الأذرع المالية لـ «الإخوان»

استهداف ممولي الإخوان في مصر.. عقاب على تبييض أموال أو خطوة لمحاصرتهم قبل التعديلات الدستورية؟

TT

ما بين احتفالات الإخوان المسلمين العام الماضي بمرور المئوية الأولى على مولد مؤسس الجماعة حسن البنا، واستعداد الجماعة المحظورة قانونا بمصر للاحتفال العام القادم بمرور 80 عاما علي تأسيسها، دخلت العلاقة بين الحكومة والإخوان منعطفا جديدا تجاوزت فيه سيناريوهات المواجهة الممتدة والمعتادة منذ نشأة الجماعة.

منعطف المواجهة الجديد والذي بدا أنه تغيير استراتيجي في ملاحقة الحكومة للإخوان، تفجر في تحقيقات قضية ميليشيات الأزهر الأخيرة، وهي القضية التي ضمت حتى الآن 153 متهما بينهم نحو 114 من طلاب جامعة الأزهر المنتمين للإخوان، ونحو 39 من القيادات العليا على رأسهم النائب الثاني للمرشد العام المهندس خيرت الشاطر، الذي يعتبره المراقبون «الممول الأول» للجماعة في وقت بدا فيه أن الدولة تسعي لضرب كياناتها الاقتصادية.

المفاجأة التي فجرتها النيابة كانت بتوجيه عدد من الاتهامات إلى قيادات الجماعة لم يسبق أن تم توجيهها من قبل، مثل تهمة الإرهاب وتشكيل ميليشيات عسكرية، وإعداد بعض العناصر لتسفيرها للخارج للجهاد، غير أن أهم الاتهامات التي أحدثت انقلابا في تاريخ المواجهات بين أجهزة الأمن والإخوان هي تهمة «غسيل الأموال» التى يواجهها 29 من قيادات الجماعة جميعهم من رجال الأعمال وعلى رأسهم الشاطر ومليونير الجماعة حسن مالك، بالإضافة إلى مفاجأة ضم منسق العلاقات الدولية للجماعة رجل الأعمال يوسف ندا المقيم في سويسرا، والذي أصبح احد المطلوبين لدى السلطات المصرية. وفيما تزايدت حدة التكهنات بسبب هذه الاتهامات، تفاعل الموقف على محور آخر لم يكن مطروحا، في أعقاب سريان شائعة بأن ما يقرب من 21 مليار جنيه، تم سحبها من البورصة المصرية، بعد إغلاق الشركات ودور النشر المملوكة لأعضاء الجماعة المقبوض عليهم، بما قد يؤدي لانهيار البورصة المصرية، ورغم مسارعة هيئة سوق المال في مصر لنفي الأنباء والتأكيد على استقرار وضع البورصة، إلا أن تساؤلات متزايدة وتخوفات باتت تطرح نفسها حول حجم استثمارات الجماعة ورجال أعمالها ومدى تأثير ذلك على السوق المصري .

ولم تقتصر حمى التساؤلات على هذا المحور فقط، ولكن باتت هناك أسئلة كثيرة في هذا السياق تحتاج لأجوبة، أهمها ما هو حجم استثمارات الإخوان المسلمين في السوق المصري، ومن هم رجال أعمال الجماعة، ووضعهم في السوق، وهل هم يقومون بتمويل الجماعة أم أنهم ينتمون إليها فقط، وهل القبض على هذه المجموعة سيؤثر على مصادر التمويل؟ ويبقى هناك سؤال أكثر أهمية عن أسباب تحول استراتيجية الأمن باتجاه ضرب الكيانات الاقتصادية للجماعة، وتوقيف رجال أعمالها، بمعنى آخر هل توصلت الدولة إلى أن رجال أعمال الإخوان بات لهم تأثير مالي وسياسي مهم في الشارع لصالح الجماعة، فتقرر مواجهته على الفور، خاصة أن الانفاقات المالية الضخمة للجماعة تعد إحدى مناطق قوة الجماعة واستمرارها رغم كل مواجهاتها مع الحكومات المتعاقبة، وهل القبض عليهم سيؤثر ويؤدي إلى إضعاف التنظيم أم لا؟

وبينما لم يتم رصد أي دراسات حول أوضاع الجماعة المالية والتي تحاط بسياج شديد من السرية لم يتم اختراقه حتى الآن، إلا أن أسماء مهمة تبقى في دائرة الضوء، ويشار إليهم بأنهم أهم رجال أعمال الجماعة، يأتي على رأسهم المهندس خيرت الشاطر صاحب شركة «سلسبيل لتكنولوجيا المعلومات»، التي يقدر حجم استثماراتها ببضعة ملايين من الجنيهات، فضلا عن أن الشاطر يساهم في عدد غير قليل من الشركات والبنوك، غير أنها ليست مملوكة له بالكامل، ويقال إنه الممول الأول للتنظيم وأن استثماراته تتجاوز 80 مليون جنيه، ويقارب عدد العاملين لديه بنحو 1000 عامل.

