حرب بلا توقف

يتردد أن عدد قوات جبهة نمور التاميل في سريلانكا 18 ألفا يتناولون سم الزرنيخ المربوط حول رقابهم في حال اعتقالهم

TT

تواجه سريلانكا في شبه القارة الهندية ازمة سياسية تزداد مع الوقت، وتندفع نحو موجة جديدة من العنف بعدما شنت الجماعة المتطرفة جبهة تحرير «تاميل ايلام» ثلاث غارات جوية على مواقع عسكرية حكومية بل اسقطت طائرة حربية تابعة للقوات الجوية في الشهر الماضي.

وهذه هي المرة الاولى التي تشن فيها جماعة «تاميل ايلام» غارات جوية بدون مساعدة خارجية.

وتعيش سريلانكا في حرب اهلية منذ ثلاثة عقود تقريبا. والنزاع الحالي هو، بصفة رئيسية بين الحكومة وجبهة تحرير تاميل، المعروفة ايضا باسم نمور تاميل، وهذه الجماعة تمثل الاقلية التاميلية التي تريد الانفصال بدولة مستقلة لان الاغلبية السنهالية هي التي تحكم البلد وتسيطر على ثرواته. وبالرغم من المعروف لسنوات ان الجبهة تملك جناحا جويا محدودا، فقد اثارت قدرتهم الناجحة، على تنفيذ غارة جوية باستخدام طائرتين صغيرتين طارتا لمسافة 400 كيلومتر وخلال الليل، القلق في اوساط الحكومة السريلانكية، التي اضطرت الى اغلاق مطار كولومبو الدولي وقطع التيار الكهربائي عن العاصمة مساء خوفا من مزيد من الغارات الجوية للجبهة.

وكان سلاح الجو التابع للجبهة المعروف باسم نمور الجو قد طار للعاصمة كولومبو وقصف واحدة من اكثر المنشآت حراسة وعاد بدون مواجهة في 26 مارس (اذار) مما ادى الى مقتل 3 اشخاص واصابة 17 بجراح. وقد اعقب ذلك شن غارتين اخرتين. والموقف صعب للغاية لدرجة ان عدة دول قد اصدرت تحذيرات لمواطنيها الذين ينوون السفر الى سريلانكا في ضوء تلك الحوادث. وقد حذرت الجبهة الحكومة بقصف المزيد من المنشآت العسكرية. وقد الغت عدة شركات طيران دولية مثل سنغافورا وكاثي باسفيك والإمارات رحلاتها من والى مطار كولومبو الدولي، كما انخفضت اسعار الاسهم في بورصة الاوراق المالية.

وليست فقط كولومبو هي التي تشعر بالقلق. فوجود قدرات جوية في يد واحدة من اكثر الجماعات المتطرفة عنفا، وهي جماعة لديها شبكة دولية مكثفة تشمل علاقات مع جماعات متطرفة اخرى، هي مثار قلق. وبعد الهجوم اشار الرئيس السريلانكي مهينادا راجاباكس الى ان «قدرة الجبهة على شن غارات ستهدد المجتمع الدولي»، وهذا النزاع مستمر منذ فترة طويلة، فجذوره تعود الى مرحلة ما قبل الاستعمار. فقد حصلت سيلان (اسم سريلانكا حتى 1972) على استقلالها في فبراير (شباط) عام 1948 من بريطانيا.

وواجهت البلاد توترا حادا بين الاغلبية التي تنتمي الى السنهاليين والاقلية التي تنتمي الى التاميل، مما ادى في يونيو (حزيران) 1965 الى مصادمات عنيفة واضطرابات، شن خلالها السنهاليون هجمات على التاميل وعلى مصالحهم التجارية. وكان التاميل يعارضون تحركات الحكومة لاستبدال اللغة الانجليزية (اللغة التي يتحدثون بها) بالسنهالية كلغة رسمية للبلاد.

وفي عام 1983 ادت موجة عنف ضد التاميل عبر الجنوب الى انتقال ميزان القوى من تمرد صغير يسهل السيطرة عليه الى ما يشبه الحرب الاهلية وبداية حملة الجبهة ضد الحكومة السريلانكية لضمان وطن منفصل للتاميل المعروفين باسم تاميل ايلام (دولة) في الاقليمين الشرقي والشمالي من البلاد. وسيطر النمور على معظم المناطق الشمالية والشرقية من سريلانكا. وتعتبر 32 دولة نمور التاميل منظمة ارهابية. ويرأسها مؤسسها فيلوبيلاي برابهاكاران.

