جنرال بلا مطامح

إشفاق كياني.. عين نائباً لرئيس الجيش الباكستاني تمهيداً لتسلمه القيادة العسكرية.. لكنه يرغب في البقاء بعيداً عن السياسة

TT

يعتبر الجنرال اشفاق برويز كياني الذي عينه الرئيس الباكستاني برويز مشرف، الاثنين الماضي، نائبا لقائد الجيش الباكستاني، في خطوة تسبق بقليل تعيينه قائداً للجيش، جنديا محترفا بلا مطامح سياسية.

وعلى الرغم من حقيقة ان وظيفته اصبحت أكثر تسيساً من ذي قبل فإن الجنرال اشفاق كياني رئيس الاستخبارات السابق، لا يزال يرغب في البقاء بعيدا عن السياسة وتخصيص معظم وقته لتعزيز الاستعدادات العملية للجيش. ووعد مشرف، الحليف القوي للولايات المتحدة في الحرب على الارهاب، بالتنحي عن قيادة الجيش في البلد الاسلامي النووي اذا فاز بولاية جديدة من خمس سنوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت السبت الماضي. وحقق مشرف ما اراد وفاز فوزا ساحقا في الانتخابات، ولكن ينبغي عليه الانتظار اياما قبل ان تعلن المحكمة العليا حكمها بقانونية الانتخابات التي جرت في البرلمان الوطني والمجالس المحلية. وعندما يستقيل الجنرال مشرف من منصبه العسكري، كما تعهد للمحكمة العليا الشهر الماضي، فسيتولى الجنرال كياني منصب قائد الجيش. وتبدأ مهمته المعقدة.

في 8 اكتوبر (تشرين الاول) الجاري، تلقى جنرال كياني، الرئيس السابق للاستخبارات الباكستانية، حرس شرف عند وصوله الى مقر الجيش في راوالبندي، وذكر بيان عسكري «ان المناسبة جرت في المقر العام للترحيب رسميا بنائب رئيس الاركان بعد توليه منصبه». ووصف الجيش كياني الذي ساعد في قيادة الحملة الحكومية ضد «القاعدة» وطالبان، بانه خليفة الرئيس مشرف الذي عين قائدا للجيش قبل عام من استيلائه على السلطة في انقلاب ابيض في اكتوبر 1999. الا انه في الشهور التي سبقت تعيينه رئيسا للاركان نفذ الجنرال كياني بعض المهام السياسية المثيرة للجدل بالنيابة عن حكومة مشرف. فقد كان طرفا من فريق رئاسي من ثلاثة اشخاص تفاوض مع رئيس الوزراء السابقة بي نظير بوتو في لندن ودبي حول امكانية مشاركتها في السلطة.

وخلال المحادثات أصرت بي نظير على تخلى مشرف عن منصب رئيس الاركان قبل التقدم لانتخابات الرئاسة. وقالت للفريق الرئاسي انها تفكر في الاستقالة من البرلمان في حالة إصرار الجنرال مشرف على دخول الانتخابات بصفته العسكرية. وقال عدد من العالمين ببواطن الامور لـ«الشرق الاوسط» انه في الوقت الذي استمرت فيه المحادثات اشارت بي نظير بأصبعها تجاه الجنرال كياني، وقالت «من هو مناسب اكثر منك لكي يصبح رئيس الاركان التالي بعد الجنرال مشرف»، وقد تسببت هذه التعليقات من رئيسة سابقة للجنرال الى شعوره بالحرج.

وفي عام 1988 خدم الجنرال كياني بي نظير بوتو كنائب السكرتير العسكري عندما كان برتبة عقيد عندما كانت رئيسة للوزراء. وهناك انطباع قوي في الدوائر السياسية ان مشرف بعث الجنرال كياني للقاء بوتو في لندن ودبي للحصول على موافقتها على تعيينه، غير ان المحادثات بين بي بوتو وفريق مشرف اثبتت نجاحها الى درجة ان حزب الشعب الباكستاني لم يستقل من البرلمان خلال الانتخابات الرئيسة مقابل سحب الحكومة لكل الاتهامات بالفساد ضد بوتو وزوجها عاصف على زارداري.

