آسيا الملوثة

16 من المدن الـ 20 الأكثر تلوثا في العالم هي في الصين ونصف الماء الموجود في أكبر أنهارها السبعة ليس مناسبا حتى لأغراض صناعية

TT

بينما تنمو اقتصادات آسيا، خصوصا الصين والهند، بشكل سريع يثير إعجاب الكثيرين، يتحدث البعض عن جانب سلبي لهذا النمو يتمثل في التأثير الواسع على المناخ العالمي وعلى تآكل المصادر الطبيعية داخليا.

وتقول دراسة نشرتها أخيرا الأكاديمية القومية الأميركية للعلوم (ناس) إن كميات كبيرة من السخام والغبار والدخان من المصانع ومشاريع طاقة الفحم الآسيوية تنقل بواسطة الرياح عبر القارات مما يسهم في مشكلة الاحتباس الحراري التي باتت من أكبر المخاطر على العالم.. صحيا وبيئيا.

وتنمو الصين والهند بنسبة 10 في المائة و9 في المائة على التوالي، ومن أجل تعزيز هذا النمو هناك تشييد منفلت للمصانع ووحدات الإنتاج الأخرى. ويعتقد الخبراء أن التصنيع المتزايد في آسيا ينشر ملايين الأطنان من الملوثات غير المكتشفة سابقا والتي باتت تعرف باسم «الغيمة البنية الآسيوية» أو «السديم الآسيوي» الذي تنقله الرياح عبر القارات، مما يؤدي إلى تلويث المياه وتغيير المناخ العالمي على نحو دراماتيكي. وينتقل التلوث الصناعي القادم من آسيا بسرعة أكبر مما كان يعتقد وفقا لما أشار إليه رنيه جانغ المسؤول عن دراسة أعدتها جامعة أي آند إم بتكساس. ويقول البحث المنشور في مجلة «ناس» إن الآثار يمكن الإحساس بها في مناطق بعيدة مثل القطب الشمالي.

ويذكر البروفيسور جانغ انه «خلال العقود القليلة الماضية كانت هناك زيادة في الهباء الجوي وغالبا رابع أوكسيد الكبريت وحبيبات الكاربون ومركبات معدنية ناتجة من إحراق الفحم والخشب، خصوصا في الصين والهند». ويقول إن ملوثات الهواء تجعل من منطقة المحيط الهادي أكثر من حيث الغيوم والعواصف والطقس الشتائي على امتداد الساحل الغربي وحتى القطب الشمالي.

والرياح تنقل السخام وملوثات الهواء الصغيرة التي تعرف بالهباء إلى الجو على مسافة تتراوح بين سبعة إلى ثمانية آلاف كيلومتر، وهي بالمقابل تؤثر مباشرة على الطقس وفقا لما توضحه هذه الدراسة، التي تعتبر أول تحليل واسع النطاق يربط بين تلوث الهواء الآسيوي ونماذج تغيير الطقس. وتؤثر جزيئات الهباء على تشكل الغيوم، وهو ما يؤدي إلى العواصف في خاتمة المطاف بحسب الدراسة. وقارن الباحثون في تكساس هذه الغيوم العميقة من فترة 10 سنوات ابتداء من عام 1984 حتى عام 1994 مع الفترة من 1994 حتى 2005 واكتشفوا أن غيوم العواصف العالية فوق شمال المحيط الهادي زادت بنسبة تصل إلى 50 في المائة بينما نشرت المصانع والعربات ومشاريع الطاقة الجديدة في الصين والهند كميات متزايدة من جزيئات الملوثات المتناهية الصغر في الهواء. وفضلا عن ذلك، فان علماء هارفارد قاموا بدراسة لنوعية الهواء والتغير المناخي آخذين عينات من عشرات الطيارات التي ترتفع وتهبط عبر الغيوم واكتشفوا أن الملوثات من آسيا موجودة في الأعالي فوق نيو انجلاند والأطلسي.

وأشار دانيال جاكوب الباحث في هارفارد إلى أن العواصف الثلجية غير المسبوقة في يناير (كانون الثاني) 2007 كانت نتيجة الغيوم البنية الناجمة عن السخام والغبار الآسيوي.