وقد اصبحت الجبهة اكثر المنظمات الارهابية تنظيما في العالم وتحتفظ بجناح عسكري. وتجدر الاشارة إلى أن جبهة التاميل هي اول منظمة تنفذ عمليات انتحارية. وتحتفظ الجبهة بجبهة بحرية (نمور البحر) وجماعة جوية (نمور الجو) وقوة عمليات خاصة تعرف باسم (فوج تشارلز انتوني) ووحدة انتحارية (النمور السود) بالاضافة الى جماعة استخبارات سرية. ويتردد ان عدد قوات الجبهة يصل الى 18 الفا يتناولون سم الزرنيخ المربوط حول رقابهم اذا ما قارب اعتقالهم، وتركز الجبهة تركيزا شديدا على مفهوم التضحية.

وثلث قوات جبهة التاميل من النساء، الذين يكلفون بمهام في ميدان المعركة، وفي المطبخ وفي المعسكرات الطبية. ويمثل الاطفال ما يقرب من 40 في المائة من كوادر الجبهة. كما اعدت الجبهة ادارة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها بإنشاء بنى مثل قوات الشرطة والمحاكم وخدمات البريد والمصارف ومكاتب ادارية وشبكة تلفزيون واذاعة. واهم تلك الخدمات هو نظام القضاء والشرطة. ويقع مركز شرطة التاميل في بلدة كيلينوتشتشي وشكل في عام 1993، ويضم عدة اجنحة من بينها الشرطة ومنع الجرائم ومتابعة الجريمة ومكتب المعلومات والقوات الخاصة. وتجمع كوادر الجبهة الضرائب وتنظم اجراءات التقاضي وتطبيق القانون والنظام. وقد تزايدت الآمال بالوصول الى سلام عادل عندما تم التوصل الى اتفاق سلام في ديسمبر (كانون الاول) 2001، وتم توقيع اتفاقية سلام مع وساطة النرويج في العام التالي. وعقب وقف اطلاق النار. وافقت حكومة سريلانكا على الغاء الحظر على جبهة تحرير التاميل، ومهدت الطريق لاستئناف المفاوضات المباشرة معها. وتم التوصل الى تقدم لا يذكر خلال سلسلة من المحادثات عقدت بين عامي 2002/2003. وقد اعلنت الجبهة في ابريل 2003 انها انسحبت من المفاوضات الثنائية مع الحكومة، واشارت الى فشل السلطات في اعادة توطين الاف من لاجئي التاميل، واستبعاد قيادات الجبهة من اجتماع للمساعدات في الولايات المتحدة، حيث تعتبر الجبهة منظمة ارهابية.

سريلانكا واحدة من 12 دولة تعرضت لدمار هائل تسبب في وقوع عدد كبير من الضحايا من جراء كارثة السونامي اواخر ديسمبر 2004. تبد الأمل في ان تؤدي تلك الكارثة الى تهدئة التوتر بين الحكومة والانفصاليين واتهم قادة حركة تحرير تاميل ايلام الحكومة السريلانكية بعرقلة تدفق المساعدات الانسانية باتجاه المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. وقالت الحركة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 ان الحكومة باتت تتبع سياسة عدوان عسكري بغرض احتلال اراضي التاميل، الأمر الذي ترتب عليه اعتبار اتفاق عام 2002 الخاص بوقف إطلاق النار غير ملزم. وفيما لم تتراجع الحكومة او حركة نمور التاميل عن اتفاق عام 2002 رسميا، تصاعدت حرب غير معلنة بين الطرفين شمال وشرق الجزيرة. وشهدت سريلانكا عام 2006 أسوأ موجة عنف بين الحكومة وحركة تحرير تاميل ايلام. وأشارت تقارير الى ان الحكومة شنت عددا من الهجمات العسكرية خلال الشهور الاخيرة وأخرجت قوات الحركة جميع اراضي المحافظة الشرقية. وفي الذكرى الخامسة لتوقيع الحكومة والحركة اتفاق وقف إطلاق النار أعلنت الحركة انها «ستستأنف حربها من أجل التحرير بغرض إقامة دولة للتاميل».

