حكيم المتمردين

سليمان جاموس.. المتمرد القابع في «حبس» بمستشفى منذ 18 شهرا يحظى بتعاطف عالمي.. لا يشفع له في الخرطوم

TT

«أنا أخو البنات»، هكذا قالها سليمان جاموس باللهجة السودانية العامية وهو يرد على سؤالنا له عن سر اهتمام العالم به، ولماذا يشغل «الدنيا» هذه الايام، وكيف حدث صعوده الداوي إلى مرتبة «الخبر الاول»، في وسائل الاعلام الدولية، من قنوات فضائية، وتلفزيونات، ومواقع على شبكة الانترنت.

فالقيادي المتمرد البارز في حركة تحرير دارفور المسلحة، ومسؤول الشؤون الانسانية فيها، والمحتجز داخل مستشفى بولاية كردفان السودانية منذ 18 شهرا، تحت رعاية الامم المتحدة، يقول انه «الاخ الوحيد لسبع بنات.. ومن هنا بدأت صعوبة مهمتي في الحياة، فقد فتحت عيني فوجدت أمامي مسؤولية أن اوفر الحماية والرعاية لمن هم حولي من شقيقاتي.. ثم تطور الوضع للاهتمام بمحيطي العائلي فالقبلي.. فالاقليم.. وهي كلها خيارات صعبة تفضي الى أخرى أصعب في اقليم دارفور الفقير «وكأنه يريد ان يقول انه أخ للصعاب».

وعندما كاد يقع فريسة في يد قوات الحكومة اثر محاصرة بلدة كان موجودا فيها، سارعت الامم المتحدة بنقله سرا باحدى طائراتها الى منطقة خارج دارفور وهي كردفان، وادخلته الى مستشفى فيها بدعوى الاصابة، لكن الحكومة علمت بالامر، ونشبت أزمة كبرى بين الخرطوم والامم المتحدة، تبادل الطرفان الاتهامات فيها والسباب، قبل ان يتوصلا الى اتفاق بان يبقى جاموس الذي يحمل دبلوم الهندسة، معتقلا داخل المستشفى، تحت اشراف الامم المتحدة، ولا يخرج منه الا بأذن من الحكومة. وطال انتظار اطلاق سراحه، وتدخل زعماء دول ورؤساء حكومات وشخصيات عالمية كبرى، وممثلين وممثلات من هوليوود طلبت احداهن من الرئيس البشير بان تبقى مكانه في مقابل ان يطلق سراحه.. لكن البشير لم يشفع لاحد.

فمن هو... هذا.. سليمان جاموس؟

سألته خلال لقاء معه بالتلفون من محبسه بالمستشفى.. عن صحته الآن؟ فقال: أعاني من آلام في القولون، وان الأطباء المصريين هنا في (مستشفى كادقلي) يعرفون حالتي جيداً، ولكن تنقصهم المعدات الحديثة للكشف الدقيق وبالتالي تحديد العلاج.. ولا يستطيعون الحصول على إذن من الحكومة لنقلي الى مكان آخر. لا يُعرف، حتى الآن، متى سيفرج عن جاموس المحتجز في المستشفى الذي يتبع للبعثة الخاصة للامم المتحدة في مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان منذ يوليو (تموز) 2006، ولكن كل المعطيات تشير إلى اقتراب موعد الافراج عنه، أو على الاقل انتقاله من وضعه الحالي إلى وضع آخر في نطاق عملية الاحتجاز التي تمت أصلا في اطار ما يسميه المراقبون بـ«مساومة» بين الحكومة والامم المتحدة.

وجاموس في نظر فصائل دارفور المتمردة، احد حكمائها، لذا فقد طالبت قياداتها بشدة حضوره لاجتماعات عقدت أخيرا بمدينة «اروشا» التنزانية تحت رعاية الامم المتحدة والاتحاد الافريقي، بهدف توحيد رؤية المتمردين حول عملية سلام دارفور، وهي مفاوضات مرتقبة وحاسمة مع الحكومة لانهاء ازمة الاقليم. واشار قادة الفصائل في حيثيات مطالباتهم اطلاق جاموس، الى انه يعتبر واحدا من حكماء الحركات المسلحة، ووجوده في أروشا والمراحل اللاحقة لها مهم لتحقيق عملية السلام، وترى الحركات ان جاموس بطرفه الكثير من مفاتيح الحل خاصة انه من اكثر القيادات التي نشطت في المجال الانساني في ميادين القتال والقرى التي تضررت.

