حالة عجز

بعد عام قضته حماس في السلطة.. الفلسطينيون يتبادلون الاتهامات حول المسؤولية عن الفشل

TT

تصادف مرور عام على تشكيل الحكومة الفلسطينية، مع الاشتباكات التي دارت بين حركتي فتح وحماس، وفي ظل تواصل الحصار الدولي والعقوبات الجماعية المفروض على الشعب الفلسطيني، وفي خضم جدل فلسطيني عميق حول آفاق المستقبل في أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية وما أفرزته من واقع سياسي جديد وغير مسبوق، وفي ذروة الحديث عن تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية، والخلاف حول ظروف تشكيلها. «الشرق الأوسط» تحدثت مع ممثلين عن حماس وفتح وأكاديميين لمحاولة لتقييم تجربة حماس في الحكم. يقول الدكتور يحيى موسى نائب رئيس كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي، إنه ليس فوز حركة حماس هو الذي جلب الحصار والعقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني، مشيراً الى وجود منظومات عالمية وإقليمية لا تريد أن يحدث ثمة تغيير في المنطقة. وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، يقول موسى إن هذه المنظومات لا تريد تعطيل الاصلاح السياسي الذي تمثل بفوز حركة حماس، على اعتبار أنها ترى في ذلك التطور خطراً على مصالحها في المنطقة. وأضاف أن الحصار والعقوبات والمقاطعة يشكل عقاباً جماعياً للشعب الفلسطيني، بهدف دفع أبنائه نحو اليأس والإحباط والندم على ما افرزته ننائج الانتخابات. ونوه موسى الى الدور الذي يقوم به من وصفهم بـ«أباطرة الفساد»، الذين رأوا في فوز حركة حماس تهديداً لمصالحهم، فلم يترددوا في التحالف مع القوى الأجنبية من أجل افشال التجربة الجديدة. واعتبر أن ما يحدث حالياً من مواجهات بين حركتي حماس وفتح، هو محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات بالقوة. ولا يتردد موسى في تحميل الرئيس الفلسطيني محمود عباس المسؤولية عما يحدث، مؤكداً أنه هو الذي يرعى الانقلابيين ويوفر لهم الغطاء السياسي والإداري لمواصلة مخططهم ضد الحكومة. وقال إن ابو مازن يمارس كل اشكال التعطيل والانقلاب الدستوري على الحكومة منذ تشكيلها. وأضاف «لقد أصبح من المخجل أن يكون رأس النظام، هو الذي يحرص على تدمير النظام وتعطيل مواد الدستور»، ويقول موسى ان عباس يعمل من منطلق انتمائه لحركة فتح وليس بوصفه رئيساً لكل الفلسطينيين. ويتهم موسى عباس صراحة بأنه جزء من آلة الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، قائلاً «بدلاً من أن يكون الرئيس جزءاً من الجهود لرفع الحصار، نجد أنه اصبح جزءاً فاعلاً من آلة فرض الحصار وبكل قوة». وأضاف أن المجلس التشريعي سيقوم باستجواب الرئيس ومحاسبته على أوجه قصوره «لأنه يغامر بمصير الشعب الفلسطيني، ويوفر المناخات لنجاح المؤامرات على الشعب»، على حسب تعبيره. واعتبر موسى أن من سماهم بـ«الانقلابيين» يعملون حسب اجندات أمريكية وإسرائيلية مكشوفة. ورأى أن المخرج الوحيد أمام الفلسطينيين هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم على أساس الثوابت الوطنية، وليس بفعل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية. أما النائب عن حركة فتح الدكتور عبد الله عبد الله، فيعتبر أن تجربة حركة حماس في الحكم لم تكن ناجحة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يركز عبد الله حديثه على ما يعتبره «تقصير المجلس التشريعي الجديد في أداء مهامه». وأضاف عبد الله أن المجلس فشل فشلاً ذريعاً في اداء مهامه في مجال التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية. واعتبر عبد الله أن كتلة حماس البرلمانية استغلت اغلبيتها البرلمانية في توفير الغطاء البرلماني لمنع مساءلة وزراء الحكومة. ويعترف عبد الله أن الإجراءات الإسرائيلية، ومن ضمنها اختطاف العشرات من نواب ووزراء حركة حماس، تهدف الى اجهاض التجربة الديمقراطية الفلسطينية. لكنه يتهم حماس باتخاذ الإجراءات الدولية ضدها كمبرر للتخلص من تحمل المسؤولية الملقاة على كاهل حكومتها. واعتبر عبد الله أنه يتوجب تشكيل حكومة فلسطينية، تكون قادرة على رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، مع ما يتطلبه ذلك من إبداء مرونة سياسية. واتهم عبد الله الحكومة الفلسطينية بالعجز. وتساءل عبد الله «كيف يمكن لحكومتنا ان تتوقع من الاتحاد الاوروبي، أن يقدم لها المساعدات