غزة.. قوة بلا قانون

تعطل عمل الشرطة والنيابة العامة والجهاز القضائي في القطاع.. والبديل «القوة التنفيذية».. والخدمات بائسة وتكاد تحتضر

عناصر من الشرطة الفلسطينية خلال تدريبات جرت اخيرا (أ.ف.ب)
TT

أدى الاختناق المروري الى توقف الحركة عند مفترق طرق يؤدي الى كل من مخيمي النصيرات والبريج للاجئين، وسط قطاع غزة، لبعض الوقت، وظل الركاب ينتظرون بصبر في سياراتهم. وعندما اقتربت سيارة الأجرة التي كنا بداخلها، تبين لنا أن الاختناق المروري ناجم عن شجار بين مجموعة من التجار في سوق الغنم المجاور للمفترق.

لكن الملاحظة الاولى التي اثارت اهتمام الناس هنا، أن المتشاجرين كانوا يستخدمون الهراوات والحجارة، بخلاف ما كانت عليه الأمور قبل سيطرة حركة حماس على القطاع، حيث تصفي العشائر حساباتها مع بعضها بعضا بالبنادق والقنابل في اشتباكات الشوارع. فحركة حماس التي أفلحت في فرض سيطرتها بالقوة، وجمعت السلاح من المواطنين، وكسرت شوكة العائلات والعشائر الكبرى ذات النفوذ التي كانت تنشر الفوضى في القطاع، تبدو عاجزة عن إقامة أركان نظام متكامل. فالخدمات تدنت الى درجات سيئة، والأزمات تتوالى تباعا حتى صارت مدينة غزة «بائسة» في نظر بعض سكانها، وتكاد تحتضر، رغم ان المدافعين عن النظام الجديد يقولون إن «مصائب» غزة ليست بسبب حماس، ولكن بسبب الحرب التي يشنها عليهم المجتمع الدولي، والحصار الذي يجد المساندة من «حكومة الضفة» حسب وصفهم.

وكما يقول خليل أبو شمالة مدير «مؤسسة الضمير لحقوق الانسان» فان حماس تبدو كـ«قوة بدون قانون، بسبب تعطل أدوات القانون، وهي الشرطة والنيابة العامة والجهاز القضائي.. فقد حلت مكانها القوة التنفيذية. فاذا احتجت لرجل شرطة في غزة هذه الايام فعليك الاتصال بالرقم 109 كي ترد عليك القوة التنفيذية التابعة لحماس». ورحب بعض السكان بشدة بقبضة هذه القوة. ويصف البعض الاخر أفرادها بأنهم يشكلون تهديدا.

ويقول أبو عبد الله، وهو صاحب متجر في غزة، ان «القوة التنفيذية هذبت بعض الناس». لكن سهام، 25 عاما، وهي سكرتيرة قالت «نعم ان حجم الجريمة أقل، ولكن ـ برأيي ـ هذا نابع من خوف أكثر منه اقتناعا».

ويقول أبو عبد الله تعليقا على المشاجرة «لو أن هذه المشاحنات وقعت قبل أشهر فمن الممكن أن أناسا كثيرين كانوا سيقتلون». وتمنع حماس إطلاق النار في الحفلات والأعراس، وصار الناس يستخدمون الألعاب النارية والمفرقعات للتعبير عن فرحهم ونشوتهم. المحامي راجي الصوراني، مدير «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، أكبر وأهم مراكز حقوق الإنسان في مناطق السلطة الفلسطينية قال لـ«الشرق الاوسط» :«قطاع غزة لم يكن آمناً على هذا النحو منذ سنين طويلة». ويقدم متطوعو حماس يد العون للقوة التنفيذية في تنظيم مرور السيارات في شوارع غزة المزدحمة، ويبدو أن السائقين صاروا أكثر التزاما بالقوانين على الطريق. وفي ذات مرة ركض شرطي من حماس وراء سيارة لمسافة 500 متر بعدما اجتازت اشارة حمراء. وتراجعت سرقة السيارات بصورة حادة ولكن لم تتراجع سرقات الممتلكات الاخرى في القطاع الذي يعاني مشاكل اقتصادية كبيرة. ويقول عزيز عمار وهو سائق تاكسي «انهم رجال الله.. أناس يخافون الله وليسوا فاسدين».

