من غيتو.. إلى غيتو

العراقيون في لبنان 40 ألفا يتجمعون حسب انتمائهم الديني.. المسيحيون يقيمون في شرق بيروت والشيعة يقيمون في الضاحية

TT

يتردد حوالي مائة عراقي يوميا الى مبنى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة في بيروت، حيث ينتظرهم فريق عمل متخصص، ليتحدث افراده الى كل لاجئ. يدرسون حالته وحاجاته وظروفه، ثم يقررون نوع المساعدة التي يجب تقديمها له. وعلى رغم حظر المساعدات المادية المباشرة، فان الاوضاع الطارئة لبعض العائلات تدفع المسؤولين في المفوضية الى تقديم هذه المساعدة، وذلك بعد التحقق من حقيقة هذه الاوضاع. وفي اغلب الاحيان تطلب المفوضية من شركائها في الجمعيات غير الحكومية متابعة حالات اللجوء من جهة الرعاية الصحية، التي تشكل المعضلة الاكبر في غياب الضمان الصحي لغير اللبنانيين وغير المقيمين بصفة شرعية.

ويفيد احدث احصاء صادر عن المفوضية العليا في ابريل (نيسان)، ان عدد اللاجئين العراقيين تجاوز الاربعة ملايين، هجرة مليون وتسعمائة الف منهم داخلية، وهجرة أكثر من مليونين تتوزع على سورية (مليون و200 الف) والاردن (750 الفا) ومصر ( 100 الف) ودول الخليج العربي (20 الفا) وتركيا (10 آلاف) ولبنان (40 الفا). كذلك يفيد الاحصاء بأن 200 الف عراقي يتوزعون على الدول الاوروبية والاميركية واستراليا. وكانت حركة الهجرة الداخلية في العراق قد ارتفعت بنسبة 50% عام 2006. وتصنف المفوضية العليا كل عراقي من وسط العراق وجنوبه لاجئا، في حين لا ينطبق هذا التصنيف على عراقيي الشمال.

والمفوضية غيرت استراتيجيتها حيال اللاجئين العراقيين، بعد تدهور الاوضاع الامنية في بلادهم. في الماضي كان منح بطاقة اللجوء يتطلب شروطا متشددة، اما اليوم فقد تغيرت المعطيات. يكفي ان يكون طالب البطاقة عراقيا من الجنوب او الوسط ليستحق هذه البطاقة. عدد طالبيها في بيروت يرتفع يوميا، وهم يشكلون ما نسبته 45% من العدد الاجمالي لطالبي اللجوء عبر المفوضية في لبنان. ويقول المسؤول الاعلى للحماية في المفوضية اياكي ايتو، «ان عدد العراقيين اللاجئين في لبنان وصل الى 40 ألفا. وهو رقم تقريبي وليس نهائيا ومحددا. ذلك ان اتصالاتنا تقتصر على الاشخاص وتحديدا العراقيين الذين يلجأون الينا». وعن اوضاع اللاجئين العراقيين القانونية يقول ايتو: «الدخول شرعي لعدد قليل من اللاجئين، والسلطات اللبنانية متسامحة بشكل كاف وانساني لجهة التعامل مع من لا تتوفر لديه تأشيرة دخول الى لبنان، علما بان اكثر العراقيين يدخلون بطريقة غير شرعية من الحدود السورية. كذلك هناك اشخاص دخلوا بطريقة شرعية، ثم انتهت مدة اقامتهم، والآن هم يقيمون بطريقة غير شرعية».

يضيف: «لدينا في المفوضية سياسة عامة تجاه العراقيين، لكن هذه السياسة لا تلزم الدول التي تستقبلهم. ففي لبنان هناك قوانين تختلف عما هي عليه في بلد آخر، لذا وتسهيلا لاقامتهم، على العراقيين ان يأتوا الينا لنسجلهم ونمنحهم بطاقة لجوء، بعد الحصول على المعلومات الاساسية عنهم وعن سبب لجوئهم. ومنذ مطلع العام الحالي الى شهر ابريل، سجلنا 1500 طلب لجوء ليصبح العدد الاجمالي لدينا 5000 طلب لجوء».