طبقا لتقرير صادر عن منظمة الامم المتحدة بلغ عدد النازحين بسبب النزاع ما يزيد على 300000 شخص اثر اندلاع القتال مجددا اعتبارا من ابريل الماضي. وجاء في تقرير صادر عن المنظمة في يناير من العام الماضي ان سريلانكا ستظل في حالة عدم استقرار حتى عام 2010 بسبب عدم وجود ما يشير الى احتمال انتهاء النزاع العسكري الحالي. وتعتبر سريلانكا الدولة الأكثر عسكرة في منطقة جنوب آسيا من ناحية عدد أفراد قوات الجيش، إذ ان هناك 800 جندي وضابط مقابل كل مليون نسمة. كما تفوق من ناحية جملة الإنفاق العسكري دولا اخرى تعاني من نزاعات مثل كولومبيا وميانمار وسيراليون والسودان والفلبين وأوغندا. وتشعر الهند بالقلق إزاء الهجمات الجوية لحركة تحرير تاميل ايلام، إذ ان هذه الهجمات الجوية جعلت ثلاث مقاطعات في جنوب الهند (تاميل نادو وكارناتاكا وكيرالا) عرضة للخطر، علما بأن الفاصل بين الهند وسريلانكا شريط مائي ضيق. إلا ان محللين هنودا يستبعدون تشكيل حركة نمور التاميل خطرا على الهند بسبب القدرات الجوية للحركة. ويرى المحللون ان الخطر على الهند متوسط وبعيد المدى. ويقول ب. رامان، المدير السابق لوحدة مكافحة الارهاب التابعة لوكالة الاستخبارات الخارجية الهندية، ان هناك احتمالا لوقوع هجمات ارهابية مماثلة لتلك التي يشنها مقاتلو حركة نمور التاميل من جانب حركات متمردة هندية مثل الماويين، الذين يسيطرون على اراض في الريف الهندي. تجدر الإشارة الى ان ثمة تقارير اشارت الى وجود علاقات بين حركة نمور التاميل والماويين الهنود. ودخلت الهند النزاع في عقد الثمانينات لعدة اسباب بما فيها رغبة القادة في إظهار الصين كقوة اقليمية في المنطقة، فضلا عن القلق إزاء مطالبة التاميل الهنود الذين يعيشون في جنوب الهند بالاستقلال، خصوصا في ولاية تاميل نادو، حيث أدى الولاء الإثني الى تأييد قوي للذين ينادون باستقلال التاميل عن سريلانكا. وكانت الهند وسريلانكا قد وقعتا اتفاق سلام عام 1987 بواسطة رئيس الوزراء الهندي السابق راجيف غاندي والرئيس السريلانكي جيواردين. وبموجب هذا الاتفاق قدمت الحكومة السريلانكية عددا من التنازلات لمطالب التاميل من ضمنها إقامة مجالس تمثيلية محلية في المحافظات ومقترح بدمج المحافظات الشرقية والشمالية في محافظة واحدة اعتمادا على نتيجة استفتاء بهذا الشأن، مع الاعتراف بلغة التاميل (وجرى في وقت لاحق تطبيق هذه الخطوة وضمنت في الدستور كتعديل اساسي). سمح بموجب الاتفاق لقوات عسكرية هندية، اطلق عليها «قوات حفظ السلام الهندية»، بدخول سريلانكا للإشراف على وقف إطلاق النار ونزع بعض سلاح المجموعات المسلحة. قررت الحكومة السريلانكية ايضا سحب قواتها جنوبا لتحل محلها قوات حفظ السلام الهندية في غالبية المناطق الشمالية. وفي الوقت الذي وافقت فيه جماعات تاميل مسلحة وضع السلاح والبحث عن حل سلمي للنزاع، رفضت حركة نمور التاميل نزع السلاح وحرصا على إنجاح الاتفاق حاولت قوات حفظ السلام الهندية تسريح حركة نمور التاميل بالقوة، إلا ان هذه المحاولة أدت الى اندلاع نزاع واسع النطاق بين الجانبين. وبرزت بعد ذلك معارضة قوية من التاميل، وفي نفس الوقت أدت المشاعر الوطنية للكثير من السنهاليين الى معارضة الوجود الهندي في سريلانكا، الأمر الذي ادى الى مناشدة الحكومة السريلانكية الهند بالخروج من الجزيرة كما كانت هناك مزاعم بتوصل الحكومة السريلانكية الى اتفاق سري مع حركة نمور التاميل أسفر عن وقف لإطلاق النار. وسحبت الهند قواتها عام 1990، واغتالت حركة نمور التاميل عام 1991 رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي في هجوم نفذته انتحارية ردا على قتل قوات حفظ السلام الهندية كادرا في حركة نمور التاميل. وظلت الهند منذ ذلك الوقت مراقبا خارجيا لعملية السلام في سريلانكا مطالبة بصورة مستمرة بتسليم فيلوبيالي براباكاران. وترى مصادر انه اذا اخذنا في الاعتبار الوضع الراهن لحركة نمور التاميل فإنها ستنفذ أعمالا اكثر إثارة بغرض جذب انتباه وسائل الإعلام وإشاعة الخوف. يضاف الى ذلك ان الجهات التي تجمع التبرعات لحركة نمور التاميل على المستوى العالمي لم تعد راضية تماما عما يجري، إذ تقول مصادر أمنية في استراليا والولايات المتحدة وكندا ان الذين يجمعون التبرعات لحركة نمور التاميل باتوا يشككون اكثر في دوافع الحركة، خصوصا في ظل عيش قادتها حياة بذخية بالإضافة الى تجنيد الحركة جنودا قاصرين للقتال. ويرى كثير من المحللين انه ليس في الافق ما يشير الى وجود فائدة لأي من طرفي النزاع، الذي استمر سنوات.