أفغانيات يفضلنه

يقعن فريسة للعنف الجنسي وضرب الأزواج.. الأرامل هن أكثر المنتحرات

TT

أدت عقود من الاضطرابات الاجتماعية والمدنية إلى تعميق الضغوط التقليدية على النساء الأفغانيات اللواتي يعانين حاليا الفقر والتقاليد الاجتماعية البائدة. كل ذلك كان مصحوبا بتشرد قطاع واسع من المجتمع الافغاني. ووضع كهذا تجد النساء أن أفضل طريقة للهروب هي الانتحار. بدأت معدلات الانتحار بين النساء الأفغانيات بالتصاعد منذ أوائل هذه السنة في أكثر أنحاء أفغانستان.

ويبدو أن إزالة طالبان عن الحكم جلبت تغيرا اجتماعيا في المجتمع الأفغاني بينما أصدرت حكومة الرئيس حميد كرزاي قوانين معينة لتحسين ظروف المرأة في أفغانستان. مع ذلك فإن هذه القوانين كان لها تأثير ضئيل على الاتجاه المتصاعد في عدد المنتحرات. وحسب آخر استبيان قام به صندوق التنمية التابع للامم المتحدة للنساء في أفغانستان فان 6.5% من 50 ألف أرملة يعشن في كابل يجدن أن الانتحار هو طريقة الهرب الوحيدة المتوفرة في الوضع المزري الحالي الذي يجدن أنفسهن فيه.

وحسب الاستبيان نفسه اتضح أن أكثرية النساء الافغانيات هن ضحايا لعنف جنسي وعقلي يجبرهن على الانتحار أو الادمان على المخدرات. وقالت الدكتور نسيمة التي تمثل الجمعية الثورية لنساء أفغانستان إن شروط العيش التي تمر بالأرامل خصوصا من يعشن في كابل بشعة جدا. وأضافت أن الأرامل في كابل عليهن أن يعتنين بأطفالهن أمام ضآلة فرص العمل ومعدلات التضخم العالية. وقالت ان التمييز العائلي والجنسي والعنف ضد النساء شائع في معظم أجزاء أفغانستان.

مع ذلك فإن حالات انتحار النساء في أجزاء أخرى من أفغانستان هي ليس أقل من كابل. فحسب منظمة معنية بحقوق الانسان متمركزة في كابل هناك ما يقرب من 100 امرأة حاولن الانتحار في قندهار عن طريق أخذ السم أو حرق أنفسهن خلال الاشهر الثمانية الأخيرة.

ففي محافظة هلماند المعروفة بزراعة الحشيش فإنه وفقا لاحصائيات وفرتها ادارة شؤون النساء في حكومة افغانستان فقد انتحرت 100 امرأة.

وفي ولاية هيرات حيث الممارسة كانت اوسع حسب التقارير كانت هناك 93 حالة انتحار في العام الماضي و54 حالة في العام الحالي حتى الآن. ووفقا لأرقام نشرتها ادارة شؤون النساء فان ما يزيد على 70 في المائة من هؤلاء النساء كان نصيبهن الموت. وجاء في تقرير الادارة ان سوء المعاملة والخلافات العائلية والمشاكل الاقتصادية تقف خلف الحوادث المتزايدة لانتحار النساء في افغانستان. وقالت مديرة الادارة الدكتورة فوزية ان العوامل التي تسهم في زيادة اتجاه الانتحار بين النساء الأفغانيات هي النزاعات العائلية، والظروف الاقتصادية الصعبة، وتزويج الفتيات على الضد من ارادتهن. وقد جرت الاشارة الى حالة انتحار شابة تبلغ السابعة عشرة من العمر في وسائل الاعلام بأفغانستان في الأشهر الأخيرة.

وتعتبر الشابة غوتي واحدة من أولئك الفتيات اللواتي انتحرن أوائل العام الحالي. وفعل افراد عائلة غوتي كل ما بوسعهم لاخفاء السبب الحقيقي لموتها. ولكن شقيقها أبلغ صحيفة أفغانية انها انتحرت بعد أن ارغمها والدها على الزواج. وقال طبيب عالج غوتي انها ماتت بسبب الاستخدام المفرط للأفيون، وقال «سلمت غوتي الينا عندما كانت ميتة وبعد تشريح الجثة وجدنا أن الاستخدام المفرط للأفيون هو سبب الوفاة».