وفي حين يقيم في لبنان عدد لا بأس به من العراقيين، الذين يملكون مقومات جيدة او مقبولة للعيش، هناك الكثير ممن لا يملكون ما يعيشون به. هؤلاء يحتاجون الى خدمات المفوضية للحصول على بطاقة اللجوء، على رغم انها لا تؤمن لهم الاقامة الشرعية في نظر السلطات اللبنانية، لكنها تعطيهم وثيقة معترفا بها لترتيب امورهم. يوضح ايتو هذه المسألة فيقول: «يمكن القول الا مشكلات فعلية مع السلطات اللبنانية. الامر يحتاج فقط الى درس الملفات ومناقشتها مع المسؤولين في الامن العام اللبناني، فاللبنانيون، حكومة وشعبا، استقبلوا العراقيين على رغم الاوضاع المتوترة التي يشهدها لبنان. ولكن لا نعرف الى متى تستمر هذه التسهيلات. ونتفهم الامر اذا أصبح قبول العراقيين في لبنان صعبا. حاليا مبدأنا هو الحؤول دون ترحيلهم قسرا، بسبب الاوضاع في بلادهم، حيث يمكن ان يقتلوا. وابرز الصعاب التي تواجهنا هي الحصول على اقامة مؤقتة لهم بعد دخولهم خلسة. ونحن نعمل مع السلطات لايجاد الحلول الممكنة. ولدينا تنسيق جدي معها. نفهم القوانين اللبنانية والسلطات اللبنانية تفهم آلية عملنا. لبنان لا يقبل اللاجئين باستثناء اللجوء السياسي، الذي لا ينطبق على الناس العاديين، وانما على الشخصيات الكبيرة. لكن اللاجئين بشر ويتمتعون بحقوق الانسان التي وقع لبنان شرعتها. وفي هذا الاطار نعمل مع السلطات لتحسين اوضاع العراقيين وحمايتهم، مع ان الامر ليس مثاليا. لكن لدينا الارادة لتحسين اوضاعهم». وتنسق المفوضية العليا مع المنظمات الاهلية لتأمين المساعدات الطبية والتربوية وليس المالية. يقول ايتو: «اولا لا نملك الامكانات اللازمة، وثانيا لا نريد ان نحوّل هؤلاء اللاجئين الى جماعات تابعة لا تملك استقلاليتها. كما ان اوضاع كل لاجئ تختلف عن غيره ولا نستطيع ان نطبق قاعدة واحدة على الجميع، الا اننا نعمل لبناء شبكة من الجمعيات الاهلية والخيرية والمنظمات غير الحكومية لتوفير أكبر قدر من المساعدة المباشرة وغير المباشرة».

اما عن الحلول التي تقدمها المفوضية فيقول: «اعادة التوطين هي الحل الاساسي. لأن العودة غير مضمونة. والامر يتعلق بالحصة التي تمنحها الدول الحاضرة لتوطينهم. فكل دولة لديها سياستها الخاصة لقبول اللاجئين. حاليا نهتم بإعادة توطين 20 الف لاجئ عراقي من سورية والاردن وتركيا ولبنان. الولايات المتحدة ابدت استعدادها لاستقبال سبعة آلاف منهم، وهي الحصة الاكبر، تليها المانيا واستراليا وكندا والدول الاسكندنافية».

عن شروط هذه الدول لاعادة توطين العراقيين، يقول ايتو: «ان عامل الانتماء الديني والمذهبي لا يدخل على الخط، الشروط المحددة هي اولا ان يكون لدى طالب التوطين مواصفات اللجوء العالمية. ويجب ان يكون فعلا قد تعرض الى الاضطهاد والتعذيب وتستحيل عودته الى دياره، او ان لديه وضعا صحيا او اعاقة، ما يتطلب عناية طبية خاصة. والافضلية تعطى ايضا للزوجة التي خسرت زوجها وتعيل اطفالها ويستحيل ان تتابع حياتها حيث هي. الدين يرتبط باللجوء الداخلي في العراق. فالمعروف انه اصبح صعبا على المسيحيين ان يعيشوا في بيئة مسلمة».

هل يمنع اللجوء عن المسلمين على خلفية اسباب امنية، انطلاقا من تهمة الارهاب التي تنالهم من دون تفريق في هذه الظروف؟ يجيب: «لا يتضمن النظام العالمي للاجئين تعريفا واضحا للارهاب. هناك تصنيف للجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وليس للارهاب. وبالطبع من يُشتبه في كونه مجرم حرب او مرتكبا جريمة ضد الانسانية لا يمنح حق اللجوء او اعادة التوطين. وعمل المفوضية في بيروت مع العراقيين لجهة اعادة التوطين لا يقتصر على لبنان، بل يشمل سورية والاردن وتركيا ومصر بشكل جزئي. لذا نحاول ان ننسق مع دول المنطقة لتأمين استقرارهم، حيث يلجأون وتقديم الخدمات. كذلك نحاول تأمين اوطان بديلة لهم».