والمدن الأكثر تلوثا في العالم هي في آسيا. وقال تقرير أعده بنك التنمية الآسيوي عام 2005 إن السبب الرئيسي لتدهور نوعية الهواء في آسيا هو الزيادة في حركة المرور في الطرق. وحذر التقرير من انه حتى في أكثر التقديرات تفاؤلا للتحكم بالزيادة في استخدام السيارات في آسيا فانه من المتوقع أن يزيد انبعاث ثاني أوكسيد الكربون إلى ثلاثة أضعاف خلال السنوات الـ 25 المقبلة.

ووفقا لسورابي مينون من مختبر لورانس بيركلي القومي الأميركي فان انبعاث ثاني أوكسيد الكبريت واوكسيدات النتروجين في الصين وكوريا ستتجاوز معايير نوعية الهواء التي وضعتها منظمة الصحة العالمية للفترة حتى 2020. ويقول تقرير إن تلوث الهواء يسبب حالات وفاة 600 ألف شخص في آسيا كل سنة.

ووفقا لمعطيات بنك التنمية الآسيوي فان أكثر مدن العالم تلوثا هي بكين المشبعة بذرات الغبار التي تدخل إلى الرئتين مما يسبب أمراضا تنفسية وسرطانات. مثل هذه النتائج هي التي حفزت اللجنة الأولمبية الدولية على تحذير العاصمة الصينية من أنها «تغامر بخسران الألعاب إذا لم تفعل شيئا لتحسين نوعية هوائها».

وحتى السلطات الصينية تعترف بأن 16 من المدن الـ20 الأكثر تلوثا في العالم هي الآن في الصين. ونصف الماء الموجود في أكبر انهارها السبعة ليس مناسبا حتى لأغراض صناعية. ويسبب هواؤها الملوث الموت المبكر لـ 400 ألف شخص سنويا. وهناك 75 مليون حالة اصابة بالربو سنويا. ويسقط على ثلث المناطق البرية للبلاد مطر حامضي.

ويقدر المعهد النرويجي لأبحاث الهواء أن الصين، والى حد كبير بسبب إحراقها الفحم، تنشر حوالي 540 طنا متريا من الزئبق الى الهواء كل سنة، وهو ما يشكل تقريبا ربع الانبعاثات غير الطبيعية من الزئبق في العالم. والمشاريع التي تعمل على احراق الفحم في الوقت الحالي تنتج ثلاثة ارباع الطاقة الكهربائية في الصين.

ويؤثر التلوث في الصين والهند على الدول المجاورة أيضا. فقد أصاب التلوث من منطقة الشمال الشرقي الصناعية المزدهرة في الصين منذ فترة طويلة جارتيها الأغنى، وهما كوريا الجنوبية واليابان، مما ادى إلى تدمير أنظمة البيئة وخفض مستوى الصحة العامة. ويقدر اليكسس لاو، الخبير من هونغ كونغ، إن 60 إلى 70 في المائة من حبيبات الغبار الميكروسكوبية التي وجدت في هواء المدينة مصدره المصانع والمدن في «دلتا نهر بيرل»، وهذا ما يخفض مستوى الأمطار في مناطقها المرتفعة. واشتكت اليابان من السخام القادم من محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري والذي يغطي بحيراتها ويقتل الحياة في مياهها.

كذلك تعاني أجزاء من كندا وكاليفورنيا من نتائج التلوث ومن المطر الحامضي بسبب النمو الاقتصادي السريع للصين والمعتمد على استخدام الفحم الحجري (هناك محطتان لتوليد الكهرباء باستخدام الفحم الحجري يتم الاتفاق على إنشائهما كل أسبوع).

وفي الهند، أصبح ذوبان أنهار الجليد في الهمالايا التي تغذي منظومات الأنهر في البلد موضع قلق بالنسبة للمشرعين. وقال مشكاة أحمد تشاوذاري وكيل وزارة الطاقة البنغلاديشية: «نحن محاصرون بين أكبر ملوثَّين هما الهند والصين». فانبعاث الغازات الناجمة عن حرق الفحم الحجري من الهند والصين يلوث هواء بنغلاديش، خصوصا في الموسم الجاف ما بين نوفمبر(تشرين الثاني) ومارس (آذار).