لكن القبضة الحديدية الأمنية تقابلها فوضى حياتية تكاد تكون متناهية، خاصة في مجالات الصحة والمرافق الخدمية المختلفة، زادتها بلة اخيرا أزمة الكهرباء وانقطاعها خلال الايام الماضية، بسبب وقف التمويل الأوروبي لمحطة الكهرباء الرئيسية، في غزة.

وعاشت غزة بلا كهرباء ولا ماء، والقمامة تملأ شوارعها. وفي منطقة شارع الصحابة مثلا، انفجرت قنوات الصرف الصحي وانتشرت المياه القذرة، ما اضطر المواطنين الى إغلاق بعض المحال التجارية، ووضع سواتر ترابية لمنع وصولها الى منازلهم، وسط تحذيرات من ان شمال غزة سيغرق بملايين الأمتار من مياه الصرف الصحي. وحسب اخر التقارير فإن ربات البيوت بتن خلال ازمة الكهرباء يسهرن حتى ساعة متأخرة بانتظار وصول الكهرباء لساعات قليلة، حتى يتمكنّ من ملء خزانات المياه. وتشكو أخريات من تعفن الأطعمة المخزنة في الثلاجات، وكذلك يشكو اصحاب المطاعم والمحال الغذائية. وابدت السلطات الصحية خشيتها من تعرض المواطنين لحالات تسمم واسعة مع تعفن الأطعمة بسبب حرارة الجو. وبجانب أزمة الكهرباء، هناك أزمة شح المياه الذي تعاني منه المدينة أصلا، اضافة الى تراكم أطنان القمامة في شوارعها مع إضراب العاملين في البلديات. الدكتور فيصل أبو شهلا، رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي الفلسطيني، والقيادي البارز في حركة «فتح» في قطاع غزة يرفض القول باستباب الامن، ويشير لـ«الشرق الاوسط» الى ان «حالة الهدوء الأمني الظاهرية ناجمة عن حالة الخوف التي انتابت الناس بسبب سيطرة حركة حماس على مقار الأجهزة الأمنية». ويتساءل أبو شهلا عن حقيقة تحسن الوضع الأمني حتى في ظل تعرض نواب المجلس التشريعي للاعتداء في ظل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، ويشير ايضا الى حادث الاعتداء الذي تعرض له النائب عن حركة «فتح» أشرف جمعة وعدد من مرافقيه، متهماً القوة التنفيذية التابعة لحكومة اسماعيل هنية بالمشاركة في الاعتداء والتغطية عليه. ويضيف «حكومة هنية تواصل الاعتقال السياسي» مشيراً الى حملات الاعتقال التي طالت نشطاء من حركة «فتح». أبو شهلا يرى ايضا أن «حركة حماس وبانقلابها على السلطة اصابت المشروع الوطني في مقتل» وطالب بأن يكون التنافس بين الحركتين على أساس الخدمة المقدمة للجمهور الفلسطيني لكي يكون هذا الجمهور هو الحكم.

إسلام شهوان، الناطق بلسان القوة التنفيذية، قال لـ«الشرق الأوسط» ان «قيادات حركة فتح في قطاع غزة مدعوون أن يزوروا المعتقلات في قطاع غزة، واتحداهم أن ينجحوا في العثور على معتقل واحد على خلفية توجهاته السياسية» منوهاً الى أن هناك بعض الأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية اتهامهم بالفساد المالي والأخلاقي.

وحول حادثة الاعتداء على النائب جمعة قال شهوان انه أصبح من الواضح الآن أن الذين اعتدوا على جمعة هم من عناصر حركة «فتح»، وأنه تم اعتقال اربعة منهم. وتساءل «لماذا لا يتم التحرك ضد الأجهزة الامنية التابعة لابو مازن التي تقوم باعتقال قادة حماس ونشطائها وتقوم بإطلاق النار عليهم، وتحرق منازلهم، كما حدث مع رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك الذي لم يشفع لعائلته وجوده في السجن».