بينما يعد رجل الأعمال حسن مالك الشهير بلقب «مليونير الجماعة» اثرى أثرياء الإخوان، ويقدر البعض استثماراته بأكثر من 250 مليون جنيه، خاصة أنه يملك واحدة من اشهر معارض الأثاث في مصر، وهي «استقبال»، فضلا عن شركة «مالك للتجارة والملابس الجاهزة»، و«شركة مالك للغزل والنسيج»، كما انه يساهم في عدد من الشركات الاخرى مثل «شركة الأنوار للتجارة والتوكيلات»، و«شركة فادوج للملابس»، و«معرض العباءة الفريدة»، ويقدر عدد العاملين بمشروعاته التي تم إغلاقها مؤخرا بأكثر من 500 عامل أغلبهم ينتمون إلى الجماعة.

ويعد اسم رجل الأعمال يوسف ندا أحد أهم الأسماء التي يعتقد أنها تمول الجماعة وتقدر استثمارات ندا بالمليارات، وكان ندا تعرض لتجميد أمواله بقرار من الرئيس الأميركي جورج بوش، بوصفه اكبر ممول للإرهاب في العالم على حد الوصف الاميركي، واضطر ندا لتصفية «بنك التقوى» الذي كان أسسه في جزر الباهاما، بمشاركة عدد كبير من قيادات الإخوان في الخارج والداخل، وكان من بين المساهمين فيه الداعية الشيخ يوسف القرضاوي، بينما أكد المرشد العام الحالي للجماعة مهدي عاكف، انه كان يملك بضعة آلاف من الجنيهات في حساب له بالبنك، غير أن انتشار علاقات وأعمال ندا في عدد كبير من بلدان العالم يصعب من عملية الحصر الدقيق لحجم أعمال.

وهناك بعض الأسماء الاخرى التي تعد اقل شهرة واقل ثراء مثل المهندس مدحت الحداد صاحب شركة «العربية للتعمير» بالإسكندرية، والدكتور ضياء فرحات صاحب توكيلات الضياء التجارية للالكترونيات بمحافظة الدقهلية، ومحمد أسامة شرابي صاحب شركة اجيليكا للسياحة، والدكتور خالد عودة نجل القطب الاخواني الراحل عبد القادر عودة، الذي يملك عددا من المصانع والشركات المنتجة للملابس الجاهزة والمواد الغذائية والبرمجيات، فضلا عن عدد آخر من قيادات الجماعة الذين يملكون مجموعة من دور الطباعة والنشر والمكتبات التابعة لها. وحول الموقف المالي للإخوان في السوق المصري يقول المحلل المالي هيثم عبد السميع أنه لا توجد تقديرات لحجم استثمارات الإخوان في البورصة، وما تردد في هذا الشأن قد يكون حول إجمالي الأصول الثابتة وليس السيولة النقدية، لافتا إلى أن هناك مبالغة كبيرة في هذا الشأن .

وأضاف عبد السميع: أن هناك عددا محدودا من الشركات مثل «اوراسكوم تليكوم»، و«اوراسكوم للإنشاءات» وبعض الشركات الاخرى يسيطر على مؤشر رأس المال، لأنها تتحكم في نحو 50% من القيمة السوقية للمؤشر، والإخوان بعيدون تماما عن هذه الشركات، وهو ما يؤكد أن استثمارات الإخوان مهما كان حجمها لن تستطيع التأثير بشكل ضار في البورصة، وان استثماراتهم ليس منها خوف. وأوضح عبد السميع انه لا يمكن تحديد حجم ما يملكه الإخوان، لأنه لا يمكن تحديد انتماءات جميع العاملين في البورصة، لافتا إلى انه حتى ولو كان لمجموعة ما انتماء ديني، فإن رأس المال ليس له انتماء ديني، مشيرا إلى ان هناك احتمالات كبيرة بأن يكون بعضهم مساهمين في بعض الشركات، ولكن هذا لا يمنحهم القدرة على التحكم والتأثير. أما الخبير في هيئة سوق المال أسامة شوقي، فيقول انه من الصعب تحديد حجم استثمارات الإخوان، كما انه لا يمكن حصر أسماء رجال أعمال الجماعة، ومن الممكن أن يكون للجماعة ورجال أعمالها استثمار غير مباشر من خلال الاكتتاب في شركات تعمل في البورصة .

