يحدث في الضفة الآن

حكومتان وفلتان أمني واحد .. فهل يمنع عباس سيناريو غزة عن الضفة ؟

TT

لا يمكن أن يحدث ذلك، إلا في مكان يفتقد ليس فقط للحد الأدنى من الأمن والنظام، ولكنه لا يعرف عنهما شيئا، ولم يسمع بأية سلطة كانت حتى لو كانت السلطة الفلسطينية التي يوصفها الكثيرون من قادتها بأنها سلطة وهمية، مع استمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي.

كان ذلك عندما قاد أبو جبل، وهو مسؤول محلي لكتائب الأقصى التابعة لحركة فتح في نابلس، مراسل القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، في جولة في المدينة، ليريه عمليات «التطهير» التي نفذت فيها لعناصر من حركة حماس، والتي شملت خطف واعتقال وحرق بعض المؤسسات، والسيطرة على أخرى مثل مجلس بلدية نابلس، كبرى مدن الضفة الغربية، وطرد أعضاء حماس المنتخبين منه، وتعيين آخرين بدلا منهم، من قبل ميليشيا كتائب الأقصى.

وقبل ذلك، كانت نابلس، شهدت ما اعتبر أسوأ «رد فعل» على أحداث غزة، عندما اعدم أحد نشطاء حماس، بعد خطفه وأعلنت كتائب الأقصى تبنيها لذلك. ولم تقتصر ردات الفعل، أو ما سماها القيادي الفتحاوي أبو علي شاهين «فشات الخلق» على مدينة نابلس، ولكنها امتدت إلى مختلف مدن الضفة الغربية، حيث خطف واعتقل العشرات من كوادر حركة حماس، ودوهمت وحرقت منازلهم، مثل منزل الدكتور عزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني المعتقل في إسرائيل، وشملت ما سمتها حركة حماس الاعتداءات، اقتحام منازل قادة في حماس معتقلين في السجون الإسرائيلية، مثل جمال الطويل رئيس بلدية البيره، الذي حمّل من سجنه محمود عباس (أبو مازن)، مسؤولية ذلك، والقيادي البارز حسن يوسف، وغيرهما.

ويفترض أن ما أحدثه عناصر كتائب الأقصى، والذين لم يحاولوا حتى إخفاء ما فعلوه، إحراجا لمحمود عباس، ووفر الفرصة لحماس أن توجه له انتقادات من نفس الجوانب التي ينتقدها فيها، وإذا كانت حماس «مجموعة انقلابية» و«عصابات إجرامية» كما يطلق عليها الإعلام التابع لعباس، فماذا يمكن أن يقال عما يمكن أن يسمى المجموعات المنفلتة التي يفترض أنها تابعة لعباس باعتباره زعيما لحركة فتح، وتمارس نفس ما ينسب لما فعلته حماس في غزة؟

كل ذلك شجع الفلسطينيين على المقارنة، بين ما تفعله حماس في غزة، وما تفعله فتح في الضفة الغربية، حتى ظاهرة الملثمين في غزة التي هاجمها أبو مازن في خطاب متلفز، ظهرت في القوات النظامية التابعة لعباس، حيث انتشرت الحواجز العسكرية التي يقف عليها ملثمون من قوات الأمن الوطني.

وكانت هذه التصرفات تعني أن أبا مازن خسر الجولة الأولى من معركته مع حماس في الضفة الغربية، حتى انه سمعت أصوات من قبل أوساط في الرأي العام الفلسطيني في الضفة ومن بينها أوساط مسيحية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، بأنها تتمنى أن تفعل حماس في الضفة الغربية ما فعلته في غزة، لتضع حدا لاستمرار الفلتان الأمني في الضفة الغربية والذي حمل هذه المرة عنوان: مواجهة حماس. ووصفت صحيفة معاريف الإسرائيلية ما يجري بعنوان دال وهو «حكومتان وفلتان أمني واحد».

