حزب الله.. بعيون إيرانية

فيما يحلم بعض الإيرانيين بالحصول على أحدث كليبات نانسي عجرم.. يحلم آخرون بالتوجه للبنان و«الاستشهاد» هناك

TT

ينقسم الشارع الايراني في النظرة الى لبنان بين رمزين، حزب الله والفنانتين نانسي عجرم وهيفاء وهبي. فأحد هذه الأسماء، لا بد ان يصدر عن أي ايراني يسألك عن جنسيتك وتجيبه بأنك لبناني. المتدينون يقدرون حزب الله الى حد كبير، وغير المتدينين يبحثون عن «كليبات جميلات لبنان» التي لم يتوان سائق الباص الايراني عن بثها على التلفزيون الصغير داخل الباص، خلال استراحته امام ضريح الامام الخميني، بعد نزول معظم ركابه الى المقام الكبير، الذي بني على أطراف العاصمة الايرانية.

وفيما يحلم بعض الايرانيين بالحصول على احدث كليبات عجرم المهربة، يحلم آخرون بالتوجه الى لبنان و«الاستشهاد» هناك. ويقول حسين الذي يعمل مترجما من العربية الى الفارسية، انه يتمنى القتال في صفوف حزب الله والاستشهاد مع مقاتليه في مواجهة اسرائيل، متمنيا ان يفسح الحزب في المجال يوما امام المتطوعين غير اللبنانيين ليقوم بواجبه. ولا يخفي حسين اعجابه بالأمين العام للحزب حسن نصر الله، وهو يحتفظ بأناشيد «المقاومة»، التي يستمع اليها دائما دون ان يفهم معانيها، لكنه يقول انه يشعر من خلالها بالعزة والكرامة.

ورغم أن حزب الله هو الوليد الشرعي للثورة الإيرانية عام 1978، إلا ان هذا الوليد اصبح بعد 25 سنة على تأسيسه «منارة» بالنسبة الى الكثير من السياسيين الايرانيين الذين يتسابقون لاظهار حسن العلاقة معه، كما قال احد المسؤولين الايرانيين السابقين في مجلس خاص في طهران اخيرا. ويشكو المسؤول من ان بعض الشخصيات الايرانية تزور لبنان وتطلب لقاء حسن نصر الله، ثم تستعمل هذا اللقاء لإظهار نفوذها في طهران».

وتأخذ بعض الجماعات الايرانية على القيادة الحالية دعمها المفرط لحزب الله على حساب الخزينة الايرانية والعلاقات مع الدول العربية والاطراف اللبنانيين. ويرى الشيخ محمد شريعتي المستشار السياسي للرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، ان ايران «حشرت نفسها في الزاوية في العلاقة مع لبنان بسبب الحزب». وقال لـ«الشرق الأوسط» ان لا مشكلة لدى المعارضة الايرانية في دعم حزب الله كحركة مقاومة ضد الاحتلال، لأن دعمها امر اساسي، لكن العلاقة الايرانية يجب ان تكون مع الجميع في لبنان». ويضيف: «حتى خلال الحرب الأهلية كانت العلاقة الايرانية قائمة مع كل الاطراف، لكن اليوم تحشر الدبلوماسية الايرانية نفسها في لبنان. العلاقات يجب ان تكون مع الجميع، وهذا الامر منقوص في لبنان». وتابع: «قبل سنة كانت هذه الحكومة (اللبنانية) مقبولة من كل الاطراف، فكيف تصبح بين ليلة وضحاها خائنة وعميلة ومرتبطة بالخارج؟». وأشار الى وجود «جهات ترفض رئاسة الجمهورية ولا تعترف بشرعيتها، وايران لا يمكن ان تقطع علاقاتها مع رئيس بلد. البعض يقاطع رئاسة الوزراء ويصفها بأنها غير شرعية، هذا حقهم لأنهم لبنانيون، لكن كدبلوماسيين يجب ان نحتفظ بعلاقات متوازنة مع الجميع».

في ايران شواهد كثيرة على الارتباط بحزب الله، وهذه الشواهد تزداد عند الملمات. ففي خلال الحرب الاخيرة مع اسرائيل، ارتفعت صور حسن نصر الله على طول الطريق المؤدية من المطار الى قلب العاصمة الايرانية. ويمكن لزائر المقر الرئاسي ان يلاحظ بوضوح صورة نصر الله مرفوعة في مكتب الحرس الخاص بالرئيس احمدي نجاد، كذلك في مقر الحرس الخاص بمنزل الإمام الخميني في طهران. وتخطي نجاد لكل مظاهر البرتوكول، عندما نزل راكضا على درج مقره الرئاسي ليستقبل نصر الله، ويهم بفتح باب السيارة بنفسه، لولا ان سبقه بعض حراسه الى ذلك. أما المكانة الخاصة التي يتمتع بها نصر الله لدى خامنئي، فهى ظاهرة بدورها للعيان. وقد صرح الشيخ علي اكبر محتشمي، وهو احد المؤسسين البارزين للحزب، ان السيد الخامنئي يبتسم «ابتسامة خاصة» لنصرالله عندما يلتقيه لا يراها على وجهه عند لقائه اي شخص آخر. وقد بدا التقدير واضحا في كلام الخامنئي لنصر الله في الرسالة التي وجهها اليه خلال الحرب الاسرائيلية. وقد لفتت الجميع مخاطبته نصرالله بـ«القائد العربي الشجاع». ولا يتأثر حزب الله كثيرا بهوية رئيس الدولة والحكومة في ايران، فالدعم الذي يتلقاه هو دعم غير حكومي لم ينقص خلال ولايتي الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، ولم يزدد خلال ولاية نجاد، الا بسبب الاضطرار لتعويض ما خسره الحزب في حربه ضد اسرائيل. ويتلقى حزب الله دعمه من خلال «الأموال الشرعية» التي يدفعها المكلفون الايرانيون، اي الزكاة والخمس وهو عبارة عن 20 في المائة من الربح الصافي سنويا وصرفها منوط بمكتب المرشد الأعلى، علما ان السيد نصر الله هو ممثله الشرعي في لبنان، وهو مخول قبض الأموال الشرعية وجمعها. ومنها تلقى الحزب دفعة الـ300 مليون دولار التي انفقها تعويضات للمتضررين من الحرب الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع فور انتهاء الحرب. والعلاقة بين حزب الله والمؤسسات العسكرية الايرانية جيدة، فالحرس الثوري هو من اشرف على تدريب مقاتلي حزب الله قبل ان يشتد عودهم ويصبحوا قادرين على التدريب بانفسهم.. الا عند الحصول على تكنولوجيا جديدة يضطر معها المدربون الى الانتقال الى طهران لصقل مهاراتهم او تلقي المعلومات حول السلاح الجديد أو التقنية الجديدة. علما بأن الآلاف من الشبان يزورون طهران سنويا لزيارة العتبات الشيعية، اي المقامات الدينية التي يبرع الايرانيون في تسويقها للزائرين، حتى ان احد الدبلوماسيين الايرانيين قال ذات مرة انه يجد صعوبة في الانتقال بين بيروت وطهران في احدى الرحلتين الاسبوعيتين المنتظمتين الاربعاء والسبت من كل اسبوع، دلالة على علاقات مركبة يتداخل فيها السياسي بالديني والأيديولوجي، صقلتها الاحداث الاقليمية.