وأضاف: كما أن البعض ممكن أن يعمل عبر أسماء غير معروفة، مثل اسم زوجته أو أمه، ولكن مسألة تحكمهم في البورصة أو مقدرتهم علي أحداث تأثير أو اضطراب في البورصة فهو أمر غير وارد. من جانبه قال المحلل الاقتصادي وعضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين المحسوب على جماعة الإخوان ممدوح الولي، إن العام الماضي شهدت فيه الأسواق العربية نحو 446 مليار دولار، إلا أن البورصة المصرية كانت بمنأى عن ذلك إلى حد كبير .

وأضاف الولي أن سوق المال حساس بشدة، وحينما يحدث ضربات مثل تلك التي قامت بها الدولة في مصر بشكل عشوائي، فإن ذلك يحدث حالة من القلق ويفرض جوا من التوتر، خاصة ان المستثمرين العرب لديهم توجه ديني وما حدث قد يخيف الكثيرين .وفيما أكد الولي انه لا توجد أرقام محددة حول استثمارات رجال أعمال الإخوان في البورصة، لفت إلى أن البورصة شهدت هبوطا ملحوظا خلال الأسبوع الماضي بعد استمرار ضرب العديد من الشركات، بالإضافة إلى أسباب أخرى .وأشار الولي إلى أن الاستثمار ليس له دين ولا جنسية، والتعامل مع الاستثمار يجب أن يكون بشكل مختلف لأن عكس ذلك يحدث حالة من الارتباك وعدم الثقة ويؤدي إلى تسرب الاستثمارات أو تحجيم العمل في البورصة.

واعتبر الولي أن تهمة غسيل الأموال التي وجهت لبعض قيادات الجماعة، هي تهمة تضر بوضع الدولة في مصر قبل أن تضر بالإخوان، لأن هذه التهمة واعتراف الحكومة بها على هذا النحو يصنف مصر في خانة أخرى مع الدولة التي تقوم بغسيل الأموال، والتي يمنع التعامل معها أو التحريض على عدم الاستثمار فيها، مؤكدا أن الحكومة استخدمت في خصومة سياسية ضد الإخوان سلاح سيضر بها قبل الإخوان. أما الخبير الاقتصادي حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات السابق، فقدر حجم استثمارات الإخوان بنحو 20 مليار جنيه. وقال إن هذا التقدير يستند إلى ما تم نشره من تفاصيل حول قضايا الإخوان الأخيرة، حيث نشرت جريدة الأهرام الأسبوع الماضي، نقلا عن وقائع التحريات والمحاضر أن حجم خسائر شركات الإخوان بالنسبة للأرباح وصل إلى نصف مليار جنيه .وأضاف انه وفقا لهذا التقدير وبحساب عكسي، فإن رأس المال لهذه الأرباح يصل إلى نحو 20 مليار جنيه، ولكن بشكل حاسم لا يمكن تقدير استثمارات الجماعة لأن البورصة لا تصنف المتعاملين فيها على أساس ديني ولا توجد شركات مملوكة للجماعة تضارب في البورصة، مشيرا إلى أن هناك تعاملات فردية وهناك صناديق استثمار إسلامي، وبالتالي فإن حصر مشاركة الإخوان أمر صعب تحديده. أما القيادي الاخواني البارز الدكتور عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد، فقال إن مناخ الاستثمار إذا لم يكن مشجعا فإنه يضر بوضع رؤوس الأموال، ومسألة إغلاق شركات ناجحة يؤثر بالسلب ويؤدي إلى عزوف رؤوس الأموال عن الوجود في السوق المصري، بالإضافة إلى أسباب أخرى تصب في هذا الاتجاه مثل البيروقراطية وسوء إدارة الاقتصاد.

وأضاف الغزالي: لا يوجد ما يسمى باقتصاد الإخوان، والأخوة الذين يتم القبض عليهم ظلما هم أعضاء في جماعة الإخوان وليسوا ممولين لها، لكنهم رجال أعمال ناجحين بذاتهم. نجاح لا ينكره احد في الداخل أو الخارج واستطاعوا بعملهم وجهدهم أن يتواجدوا بعمق في السوق المصري في كثير من الأنشطة. وأشار الغزالي إلى أن الشركات التي تم إغلاقها والتحفظ عليها، خاصة بأصحابها وليس للجماعة صلة بها، والحديث عن تجفيف المنابع خلط للأوراق وتجن على رأس المال الخاص .واتهم الغزالي السياسة التي تروج لها الدولة بأنها هي منبع وأرضية الفساد، مؤكدا أن غلق مثل هذه الشركات يعني فقدان فرص عمل، ويضيف الكثير إلى مشكلة البطالة ويضر بالاقتصاد المصري، ويصيبه بكارثة سيكون لها تداعيات خطيرة.