وكان أبو مازن يدرك اكثر من غيره، أن ما يحدث ليس هو الطريق الصحيح، للحيلولة دون تكرار مفاجأة حماس الغزية، في الضفة، فاخذ يكرر ويؤكد على أهمية تطبيق النظام والالتزام به، ولكنه لم يقدم على خطوة فعلية حتى لو كانت اسمية كما اعتبرها البعض، إلا يوم الثلاثاء 26 حزيران (يونيو) الجاري، عندما اصدر قرارا بحل جميع الميليشات وجمع أسلحتها، بما فيها كتائب الأقصى، وان كان يسود الاعتقاد لدى المراقبين للشأن الفلسطيني، بان ذلك سيبقى حبرا على ورق إلى حد كبير.

وأخذت السلطة تغير من سياستها، بعد عمليات «فش الخلق» في مواجهة حماس، وأعطت تحركها الجديد شكلا «قانونيا»، حيث شنت اعتقالات واسعة، لم تعترف بها السلطة في البداية، ثم غيرت طريقة تعاملها مع الأمر، وعقد قادة الأجهزة الأمنية في المحافظات الفلسطينية لقاءات مع الصحافيين، لوضعهم في صورة ما حدث وللقول بان الاعتقالات التي طالت أفراد حماس تمت بطرق قانونية، وان الهدف منها حماية بعضهم من بطش مسلحي فتح، بينما اعتقل البعض الآخر لانتمائهم للجناح المسلح لحركة حماس.

وأدركت السلطة أهمية مواجهة حركة حماس على الجبهة الإعلامية والمعنوية، وأعلنت وزارة الداخلية الفلسطينية، بان 24 عضوا من حماس بينهم أعضاء في القيادة، سلموا أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية.

وقالت هذه الوزارة، إن الأجهزة الأمنية أجرت تحقيقات معهم وأخلت سبيل غالبيتهم «بعد تعهدهم بالالتزام بالقانون والشرعية الفلسطينية، وعدم الانخراط في أية أعمال مشبوهة تخطط لها حركة حماس في الضفة الغربية». وفي مدينة قلقيلية، شمال الضفة الغربية، دعا جهاز الأمن الوقائي ممثلي وسائل الإعلام المختلفة، وعرض عليهم وسائل قتالية وبزات عسكرية قال انه ضبطها مع نشطاء في حركة حماس.

وأعلن المكتب الإعلامي للأجهزة الأمنية في محافظة قلقيلية «أنه يرجح أن المضبوطات، كانت تعد لتشكيل نواة للقوة التنفيذية التي أسسها وزير الداخلية السابق سعيد صيام في غزة، وأعلن السيد الرئيس محمود عباس عدم شرعيتها واعتبرها خارجة عن القانون».

ومن بين المضبوطات التي عرضت: سيوف وبلطات وألبسة عسكرية وأقنعة، وبزات عسكرية، إضافة إلى بيانات ورايات وشعارات لحركة حماس ولكتائب القسام.

وفي محافظة جنين، سمح للصحافيين باستجواب عدد من معتقلي حماس، الذي قالوا بأنهم لم يتعرضوا لتعذيب، واكدوا على انهم يرفضون نقل الأحداث من غزة إلى الضفة، وتنكروا لتصريحات نسبت لمحمود الزهار، القيادي في حماس، التي هدد فيها باستخدام المتفجرات في مواجهة السلطة وأجهزة الأمن في الضفة الغربية، ووصفها المعتقلون بأنها «جريمة لا تغتفر، وتصريحات لا تعبر عن رأي أي إنسان حر يسعى للمصلحة الوطنية».

وأدخلت هذه التغيرات «القانونية» ارتياحا لدى بعض قيادات فتح مثل أبو علي شاهين الذي قال بان ما حدث من «فشة خلق» أساء لحركة فتح وللسلطة. وأضاف «هم اعتدوا على منازل رموزنا مثل ياسر عرفات، وأبو جهاد، وأبو مازن، وفي المقابل تم حرق منزل الدكتور الدويك، الذي تدفع السلطة أجرته وأثثته بالكامل، ما هذا الذي يحدث؟ علينا أن نفكر بعقولنا»، موجها حديثه لكوادر حركة فتح.

وأضاف «كل ما حدث حتى الان في الضفة هو فشة خلق وليس معالجة سياسية، ويجب أن ينصاع الجميع في الضفة للقانون، حتى نستطيع إعطاء قوة مثال، للذين يريدون أن يرون الفرق بين ما نفعله وبين ما تفعله حماس في غزة».

