الخوف من القمة

مشروع الصين لإقامة طريق فوق قمة أفريست أثار مخاوف أمنية لدى الهند والتبت

TT

اذا كانت الصين قادرة على تشييد أضخم جسر فى العالم، فهي قادرة على بناء طريق يمر عبر جبل ايفرست، اطول قمة في العالم. غير ان الخطوة الصينية لا تعني فقط ان بكين وصلت الى مستوى تقني وتكنولوجي هائل، بل كذلك يعني انها ستواصل اخافتها للهند، لسبب بسيط وهو ان الطريق الذي تشيده بكين على قمة ايفرست، سيجعل الهند ومنطقة التبت كفضاء مفتوح امام الصين، وبالتالي يمنحها ميزة استراتيجية كبيرة. وتقول الصين ردا على منتقدي المشروع انها بهذه الطريقة ستعرض ايفرست كمصدر للجذب السياحي على العالم في فترة اقامة أولمبياد عام 2008 في بكين.

وقد أثار اعلان الصين جدلا واهتماما من جانب وسائل الاعلام في مختلف أنحاء العالم. وعبر عدد قليل من وسائل الاعلام الغربية عن القلق بشأن التأثيرات البيئة للمشروع، بينما في الهند، جارة الصين العملاقة، كان هناك قلق حول القضايا الأمنية.

يبلغ ارتفاع قمة ايفرست 29035 قدما ويمتد عبر الحدود بين التيبت ونيبال. وسيمتد الطريق الذي يبلغ طوله 110 كلم (67 ميل) لمسافة 5200 متر عند قاعدة ايفرست، على ارتفاع عن سطح البحر يبلغ معدله 4600 فوق سطح البحر، الى الجزء الرابط للطريق العام الصيني رقم 318 مع طريق الصين ـ نيبال. وخصص الحكومة الصينية صندوقا خاصا بقيمة 150 مليون يوان (حوالي 20 مليون دولار) للمشروع. والأسئلة التي طرحها المشروع كثيرة. ومن بينها: تأثير الطريق من الناحية البيئية؟ وأي أثر سيتركه على العلاقات بين الصين والتيبت؟ وهل هذا الطريق هو مناورة لسيطرة بكين على اقليم التيبت؟ وهل يشكل أي تهديد للهند؟ يقول المدافعون عن البيئة ان الخطوة ستؤدي الى خراب في منطقة الهمالايا. فسيدمر بناء الطريق البيئة. وقال سيد اقبال حسنين، الباحث في مركز الأبحاث السياسية والخبير المعروف في الكتل الجليدية الذي يتخذ من دلهي مقرا له، ان «مثل هذه الفكرة يجب ان تدان بدون تحفظ. فطريق في منطقة مثل تلك يمكن أن يغير آليات النظام البيئي بالكامل. فالكتل الجليدية هي انظمة هشة. واذا كان بالوسع رؤية تأثيرات الاحتباس الحراري غير مباشرة على نحو دراماتيكي فان مثل هذا التدخل البشري سيكون خطرا للأنظمة البيئية في الهمالايا في المناطق التي يمر بها الطريق»، مضيفا انه «توجد في الوقت الحالي تقارير عن مشكلات في الأنهار الجليدية التي تتعرض قاعدتها الى الذوبان في الصين والتي تعاني من الفيضان، كما أن للهند حصتها من المشاكل الناجمة عن الاحتباس الحراري. ان بناء هذا الطريق فوق ايفرست مثل هجوم مباشر على البيئة. يجب عليكم ايقاف مثل هذا المشروع. فسيتعين القيام بالكثير من عمليات التفجير والبناء من أجل اقامة الطريق. لذلك فان الفكرة ليست جيدة».

ويقال ان ايفرست يشكل خمس الحاجات المائية لسكان العالم، وسيعاني اذا ما كان هناك أي تغيير في النظام البيئي لايفرست الملايين من سكان اسيا فى المستقبل. وقال ممثل نيبال في صندوق الحياة البرية العالمي أنيل ماناندهار «شهدت كيف تأثرت كتلة غانكورتي الجليدية بعد أن فتحوا طريقا وتدفق السياح الى هناك»، مضيفا انه ما أن يبني الصينيون الطريق فان المنطقة المحيطة بالجانب الشمالي من ايفرست ستتعرض الى الدمار. ويجب على نيبال ان تشعر بقلق أكبر بشأن الآثار السلبية التي يمكن أن يتركها الطريق على البلاد. والحقيقة ان الجميع هو تسلق ايفرست، وبالتالي فإنه ما ان تنتهي الصين من بناء الطريق، فان المنطقة سيغمرها السياح الأمر الذي يمكن أن يؤدي الى تدمير النظام البيئي الحساس. وقال فينغ يونغفينغ، الكاتب الصيني البارز في القضايا العلمية ان «النفايات اليومية من جانب آلاف المقيمين المؤقتين تعتبر مشكلة بيئية متنامية». وفي نهاية موسم التسلق لعام 2006 كانت هناك 3050 عملية تسلق نحو القمة من جانب 2062 شخصا، ومات منهم 203 اشخاص على الجبل. فالظروف على الجبل قاسية الى حد أن معظم الجثث تركت حيث سقط الضحايا. ويمكن رؤية بعضهم بسهولة من خلال طرق التسلق المعروفة.