أحد مظاهر الخطر في عمل حكومة هنية هو ذلك التضارب والتخبط اللذان تعكسهما بعض القرارات الصادرة عن هذه الحكومة والمؤسسات التابعة لها. فمثلاً أصدرت القوة التنفيذية قراراً يحظر بموجبه تنظيم مسيرات بدون الحصول على ترخيص مسبق منها. القرار كان مستهجناً وقوبل بالرفض من الفصائل الفلسطينية ومنظمات حقوق الانسان، الأمر الذي دفع حكومة هنية الى تعديله وبإخراج المسيرات والفعاليات التي تستهدف الاحتجاج على ممارسات الاحتلال من دائرة الأنشطة التي يتوجب أن يحصل منظموها على ترخيص مسبق. وأحد مظاهر التضارب يكمن في قرار التنفيذية توقيف النائب العام أحمد المغني الذي اوقفته حكومة هنية عن العمل، فديوان هنية سارع الى القول إنه لم يتم اعتقال او توقيف المغني، في حين أن الناطقين باسم التنفيذية قالوا إنه بالفعل قد تم توقيفه لبعض الوقت للتحقيق معه حول قيامه بمحاولة اخفاء ملفات فساد تتعلق بقادة الاجهزة الامنية. فالانطباع المتبلور في غزة هو أنه في بعض الأحيان أن القوة التنفيذية تعمل بمعزل عن تعليمات حكومة هنية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية فلا أحد يختلف في أنها ازدادت سوءاً، إلا أن الوضع تحسن قليلاً بعد قيام حكومة فياض بدفع رواتب عشرات الالاف من الموظفين، كما قامت حكومة هنية بدفع رواتب الموظفين وعناصر القوة التنفيذية الذين رفضت حكومة فياض تسديد رواتبهم. لكن في المقابل، فإنه حسب ما يقوله المحامي الصوراني، فإن نسبة العاطلين عن العمل في قطاع غزة تبلغ 90%، الأمر الذي يعني أن الشريحة التي استفادت من تسديد الرواتب ضئيلة. لكن حركة حماس تحاول أن تسد الفراغ من خلال تقديم المساعدات للفقراء والمعوزين من خلال الجمعيات الخيرية التي تمتلكها.

احدى هذه الجمعيات هي «جمعية الصلاح الخيرية»، التي يقول مديرها علي نصار لـ«الشرق الاوسط»، إنها قدمت أخيرا اكثر من 80 الف طرد غذائي للمعوزين، وتتكفل ثمانية آلاف يتيم. لكن قدرة حكومة حماس على توفير الخدمات الأساسية للناس محدودة جداً. فعلى مدى أسبوع غرقت غزة في بحر من الظلام بعد أن اوقف الاتحاد الاوروبي تسديد فاتورة الوقود الذي تستخدمه محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، بعد اتهام حماس بأنها تنوي فرض ضرائب على فواتير جباية الكهرباء وإيداعها في تمويل أنشطتها الخاصة، وهو ما نفته الحركة واتهمت في المقابل حكومة فياض بالعمل على قطع التيار الكهربائي من اجل دفع الناس للثورة ضد الحركة.

وقد انتهت الأزمة بعد أن تعهدت حماس بالسماح للاتحاد الاوروبي بالتدقيق في حسابات شركة الكهرباء. لكن حماس التي نجت من بحر الظلام تغرق في أكوام القمامة التي يزداد حجمها يوماً بعد يوم بسبب اضراب عمال البلدية الذين يحتجون على عدم تسلم رواتبهم منذ عدة اشهر. ومرة اخرى يدفع المواطن الغزي فاتورة الاتهامات بين حماس وحكومة فياض، حيث تتهم حكومة هنية حكومة فياض بالتراجع عن تعهدها بدفع مستحقات موظفي البلدية، مع العلم بأن هؤلاء الموظفين لم يتلقوا رواتبهم منذ ثمانية اشهر.