ويرى شاهين بأنه يجب التفريق بين أفراد حركة حماس في الضفة، وأعضاء حركة حماس في قطاع غزة، معتبرا أن هذه الحركة في الضفة تختلف عن غزة، ويعتقد بان حماس لا تريد أن تكرر ما فعلته في غزة، في الضفة، ولو أرادت فعل ذلك، فان إسرائيل لن تمانع، لان حماس تؤمن بالحدود المؤقتة، وهو ما تطرحه إسرائيل الآن. وقال ان مخطط حركة حماس هو تحويل غزة إلى إمارة إسلامية، ولا تعارض الحركة عودة الضفة إلى الأردن، وان أعضاء حماس في الضفة ما زالوا أعضاء في حركة الإخوان المسلمين الأردنية.

ويوافق الدكتور مصطفى البرغوثي، وزير الإعلام الفلسطيني السابق، على أهمية ما سماه تكريس ثقافة احترام القانون وعدم جواز التعدي على حياة المواطنين وحقوقهم وأملاكهم وبيوتهم مثلما حصل ضد منزل ياسر عرفات، ومحمود عباس، وعزيز الدويك. وفي حين استمرت مجموعات كتائب الأقصى في استهداف أفراد ومقار حركة حماس، لوحظ بان قيادات حركة حماس في الضفة الغربية، اتخذت تكتيكا مختلفا في مواجهة ذلك، حيث ظهرت هذه القيادات كشخصيات «حكيمة» لا تريد الانجرار إلى مواجهة مع السلطة أو كتائب الأقصى.

واتخذت هذه القيادات موقفا علنيا، ميزتها عن قيادة حركة حماس في غزة، وكان آخر هذه المواقف المعلنة، ما جاء في مؤتمر صحافي عقده صالح العاروري مؤسس كتائب القسام في الضفة الغربية، والذي أطلق سراحه من السجون الإسرائيلية قبل ثلاثة اشهر، بعد أن أمضى 15 عاما في السجون.

وقال العاروري إنه يرفض حسم الأمور السياسية بشكل عسكري، ولمح إلى عدم موافقته لما جرى في غزة، وكرر دعوته للحوار، وحل المشاكل والخلافات فقط بالحوار.

ولم تمض على تصريحات العاروري هذه عدة ساعات، حتى كانت قوات الاحتلال تطوق منزله في قرية (عارورة) قرب رام الله ، وتعيد اعتقاله.

وفسر برهان جرار، القيادي في حركة فتح إعادة اعتقال العاروري، بان الاحتلال لا يريد للأصوات التي سماها «عاقلة» في حماس أن تعبر عن نفسها أو تأخذ دورها، وانما يريد الاحتلال تأجيج المواقف، طالبا من الجميع اخذ العبرة ومعرفة ما سماه «العدو الحقيقي».

وفي واقع الأمر فان الأصوات التي يطلق عليها «عاقلة» و«متزنة» في حركة حماس في الضفة، لم تنجح في التقليل من الفزع الذي أصاب أفراد وكوادر حركة فتح، الذين يعيشون الان في الضفة هاجس نقل حماس لما يطلق عليه الانقلاب العسكري إلى الضفة الغربية، مثلما فعلت في غزة.

وحتى وقت قريب، كان الاعتقاد بان كتائب القسام في الضفة الغربية، ضعيفة إلى حد كبير، بعد الضربات القاسمة التي وجهتها لها إسرائيل، خلال انتفاضة الأقصى، والتي أدت إلى مقتل اغلب قادتها، واعتقال رؤوسها الكبار مثل إبراهيم حامد، وجمال أبو الهيجاء، ونائل البرغوثي، وعبد الله البرغوثي وغيرهم، ولكن مصادر في حركة فتح تدحض هذا الاعتقاد الان.

وقال جمال أبو الرب، النائب عن حركة فتح في المجلس التشريعي الفلسطيني، والذي كان أحد قادة كتائب الأقصى، بان كتائب القسام تتسلح بشكل كبير في الضفة الغربية، وان ذلك أدى إلى ارتفاع جنوني في سوق السلاح غير الشرعي، حيث وصل سعر بندقية «إم 16» مثلا إلى 70 ألف شاقل، بعد أن كان سعرها 20 ألف شاقل (الدولار: 4.20 شاقل). ودعا أبو الرب إلى ضرب مسلحي حماس بيد من حديد، وعدم التهاون أبدا معهم، كي لا يتكرر في الضفة ما حدث في غزة.