وبينما قدر الغزالي عدد الشركات التي أغلقتها أجهزة الأمن لرجال أعمال في الجماعة، بنحو 25 شركة في السنوات الأخيرة، أكد أن النظام لا يعالج مشاكل الاقتصاد المصري والفساد والبطالة، وإنما يريد أن ينفي كل معارض له من أجل الترسيخ للوضع القائم الذي فرضه منذ سنوات طويلة.

واعتبر الغزالي أن القبض على رجال أعمال الجماعة لا يؤثر ماليا ولا تنظيميا علي الجماعة من قريب أو بعيد، موضحا أن الجماعة تعودت على هذا الأسلوب، مؤكدا أن هذه الإجراءات لا تؤثر على تمويل الجماعة لأن الجماعة تحصل على تمويلها من الأعضاء عبر الاشتراكات. وأشار القيادي الاخواني الى أن النظام يستبق الأحداث ويعمل على ما يسمى بالضربات الاستباقية، لإجهاض نشاط الجماعة حيال ما يدبر للمجتمع اقتصاديا وسياسيا على حد وصفه، لافتا إلى أن التعديلات الدستورية التي تناقش حاليا والتي رفضها الإخوان باعتبارها تكرس للتوريث، كانت احد الأسباب في هذه الحملة ضد الجماعة.

ولفت الغزالي إلى أن إغلاق هذه الشركات لا يؤثر على الجماعة، ولكنه يؤثر إنسانيا على اسر كثيرة تكسب رزقها منها، مشيرا إلى أن النظام لن يستفيد من مثل هذه الإجراءات، وكذلك لن يؤثر ذلك على مسيرة الجماعة في مساعيها للعمل من اجل مصلحة مصر. أما رئيس حزب التجمع اليساري الدكتور رفعت السعيد، فقال إن المشكلة التي كانت تواجه الدولة هي الإنفاق الزائد من الإخوان، وان الدولة بدأت تغير في استراتيجيها، مع الجماعة عبر ضرب الكيانات الاقتصادية والقبض على رجال أعمال الجماعة، لافتا إلى أن التمويل في الجماعة مرتبط بالجهاز السري.

وأضاف السعيد: أن التحرك الأمني تجاه الإخوان، كان أمرا طبيعيا لأنه عندما تستهدف جماعة محظورة مثل الإخوان، فإن استهداف العصب الحساس أمر مهم، مؤكدا أن الإجراءات الأخيرة ستؤثر على الجماعة بلا شك، ولكن إلى أي حد سيكون التأثير فهذا أمر سيتضح فيما بعد .واعتبر السعيد أن الدولة غيرت من تكتيكها في التعامل مع الإخوان، باعتبار أن الإنفاق يعد احد أسباب نشر الدعوة الاخوانية، وبالتالي فإن التعامل مع هذا الوضع بات أمرا محتوما.

ويرى خبير شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضياء رشوان، انه يجب التفريق بين رجال أعمال الأخوان وبين الأعمال الاخوانية. وقال بالتأكيد هناك رجال أعمال مثل خيرت الشاطر وحسن مالك، وقد يكون هناك متعاطفون وبالتأكيد أيضا أن الإخوان منتشرون في مساحة كبيرة من المجتمع، ومن الطبيعي أن يكون بين هذه المساحة مواطنون من مختلف الشرائح ومنها رجال الأعمال .

وأضاف رشوان: أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل هناك أعمال اخوانية، بمعني هل شركات ومؤسسات تعمل لحساب الجماعة، ونقول إن هذا أمر وارد، وهل تكوين الجماعة التنظيمي والهيكلي يحتاج إلي ذلك أم لا وهل مستويات الجماعة المختلفة من الأسر والشعب إلى مكتب الإرشاد يحتاج لحجم إنفاق يساوي حجم الاعمال الذي يتصوره البعض .

وتابع رشوان: في تقديري لا يحتاج قدر كبير من الأموال ولا يجب أن نقيس الجماعة على كونها ناديا رياضيا أو حزبا سياسيا، لأن الجماعة في هيكلها التنظيمي تعمل بلامركزية بمعنى أن كل مستوى ينفق على نشاطه بشكل ذاتي ومشترك، ورجال الأعمال لا يمولون الجماعة بشكل منتظم إلا إذا كانوا أعضاء تنظيميين في الجماعة، وبهذا المعنى فإن حجم التمويل منهم ليس كبيرا بالقدر الذي نسمعه ويعكس نوعا من المبالغة .