لن يتسبب الطريق في عواقب بيئية وخيمة فحسب، بل هناك نتائج اكثر خطورة من المحتمل ان تترتب على المشروع. فالصين، حسبما اورد محللون، لديها النية في إنشاء مشروع آخر يهدف الى تحسين مستوى سيطرتها على الحدود مع الهند. وبما ان الشعلة الاولمبية ستمر بالتبت في طريقها الى بكين، فإن المراقبين متشككون فى نوايا الصين. ويقول ناشطون في مجال حقوق الإنسان واستقلال التبت ان الصين بصدد شق شوارع وطرق سكك حديدية في الإقليم بهدف تأكيد سيطرتها عليه، مثلما فعلت في منطقة سينكيانغ التي تقطنها غالبية مسلمة. ويقول ناشط في جماعة المطالبة بحرية اقليم التبت: ان الطريق الدائم في قومولانغاما لا يعدو ان يكون محاولة لتسليط الضوء على مزاعم الصين بسيادتها على التبت. وستشوه الصين في سبيل تحقيق هذا الغرض واحدة من أجمل المناطق الخضراء في العالم، فضلا عن تشويهها لجبل يعتبر مقدسا، ليس فقط بالنسبة لسكان التبت وإنما لدى الكثير من سكان منطقة الهملايا. وفي ظل تسيير احتجاجات منتظمة من قبل ناشطي اقليم التبت ومؤيديهم للمطالبة بمقاطعة دورة الألعاب الاولمبية في بكين العام المقبل، فمن المحتمل ان تثير عملية مرور الشعلة الاولمبية بالتبت احتجاجات غير مسبوقة من سكان التبت انفسهم ومنتقدي الحكومة الصينية. وكان خمسة اميركيين، بمن في ذلك واحد يتحدر اصلا من اقليم التبت، قد نظموا احتجاجا أمام قاعدة الانطلاق في ايفرست ضد «احتلال التبت» من جانب الصين ومرور العلم الاولمبي عبر اقليم التبت، إلا ان السلطات ألقت القبض عليهم واطلق سراحهم في ما بعد وابعدوا من الصين. وتقول الصين انها حكمت التبت ـ أعلى منطقة في العالم او ما يسمي سقف العالم ـ على مدى قرون. إلا ان كثيرا من سكان التبت يقولون ان بلدهم كان دولة مستقلة خلال غالبية تلك الفترة. وغزا «جيش التحرير الشعبي» الصيني التبت وظل يحكمه، إلا ان آلاف السكان فروا وجرى تشكيل حكومة في المنفى برئاسة الدالاي لاما منذ عام 1959 في مدينة دارمشالا الهندية في منطقة الهملايا. وبسبب القيود المشددة على الزوار الأجانب، اذ تعتبر العاصمة مهاسا أكثر مدينة بها وجود للشرطة في العالم ولا تزال أقسام من التيبت على طول الحدود مع الصين مناطق عسكرية، الأمر الذي يجعل الدخول أمرا اكثر صعوبة، خصوصا بالنسبة للأجانب، وبالتالي من الصعب معرفة موقف وتفكير السكان المحليين فى التبت تجاه تطوير ايفرست والشعلة الاولمبية التي ستمر بالمنطقة العام المقبل. ويقول ن. سيسوديا، مدير معهد دراسات الدفاع والتحليلات الهندي ان النتائج الامنية المترتبة على تشييد الصين طريق الى ايفرست واضحة تماما بالنسبة للهند. وأضاف: ان الصين من المحتمل ان تنصب صواريخ في التبت بدلا عن استخدام الطريق الى ايفرست لاستهداف الهند، موضحا ان المسائل اللوجستية أمر غاية في الأهمية في حالة النزاع، كما أشار ايضا الى فوائد واستخدامات كثير من الطرق الأخرى بالنسبة للصين. أما وزير الشؤون الخارجية السابق، ياشواتي سينها، فقد أشار الى ان «النوايا التوسعية الصينية». ويقول محللون في مجال شؤون الدفاع ان الصين اذا عرّضت ايفرست للخطر، فإن الهند يمكن ايضا ان تفعل ذات الشيء في «تايغر هيل» بمنطقة «دارجيلنغ» بإقامة خط للسكك الحديدية. ويمكن النظر الى قمة ايفرست بسهولة من تايغر هيل عندما يكون الطقس صافيا. وأضاف سينها ان ما يحدث يمكن مقارنته بما حاول ان يفعله السوفيات في آسيا الوسطى وأفغانستان، مؤكدا ان هذه المشروع له عواقب استراتيجية خطيرة على الهند. إلا ان الصين تحاول التقليل من شأن الجدل الدائر حول الطريق بقولها ان المشروع يهدف اصلا الى تسهيل السفر وزيادة الجذب السياحي للمنطقة، إذ قال سن جيازينغ، وزير الثقافة الصيني، لصحافيين الاسبوع الماضي: ان المواصلات جزء مهم من عملية التنمية في الصين، وأضاف: التخطيط للبنية التحتية الغرض منه تسهيل عملية السفر والتنقل. لكن الكثيرين لا يصدقون ان الهدف هو فقط تسهيل السفر وزيادة السياحة، وليس امام المتشككين سوى الوقت ليحكم على المستقبل.