أزمة النمور

دعا اقتصاديون لوضع نظام تحذير مبكر يستند إلى تحليل الاقتصاد.. لأن لا أحد يعرف متى وأين سيأتي «تسونامي اقتصادي» جديد

النمور الآسيوية تعافت تدريجيا.. ودروس الأزمة ما زالت حاضرة («الشرق الاوسط»)
TT

ضربت دول منطقة شرق آسيا قبل عشر سنوات ازمة اقتصادية غير مسبقة أدت الى انهيار العملات وأسواق الأسهم وأسعار المنقولات، الأمر الذي ادى الى كارثة مالية رئيسية في آسيا. ومع انهيار الأعمال التجارية فقد ملايين الأفراد وظائفهم وأصبحت غالبية السكان تعيش تحت خط الفقر. وفيما تحاول القارة استرجاع ذكريات تلك الأيام الصعبة قبل عشر سنوات، نحاول استعراض الأسباب التي تقف وراء تلك الكارثة، وما اذا كانت المنطقة قد استفادت من الدروس والعبر والأخطاء السابقة وتوصلت الى الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول حتى لا يتكرر ما حدث مرة اخرى. بدأت الأزمة مع بداية الأزمة المالية الآسيوية في تايلاند في يوليو (تموز) 1997 بتراجع قيمة علمتها «باهت» على نحو غير متوقع. انتشر الهلع وامتد الى الدول المجاورة وتراجعت الروبية الاندونيسية والوان الكوري الجنوبي والرينغيت ساك الماليزي، فيما انهارت أسواق المال وازدادت اسعار الفائدة. تأثر ايضا اقتصاد كل من الفلبين وسنغافورة واليابان والولايات المتحدة. وبعد اكثر بقليل من عام بدأت الازمة المالية الآسيوية تتحول الى ازمة مالية عالمية، إذ تركت أثرها على اسعار النفط ليصل سعر البرميل الى 8 دولارات عند نهاية عام 1998، الأمر الذي ادى الى حدوث ازمة وسط دول منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك). جاءت تلك الأزمة في أعقاب الأزمة المالية التي ضربت روسيا عام 1998 بسبب انهيار الروبل. وتعرض اقتصاد كل من البرازيل والأرجنتين لأزمات نهاية عقد التسعينات، إلا ان الصين وتايوان لم تتأثرا بما حدث. عندما حدثت الأزمة كان اقتصاد دول جنوب شرقي آسيا في حالة نمو مستمر، وكانت لدى هذه الدول ارصدة هائلة من العملات الأجنبية التي استخدمت بغرض وقف تدهور العملة المحلية. واستخدمت الحكومة هذه الارصدة من النقد الاجنبي في تقديم قروض للشركات التي عانت من ازمة السيولة و شراء حصص في أسواق الاسهم. إلا ان الأزمة استمرت ادت الى اكبر اضطراب مالي وسط دول المنطقة. وكان صندوق النقد الدولي قد خصص قروض طوارئ بقيمة 17 مليار دولار الى كل من تايوان و50 مليار دولار لاندونيسيا و58 مليار دولار لكوريا الجنوبية، كما فرضت اجراءات تقشف على مثل رفع معدلات الفائدة وخفض الإنفاق الحكومي، الذي كان يعتقد كثيرون انه فاقم من الأزمة. وجاء في مقال كتبه بارك يونغ ـ شول، استاذ الاقتصاد بجامعة سيول الوطنية، لصحيفة «كوريان ديلي» ان اجراءات الانقاذ الاقتصادي المهينة كانت بمثابة ضربة لكوريا الجنوبية، وكتب ايضا ان الكوريين شعروا في ذلك الوقت بالخزي، خصوصا ان اقتصاد كوريا الشمالية كان يحتل المرتبة الـ11 عالميا. فقد كانت الشركات الكورية تستثمر أموالها في انجلترا والولايات المتحدة ودول اوروبية. إلا ان كوريا الجنوبية اجرت فيما بعد اصلاحات اقتصادية واسعة مكنتها من تحقيق الاستقرار في الأسواق وساعدت البلاد على العودة مرة اخرى الى تحقيق معدلات نمو اقتصادي متزايدة (9 في المائة عام 2000). وعلى الرغم من ان النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية تراجع عام 2004، فإنها تمكنت عام 2006 من تحقيق نمو اقتصادي وصلت نسبته الى 5 في المائة. وتمكنت كوريا من مضاعفة دخل الفرد مقابل إجمالي الناتج المحلي عام 2006 ليصل الى 18000 دولار. وكانت عقبة اندونيسيا غير مسبوقة في الواقع على خلاف تايلاند، حيث يوجد تضخم منخفض في اندونيسيا وفائض تجاري يزيد على 900 مليون دولار، واحتياطي عملات أجنبية هائل يزيد على ملياري دولار وقطاع مصرفي جيد. ولكن بما ان عددا كبيرا من الشركات الاندونيسية كانت تقترض بالدولارات الاميركية زاد التضخم وأدت اسعار الأغذية الى أعمال شغب في مختلف انحاء البلاد قتل فيها ما يزيد على 500 شخص في جاكارتا وحدها.