والعراقيون يتجمعون في لبنان حسب انتمائهم الديني، المسيحيون اجمالا يقيمون في شرق بيروت حيث الاكثرية المسيحية، والشيعة يقيمون في ضاحية بيروت الجنوبية. وهذا لا يعني انهم مسيسون مع حزب الله لجهة انتمائهم. المنظمات الانسانية في الضاحية تساعدهم، ولا تأكيد ان الحزب يتولاهم بشكل رسمي. الحياة المرتفعة التكاليف في لبنان تفاقم معاناة اللاجئين العراقيين. المشكلة الاكبر التي تواجههم هي تأمين المسكن، هو الهم الاساسي وليس الغذاء. احيانا تتقاسم عائلتان او ثلاث مسكنا واحدا صغيرا. فهم غالبا ما يتساعدون لحل هذه المشكلة. السابق يستضيف اللاحق من اقاربه. فرص العمل متوفرة اكثر مما هي الحال في سورية. مع الاشارة الى انه في كل من لبنان وسورية والاردن وتركيا ومصر هناك فئة ميسورة من العراقيين لديها مصادرها المالية واوضاعها جيدة، لكن النسبة الغالبة للاجئين تعاني ظروفا حياتية صعبة. وتكمن الخطورة في اوضاع الطبقة الوسطى التي باع افرادها املاكهم وحملوا اموالهم وجاؤوا الى لبنان، لينفقوا مدخراتهم ويصبحوا من دون مصادر تمويل. هذا ما حصل مع أمل، التي غادرت بغداد برفقة زوجها الذي كان يعمل في شركة اجنبية، بعد تلقيهما تهديدات بالقتل. دخلا لبنان عن طريق سورية بعد حصولهما على تأشيرة تصلح لشهر واحد. استقرا في غرفة ناطور في بلدة عرمون، جنوب بيروت، زوجها ينظف المبنى ويخدم السكان من دون مقابل، غرفة الناطور هي الراتب. وهما يسعيان للحصول على بطاقة لجوء ليرتبا اوضاعهما. يمكن الاستنتاج ان أمل وزوجها من السنة، فهما لا يريدان الاقامة في الضاحية الجنوبية او في مناطق الوجود المسيحي. تقول: «عرمون افضل. الناس يقبلونا من دون تعقيدات». لكن ايجاد الوطن البديل يبقى الامل المنشود للعراقيين. تقول جنان ان زوجها كان مدرسا للغة الانجليزية في البصرة، تقاعد وفتح متجرا صغيرا للسمانة ومحل كهرباء لابنه البكر. وتضيف: «بعد الاحتلال نهبت الميليشيات المتجر والمحل واحرقتهما، ثم نزلت علينا عصابة فسرقت ما لدينا من مال ومجوهرات. وليلة عيد الميلاد في 24 ديسمبر (كانون الاول) 2003 وبينما كان زوجي عائدا بلوازم العيد، كمنوا له واردوه بالرصاص. سودوا العيد علينا. بعد ذلك بدأوا بتهديدنا لارغامنا على المغادرة. هددوا اولادي لانهم يعملون في شركات اجنبية. صبرنا كثيرا على امل ان تتغير الاحوال. صمدنا عامين ونصف العام، لكن الوضع اصبح خطيرا، لذا غادرنا، ونحن في المفوضية لطلب اللجوء الى دولة توطننا. اريد لأولادي حياة مستقرة لاننا تعبنا».