والتصرف السياسي الثاني للجنرال كياني، انه اصبح اكثر اثارة للجدل عندما شنت وسائل الاعلام الباكستانية والسياسيون حملة هجومية لانتقاد دور رؤساء اجهزة الاستخبارات العسكرية في الاحداث التي ادت الى تعليق عمل رئيس المحكمة العليا الباكستانية افتخار محمد شودري في مارس (اذار) الماضي. وكان الجنرال كياني طرفا في هذا الاجتماع الشهير بين الرئيس مشرف وشودري الذي تردد ان مساعدي الرئيس حاولوا اجبار شودري على الاستقالة من منصبه. وادى ذلك الى حركة شعبية ضد حكومة مشرف بقيادة مجموعات من المحامين والقيادات السياسية. ومنذ ذلك الحين يتعرض مشرف الى ضغوط متزايدة من مؤيديه في واشنطن والمجتمع الدولي لاعادة الحكم الديمقراطي الى البلاد. وتحطمت احدى المروحيات التي كانت ترافق مشرف اثناء توجهه لإحياء الذكرى الثانية للزلزال الذي ضرب كشمير. ولم يصب مشرف باذى إلا ان اربعة من الجنود قتلوا كما اصيب المتحدث باسمه. إلا ان بعض المحللين اشاروا الى انه لا يوجد اكثر تعبير من طبيعة كياني غير السياسية من مشاركته للرئيس مشرف في طرد شودري، ما ذكره محلل سياسي «من الواضح، طبقا لما عرفناه عن الاجتماع ان الجنرال كياني كان الرجل الوحيد الذي لم ينطق بكلمة في هذا الاجتماع. وعندما تم طرح تعليق وظيفة شودري امام المحكمة العليا كان كياني الوحيد من بين مساعدي الرئيس الذي لم يقدم شهادة ضد شودري كما حدث مع باقي مساعدي الرئيس الذين اصدروا بيانا ضد شودري».

وفي باكستان، يعتبر رئيس هيئة الاركان اقوى شخصية في صراع القوى. وقال الجنرال المتقاعد طلعت مسعود وهو محلل عسكري معروف «من الناحية النفسية ينجذب الناس في باكستان الى رئيس هيئة الاركان اكثر من أي وظيفة اخرى. وعندما يتولى كياني منصبه سيؤدي ذلك الى تقليل اهمية الرئيس مشرف.

ويتولى كياني منصبه في وقت تدخل فيه البلاد معركة للقضاء على التمرد المحلي في مناطق القبائل القبيلة من الحدود الافغانية. وتعرض قواتها وتسهيلاتها الى هجمات انتحارية من المتطرفين في مناطق نائية من باكستان بالإضافة الى المراكز الحضرية.

وأشار مسؤولون عسكريون الى ان الجنرال كياني، الذي يتمتع بمعرفة افضل ومعلومات اكثر عن الموقف الامني بسبب وظيفته السابقة كرئيس للاستخبارات، سيكون في وضع افضل للتعامل مع الموقف في المناطق القبلية والتوصل الى استراتيجيات جديدة في التعامل مع موجة التطرف المتزايد في المجتمع الباكستاني.

ويعتبر الجنرال كياني مقربا من الرئيس مشرف ومصدر ثقته، وهو واحد من خمسة جنرالات يشرفون على عملية النقلة السياسية في باكستان في اعقاب 11 سبتمبر (ايلول). والباقي هم الجنرال طارق مجيد والجنرال احسان الحق (متقاعد) والجنرال محمد يوسف (متقاعد) والجنرال حميد جواد (متقاعد).

المسؤولون في دوائر صناعة السياسة في الجيش الباكستاني الآن، برئاسة الجنرال كياني، لاحظوا ووقفوا على الآثار التي تركتها هجمات 11 سبتمبر من مواقع متقدمة. ويلعب هؤلاء دورا رئيسيا في تغيير السياسات في باكستان بعد ان اصبحت هدفا لضغوط متزايدة من الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة، لقطع صلاتها بالعناصر الدينية المتطرفة. واقام كياني علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وسط الحملة العسكرية التي تشنها باكستان لاخراج عناصر «القاعدة» وطالبان من منطقة القبائل المضطربة. والذين يعرفون الجنرال كياني يصفونه بأنه ليبرالي التفكير، كما انه عمل مع عسكريين اميركيين في البنتاغون. وعقب انخراطه في حملة الحرب ضد الارهاب، عمل الجيش الباكستاني عن كثب مع عسكريين في دول غربية، خصوصا الجيش الاميركي، كما عمل الجنرال عن كثب ايضا مع قادة عسكريين غربيين أقام معهم صلات وثيقة. ودرس الجنرال كياني خلال بداية حياته العملية في مؤسسات عسكرية اميركية. وتقول دوائر عسكرية ان صعوده سلم الترقيات في الجيش الباكستاني كان سريعا. وقال مسؤولون عسكريون إن كياني ابن لضابط صف. ويقول المحلل العسكري امير مير ان خلفية كياني المتواضعة جعلته محبوبا وسط صغار الضباط.