المالية في الوقت الذي تتشبث فيه بمواقفها السياسية»، مشيرا الى أنه لا يوجد ما يجبر الأوروبيين على تقديم يد العون للحكومة. وأن كان عبد الله يرى أن تشكيل حكومة الوحدة هو الخيار الكفيل بالخروج من الأزمة، لكنه في المقابل يشدد على أنه يتوجب أن يكون برنامج هذه الحكومة مقبولاً عربيا ودولياً. من ناحيته قال البرفيسور عبد الستار قاسم، استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس أن حكومة حركة حماس لم تعط أي فرصة، حيث تعاونت أطراف في حركة فتح بشكل واضح وجلي مع إسرائيل والولايات المتحدة وقوى إقليمية في المنطقة من أجل إفشال تجربة حركة حماس في الحكم. لكن قاسم في حديث مع «الشرق الأوسط» يحمل الحكومة الفلسطينية جزءاً من المسؤولية عن فشلها في أداء مهامها، واصفاً اياها بالحكومة العاجزة، التي اكتفت بردات الفعل. وأضاف أن حكومة حماس اكتفت بردات الفعل ولم تقدم على صياغة برنامج محدد وتحاول تطبيقه في الوضع الداخلي، واصبحت تتذرع بالحصار والضغوط الخارجية لتبرير عدم قدرتها على تطبيق برنامج واضح. وأشار الى أن الحصار الاقتصادي لا يمنع الحكومة من تطبيق برامج اجتماعية وثقافية، ولا يمنعها من محاربة الفساد المستشري في أركان السلطة ومؤسساتها، موضحا أنه على الرغم من أنه لا يوجد لحماس علاقة بقضايا الفساد التي تورط فيها اركان الحكومات السابقة والأجهزة الأمنية، إلا أن هذا لا يعفي حكومة حماس من واجب العمل ضد الفساد وإطاحة رموزه. وأضاف قاسم أنه يتوجب على الحكومة عدم انتظار تدخل المدعي العام لمواجهة الفساد، مشيرا الى أنه بإمكان الحكومة اتخاذ اجراءات فورية ضد الفساد، مثل مصادرة المئات من السيارات الحكومية التي بحوزة موظفين، من دون أن يكون امتلاكهم هذه السيارات ضمن مهام هؤلاء الموظفين. ونوه قاسم الى أن أكثر ما يميز أداء حكومة حماس هو انعدام الخبرية المهنية لدى طواقم العمل التي ادخلتها للوزارات المختلفة. ويشدد قاسم مجدداً على جدية المعيقات التي تواجه الحكومة وتعمل على فشلها، موضحا أن هناك من يريد إخراج القضية الفلسطينية من أيدي الفلسطينين والزج بها في أيد أجنبية. وعما اذا كان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يمكن أن يعزز من فرص نجاح الحكومة في اداء مهامها، قال قاسم إن تشكيل حكومة الوحدة منوط بمدى استجاباتها للإملاءات الأجنبية، مستذكراً الشروط التي تضعها إسرائيل والرباعية من أجل الاعتراف بهذه الحكومة، مشدداً على أن هذه الحكومة عندما تتشكل فإنها لن تقوم بإرادة فلسطينية. وحول وثيقة الوفاق الوطني التي تجمع الفصائل الفلسطينية على انها تصلح لتكون مرجعية البرنامج السياسي للحكومة القادمة، قال قاسم إن هذه الوثيقة تنطوي على عدة تناقضات واضحة، فهي من جانب تشدد على وجوب احترام الشرعية الدولية، وفي نفس الوقت تنص على الالتزام بالعمل المقاوم، معتبراً أن هذا يمثل قمة التناقض، لأن الشرعية الدولية تعتبر المقاومة ارهاباً. واعتبر قاسم أن أهم خطوة يتوجب القيام بها حالياً هي صياغة ميثاق وطني جديد يحدد الأهداف الوطنية التي يجمع الفلسطينيون على وجوب تحقيقها. أما تسفي بارئيل معلق الشؤون العربية في صحيفة الصفوة الاسرائيلية «هارتس»، فيعتبر أن السياسة التي تتبعها اسرائيل ضد حكومة حماس منيت بفشل ذريع، وأنها اسفرت عن نتائج عكسية. وأشار الى أن الحكومة الإسرائيلية بعد فوز حماس اصيبت بحالة من الفزع، حاولت التخلص منه عن طريق الانتقال الى سياسة فرض العقوبات الإقتصادية على أمل أن تنجح هذه السياسية في التخلص من الواقع الذي نجم عن هذه الانتخابات، لكن اسرائيل فوجئت بمزيد من المشاكل. وأشار الى أنه بعد تشكيل حكومة حماس تواصلت عمليات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على التجمعات الاستيطانية التي تقع في محيط قطاع غزة، وفي نفس الوقت لم تفلح سياسة فرض العقوبات لتكون بديلاً عن تدخل جيش الاحتلال العكسري من أجل وقف اطلاق الصواريخ. واعتبر بارئيل أن أخطر نتيجة لسياسة فرض العقوبات على حكومة حماس هو ارتفاع وزن ايران والحكومة السورية وقيادة حركة حماس في الخارج في التأثير على مجريات الأمور في الضفة والقطاع. وأضاف أن اضطرار الفلسطينيين لمحاولة تخفيف آثار الحصار دفعهم للبحث عن بدائل للمصادر المالية التي كانت تعتمد عليها السلطة، فاتجهوا مضطرين نحو ايران، في نفس الوقت ازداد تأثير سورية وقيادة حماس في دمشق.

