عضلات.. في الفضاء

في الفضاء 800 قمر صناعي.. لأميركا أكثر من النصف بينما تملك روسيا 85 قمرا والباقي عائد لـ 45 دولة

TT

استعرضت الصين عضلاتها في الفضاء بتدمير قمر صناعي تمتلكه مهامه هي استطلاع الطقس، وهو من طراز «فينغ يون 1سي»، حيث تم تدميره على بعد 865 كيلومترا فوق الأرض بصاروخ باليستي أرض ـ جو، مما يؤكد قدراتها العسكرية الجديدة.

وقد وضع هذا التصرف الصين في مصاف الولايات المتحدة وروسيا كثالث دولة في العالم، تتمكن من تدمير قمر في مداره. وكانت الولايات المتحدة قد نفذت اختبارات مماثلة في فترة الحرب الباردة، ولكنها تخلت عنها منذ عام 1985، بسبب قلقها من انتشار الحطام في الفضاء والتهديدات المحتملة للأقمار العسكرية والمدنية الأخرى في الفضاء.

ووصف تقرير نشر في «ايرث تايمز» التصرف الصيني، بأنه عمل من أعمال التخريب الإيكولوجي أو البيئي، يمكن ان يعرض الاقمار الأخرى للخطر، بل وسفن الفضاء المتجه الى القمر أو غيرها من المواقع. غير ان بكين لم تهتم كثيرا بالانتقادات، فالاختبار في غاية الأهمية، لأنه يظهر القدرات الصينية على متابعة وتدمير اقمار التجسس التابعة لدول اخرى.

السؤال الذي يثيره هذا التصرف، هو ما اذا كانت الصين ستستخدم قدرتها على «السيطرة الفضائية» لطرح نفسها كقوة عسكرية مهيمنة في آسيا وأماكن اخرى؟ توجد تفسيرات متعددة حول توجه الصين الفضائي. فبعض المحليين الغربيين الذين يخشون الصين بسبب صعودها الاقتصادي والعسكري، والذين يطلق عليهم «اللوبي المعادي للصين»، يعتقدون ان الصين تهدف الى مواجهة اعدائها الاستراتيجيين في آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية حلفاء واشنطن) بأسلحة مضادة للأقمار الصناعية وشبكات طاقة موجهة وأجهزة تشويش. وقد اصبحت قضية العدوات والنزاعات المحتملة في الفضاء اكثر واقعية في اغسطس (آب) من العام الماضي، عندما ذكر مدير مكتب الاستطلاع الوطني الاميركي دونالد كير ان قمرا صناعيا أميركيا جرى «طلاؤه» أو «اضاءاته» عن طريق اشعة ليزر من الصين. ويخشى خبراء حظر انتشار الأسلحة من أن التحدي الصيني في مجال الفضاء، يمكن ان يؤدي الى «حرب باردة» جديدة وسباق تسلح في الفضاء.

ومما يؤكد ذلك هو أن نفقات الدفاع الصينية تنمو بمعدلات أسرع من اقتصادها المزدهر، حيث بلغت 36.3 مليار دولار أميركي، بزيادة قدرها 14.7 في المائة من العام السابق. ومعظم الزيادة في النفقات ذهبت إلى الأسطول والقوات الجوية والقوة النووية.

ويهدد اختبار تدمير الأقمار الصناعية «بإضعاف العلاقات بين الدول الآسيوية واثارة التوتر العسكري بين الدول ذات النشاط الفضائي»، كما أوضح دافيد رايت من اتحاد العلماء فى مدينة ماساشوستس الاميركية في بيان ظهر على موقع الاتحاد. وقد وصفت التجربة الصينية بأنها استفزازية لأنها تمت قبل اصدار بيان رسمي مما يعتبر انتهاكا للاعراف الدولية، حيث من المفروض ابلاغ المجتمع الدولي. وذكر جون سونسون رايت من مركز الابحاث البريطاني «تشاتم هاوس» ان التجربة «تمثل تهديدا للدول المجاورة. وهو ما حدث، عندما احتجت استراليا، فقد ذكر الكسندر دونر ان بلاده لا تريد انتشار سباق للتسلح في الفضاء الخارجي. كما سعت اليابان للحصول على تفسيرات عن «النوايا» الصينية غير ان بعض الخبراء يعتقدون ان التجربة يمكن اعتبارها وسيلة ضغط من جانب الصين لدفع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الى التفاوض حول حظر الاسلحة في الفضاء. ومن المعروف ان الصين وروسيا تطالبان منذ عام 2002 بحظر تطوير الاسلحة الفضائية، ولكن الولايات المتحدة رفضت التفاوض. ويوجد في الفضاء 800 قمر صناعي، وتملك الولايات المتحدة اكثر من نصف عدد الاقمار العسكرية في الفضاء وعددها 270 قمرا، بينما تملك روسيا 85 قمرا، والباقي تملكه 45 دولة. وذكر تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» الانجليزية ان تدمير القمر الصناعي الصيني هو رسالة واضحة محتواها ان الصين لا تريد هيمنة الولايات المتحدة على ما يطلقون عليه «ساحة الفضاء».