انضم الجنرال كياني الى الجيش الباكستاني عام 1971، وهو العام الذي دخلت فيها باكستان حربها الثانية مع الهند. وتشير سجلات رسمية الى انه شارك كواحد من الضباط أصحاب الرتب الدنيا في الجيش الباكستاني. وكان تخرج في الكلية العسكرية في جهيلوم. ويتحدر اصلا من مدينة غوجار خان، التي تبعد 50 كيلومترا عن اسلام اباد في اقليم بوتهار الباكستاني، الذي يعتبر منطقة تجنيد للجيش منذ تأسيس باكستان. وعمل كل اشقاء كياني الثلاثة في الجيش الباكستاني. تقلد كياني الكثير من المناصب العسكرية خلال فترة عمله، ودرس ايضا في كلية القادة والأركان في كويتا وكلية القادة والأركان العامة في فورت ليفينوورث بالولايات المتحدة، وكلية الدفاع الوطني بإسلام اباد. كما انه اكتسب خبرات قيادية واسعة من خلال عمله قائدا لكتيبة ثم لواء ثم فرقة للمشاة. والى جانب مشاركته في حرب عام 1971، عمل كياني في لواءين للمشاة عندما كان يحمل رتبة لواء، ومديرا للعمليات العسكرية بإدارة العمليات العسكرية، فضلا عن عمله مديرا عاما لإدارة الاستخبارات العسكرية. كسب كياني ثقة الجنرال برويز مشرف عام 2003 عندما قاد التحقيق في محاولتي اغتيال استهدفت مشرف نفسه في ذلك العام. ونتيجة لتلك التحقيقات تمكن الجيش الباكستاني من تعقب واعتقال عدد من الارهابيين الذين قدموا لمحاكمات وصدرت عليهم احكام بالسجن. وقال مسؤولون عسكريون ان الجنرال كياني عندما ترأس التحقيق في محاولات اغتيال مشرف كان التحقيق يواجه احتمال الوصول الى طريق مسدود، لكنه نجح في تنشيط عمليات التحقيق وتحقيق تقدم في اختراق جماعة ارهابية منظمة للغاية كانت لديها مخططات خطرة ضد الدولة. وكانت جدية ومهنية الجنرال كياني من العوامل التي لعبت دورا في نجاح تعقب وإلقاء القبض على الارهابيين.

وكان كياني قد عمل قائدا للفيلق 10، وهو الفيلق الذي كان متمركزا في موقع استراتيجي على الحدود مع الجزء الهندي من كشمير، كما ظل دور الفيلق مهماً في القضايا المتعلقة بالسلطة في باكستان. عقب ترؤسه التحقيقات في محاولة اغتيال الجنرال برويز مشرف، جرَى تعيين كياني مديرا لجهاز الاستخبارات الباكستانية، حيث نالت جهوده الكثير من الاشادة عندما ألقي القبض على اثنين من عناصر تنظيم «القاعدة» بواسطة الاستخبارات الباكستانية خلال عامي 2004-2005. وأعرب محللو استخبارات عن دهشتهم في تعيين الجنرال كياني رئيسا لأركان الجيش لأنه لم يحدث من قبل ان جرى تعيين مدير للاستخبارات في قيادة الجيش، ذلك ان الخلفية الاستخباراتية تعتبر مشكلة عند النظر في تعيينه قائدا للجيش. وقد حدث بالفعل ان رفضت الحكومة تعيين ضباط في الاستخبارات كقادة لأركان الجيش. يعتبر الجنرال كياني في دوائر الاستخبارات شخصا انطوائيا ولا يعرف عنه الكثير على المستوى العام، الأمر الذي ساعده على أداء واجباته كمدير للاستخبارات والبقاء في نفس الوقت بعيدا عن دائرة الاهتمام العام. وباستثناء ظهور اسمه في وسائل الإعلام خلال الاسابيع السابقة في إطار الأحداث ذات الصلة بتعليق عمل رئيس القضاء الباكستاني، لم يكن يعرف الكثير عن شخص كياني خلال الفترة من 2004 حتى 2007 عندما صدر قرار بتعيينه رئيسا لهيئة اركان الجيش. وتسلم الجنرال كياني هذا المنصب في وقت تواجه فيه باكستان ضغوطا هائلة من كل الاتجاهات. يتشكك الساسة الباكستانيون في حياد الجيش، كما ان المتطرفين جعلوه هدفا لنشاطاتهم الارهابية. وفي هذا الوضع من الصعب على الجنرال كياني ان يظل بعيدا عن الانظار في الحياة السياسية والمجال العام.