وأشار إلى أن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة لدمشق، ولقاءه بخالد مشعل، تدللان على ذلك بشكل واضح وجلي. وأوضحت الصحيفة اأن قيام اسرائيل باختطاف واعتقال وزراء ونواب حركة حماس، لم يؤد الى أية نتائج ايجابية على أرض الواقع. واعتبر أن اسرائيل فشلت في رهانها على محاولة اثارة الجمهور الفلسطيني ضد حكومة حماس عبر مواصلة فرض الحصار الإقتصادي. وقال بارئيل إن ما لم يدركه قادة اسرائيل هو أن الصمود في وجه الحصار الذي تفرضه دولة احتلال يعتبر بالنسبة للشعب المحتل مصدرا للفخر والعزة القومية. واشار الى أن نظام العقوبات الاقتصادية الذي تفرضه اسرائيل على الفلسطينيين لا يشبهه أي نظام في العالم، حيث ان اسرائيل تحاول أن تفرض شروطا على الفلسطينيين من دون أن تطرح لهم مقابلا في حال التزموا بهذه الشروط. وأضاف أنه حتى لو حدث المستحيل وتحول خالد مشعل وهنية ومحمود عباس الى يهود، فإن إسرائيل لن تقوم بأي خطوة، يمكن أن تؤدي الى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

* مؤشرات التراجع

* إيرادات السلطة للربع الثاني من 2005 بلغت 351 مليون دولار أميركي.. مقارنة بـ67 مليون دولار الآن

* منذ الاعلان عن فوز حماس قبل عام تراجعت ايرادات السلطة الفلسطينية بشكل حاد. فمن المعلوم أن مصادر الدخل الفلسطيني، كما يشير مركز ابحاث التنمية الفلسطيني، تتمثل في ثلاث مصادر:

1ـ عوائد الضرائب التي تجبيها اسرائيل على الصادرات لمناطق السلطة والتي تصل الى 55 مليون دولار في الشهر. قامت اسرائيل بتجميد تحويل هذه الاموال للسلطة بمجرد أن اعلن عن فوز حماس في الانتخابات.