لكن التحدي الأبرز الذي يواجه حماس وحكومتها هو إصرار حكومة فياض على فرض يومي الجمعة والسبت كيومين للاجازة الاسبوعية، في حين تصر حكومة حماس على أن يكون يوم الجمعة فقط هو الاجازة الاسبوعية. حكومة فياض هددت بأنها ستحرم كل موظف يلتزم بتعليمات حكومة هنية حول الاجازة من الراتب، وهو الأمر الذي يعني أن معظم الموظفين سيلتزمون بقرارات حكومة فياض في هذا الشأن، حتى اولئك الموظفين الذين يؤيدون حركة حماس بشكل عام. والتحدي الأبرز سيكون في قطاع التعليم حيث سيبدأ العام الدراسي في الثاني من ايلول المقبل.

هناك ضغوط هائلة تمارس على حكومة هنية وتحديداً من قبل النخب المنتمية الى حركة حماس لتغير موقفها وتقبل بموقف حكومة فياض، لأن إصرارها على موقفها يعني تعطيل العملية التعليمية. الى جانب ذلك هناك التعيينات التي تقوم بها حكومة هنية، حيث يتم استبدال بعض المديرين في المؤسسات لأنهم لا يلتزمون بتعليمات حكومة هنية. مؤيدو فتح الذين يعملون في هذه المؤسسات ينظمون اضرابات في هذه المؤسسات احتجاجاً على هذه التعيينات، وهذا بدوره يشل العمل في هذه المؤسسات، الى جانب تغيب الكثير من العاملين الذين تضمن لهم حكومة فياض رواتبهم.

وتحاول حركة حماس سد الفراغ الناجم عن تغيب الكثير من الموظفين في المؤسسات الخدماتية، مثل المؤسسات الصحية. فمثلاً الكثير من الطواقم الإدارية في المستشفيات والمؤسسات الطبية ومؤسسة الترخيص والشرطة، يتغيبون عن العمل استجابة للتعليمات الصادرة عن حكومة فياض التي ترفض الاجراءات التي تقوم بها حكومة هنية. وحتى لا يشعر المواطن الفلسطيني بنقص في الخدمات فقد قامت حركة حماس بتجنيد آلاف المتطوعين لملء الشواغر في الدوائر المختلفة. فمثلاً الذين ينظمون حركة السير في قطاع غزة من طلبة المدارس الثانوية المنتمين لحركة حماس. وشرعت حماس في استيعاب عناصرها من ذوي المؤهلات في الشواغر، الى جانب قيام مؤسساتها بتغطية النقص في مجال الخدمات الأخرى، حيث أن المراكز الصحية التابعة لجمعية الصلاح وحدها تقدم خدمات صحية لحوالي 1000 مريض يومياً بأسعار رمزية، الى جانب قيامها ببناء منازل للفلسطينيين الذين تدمرت منازلهم في الاجتياحات الاسرائيلية، وتقديم مساعدات مالية للمزارعين الذين يقوم جيش الاحتلال بتدمير مزارعهم. وتملأ المؤسسات الخيرية المقربة من حماس الفراغ الذي ينتج في المؤسسات، ما يسهم في تعزيز علاقتها بقطاعات كبيرة في المجتمع الفلسطيني. لكن في حال ظلت الأمور على حالها في قطاعي الصحة والتعليم، فإن جهود حماس ومؤسساتها لن تنجح في سد الفراغ الناجم عن تغيب العاملين والموظفين، الأمر الذي يؤذن بشل القطاع الخدماتي في القطاع بشكل غير مسبوق.

وحتى على الصعيد الثقافي والفني تحاول حركة حماس أن تقدم بديلاً آخر، فمثلاً أخذت الحركة تهتم بشكل خاص بالعمل المسرحي، حيث أن كلاً من فضائية «الأقصى» وإذاعة «صوت الاقصى» التابعتين لها أصبحتا تملكان فرقا مسرحية، تقدم مسرحيات واسكتشات كوميدية، يقودها الفنان الكوميدي نبيل الخطيب، ذو الشهرة الواسعة في قطاع غزة. إذاعة «صوت الأقصى» تبث يومياً اسكتش مسرحيا لهذه الفرقة يتعرض للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. احد هذه الاسكتشات تعرض بالنقد الشديد للقوة التنفيذية لقيام عناصرها بقيادة مركباتهم بسرعة كبيرة.