ولم تستجب الحكومة لطلب الحركات كما بدا أن الامم المتحدة عاجزة هي الاخرى لاجابة الطلب نظراً لاتفاقها السابق مع الخرطوم بضرورة ابقاء جاموس عندها رهن الاحتجاز. ويقول دبلوماسيون في الخرطوم يتابعون الملف عن كثب ان الامم المتحدة لا تملك خيارا واحدا في قضية جاموس، بعد ان تخلت تحت تأثير الضغط عن تلك الخيارات مرغمة للخرطوم، ولا تملك حاليا غير سلاح «الرجاء» لمعالجتها للازمة. ونقل «يان الياسون» المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة للسودان والمسؤول عن ترتيبات المفاوضات المرتقبة بين المتصارعين في دارفور إلى الرئيس البشير طلب الفصائل بالافراج عن جاموس، ووعد بالسماح له حضور المفاوضات عندما تبدأ، لكن بعد يوم واحد من تعهدات البشير قال مسؤول في وزارة الخارجية السودانية أن «الحكومة ستفرج عن جاموس بشرط أن لا يعود إلى مربع الحرب أو تحريض الآخرين على الحرب، ويتعين عليه العمل بصورة واضحة لتحقيق السلام في دارفور عبر الجهود المستمرة في هذا الاتجاه». على الاثر، اصدر جاموس بيانا من محبسه قال فيه انه لم يرتكب أي جريمة وبالتالي لم يطلب ابدا الحصول على عفو غير انه توجه بالشكر الى الرئيس السوداني على هذا القرار الذي اتخذه لتسهيل مغادرته لهذا المكان. وقال جاموس الذي كان احد كوادر جماعة «الجبهة الاسلامية» التي يقودها الترابي، انه يتعهد بعدم العودة الى دارفور الى ان تبدأ محادثات السلام بين الحكومة وحركات المتمردين، وقال «عندما اعود سأواصل فقط العمل الانساني وبناء اجماع من اجل السلام». لكن جاموس، لم يطلق سراحه .. ولم يحضر اجتماعات اروشا.

وفي هذا الوقت، لم تتوقف وسائل الاعلام خاصة الاقليمية والدولية منها ومنظمات المجتمع المدني عن الطرق على قضية جاموس، بتشديد المطالبة بضرورة الافراج عنه باعتباره رجل المهام الانسانية في دارفور على حد تعبير القنوات التلفزيونية الاميركية والبريطانية على وجه التحديد. ودعا 11 ناشطا بارزا من بينهم كبير اساقفة جنوب افريقيا ديزموند توتو وسفير الولايات المتحدة السابق الى الامم المتحدة ريتشارد هولبروك والرئيس التشيكي السابق فاكلاف هافيل وجودي وليامز الحائزة على جائزة نوبل للسلام الرئيس السوداني مطلع الشهر الجاري الى اطلاق سراح جاموس. وقال يان برونك مبعوث الامم المتحدة السابق للسودان ان جاموس مفاوض ماهر تثق به الامم المتحدة. وقال «انه شخص حاسم. انه همزة وصل محتملة... ويجب أن نشكره لانه كان منسقا فعالا للاغاثة الانسانية... وأنقذ أرواح الكثيرين من الاشخاص لان كان بامكاننا الاعتماد عليه». وفي سياق الحملة نفسها وجهت الممثلة الأميركية الشهيرة ميا فارو رسالة إلى الرئيس البشير عرضت فيها رهن حريتها في دارفور مقابل إطلاق سراح جاموس. وقالت فارو في الرسالة «أعرض أن أحل محل السيد جاموس وأن أقايض حريتي بحريته لعلمي بأهميته بالنسبة للمدنيين في دارفور، خاصة بعد تعهده بانه سيبذل قصارى جهده لتحقيق سلام عادل ودائم يستحقه الشعب السوداني ويأمل أن يتحقق». وجاء في الرسالة أيضا «قبل القبض عليه لعب السيد جاموس دورا مهما في جلب جيش تحرير السودان الى مائدة المفاوضات وفي السعي للمصالحة بين الفصائل المنقسمة المتناحرة».