وشكك رشوان في احتمالات أن تؤثر اعتقالات رجال أعمال الإخوان في وضع الجماعة وقال: إن وضع الاشتراكات الثابتة، حتى وان كانت متفاوتة في قيمتها وفق مقدرة كل عضو، فإنها تحافظ على ثبات وضع ونشاط العمل داخل الجماعة من دون تأثير بدليل انه في عامي 1995 و1996 تم القبض على اغلب أعضاء مجلس شوري الجماعة وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد وحوكموا أمام محكمة عسكرية، وصدرت ضدهم أحكام بالحبس بمدد متراوحة بين 3 و5 أعوام، وظلت الجماعة محتفظة بقوتها وثباتها ولم تتعرض للانهيار .

وفسر رشوان لجوء الدولة إلى ضرب الكيانات الاقتصادية للإخوان، والقبض على رجال أعمال الجماعة، بأنه محاولة أخرى من جانبها لهز الجماعة، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة من الاعتقال والملاحقة في تحقيق النتيجة المرجوة، وقال انه بشكل نظري فإن السياسات الأمنية مع الإخوان أحدثت نتائج عكسية وربما يكون اللجوء لهذا التكتيك نابعا من تحليل أمني لتغير خطة المواجهة، خاصة أن هناك قناعة لدى البعض بأن الإخوان يعتمدون على الإنفاق في انتشارهم وتحركهم، كما أن ذلك يتجاوز الطرق التقليدية في التعامل مع الجماعة. وأوضح رشوان: هناك اعتقاد بأن هذه السياسية الجديدة قد تؤثر في الجماعة، ولكن ما لا نستطيع تقديره الآن هو قدرة الإخوان على الإحلال واللامركزية في العمل على عكس ما يبدو في مبدأ السمع والطاعة الذي تعمل به الجماعة، بمعنى قدرتها على تجاوز هذا الموقف ووجود الخطط البديلة للتعامل مع الوضع الجديد، والجميع يعلم أن الإخوان لديهم مرونة وخبرة في التعامل مع ضربات الأمن بالإحلال السريع في الظروف العادية وتعاملهم مع هذه الأزمة سيكشف مدى قدرة الجماعة على الاستمرار.

أما الخبير الأمني ونائب رئيس جهاز مباحث امن الدولة الأسبق اللواء فؤاد علام، فكانت له رؤية أخرى هي ان القبض علي رجال أعمال الإخوان يعد تغيرا نوعيا في تكتيكات الدولة تجاه التعامل مع ملف الإخوان، مستبعدا أن تؤدي الإجراءات الأخيرة في التأثير على الوضع المالي للجماعة أو ضرب اقتصادها. وقال علام إن إغلاق هذه الشركات لن يؤثر على الجماعة لأن الإخوان بشكل عملي تجاوزوا المرحلة والوضع الذي يمكن فيه تجفيف منابع تمويلهم، لأنهم أقاموا عددا من المشروعات الضخمة في بلدان كثيرة، وليس داخل مصر فقط، وهذا الوضع يجعلهم مستعدين لتجاوز أي ضربة اقتصادية مهما كان حجمها .

وقال علام إن منسق العلاقات الدولية للجماعة يوسف ندا ومجموعة من المنتمين للجماعة في الخارج، يديرون استثمارات بالمليارات في عدد كبير من الدول الأوروبية والأفريقية، وكل هذه الأموال هي تحت تصرف الجماعة في أي وقت، مدللا على ذلك بضم اسم ندا إلى قضية ميليشيات الأزهر الأخيرة في مصر ضمن المتهمين بغسيل الأموال .

واعتبر علام أن القبض على رجال أعمال الإخوان لم يكن هدفه اقتصاديا، ولكنه جاء بسبب أعمال غير شرعية حسبما جاء في تحقيقات قضية الميليشيات، وهي إدارة أعمال اقتصادية بغرض غسيل الأموال، التي تأتي من خارج مصر من ندا وآخرين في توجيه عائد هذه الأعمال لتمويل الجماعة. الايام المقبلة وحدها هي التي تحدد ما اذا كان الاخوان في مصر سيتأثرون بالاجراءات ضدهم، وما اذا كان اعتقال بعض كبار مموليهم مقدمة لخطوة اكبر تهدف إلى تطويقهم وحصارهم.