تقيم جنان واولادها الثلاثة وكنتها وحفيداها في شقة مؤلفة من غرفتين بايجار 200 دولار في منطقة سد البوشرية، حيث الاكثرية المسيحية. ويعمل ابنها الكبير في محل للكهربائيات والصغير في مكانين طوال 14 ساعة يوميا. وهي احضرت كل المستندات المطلوبة لتسهيل قبولها مهاجرة الى السويد، حيث تقيم شقيقتان لها. تذكر ان ابنتها حنين البالغة من العمر 13 عاما ارغمت في مدرستها في البصرة على وضع الحجاب. اليوم تتابع حنين دروسا مسائية مكثفة في مدرسة مار جرجس القريبة من البيت. فقد حضرت معلمة في المدرسة بعد ايام من اقامة العائلة وعرضت على الأم ان تلتحق ابنتها بالدروس المكثفة حتى تكون على استعداد لمتابعة عام دراسي طبيعي الموسم المقبل. في صفها خمسة تلاميذ يدرسون اللغات العربية والفرنسية والانجليزية الى جانب الرياضيات والجغرافية. بعض العراقيين يتحفظون عن كشف انتمائهم الديني، لاسيما اولئك الذين يعملون في مؤسسات اجنبية في لبنان. كذلك يتحفظون عن ذكر اسمائهم ويرفضون التصوير. قال احدهم لـ«الشرق الاوسط»: «لا اريد ان يصنفني احد من خلال طائفتي، فالاوضاع المتردية تجعل اي تصنيف مضرا بمصلحة عائلتي وبعملي مع اجانب. وقد يرتد الامر على اقاربي في العراق بالسوء». خالد يعكس نموذجا آخر من المسكونين بالرعب حتى كأنه يتنفسه. يقول ان الرعب يلاحقه مذ كان يقيم في بيئة سنية في بغداد، فضرب وهدد بالقتل لانه شيعي. واعتبر ان نزوحه الى منطقة عراقية شيعية لم يكن يوفر له الامان. يقول: «الموت مجاني وكثير، اذا لم نتلق تهديدا مباشرا بالقتل، قد تردينا متفجرات يتزنر بها احدهم». اما خوفه الكبير فهو على بناته الاربع، هو يقيم في منطقة ساحلية، جنوب بيروت، مع زوجته وابنه وبناته. يحتاج الى بطاقة لجوء، ليتمكن من تسجيلهن في المدارس والجامعات. خالد دخل لبنان خلسة ودفع للمهربين الف دولار اميركي. يقول: «ان الطبخة طبخت في سورية بين شركاء لبنانيين وسوريين فوصل الى حيث هو». خالد يعمل دهانا ويخاف ان يغادر المنطقة. فرص العمل متقطعة. بيروت محظرة عليه كما يوضح، لانه لا يملك اقامة شرعية. ويخشى التعرض الى الاعتقال. يقول: «اذا سجنوني ماذا سيحل بالبنات؟ زوجتي اصيبت بقرحة في معدتها من الخوف. ماذا ستكون حالتي اذا وضعت في السجن. عندي بنات». بنات خالد لا يغادرن البيت منذ عام. يكتفين بشرفة تطل على مقابر البلدة. قلن له ذات يوم: «ماذا فعلت بنا؟ حملتنا من مقبرة الى اخرى. كأن الموت مكتوب علينا».

لماذا كل هذا الخوف والعراقيون يملأون لبنان؟ يجيب: «اتوقع كل شيء لأني غير شرعي، اذا دقت الريح على الباب اصاب بنوبة ذعر. واسعى الى البطاقة التي لن تحدث المعجزات، لكنها احسن من لا شيء، هي مستند يشكل نوعا من الحماية، واذا تمكنت من الحصول على هجرة الى وطن بديل اكون قد منحت عائلتي الامان والاستقرار».

والدخول خلسة الى لبنان لم يكلف كثيرا، فسوق العرض والطلب خفضت الاسعار من الف دولار الى 200 واحيانا 100 دولار للقادرين على المساومة، حتى ان بعض العراقيين اصبح متمرسا ولم يعد بحاجة الى خدمات المافيات لينسل عبر الحدود السورية الى الاراضي اللبنانية.

ويبقى ان كل لاجئ يعتبر ان وضعه هو الاصعب، لكن الحكم الاخير يصدر عن اللجنة التي تدرس هذه الاوضاع. تقول مسؤولة الاعلام في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: «ان البطاقات تمنح بموجب آلية معينة تستغرق عادة بضعة ايام، ولكن استثناءات قليلة تفرض منح البطاقة لطالبها في اليوم ذاته». وتضيف ان اعداد طالبي اللجوء كبيرة وعدد الموظفين محدود والامكانات المالية كذلك، لكن عمل المنظمات غير الحكومية يخفف هذا العبء.