ولكن، في الاصل، كيف نشأت «اسطورة جاموس»؟ هذا الخمسيني الاشيب ذو الملامح القوية!. فحين بدأت الخلافات تدب بين هذا الاخير ومني اركو مناوي الذي كان يشغل منصب الامين العام لحركة تحرير السودان المسلحة، في ابريل (نيسان) 2006، قبيل انشقاق الحركة الى قسمين، كان جاموس يرى ان مناوي يتفاوض مع الحكومة لتحقيق السلام بدون الانتباه لمستوى الضمانات التي يمكن ان تعطى لانجاح أي اتفاق سلام محتمل بين الطرفين. وفي مؤتمر «حسكنيتة» الشهير (2006) الذي حضره مسؤولون اميركيون ومساعدون لوزيرة الخارجية الاميركية، وعقد داخل القرية الصغيرة في دارفور التي تعد احد معاقل الحركة، برز الخلاف واضحاً بين مني (حاليا مساعد رئيس الجمهورية) وجاموس إلى حد أن انصار هذا الاخير قاموا بترشيحه لرئاسة حركة تحرير السودان دعما لمواقفه القوية من مني وعملية السلام. لكنه تنازل في اللحظات الاخيرة حتى لا تحدث انشقاقات أخرى داخل الحركة الوليدة المنشقة عن عبد الواحد حسب مقربين من جاموس تحدثوا لـ «الشرق الاوسط» حول الموضوع.

ويقول جاموس في هذا الخصوص: «بعد مؤتمر حسكنيتة» ركزت على العمل الانساني بل تفرغت تماماً له. ووقعت المفاصلة الاخيرة في اعقاب توقيع مني لاتفاق السلام مع الحكومة في ابوجا بنيجيريا في الخامس من مايو (ايار) 2006. وحدد جاموس نقاط خلافه مع مني في عدة نقاط: منها رفضه للخلاف في المسميات حيث اشارت الاتفاقية الى ما تسميه الحكومة استخبارات الحدود والشرطة الظاعنة، كما اشارت في نفس الوقت إلى ميليشيات الجنجويد، ولم تحدد الفرق بين الاثنين بصورة قاطعة. ويرى انه لضمان تنفيذ الاتفاق يجب عدم دمج قوات الحركة بكل اسلحتها ومعداتها اللوجستية في القوات المسلحة إلا في مراحل متقدمة من التنفيذ. ويقول جاموس في هذا الخصوص لـ «الشرق الاوسط» لقد ابلغته هذه التحفظات عندما قرأت مسودة الاتفاق، وانا في الميدان، وابلغته، عبر الهاتف، بان هذا الاتفاق لا يجلب السلام الى دارفور لان بنوده هشه وبلا ضمانات. ولكن في اليوم التالي للمهاتفة حدث ما لم يكن في حسابات «رجل المهام الانسانية»، حيث جاءه رئيس هيئة الاركان في جيش فصيل مناوي في صباح باكر في 20 من مايو «2006» وابلغه بانه رهن الاعتقال بتوجيهات من القيادة السياسية للحركة اي مناوي. وظل جاموس في محبسه لدى قوات مناوي في منطقة «بير مزة» بمصير مجهول احياناً واحياناً اخرى يتراوح بين الافراج او التصفية في «ظروف غامضة» طبقاً لاحد افراد اسرته ينتمي الى حركة التحرير.

وداهم جاموس في محبس «بير مزة» الام انزلاق غضروفي تعرض له في وقت سابق، وساءت اوضاعه الصحية ما استدعت منظمات الامم المتحدة والمنظمات الاخرى التي ظلت تتعامل معه كرجل الخدمات الانسانية في مواقع الحركات المسلحة والقرى المجاورة للتحرك لانقاذه صحياً، فدخلوا في حوار مع مناوي بضرورة السماح للامم المتحدة باجلاء جاموس الى موقع آخر يتلقى فيه العلاج ثم يعود الى دارفور او الذهاب الى اي مكان يرغب بالبقاء فيه، وبعد مناقشات مطولة وافق زعيم حركة التحرير على الطلب فاقلت طائرة تتبع للامم المتحدة جاموس في «24 يونيو العام 2006» من «بير مزة» الى «كادوقلي».