وقال دانيال جاكوب، الاستاذ في جامعة هارفارد في مجال الكيمياء الجوية: «نحن نتنفس هواء أحدنا الآخر». وتعقب هذا الباحث آثار هواء ملوث من آسيا إلى حد بلوغه نيو إنجلاند، حيث كشفت عينات منه عن مواد كيميائية جاءت من الصين.

وهناك دراسة أخرى قام بها باحثون من جامعة واشنطن كشفت عن وجود آثار للأوزون، وأول أكسيد الكربون، والزئبق، ومواد أخرى قادمة من آسيا. وقدمت وكالة حماية البيئة الأميركية تقريرا في الفترة الأخيرة قالت فيه إن ثلث بحيرات الولايات المتحدة وما يقرب من ربع أنهارها أصبحت الآن ملوثة بالزئبق، ولذلك تنصح النساء الحوامل والأطفال بتجنب أكل الأسماك هناك. ويقول بعض العلماء إن أكثر من 30 في المائة من الزئبق القادم من الخارج يتغلغل إلى تربة الولايات المتحدة ومياهها وخصوصا من الصين.

وقال جاكوب: «الزئبق من الصين، والغبار من أفريقيا، والدخان الضبابي من المكسيك، كلها تتسرب عبر حدود الولايات المتحدة لتلوث الهواء الذي يتنفسه ملايين الأميركيين. فليست هناك حدود توقف تلوثا من هذا النوع. وتقول الدراسة إن هذا الوضع سيغير منظومة الطقس في الولايات المتحدة قبل نهاية عام 2020».

ووجدت دراسة نشرتها جامعة هارفارد في مجلة «البيئة الجوية» أنه في عام 2001 كانت 41% من أيام الولايات المتحدة التي سادتها أسوأ رؤية بسبب الغبار، ناجمة عن مصادر آسيوية. وفي السنة نفسها، انتقلت أعمدة ملوِّثة عبر المحيط الأطلسي لترفع معها مستويات الأوزون في الألب بمقدار 33 في المائة، وكانت الانبعاثات عبر المحيط الأطلسي مسؤولة عن 20 في المائة من الزيادة في أوزون هواء أوروبا.

وللضباب الآسيوي تأثير على «الطقس في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية» أيضا. وقال العالم ليون روتساين من مركز بحوث الحياة البحرية والجو في أستراليا إن للسخام الآسيوي تأثيرا على الدورة المائية الاسترالية وتولد وتعزز تشكل أمطار وغيوم، خصوصا فوق وسط وشمال غربي أستراليا خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا التأثير السلبي لأن الضباب يبرِّد القارة الآسيوية والمحيطات القريبة منها، ثم يحول التوازن المعقد لدرجات الحرارة مع الرياح ما بين آسيا وأستراليا. وهذا ليست له صلة بالتلوث الآسيوي الذي يتم نقله مباشرة إلى أستراليا».

وقال توماس كاهيل، الاستاذ في معهد يو سي دافيز، إن الأبحاث «أظهرت وجود عواصف ترابية ضخمة في كل ربيع تأتي من آسيا وهذه تنقل التربة شرقا إلى اليابان وعبر المحيط الهادي إلى الولايات المتحدة». وأضاف: «نحن لم نتمكن من إيجاد بديل لتفسير سبب تقلص الأمطار فوق الهضاب في غرب الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط».

وتوقعا لما ستؤثر الملوِّثات على الطقس، أصبحت إنجلترا أول بلد يضع تشريعات لمحاربة التبدل الطقسي بسبب الغازات المتسربة إلى الغلاف الجوي.

ويهدف التشريع البريطاني الجديد إلى تخفيض نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 26 إلى 32 في المائة قبل انتهاء عام 2020. وأصبح الاقتصاد الآسيوي المتنامي بسرعة واعيا للاحتباس الحراري على مستوى الكرة الأرضية والذي يلعب دورا أساسيا فيها. ووعدت 20 دولة آسيوية بتحسين نوعية هوائها من خلال برامج سيطرة.