وتقول «ان اللاجئين العراقيين يحرصون على اختيار بيئة تؤمن لهم حماية الطائفة، لكن لهذا الامر احيانا مفاعيل سلبية، فالبعض يحمل افكارا مسبقة تتحكم فيه وتعمي بصيرته عن الاستفادة من خدمات الجمعيات فقط لانها ترفع رمزا دينيا». تعتمد جمعية «كاريتاس» مبدأ العمل الميداني للاهتمام باللاجئين العراقيين. تقول المساعدة الاجتماعية ريتا ابي نادر: «نحن نقصد العائلات حيث تقيم. نتعرف الى افرادها ونطلب اليهم ان يبادروا الى زيارة مراكزنا. وتدل الدراسة الميدانية على ان معظم العائلات تفضل اللجوء الى لبنان اكثر من البقاء في سورية لأن ظروف العمل افضل». وعدا الصعاب الحياتية، يواجه اللاجئون العراقيون خطر الاعتقال، لأن لبنان لم يوقع اتفاقية اللجوء الصادرة في بروكسل عام 1961. وتشير الارقام غير الرسمية الى وجود شبه دائم لحوالي 90 موقوفا عراقيا لدخولهم البلاد خلسة. ليرتفع الرقم او ينخفض بنسب متقاربة. وعقوبة هؤلاء تقضي بسجنهم شهرا واحدا على ان يتم ترحيلهم بعد ذلك، الا أن ظروف العراق تحول دون تنفيذ اجراء الترحيل، لاسيما ان قرار الترحيل يستلزم موافقة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التي لا تكتفي بقبول اللاجئ هذا القرار، وانما تعتمد وسائل تسمح لها بالتحقق من عدم ارغامه على تعريض حياته الى القتل اذا عاد الى بلاده. وتقول جيهان اسعيد، المساعدة الاجتماعية في مؤسسة «عدل ورحمة»، التي تهتم بأوضاع اللاجئين في سجن رومية المركزي في لبنان، «ان وضع العراقيين يخضع الى مذكرة التفاهم بين المفوضية والامن العام اللبناني، التي تنص على الاعتراف الرسمي من السلطات اللبنانية بحق اللاجئين وطالبي اللجوء بالبقاء المؤقت في لبنان. وبموجب هذه المذكرة تحتفظ المفوضية بدورها في درس طلبات اللجوء على ان تشارك الامن العام دراستها هذه حتى تتمكن السلطات اللبنانية من تسوية اوضاع اللاجئين. وفترة البقاء المؤقت مدتها ثلاثة اشهر قابلة للتمديد الى تسعة اشهر، يتوجب خلالها على المفوضية البت في طلب اللجوء وإيجاد الحل الدائم لهم عبر توطينهم في بلد ثالث». وتضيف اسعيد: «إلا ان بطاقة اللجوء لا تحمي حاملها والحصول على الاقامة المؤقتة ليس سهلا، الامر الذي يعرض اي عراقي يوقفه حاجز امني الى الاعتقال، مع ان السلطات اللبنانية تمارس سياسة «غض النظر» تحسسا منها بظروف اللاجئين الصعبة، لكن ذلك لا ينفي ان بعض المحكومين تنتهي فترة محكوميتهم ولا يفرج عنهم لعدم تسوية اوضاعهم، ما يعرضهم الى ضغط نفسي كبير ويخلف لديهم امراضا ناتجة عن التوتر كالحساسية والربو وغيرهما». وتشير الى بعض العراقيين الذين يتعرضون الى عملية خداع في بلادهم، حيث يشترون تأشيرة دخول الى بلد اوروبي مقابل مبالغ مالية باهظة، ثم يدخلون لبنان بتأشيرة رسمية على ان يسافروا من مطار بيروت وفق الصفقة المعقودة معهم ليفاجأوا ان التأشيرة الاوروبية مزورة، فيتم توقيفهم ويدخلون السجن.

وعن الاهتمام بالسجناء العراقيين تقول اسعيد: «فور دخول السجين اللاجئ نحضر له ملفا اجتماعيا لنتمكن من مساعدته على الصعيدين القانوني والصحي ونتابع احواله لنؤمن له التواصل مع اقاربه واصدقائه. وغالبا ما يتم التكتم على هذا التواصل، لأن غالبية الاهل والاصدقاء العراقيين دخلوا لبنان خلسة. كذلك يتصل بالسجناء للاطلاع على احوالهم رجال دين ومندوبون من مؤسسات واحزاب عراقية، منهم مندوبون يوفدهم مقتدى الصدر، لكن حتى الآن لم تتشكل جالية عراقية تهتم بشكل رسمي بأوضاع اللاجئين».