وفي اوائل عام 2006 كان الوضع الاقتصادي لاندونيسيا اكثر ايجابية. وتتوقع الحكومة الاندونيسية ان ينمو الاقتصاد بمعدل يتراوح بين 6 الى 6.1 في المائة سنويا. ويعتبر مؤشر بورصة جاكارتا في العام الحالي ثالث أفضل مؤشر من حيث الاداء في آسيا بعد تايلاند وكوريا.

ويقال ان الأزمة المالية الآسيوية قد اثارتها أحداث في اميركا اللاتينية، خصوصا بعد ازمة البيزو المكسيكية عام 1994، حيث فقد المستمرون الغربيون الثقة بالأسهم في شرق آسيا وبدأوا سحب اموالهم، مما ادى الى آثار سلبية.

كما ان صندوق النقد الدولي مسؤول عن الأزمة حيث أدى بالكثير من السكان المحليين الى تسمية الأزمة بـ«أزمة صندوق النقد الدولي». وتهيمن الولايات المتحدة الى حد كبير على الصندوق (وهي البلد الوحيد الذي يحق له استخدام حق الفيتو) وأوروبا (التي تعين عادة رئيس الصندوق).

وقد انتقد الاقتصادي السابق لصندوق النقد الدولي جوزيف ستيغليتز الصندوق على تشجيعه الاقتصادات الآسيوية النامية باتجاه «التحول السريع الى الرأسمالية مما ادى الى تقليص التقييدات على تدفق رأس المال، والحفاظ على معدلات الفائدة الداخلية العالية من اجل استيعاب استثمار المحافظ وراسمال البنوك، وخفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار من أجل طمأنة المستثمرين الأجانب من مخاطر العملة.

غير ان صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الاميركية ألقيا باللوم في الأزمة على الافتقار الى الشفافية في الأسواق المالية الآسيوية. ومنذ الأزمة الاقتصادية نهضت الدول الآسيوية وأعادت تجميع قواها وأجرت اصلاحات وجهودا في اعادة البناء مما جعل اقتصادها أكثر استقرارا. وأصبحت الدول الآسيوية أكثر قدرة على التمسك بحقوقها. والمثال على هذا هو انه على الرغم من الجولات الرئيسية الأربع من محادثات التجارة العالمية للتوصل الى اتفاقية هامة بين الدول الآسيوية والغربية، لم يجر انجاز شيء ذلك ان الدول الآسيوية باتت أكثر حزما. وتتجه الدول الآسيوية على نحو متزايد الى اتفاقيات التجارة الحرة في الاطار الاقليمي او الثنائي كبديل عن المؤسسات العالمية.

وبعد عشر سنوات من الأزمة تتباهى المنطقة بوجود احتياطي عملات أجنبية يزيد على ثلاثة تريليونات من الدولارات، وتدفق لرأس المال يزيد بستة أمثال من الدول المتطورة، وممارسة نفوذ مالي هائل في مختلف انحاء العالم. وبينما يوفر هذا النمو في الاحتياطي ضمانا للدول النامية فإنه خلق مصدرا جديدا للتقلب العالمي، خصوصا حيث الدولار فقد مكانته المقدسة في ظل ادارة بوش، مما يعيد موازنة هذه المحافظ بالتريليونات ويسهم في اضعاف الدولار.

ومنذ الأزمة تعلم الآسيويون دروسها واتخذوا اجراءات مثل وضع ضوابط وتحسين ادارة الشركات وتعزيز الأنظمة المصرفية وخلق استقرار عبر الاصلاح القانوني.