ولكن هذه الرحلة فجرت ازمة طاحنة بين الامم المتحدة والحكومة حيث احتجت الاخيرة على ترحيل جاموس بدون علمها من «بير مزة» الى «كادوقلي»، واعتبرت الخطوة بمثابة تدخل في المنظمة الدولية في الشؤون الداخلية للبلاد بل اتهمتها بالانحياز الى الحركات المسلحة، واعلنت الخرطوم، بغضب، تعليق عمليات الاغاثة التابعة للامم المتحدة للاقليم لمدة اربعة ايام غير ان المنظمة دخلت في مفاوضات مطولة مع الحكومة انتهت بالاتفاق على ان تحتجز الامم المتحدة جاموس في كادوقلي ولا تسمح له بالتحرك لا داخل المدينة او خارجها الا بعد اخذ الاذن منها وفي المقابل تسمح الحكومة باستئناف عمليات الاغاثة في دارفور وان تتعهد بعدم تكرار العملية. ويرى محللون في الخرطوم ان رضوخ المسؤولين في الامم المتحدة بشروط الحكومة بشأن جاموس جاء في وقت صار فية موظفي المنظمة الدولية يتملكهم الخوف من الطرد من البلاد، على خلفية طرد رئيسهم الهولندي يان برونك باعتباره شخصية غير مرغوبة باعتباره يتدخل في الشؤون الداخلية بعيداً عن صلاحياته الممنوحة له، وعليه قبلوا بالشروط بدون تحفظ. ويقول جاموس في هذا الخصوص «انهم اعطوا الحكومة اذنا مفتوحا بعدم خروجي.. وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته المنظمة في حقي.. هذا وضع الحبل.. وذاك جر الحبل على عنقي.. والحمد لله». ولد سليمان جاموس في بلدة «أنكا»، التي تبعد نحو «100» كيلو متر شمال مدينة «كتم» ثاني أكبر مدينة في شمال دارفور، من والدين يمتهنان الزراعة ورعي الابل والضان. ولا يعرف تاريخ ميلاده تحديداً، وقال لي في هذا الشأن: «يقولون في الإعلان أن عمري «62» عاماً وأنا موافق على هذا العمر، ولكن المقربين منه يقدرون عمره بـ «55» عاماً على الأكثر ولكن ملامحه تشير الى أنه متقدم في العمر أكثر من ذلك. وينقل عن أصدقائه أنه عندما يسأل جاموس عن تاريخ مولده يقول: «إنه ولد في العام الذي توفى فيه عمه إبراهيم في الصحراء الكبرى عندما كان يرعى بقطيع من الإبل وظل يعدو خلفها وهي تعدو خلف النباتات الصحراوية فضل الطريق ومات متأثراً بالعطش». درس جاموس، وهو من قومية «الزغاوة» الشهيرة في دارفور، القرآن الكريم في مدرسة قرآنية في قريته «أنكا» والمعروفة «بالخلوة» وحفظ على الأقل أربعة أجزاء من القرآن قبل ان يدخل المدارس المحلية أو الصغرى، وهناك «فك الخط» كما يقال أي تعلم القراءة والكتابة، وبدأ يتكلم القليل من اللغة العربية، لأن قبيلته الزغاوة لها لهجتها الخاصة. وأثناء انشغاله بالدراسة كان يعمل مع والده في رعاية شقيقاته السبع، وهو لا يزال في وقت مبكر من عمره. وانتقل جاموس من مسقط راسه «أنكا» الى مدرسة «ذات الرأسين» الابتدائية في «كتم» لدراسة المرحلة الابتدائية، ومنها انتقل بتقدير نجاح عالى الى المدرسة الصناعية الوسطى في مدينة نيالا في جنوب دارفور في الفترة من 1960 وحتى العام 1964 ومنها الى العاصمة الخرطوم لأول مرة ليلتحق بالمعهد الفني «جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الآن» حيث درس الهندسة الميكانيكية، وحصل منها على دراسة الدبلوم في العام 1968، وقبل تخرجه، وتحديدا في العام 1964 انتمى جاموس الى جماعة الاخوان المسلمين في السودان بزعامة الدكتور حسن الترابى، والتي تطلق على نفسها في تلك الفترة اسم «جبهة الميثاق»، وقام بتجنيده المرحوم سليمان مصطفى ابكر اثناء زيارة خلال عطلة صيفية قام بها الى مدينة «مبرو» في شمال دارفور، واستمر جاموس في صفوف الحركة الاسلامية السودانية الى ان وصلت الى السلطة عبر انقلاب الرئيس عمر البشير وصولا الى انشقاقها الى نصفين: نصف مع البشير والآخر مع الترابي، واختار جاموس الانضمام الى صف زعيم الاسلاميين الترابي الذي اسس حزب المؤتمر الشعبي، وهو ما يعتبره البشير الحزب العدو الاول، وجلب هذا الخيار لجاموس مشاكل كثيرة. بدأ جاموس حياته العملية في القطاع الخاص بالمنطقة الصناعية بمدينة الخرطوم بحري، ثم عمل في مؤسسة النيل الأزرق للتغليف وهو قطاع مشترك «حكومي» و«خاص»، وحصل خلال عمله في المؤسسة على فرصة لنيل درجة الدبلوم في الهندسة الميكانيكية بالاسكندرية في العام 1984، ليعود ويواصل عمله في المؤسسة حتى احالته للمعاش للصالح العام (1982) في عهد الرئيس السابق جعفر نميري الذي كان يناصب الاسلاميين العداء السافر. وأسس جاموس بعد ذلك مع احد اصدقائه، شركة اطلقوا عليها شركة البقعة للتجارة والهندسة، وفي العام 1992 هاجر جاموس الى المملكة العربية السعودية وعمل هناك، ليعود العام 1994 ويندرج في العمل التجاري في «سوق لبيبا» اكبر الاسواق الشعبية في مدينة ام درمان العاصمة التجارية للبلاد.

