في كشمير.. أسبابه متعددة

ارتفعت نسبته وتعددت وسائله.. ومن أسبابه الفقر واليأس والاكتئاب والضغوط النفسية

TT

في الشهر الماضي قفزت سعيدة خانم في نهر جيلوم بكشمير، وعثر على جسدها طافيا في صباح اليوم التالي. لم يتعين على العائلة ان تتحمل الاضطراب العاطفي فحسب وانما أن تواجه حصارا اجتماعيا، ولم يسمح القرويون بدفنها في المقبرة المحلية، مشيرين الى ان الفتاة ارتكبت، بانتحارها، عملا مناهضا للاسلام تماما، غير انه بعد كثير من الاقناع سمح بدفنها ولكن العائلة انتقلت الى مكان آخر لتفادي المقاطعة الاجتماعية.

وشهدت كشمير، التي تواجه الارهاب منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، ارتفاعا حادا في حالات الانتحار خلال السنوات القليلة الماضية. فبينما انتحر 61 شخصا خلال عام 2006، ارتفع الرقم إلى نحو دراماتيكي في العام الحالي ووصل الى 55 في الأشهر الستة الأولى وفقا لمعلومات الشرطة.

وفي المستشفى الرئيسي في سرينغار قال الأطباء ان محاولات الانتحار تشكل 7 الى 10 في المائة من الحالات الواردة الى المستشفى. ولم ترتفع معدلات الانتحار في كشمير مائة مرة في العقد الأخير حسب، وانما تحولت طرق الانتحار الى طرق اكثر وحشية، وفقا لما يقوله الدكتور طارق أحمد بهات من كلية الطب. ويعتبر تناول مركبات الفسفور في مبيد الحشرات الطريقة الأكثر شيوعا للانتحار اضافة الى الشنق أو الغرق.

ويشهد أطباء الأمراض العقلية والنفسية في الوقت الحالي استخدام طرق اكثر عنفا مثل قطع الحنجرة. ولدى من يمارسون هذه الطريقة اضطرابات سيكولوجية خطيرة. كما ان عدد الرجال المتزوجين حديثا الذين يحاولون الانتحار في ارتفاع، والسبب هو العجز الجنسي. وتقول السجلات ان الأشخاص من الأرياف والمدن يرتكبون الانتحار، وان ما يقرب من 13 ألف شخص حاولوا الانتحار بين اعوام 1990 و2005، وهذه هي المعلومات المتوفرة في المستشفى الرئيسي فقط.

ويقول الدكتور أرشد حسن استشاري الأمراض العقلية والنفسية في مستشفى سرينغار «حاولنا ان نجمع المعلومات من جميع المستشفيات في المنطقة ووجدنا ان معدل محاولات الانتحار شهد ارتفاعا عاليا وان معطيات الأشهر الأخيرة تشير الى معدل 5 الى 6 في المائة يوميا وبينها محاولات ايذاء النفس عمدا وعمليات مشابهة للانتحار وعمليات انتحار كاملة». ولا يصل عدد كبير من الناس، معظمهم من القرى، الى المستشفيات، فهم يموتون في الطريق او في المراكز الصحية المحلية. ويشعر اطباء الأمراض العقلية والنفسية ان معدل الانتحار في كشمير يمكن أن يكون أعلى، ذلك ان الأرقام المتيسرة لديهم تظهر الحالات المسجلة في المستشفيات فقط. ومن الصعب جدا الحصول على المعلومات الكاملة عن الانتحار بسبب وصمة العار المرتبطة به، ولهذا فان المعطيات المتيسرة تعتمد، في الواقع، على سجلات المستشفيات وفقا لما يقوله الدكتور حسين.

وكشمير هي ولاية ذات أغلبية اسلامية في الهند، وعلى الرغم من ان الناس متمسكون بمبادئ الاسلام، فان ارتفاع معدل الانتحار ينذر بالخطر. وتظهر احصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2005 ان معدل الانتحار في العالم الاسلامي يتراوح بين 0.1 الى 0.2 بين كل 100 ألف شخص. ويعود المعدل المنخفض في الانتحار الى المعتقدات الدينية القوية في هذه المجتمعات. ولكن في كشمير يتراوح المعدل بين 20 الى 25 بين كل 100 ألف شخص، وهو ما يقرب من ضعف المعدل القومي في الهند، الذي يبلغ 11 في المائة. وكانت دراسة أساسية قد أجريت في سنوات الثمانينات من جانب الدكتور كي. ميرثي، البروفيسور السابق في الأمراض العقلية والنفسية في معهد نيمهانز ببانغالور، انه في عموم الهند كانت النسبة الأدنى للانتحار في جمو وكشمير، حيث بلغت 0.1 الى 0.2 بين كل 100 ألف شخص.

وتعتبر عمليات الانتحار ثاني اكثر القضايا شيوعا في حالات الموت غير الطبيعي بكشمير بعد عمليات التفجير والمعارك بالأسلحة. وفي كشمير يقدر أن 70 ألف شخص فقدوا حياتهم منذ أن اندلع العنف عام 1989 من أجل انفصال ولاية كشمير.

وبما ان حالات الانتحار هي الأكثر تعرضا للاهمال في مجتمع كشمير، فانه ما من كلمة للانتحار في اللغة الكشميرية وقد استعير كلمة كيفت من اللغة الفارسية. ويقول خبراء ان انهيار الصحة العقلية هو الأثر الأكثر مأساوية في النزاع الذي يؤدي الى مشاكل عقلية ونفسية.