وقدر مصدر مقرب من حركة فتح، بان حركة حماس صرفت ملايين الدولارات في الضفة الغربية من اجل إعادة تسليح نفسها، وقال، ان حركة حماس في محافظة بيت لحم مثلا اشترت اسلحة بقيمة خمسة ملايين دولار، وهو ما كان صعبا على «الشرق الاوسط» التأكد منه.

وحسب هذا المصدر، فان حركة حماس بدأت بهدوء وروية شراء السلاح، بعد نجاحها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، والخلافات التي اندلعت بينها وبين حركة فتح، والتي أدت إلى اعتداءات نفذتها عناصر من فتح على مؤسساتها في الضفة الغربية، واختطاف رموز منها. وكشفت تلك الأحداث انذاك، على ضعف حماس عسكريا في الضفة الغربية، وجعلت الأصوات تتعالى داخل الحركة، مطالبة بالتسلح.

ومصدر الأسلحة الموجودة بيد العناصر الفلسطينية في الضفة الغربية، هو إسرائيل، وتصل عبر قنوات معقدة، من خلال شبكات إسرائيلية فلسطينية، ولكن يعتقد بان أجهزة الأمن الإسرائيلية غير بعيدة كثيرا عما يعتبر سوقا سوداء للسلاح تتعاظم في الضفة الغربية.

وقال عزام الاحمد رئيس كتلة حركة فتح البرلمانية، ان شاؤول موفاز، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق ابلغ المنسق الأميركي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، عندما طلب هذا تسليح قوات رئيس السلطة الفلسطينية، بان تتسلح هذه القوات، مثلما تفعل كتائب القسام، بشراء الأسلحة من السوق السوداء.

وبعد اشهر من فوز حركة حماس وتشكيلها الحكومة، وتأسيسها القوة التنفيذية في قطاع غزة، لاحق مسلحو فتح بعض الكوادر الحمساوية، في الضفة الغربية، متهمينهم بمحاولة تأسيس القوة التنفيذية في الضفة الغربية، وهو ما نفته حماس بشدة، ولكن الان فانه وفقا لبعض المصادر الفلسطينية والإسرائيلية المتطابقة، يقدر عدد أفراد القوة التنفيذية في الضفة الغربية بنحو 4 الاف، جميعهم يعملون سرا.

وقال توفيق الطيراوي، مدير المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية، ان حماس تعمل على تخزين السلاح في الضفة، وقال «لن نسمح لأحد أن يقوم بتخزينه حتى لا يرتد هذا السلاح إلى داخل الساحة الفلسطينية، ومن يدعي انه سلاح للمقاومة فهذا غير صحيح ولن نسمح به مطلقا».

في مثل هذه الأجواء المضطربة، تحرك أبو مازن، واصدر يوم الثلاثاء الماضي مرسوما حظر بموجبه «كافة الميليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية غير النظامية أياً كانت تابعيتها». ويحظر المرسوم على هذه الميليشيات والتشكيلات القيام بأي نشاطات سرية أو علنية، ويضع كل من يساعدها أو يقدم أي خدمات لها تحت المساءلة الجزائية والإدارية. ويطلب المرسوم الرئاسي من حكومة الطوارئ إنهاء ظاهرة الجماعات المسلحة كافة، وتنفيذ قوانين حظر السلاح ومصادرة الأسلحة والذخائر والوسائل القتالية غير المرخصة وكافة المواد التي تشكل خطراً على النظام العام. ولم تمض ساعات على إصدار عباس لمرسومه هذا، حتى كان يسمع مثل باقي سكان مدينة رام الله ، أصوات إطلاق النار بكثافة ، وهو ما افزع سكان المدينة، الذين خرجوا من منازلهم ليعرفوا ما يجري، فتبين أن الحديث يدور حول عرس، يطلق فيه بعض أفراد الميليشيات التي تم الإعلان عن حلها الرصاص احتفاء بالعريس.