وعندما اسست حكومة الرئيس البشير نظام المؤتمرات الشعبية على شاكلة ما هو موجود في ليبيا، اختاره سكان حي «امبدة» الشهير في ام درمان عضوا في مجلس البلدة، وتم اختياره في العام 1996 رئيسا لمحلية «امبدة الامير». وينوه مقربون منه ان جاموس بدأ في هذه الفترة يتحدث عن ضرورة الالتفات الى الاوضاع في دارفور، وانه كان ينبه الى ان «المجرم هناك يفلت دائما».

تعرض جاموس من خلال حركته النشطة مع حزب الترابي المعارض بقوة للبشير الى سلسلة اعتقالات خلال اعوام: 2000، و2001، و2003، حيث اطلق سراحه في 6 سبتمبر (ايلول) العام 2003 في اطار عملية تبادل اسرى بين الحكومة ومسلحي دارفور. ويستغرب جاموس هنا، ويقول: «لقد عرفت ان افراجي تم بذلك الشكل اخيرا، هم اعتبروني من عناصر الحركة قبل ان انضم ليها»، ويعرف جاموس وسط الاسلاميين بانه من العناصر النشطة ميدانيا ولا يحسب في نطاق المنظرين للحركة.

وفي 7 اكتوبر العام 2003 قرر جاموس الانضمام الى حركة تحرير السودان المسلحة في دارفور فاستقل طائرة ركاب في سفرية عادية من الخرطوم الى مدينة الفاشر دون ان يخطر احد «حتى اسرته»، ومنها تسلل سراً الى مواقع الحركة في 10 من اكتوبر 2003. ويقول: «التحقت بالاراضي المحررة وذهبت مباشرة الى حقل العمل الانساني ولاعتقادي ان المواطن في امس الحاجة الى العون الانساني».

وحسب المسؤولين في المنظمات في الخرطوم فان جاموس كان ينتقل من مكان الى آخر لمتابعة عمليات توزيع العون الانساني في مناطق الحركة في غرب السودان التي يعتقد انها آمنة لتحركاته. في حين ينظر المسؤولون في الحكومة الى جاموس بأنه طابور خامس للمؤتمر الشعبي بزعامة الترابي في مناطق الحركات المسلحة، وهو الاتهام الذي نفاه جاموس لـ«الشرق الاوسط» وقال «عندما خرجت من الخرطوم وتوجهت الى المناطق المحررة لا يعلم احد عني شيئا». واضاف:«ظل عملي في الميدان في المجال الانساني فقط.. لم احمل بندقية يوما واحدا ولم اخض معركة في دارفور». وفيما يشبه «التوبة»، يعتقد جاموس من داخل محبسه ان الحرب لا تحل مشكلة دارفور، وان تعدد الفصائل المسلحة لا يساعد على حل المشكلة ولا مانع لديه في المشاركة في كل مراحل حل المشكلة وفقا للترتيبات الجارية». يبدأ جاموس يومه الجديد في كادقلي بصلاة الصبح حاضرا وتلاوة اجزاء من القرآن ثم التناوب على قراءة عدد من الكتب من حوله حصل عليها من مكتبة القوات المصرية وبالعربية ومكتبة القوات الهندية، بالانجليزية وهو منهمك الآن في قراءة كتاب «كي تعرف نفسك» للكاتب المصري انيس منصور. يشار هنا الى انه يجيد اللغتين العربية والانجليزية كتابة وقراءة، وهذا احد اسرار قربه من المنظمات الانسانية العاملة في دارفور.

يتناول جاموس وجباته في المجلس بانتظام ويقول انها «كافية ومعقولة» تشرف عليها قيادة القوات المصرية او الهندية الموجودة هناك ضمن قوة تتبع للامم المتحدة. ولدى جاموس الذي يسكن في حى امبدة السبيل 9 ابناء، منهم 4 ذكور و5 اناث. تخرج 5 منهم في الجامعات السودانية، اثنان يدرسان حاليا في الجامعة، واثنان آخران في مرحلتي الثانوي والاساس، يتحدث جاموس مع ابنائه من محبسه عبر هاتفه الجوال من يوم الى آخر، غير انه يقول «انني مشتاق لهم وليس من رأى كمن سمع مشتاق اليهم اريد ان راهم». ولكن قطار جاموس يمضي ببطء، ولا يعرف متى سيصل محطته الاخيرة.