والواقع ان معظم التفوق الأميركي في مجال التكنولوجيا العسكرية ـ القدرة على مشاهدة العدو بدون ان يشاهده احد وضرب الاهداف بدقة بالغة من مسافات بعيدة ـ ينبع من اقمارها. وستخسر واشنطن الكثير اذا ما زادت الصين قدراتها في مجال الفضاء. وتتنافس الولايات المتحدة والصين من اجل الحصول على الموارد الطبيعية العالمية في مواجهة من اجل التفوق الاقتصادي. ويشمل ذلك النفط والغاز والمياه والصلب والذهب ـ أي مود طبيعي يمكنهما السيطرة عليه.

ووجهة النظر الأخرى يثيرها المحلل الهندي بارثا سارثي الذي اوضح ان محاولات بكين للسيطرة على الفضاء ليس هدفها مماثلة القدرات الاميركية، ولكن لكي تصبح بكين مسؤولة عن منطقة سيطرتها في شرق آسيا. وأضاف سارثي «الهدف الرئيسي للتشدد الصيني في مجال الفضاء، هو تحذير تايوان من أي محاولة لإعلان الاستقلال بدعم من الولايات المتحدة. وتعلم الصين انه اذا كان عليها مواجهة الولايات المتحدة في خليج تايوان، فإن الحاق الاضرار الترسانة الفضائية الاميركية سيصيب قواتها بالعمى والصمم».

وذكر اليكس نيل رئيس برنامج أمن آسيا في المعهد الملكي للخدمات المشتركة ان بعض مثل هذه التصرفات، لا يمكن ان تتحدى تفوق الولايات المتحدة، ولكن فيما يتعلق بمواجهة عسكرية حول تايوان، على سبيل المثال، فإن ضربة ناجحة من 12 صاروخا صينيا، يمكن ان تعتبر ضربة مهمة لقدرات الولايات المتحدة على ما يعرف باسم «ادراك المواقف» في المنطقة. ويشكك العديد في القدرات الصينية لتحدي السيطرة الاميركية في مجال الفضاء، لإنها متأخرة تكنولوجيا عن الولايات المتحدة بعشرين سنة. وتحتاج الصين الى وقت طويل لكي تتحدى الولايات المتحدة مباشرة وعلنا.

وقد ذكر مايكل غريفين المدير الاداري لوكالة الفضاء الأميركية ان التجربة «ستجعل من الصعب على الولايات المتحدة التحدث عن التعاون الفضائي مع الصين. وبغض النظر عن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، وروسيا، فإن اليابان والهند يخشيان من سباق للتسلح في الفضاء.

وتجدر الاشارة ان العديد من الاقمار الصناعية الروسية العسكرية والاستخبارية وحتى اقمار الاتصالات تحلق في مدار منخفض، وقد وضعتها التجربة في متناول القدرات الصينية الجديدة. وتعتمد روسيا على اقمار في مجال امنها في سيبريا والشرق الاقصى لمواجهة الاهتمامات الصينية المتزايدة بالغاز وغيرها من الموارد الطبيعية.

كما ان روسيا اكثر تقدما في مجال القوة العسكرية، ولكنها تحاول اللحاق بها. فقد ضاقت الهوة بين روسيا والصين في مجال الصواريخ الباليستية بتجربة تدمير القمر الصناعي. ويقترب الوقت الذي يمكن فيه للصين التفوق عسكريا. فقد حققت ذلك التفوق في المجال الاقتصادي.

اما اليابان فهي في موقف ضعيف عسكريا، وهي تحاول تمكين نفسها عسكريا في اعقاب تزايد النفوذ العسكري والاقتصادي الصيني. وبعد مرور اسبوعين من اجراء التجربة الصينية ذكرت الهند من جانبها انها ستؤسس قيادة دفاعية فضائية تهدف الى منع هجمات من الفضاء.

ويشير البعض انه بما ان الميزانية العسكرية الاميركية مقيدة بسبب الحرب في العراق وافغانستان، وهو ما يجعل برامج الفضاء في ذيل قائمة الاولويات، فيمكن للصين تحدي الولايات المتحدة في المستقبل القريب. واعرب هانك كوبر المدير السابق لمبادرة الدفاع الاستراتيجي عن «أمله في ان تصبح التجربة الصينية دعوة للانتباه». وتكهن بـ«بيرل هاربر فضائية» اذا لم تطور اميركا الوسائل لمنع والدفاع ضد التصرفات العدوانية في ومن الفضاء.