2ـ المساعدات الأجنبية من الدول الاوروبية والعربية والولايات المتحدة وكان متوسطها يبلغ 100 مليون دولار في الشهر، وغالبيتها تراجع بحدة. 3ـ الضرائب التي تجبيها السلطة من الفلسطينيين وعوائد الجمارك وتبلغ تقريباً 41 مليون دولار.

وحتى نعرف مدى الانهيار في الاوضاع الاقتصادية، نشير الى أن تقرير مركز التنمية الذي ينوه الى أن إجمالي إيرادات السلطة للربع الثاني من العام 2006 بلغ 67 مليون دولار أميركي، مقارنة بـ351 مليون دولار أميركي للفترة نفسها من العام 2005، أي قبل تشكيل حكومة حماس. وهذا مرده أمران: الاول: وقف تحويل الأموال المستحقة للسلطة لدى الجانب الإسرائيلي. والثاني: توقف المواطن الفلسطيني عن دفع الضرائب المستحقة، وذلك لتردي الأحوال الاقتصادية، نتيجة لحالة الركود والكساد التجاري. في نفس الوقت كان إجمالي الإيرادات الفلسطينية المحلية الشهرية العام 2005 تبلغ 41 مليون دولار، أي 492 مليون دولار سنوياً، لكن بعد تشكيل حكومة حماس انخفض إلى ما دون مبلغ 15 مليون دولار شهرياً العام 2006. كذلك ارتفعت نسبة الفقر الى 70%. ووفقا لمسح أجرته وزارة العمل الفلسطينية ارتفع عدد الفلسطينيين العاطلين عن العمل إلى287 ألفا؛ وهو ما يشكل 32.3% من قوة العمل الفلسطينية. وأشارت نتائج المسح إلى أن نسبة البطالة بالضفة وصلت إلى 24.6%، في حين وصلت في القطاع إلى 29.8%. لكن تقارير غربية تشير إلى أن نسبة الفقر والبطالة قد تصل في غزة إلى حوالي 60%، وفي الضفة إلى حدود 50%.

ويشير الدكتور معين رجب الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة الازهر، الى تأثير الحصار الاسرائيلي، والذي فرض تراجعا كبير في الدخل المحلي وزاد من حدة الفقر والبطالة ودمر كل البنى التحتية الاقتصادية للشعب الفلسطيني. وأضاف رجب أن الإغلاق والحصار أدى إلى خسائر فادحة لحقت بالاقتصاد الفلسطيني، فلم تقتصر الإجراءات على تراجع النمو الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي بدأ خلال العام 1998، بعد فترة طويلة من الركود الناجم عن السياسات الإسرائيلية المبرمجة والمدروسة لضرب الاقتصاد الفلسطيني، خلال الفترة 1993 ـ 1997، بل وضعت الاقتصاد الفلسطيني على حافة الانهيار، وأدت إلى تسارع انتشار الفقر وارتفاع حدته، إلى درجات غير مسبوقة، وارتفاع معدلات البطالة إلى نسب غير معهودة كما أدت سياسات إسرائيل المتبعة في تطبيق إجراءات العقوبات الجماعية والفردية، إلى تأثيرات بالغة الخطورة، على الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية والنفسية والصحية. كما أوضح الدكتور رجب أن الأزمة التي نعيشها الآن بعد الانتخابات التشريعية وتشكيل حماس للحكومة زاد من حدة الحصار وأعطى إسرائيل المبرر في تصعيد خنقها وقتله للاقتصاد الفلسطيني المنهار والمنهك أصلا فقامت بإغلاق كافة الحدود والمعابر والمنافذ الخارجية التي تربط المناطق الفلسطينية مع العالم الخارجي بما فيها إسرائيل وجزأت المناطق والمدن والقرى الفلسطينية وعزلها عن بعضها البعض، ومنعت عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن عملهم، وفرضت قيود مشددة على الصادرات والواردات من وإلى الأراضي الفلسطينية، كما رفض تحويل مستحقات السلطة الوطنية من إيرادات المقاصة.