وكان هذا مؤشرا رمزيا على صعوبة، وربما استحالة تنفيذ مرسوم عباس، على الأقل بالشكل الذي نص عيه المرسوم، الذي سارعت حركة حماس لـ«رفضها المطلق» له، باعتبار انه يستهدف ما تصفه حماس سلاح المقاومة.

وقالت حماس في بيان رسمي أصدرته أول من أمس الأربعاء «أجنحة المقاومة عندما خرجت لم تنتظر مرسوماً حتى تقاوم الاحتلال، ولا يملك أحداً الحق في تقرير مصير فصائل المقاومة والمطالبة بحلها في ظل وجود الاحتلال الصهيوني الجاثم على أرضنا الفلسطينية».

واستغلت حماس ذلك بدعوة عباس لوقف ما سمتها «الأعمال المجرمة والجبانة» التي تنفذها أجهزة أمن السلطة ضد الحركة مثل «ملاحقة واعتقال وتعذيب للمجاهدين من أبناء حركة حماس داخل سجون السلطة وعلى أيدي أجهزتها».

وواصلت حماس الإعلان، كما تفعل بشكل يومي رصد ما تفعله «ميليشيات عباس من اعتداء على أعضاء وأنصار حماس في الضفة» ونشر ذلك بالتفصيل.

وبعكس حماس، وحركة الجهاد اللتين أعلنتا رفضهما لمرسوم عباس، فان بعض قادة كتائب الأقصى أعلنوا ترحيبهم به، مثل زكريا الزبيدي، قائد الكتائب في جنين، ورأى المحلل السياسي سميح شبيب بأن هذا المرسوم «خطوة على الطريق الصحيح» الذي قال إنه توجد الان محاولة جادة من قبل حكومة الطوارئ لجمع السلاح.

أما رياض المالكي الناطق الرسمي بلسان حكومة الطوارئ، ووزير الإعلام والعدل، فرد على تصريحات إسماعيل هنية، رئيس الوزراء المقال، عما يجري في الضفة قائلا «الوضع في الضفة ليس بالسوء الذي تعكسه حماس في خطاباتها إذا ما قارنا ما حدث في القطاع من تدمير وحرق وتخريب وقتل وصل البعض منها إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما ادعت بعض مؤسسات حقوق الإنسان ومراقبة حقوق المواطن».

واضاف المالكي، الذي يقدم نفسه بأنه ليس من فتح أو من حماس، «الحالة في الضفة قد بدأ التعامل معها بكل جدية، وهي بعض الحالات الشاذة بسبب الفلتان الأمني الذي ترسخ خلال سنوات الاحتلال والترهل الأمني لأجهزة السلطة. الحكومة الحالية عاقدة العزم على استئصال هذه الظواهر الشاذة والمحدودة ومعالجتها بالسرعة الممكنة لوقف أية خروقات تتم تحت مسميات مختلفة بحق المواطن بغض النظر عن انتمائه السياسي. وفي هذا الإطار فان الحكومة تدين وتستنكر بشدة ما أقدمت عليه بعض الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون في الاعتداء على المواطنين أو في اختطافهم أو في حرق منازل بعض المواطنين وترهيب سكانها أو في فرض الخوات وغيرها من الأمور غير القانونية».

واعلن المالكي التزام حكومته «بمتابعة كل تلك الخروقات مهما احتاج ذلك من جهد أو وقت حتى تضع حداً لها ويتم اعتقال المسببين لها وتقديمهم للمحاكمة من أجل أن يستتب الأمن في أرجاء الوطن ويتوفر الأمان للمواطن ويتحقق الاستقرار الذي من شأنه أن يعزز التوجه نحو عودة الشرعية إلى قطاع غزة وتعزيز الثقة بين الأطراف المختلفة على الساحة الداخلية الفلسطينية».

وقال المالكي «خلال أيام معدودة سنتمكن من بسط الأمن والنظام تدريجياً في الضفة وبشكل نهائي، على أمل ألا تقدم حركة حماس بشكل مقصود على زعزعة الأمن هنا في الضفة لإحراج الحكومة وكما جاء على لسان الدكتور الزهار في مقابلته الأخيرة مع مجلة دير شبيغل الألمانية عندما هدد بالمتفجرات في الضفة».