اهتمام حماس بالفنون قديم، فوزير الخارجية الأسبق محمود الزهار، أحد قادة الحركة اخبر «الشرق الأوسط» أنه قام بتأليف سيناريو فيلم من 800 صفحة، لكن لم يتسن تحويل هذا السيناريو الى فيلم. الدكتور وليد المدلل استاذ العلوم السياسية والكاتب المعروف يعتبر أن اهتمام حركة حماس بالفنون والعروض المسرحية يدلل على أنها حركة منفتحة وليست كما يقال تحاول اقامة «امارة» على غرار طالبان في افغانستان. واشار الى ان هذا الاتهام غير واقعي وغير منطقي ولا يستند الى أي دليل في الواقع.

ويضيف المدلل لـ«الشرق الاوسط» ان «خير دليل على الفرق الشاسع بين التنظيمين (حماس وطالبان) هو الموقف الحازم الذي اتخذته حماس ضد الجماعات التي قامت قبل سيطرة الحركة على قطاع غزة بالاعتداء على مقاهي الانترنت وصالونات الحلاقة ودور العبادة للمسيحيين وغيرها من الاجراءات، الأمر الذي أدى الى توقف هذه الممارسات بشكل مطلق». ويشير ايضا الى أن المرأة تتمتع بحرية كبيرة في الوقت الحالي، حيث أن حماس لم تتخذ أي اجراء ضد النساء اللواتي يتوجهن للعمل والمؤسسات التعليمة بدون غطاء الرأس. ويضيف المدلل «الإنسان قد يتفق أو يختلف مع حركة حماس لكن ليس من الموضوعية اتهام الحركة بأنها تتبنى أفكار وأساليب القاعدة». ويشير مدلل الى جملة الفروق بين حماس والقاعدة، بالقول ان «حماس تؤمن بأصول اللعبة الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع، الى جانب أنها تؤمن بأهمية توثيق علاقتها بالنظام العالمي والإقليمي، في حين أن القاعدة تناصب هذين النظامين العداء الشديد». ويشير مدلل الى مرونة حركة حماس التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة الى تعزيز علاقتها بكل من نظامي الحكم في مصر وسورية، على الرغم من أن هذين النظامين على علاقة عداء مع جماعة الأخوان المسلمين، ناهيك من سعيها الى تعزيز علاقتها مع المجتمع الدولي، ورهانها على العلاقة مع روسيا، على الرغم من المشكلة الشيشانية». ويخلص مدلل الى استنتاج مفاده أن عدم نجاح حماس في توثيق علاقتها مع النظامين الإقليمي والدولي يرجع بالأساس الى اعتبارات هذين النظامين، وليس الى فكر حركة حماس.

لكن أكبر خطوة أقدمت عليها حكومة هنية وحركة حماس، وتمثلت في عدم صبرها على أي فكر يتقاطع مع فكر تنظيم القاعدة، كانت تصديها لمنظمة «جيش الإسلام» التي كانت تخطف الصحافي البريطاني ألان جونستون. وعلى الرغم من الطابع العشائري لتركيبة هذه المنظمة، إلا أنها كانت تبدو وكأنها فرع من فروع القاعدة، حيث كانت تطالب بالإفراج عن بعض المعتقلين المسلمين في سجون بريطانيا من المحسوبين على القاعدة، من أمثال ابو قتادة، مقابل الإفراج عن جونستون. عناصر الامن التابعون لحكومة هنية ومقاتلو الذراع العسكري لحركة حماس فرضوا طوقاً على الحي الذي كان يحتجز فيه جونستون، الى جانب قيامهم باختطاف عدد كبير من الأفراد القريبين من ممتاز دغمش، زعيم المنظمة، لإرغامه على وضع حد لاختطاف جونستون. مصدر مطلع في حركة حماس قال لـ«الشرق الاوسط» ان حرص الحركة على تحطيم «جيش الإسلام»، لم يأت من أجل محاولة كسب نقاط في الساحة الدولية، أو للتدليل على جدارتها بحكم القطاع، بل لأن حماس ترى في فكر القاعدة تهديدا وجوديا لها. ويضيف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن بعض مرجعيات تنظيم القاعدة تكفر جماعة الأخوان المسلمين التي تعتبر حماس جزءاً منها، «وبالتالي فلو سمحنا لها بالتعاظم، فأنها ستقوم باستهدافنا».