غير ان الطريقة المفضلة للانتحار بالنسبة للنساء الأفغانيات هي قتل النفس. ووفقا لما ورد في تقرير حديث للجنة حقوق الانسان المستقلة في أفغانستان فان قتل النفس هو الطريقة الشائعة في ارتكاب الانتحار بين النساء الأفغانيات. وتظهر معلوماتنا ان ما لا يقل عن 64 امرأة حاولن الانتحار عبر احراق انفسهن و36 امرأة تناولن سموما مثل قاتل الفئران خلال الأشهر الثمانية الماضية. وقالت الدكتورة نسيمة التي تمثل الجمعية الثورية لنساء افغانستان ان «عشرات النساء اللواتي يكافحن من أجل التخلص من العنف العائلي والزواج القسري والظروف الشاقة يرتكبن الانتحار كل عام في أنحاء مختلفة بأفغانستان عبر احراق أنفسهن». وقالت ان الوضع اصبح افضل بكثير منذ سقوط طالبان قبل ست سنوات، غير ان الحياة تظل بائسة بالنسبة للكثير من النساء الأفغانيات في الريف حيث الانتحار مشهد مألوف. وأشار احد التقارير الى أن 70 في المائة من أولئك النساء اللواتي انتحرن قد متن، غير ان بعضهن بقين على قيد الحياة ليروين قصصهن. والقصة الأخرى التي تحدثت عنها وسائل الاعلام هي قصة كلثوم البالغة 19 عاما التي بقيت على قيد الحياة لتروي قصتها. فقد أرغمت كلثوم على الانتحار بعد سنوات من المعاملة السيئة على يد زوجها المدمن على المخدرات. واجبرت على الزواج من رجل يبلغ الربعين عاما عندما كانت في السابعة عشرة، وقالت كلثوم «كان زوجي يضربني ويعاملني مثل حيوان».

وقتلة جميلة، 18 سنة انها لم تستطع وضع نهاية للضرب والتعذيب الذي تتعرض له بصورة يومية بواسطة زوجها، لذا سكبت البنزين على جسدها وأضرمت النار في نفسها. وتتلقى جميلة الآن العلاج بمستشفى كابل من الحروق البالغة التي تعرضت لها. قالت جميلة انها طلقت من الرجل، الذي عاشت معه فقط اربعة شهور، وتقيم الآن مع والدها. وأضافت قائلة انها لم تكن تريد الزواج منه منذ أن رأته للمرة الأولى، إلا ان قرار الزواج ليس بيدها وإنما بيد والدها. نشرت قصة جميلة في الصحف الأفغانية ووردت في تقرير صدر في الآونة الأخيرة بواسطة عن «الرابطة الثورية لنساء أفغانستان». وكانت منظمة نسائية عالمية قد نشرت العام الماضي تقريرا حول أوضاع النساء في أفغانستان تناول العوامل التي تلعب دورا في ازدياد معدل حالات الانتحار بين النساء الأفغانيات. جاء في التقرير ان 80 في المائة من الزيجات في افغانستان تجرى على اساس اختيار الاسرة وليس اختيار العروس وان اكثر من نصف الافغانيات يتم تزويجهن قبل سن 16 سنة لرجال يكبروهن كثيرا. كما ان تبادل النساء او البنات لحل جريمة او دين او لفض نزاع اسري من الظواهر المنتشرة في افغانستان، كما ان العنف ظاهرة منتشرة في الكثير من هذه الزيجات. كانت حكومة كرزاي قد حظرت في الآونة الاخيرة زواج النساء تحت سن 18 سنة، وهناك قوانين اخرى يتوقع صدورها تهدف الى تحسين أوضاع النساء في البلاد. حالات الانتحار ليست كلها نتيجة للعنف المنزلي، ذلك ان هناك حالات انتحار كان الدافع لها العنف الجنسي، مثل حالة انتحار موظفة الانتخابات مسكة في محافظة نانغارهار جنوب افغانستان، إذ تعرضت مسكة للاغتصاب بواسطة سائق السيارة التابعة لمفوضية الانتخابات خلال عمل مسكة في تسجيل الناخبين في القرى لانتخابات الرئاسة عام 2004. وكان السائق قد هدد مسكة بمدية بعد ان بقيت لوحدها في سيارة الانتخابات قبل توصيلها الى منزلها وقاومت السائق وتعرضت لإصابة لكنها نجحت في الفرار والوصول الى منزل عمها. وفي صباح اليوم التالي دخلت المطبخ وسكبت الجازولين على نفسها وأضرمت النار، وتوفيت بعد حوالي اسبوع متأثرة بالحروق. ويقول خبراء ان النساء تحت ظل نظام طالبان السابق حرمن من حقوق أساسية مثل التعليم وحق الاقتراع، لكن النساء الأفغانيات اليوم أعضاء في البرلمان، وعلى الرغم من ذلك يعتبرن مواطنات من الدرجة الثانية في معظم أنحاء افغانستان. ويقول خبير أفغاني ان معدلات الانتحار في زيادة في ظل هذه الاوضاع الاجتماعية، إلا ان معظم الحالات لا يبلغ عنها لأسباب دينية او اعتبار البعض وجود وصمة اجتماعية مرتبطة بإقدام المرأة على الانتحار. واعترف مسؤولون في الحكومة الافغانية بأنه لا توجد احصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها فيما يتعلق بحالات الانتحار في مختلف محافظات البلاد. وأضاف ان غالبية حالات الانتحار تسجلها المنظمات غير الحكومية وليس بواسطة الوزارات او الادارات المعنية.