ويقول اخصائي العلاج النفسي البارز الدكتور مشتاق مرغوب خان ان «عقدين من الاضطراب في كشمير لعبا دورا كبيرا في ارتفاع حالات الانتحار»، وأضاف قائلا ان اوضاع العنف التي استمرت قرابة 17 عاما عرقلت النمو النفسي والجسدي للسكان، إذ ان النزاع المسلح تسبب في انتشار حالة من التوتر لدى سكان كشمير وأدى الى تراجع مستوى الشعور بالتسامح والتعايش. وكان الدكتور خان قد قدم في الآونة الاخيرة ورقة حول الاضطرابات النفسية في مؤتمر انعقد في بيتسبيرغ بالولايات المتحدة. من ضمن الحالات التي تناولها الدكتور خان الحادثة المؤسفة التي أدت الى آثار نفسية سيئة على والد طفل عمره عشر سنوات لقي حتفه وهو في طريقه الى المدرسة إثر تبادل لإطلاق النار بين مسلحين وقوات الأمن، إذ حاول الأب بعد مقتل طفله الانتحار بواسطة مبيدات. هناك ايضا حالة سليمة، 25 سنة، التي قتل زوجها عام 2005. اثر مقتل زوجها انعزلت سليمة في منزلها وباتت تعاني من الاكتئاب وأصبحت تعاني من مشاكل عصبية. حاولت سليمة هذا العام الانتحار مرتين، ويقول أطباء ان حالتها ناتجة عن صدمة نفسية عميقة. وكان قسم علم الاجتماع بجامعة كشمير قد أجرى دراسة حول حالات الانتحار في كمشير قبل بضع سنوات، وخلصت نتائج الدراسة الى انه بالإضافة الى العوامل الاجتماعية والضغوط النفسية ذات الصلة بالعنف اليومي أدت الى تزايد معدلات الانتحار. وقال عالم الاجتماع خورشيد الاسلام ان عدم الاستقرار السياسي والعنف المستمر عصفا بالمجتمع الكشميري وان الانتحار واحد من نتائج هذا الوضع. ومن ضمن الأسباب الاخرى التي ادت الى ازدياد حالات الانتحار التعصب والأثر السلبي على العلاقات الاجتماعية والشعور المستمر بعدم الاطمئنان، وتشير النتائج ايضا الى ان النساء والشباب أكثر عرضة للأزمات التي تؤدي الى التفكير في الانتحار. جدير بالذكر ان ارتفاع عدد حالات الانتحار اضطر علماء الدين الى التدخل سعيا الى إقناع الناس بعدم الإقدام عليه، إذ جعله عدد من الائمة موضوعا لخطبة صلاة الجمعة وذلك من خلال حث الناس على التقرب من الله في حالات الشعور بالاكتئاب، كما نصح بعض الائمة بتلاوة آيات من القرآن. وكان مفتي كشمير، المفتي بشير الدين، قد اصدر فتوى تمنع المسلمين من المشاركة في صلاة الجنازة التي تقام على الموتى الذين توفوا نتيجة الانتحار، وقال ان الانتحار اثم يمقته الاسلام وان الذين يقتلون انفسهم لا يستحقون ان يحيي الآخرون ذكراهم بعد الموت. ويقول الدكتور مظفر خان، اخصائي العلاج النفسي، ان هناك اكثر من نصف مليون من مرضى الاكتئاب يفكر اكثر من 100 ألف منهم في الانتحار. وأشار الدكتور خان الى ثمة حاجة الى فتح مراكز ارشادية متخصصة لمنع الانتحار سعيا لخفض معدلات الانتحار، واقترح ايضا ان تكون هذه المراكز خاضعة لإشراف أطباء علاج نفسي مدربين. أجرت مجموعة مساعدات انسانية مقرها في هولندا دراسة العام الماضي في مناطق النزاع في كشمير، وأشارت نتائج الدراسة الى ان واحدا من بين كل ثمانية اشخاص من بين 600 شملتهم الدراسة فقدوا واحدا على الأقل من أفراد اسرهم. وأشارت غالبية هؤلاء الى الخوف من الموت او موت واحد من الأقرباء بفعل أعمال العنف والإذلال اليومي بفعل عمليات التفتيش والاستجواب بواسطة عناصر الأمن.

من ضمن الحالات التي تناولتها الدراسة محاولة منصور أحمد الانتحار بتناول مواد سامة اثر الصدمة النفسية التي تعرض لها اثر اعتداء تعرض له خلال عملية لقوات الأمن. وقال اطباء علاج نفسي ان احمد تعرض لصدمة نفسية بالغة تحتاج الى علاج نفسي خاص. وتحمل الصحف الكشميرية كل يوم ستة أخبار على الأقل لمحاولات انتحار بواسطة طلاب ونساء وفتيات لأسباب مثل الرسوب في الامتحانات او التعامل السيئ من جانب الأقرباء او فشل العلاقات العاطفية. وكشفت الدراسة التي أجراها خان الى ان ما يزيد على نسبة 16 في المائة من المرضى يقبلون على الانتحار بسبب البطالة و13 في المائة بسبب تدهور العلاقات الاجتماعية و11 في المائة بسبب حالات نفسية و8 في المائة بسبب الرسوب في الامتحانات و7 في المائة بسبب فشل علاقات عاطفية و4 في المائة بسبب تعاطي المخدرات. ولا تقتصر حالات الانتحار على الكشميريين العاديين وحدهم، بل تشمل ايضا عناصر قوات الأمن الهندية هناك، إذ ان 450 جنديا اما اقدموا على الانتحار او أطلقوا النار على زملائهم بسبب نوبات الاكتئاب خلال السنوات الخمس الماضية. كما تشير التقارير الاخبارية كل اسبوع تقريبا الى انتحار جندي في هذه المقاطعة التي يعصف بها العنف.