واوضح احمد عبد الرحمن الناطق الرسمي باسم حركة فتح أن مرسوم عباس، يستهدف جميع الميليشيات العسكرية سواء كانت تابعة لفتح أو لحماس، وترسيخ مبدا وجود سلطة واحدة، واصفا الوضع في الضفة الان بالوضع الخطير الذي يهدد المجتمع الفلسطيني، ولذلك جاء إصدار المرسوم الرئاسي. ولكن هل سيشكل هذا المرسوم حلا؟ وهل سيتم تطبيقه بالشكل الذي يريده عباس؟ ومن هي القوة التي تستطيع تنفيذه؟

هذه الأسئلة التي يتجنب المسؤولون الفلسطينيون الإجابة عليها، مع حقيقة وجود الاحتلال الطاغي في الضفة الغربية، وحاجة البيت الفتحاوي إلى الترميم، بسبب الانقسامات الداخلية، ووجود عشرات الرؤوس في الحركة التي تعمل بشكل منفرد.

وظهر التباين في المواقف داخل فتح، مثلا في الهجوم الحاد الذي شنه احمد عبد الرحمن، ضد هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، بعد ظهور الأخير على قناة الجزيرة القطرية أول من أمس الأربعاء وادلى بتصريحات انتقد فيها قيادة فتح، واعتبر ان ما فعلته حماس هو إحباط خطة المنسق الأميركي كيث دايتون التي طرحها كحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقال عبد الرحمن «ان هاني الحسن في هذه المقابلة قد ارتضى لنفسه أن ينحدر إلى مستوى الانقلابيين أنفسهم، بل وأن يغطي جريمتهم الدموية ضد شعبنا، وضد حركتنا فتح، وأن يقفز عن أبشع جرائمهم بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأن يغفر للقتلة الدمويين جريمتهم».

وبدا العميد كمال الشيخ، قائد الشرطة الفلسطينية اكثر موضوعية، عندما قال إن «العدوان الإسرائيلي المستمر»، كما حدث أمس الخميس في مدينة نابلس وما زال مستمرا في غزة، يعيق تطبيق المرسوم الرئاسي، بجمع أسلحة الميليشيات.

وقال الشيخ «بدانا بتنفيذ المرسوم الرئاسي، ولن نفرق بين ميليشيا وأخرى، ولكن الإجراءات الإسرائيلية، تشكل عائقا كبيرا أمامنا».

مراقب محايد قال لـ«الشرق الأوسط» واصفا الوضع الان في الضفة الغربية «نحن أمام حركة منظمة مثل حماس، في مواجهة أجهزة السلطة التي لا يؤمن حتى قادتها بمشروعها السياسي، وسير الأحداث لا يدل على أن فتح استفادت من الدروس، والدليل، بقاء نفس القادة الذين تسببوا بالصورة السلبية للحركة في أذهان الجماهير في مواقعهم، وهم من يقدموا في وسائل الإعلام للدفاع عن حركة فتح».

واضاف «إذا أرادت فتح تجنب مفاجأة جديدة في الضفة الغربية، فعليها التخلص من قادتها الفاسدين، وفتح حوار مع حركة حماس بدون إبطاء، وإلا فأنا لن أتفاجأ، إذا فاجأتنا حماس في الضفة، مثلما فعلت في غزة، ويمكنها أن تفعل ذلك حسب تقديري خلال عامين أو ثلاثة، مع استمرار تسلحها بهدوء، وأيضا استمرار فتح في فقد ما تبقى من رصيدها بين الجماهير».

وفي حين أن شكوكا جدية تتعلق بمدى قدرة عباس على تنفيذ مرسومه بحق الميليشيات وسلاحها، فانه من المتوقع بان حكومته ستنجح وبدون إبطاء، او مواجهة اية مشاكل تذكر، بتنفيذ أول قراراتها وهو اعتماد الجمعة والسبت يومي عطلة رسمية ابتداء من 1/7، بدلا من يومي الخميس والجمعة، وهو ما يؤشر إلى نوعية القرارات التي يمكن لعباس، تطبيقها.