شوما زال يتعين على تايلاند ان تتغلب بالكامل على الأزمة على الرغم من أنها حقق نموا بمعدل 5 في المائة عام 2006، وهو أفضل قليلا من معدل الـ4.5 في المائة الذي كان عام 2005. وجاء الاداء في عام 2006 على خلفية نمو صادرات قوي ووضع مالي جيد على الرغم من أن ثقة المستثمرين والمستهلكين تبقى متدنية. ولم تتأثر ماليزيا بالدرجة نفسها عند وقوع الأزمة المالية الآسيوية مثل اندونيسيا وتايلاند والفلبين. وفي عام 2005 كانت الاقتصاد الرابع والثلاثين في العالم من حيث القوة الشرائية. وقدر انتاجها المحلي الاجمالي لعام 2005 بـ290 مليار دولار. وفي يوم 21 مايو (أيار) 2007 وصلت العملة رينغيت أعلى مستوى حيث سجلت 3.39 مقابل الدولار الواحد.

في الوقت نفسه تدهور الاقتصاد الفلبيني نتيجة للأزمة المالية الآسيوية وظروف الطقس السيئة. ومع الفشل المصرفي الكبير في أبريل (نيسان) 2000 ثم توجيه توبيخ رسمي للرئيسة استيرادا ثم مغادرتها السلطة في أوائل 2001، آل الأمر إلى انخفاض كبير في النمو. وخلال عام 2006 عرف الاقتصاد نمو قدره 5.4% لكنه تأثر بإعصارين ألحقا دمارا واسعا في قطاع الزراعة.

كذلك عرف اقتصاد سنغافورة كسادا قصير الأمد بسبب الأزمة المالية الآسيوية. لكن تم تنفيذ برنامج التطوير المرحلي ومشاريع بناء أخرى. وعلى العكس من هونغ كونغ فإنه لم تجر أي محاولة للتدخل في أسواق الرأسمال وسمح لمؤشر ستريتس تايمز بالهبوط 60% من قيمته، وخلال أقل من سنة تمكن الاقتصاد السنغافوري من التشافي واستمر في مساره المتصاعد من ناحية النمو.

وبينما لم تتأثر الصين في الأزمة، مقارنة بدول جنوب شرق آسيا وكوريا لكن الانتاج المحلي الاجمالي، تباطأ بشكل كبير في عامي 1998 و1999 وهذا ما دعا إلى الانتباه الى المشاكل الهيكلية للاقتصاد في الصين. كذلك أقنعت الأزمة المالية الآسيوية الحكومة الصينية بوجود حاجة ماسة لحل قضية الفوائد غير المنتجة ضمن نظام البنوك.

وقال انوب سينغ مدير دائرة غرب الكرة الأرضية لصندوق النقد الدولي، إن أسس الاقتصاد القوي التي وضع بعد أزمة عام 1997 للمنطقة تمكنت من تجاوز الصدمات بنجاح مثل الانهيار التقني الذي جرى عام 2000 وهجمات 11 سبتمبر الإرهابية وتفجيرات بالي ووباء انفلونزا الطيور.

وفي حلقة دراسية جرت أخيرا من قبل بنك التنمية الآسيوية تحدث الزعماء الآسيويون عن إنشاء نظام مالي خاص بآسيا إذا كان ذلك سيمكنه من تحمل الصدمات المالية مماثلة لتك التي وقعت قبل 10 أعوام. وقال دك كو تشانغ وزير التجارة السابق لكوريا الجنوبية، إن صندوق النقد الآسيوي قد يكون ضروريا، لأن صندوق النقد الدولي لم يكن قادرا على تقديم المساعدة الضرورية أثناء الأزمة السابقة.

كذلك قال دوروجاتون كنتجورو وزير الاقتصاد السابق لاندونيسيا إن الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي على جاكارتا «خلقت توترا متواصلا داخل المؤسسة السياسية الاندونيسية»، مما أدى إلى سقوط الرئيس سوهارتو عام 1998 وما أعقبه من فترة اضطرابات سياسية. في الوقت نفسه دعا اقتصاديون إلى وضع نظام تحذير مبكر، يستند إلى تحليل الاقتصاد على مستوى واسع لأن لا أحد يعرف متى وأين سيأتي «تسونامي اقتصادي» خصوصا في فترة تحرك الرساميل عالميا.