سبيل المثال، تريد ان تصبح معقلا للتدريب والتطوير مستفيدة من قوتها في مجال تكنولوجيا المعلومات، فيما تهدف سنغافورة الى ان تصبح مركزا بارزا في مجال علوم الأحياء الطبية. ودخلت الصين ايضا منافسة بدأت مسبقا واتجهت الى اجتذاب مراكز التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات، كما لدى كوريا موارد بشرية عالية المستوى في العلوم والتكنولوجيا أقل تكلفة من اليابانية لكنها اكثر خبرة من الصينية.