فتح وحماس.. شروخ الانقلاب

الفلسطينيون تحت سلطات ثلاث.. إسرائيلية وفتحاوية وحمساوية

رجل أمن من حماس ينظر عبر ثقوب في العَلَمِ الفلسطيني أثناء قيامِهِ بالحراسة في غزة (أ.ف.ب)
TT

حينما بسطت حماس سيطرتها على قطاع غزة، قبل عدة أشهر ظهرت كجيش قوي مزهو بالنصر، وظهرت فتح كجيش ضعيف يجر أذيال الهزيمة. كان الفلسطينيون مذهولين من سرعة الحسم العسكري، ويعتقدون ان فتح المنقسمة اصلا تلقت ضربة اخرى قاسية وصعبة، وكان البعض يرى انها ربما تكون الضربة الاخيرة للحركة الحاكمة، بينما راهن البعض الآخر على ان الحسم شكل ضربة لحماس التي وقعت في فخ غزة.

وشيئا فشيئا، تبين ان الحركة القوية المنتصرة في القطاع، تطارد السلطة بقيادة فتح للحوار معها بعد ان طردتها من مقراتها الامنية، وبدا انها تواجه مجموعة من الازمات؛ بعضها انساني وأمني، والآخر يكشف عن خلافات واختلافات، بينما لم تستطع فتح المكسورة ان تتوحد، بل تعمقت بعض خلافاتها، وبدا أن الانقلاب الذي نفذته حماس في غزة، فتح ابوابا عديدة لسلسلة انقلابات.

وفي رام الله يحاول الفتحاويون (او السلطة) لملمة جراحهم، وبعد الانقلاب مباشرة، لجأوا الى سلام فياض المقبول دوليا وعربيا، وأعادوا تشكيل مكتب التعبئة والتنظيم التابع للحركة، وبشروا بهبة جماهيرية في غزة، واطلقوا العنان للاجهزة الامنية كي تضع حدا لطموح محتمل لحماس في الضفة الغربية. وأعلن القائد العام لفتح، ورئيس السلطة، محمود عباس، حالة الطوارئ في الاراضي الفلسطينية، كان بعض الفتحاويين غاضبين على زعيمهم، فقد استفاق متأخرا، «لقد سقطت غزة».

ويقول الفتحاويون انهم لم يقاتلوا في القطاع، وبرز السؤال الصعب، دفاعا عمن يقاتلون؟ وكتب الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش القريب من فتح وصديق الرئيس الراحل ياسر عرفات، قائلا «سألني: هل يدافع حارس جائع عن دارٍ سافر صاحبها، لقضاء إجازته الصيفية في الريفيرا الفرنسية أو الايطالية؟ قلتُ: لا يدافع!»، وفي فتح لا زالوا يتهامسون اذا ما كانت تستحق «السلطة» ان نموت من اجلها، ثم يتساءلون عما اذا كانت السلطة سوف تقدر هذا الموت، وكذلك ما اذا كانت ستضمن العيش الكريم لأسرهم بعد الموت، وهم يتهمونها اصلا، انها لا تضمنه في الحياة.

فالجنود المقاتلون تلقوا فقط بضع رواتبهم المتراكمة منذ عام، واعتبرتهم حماس مقاتلين لفتح ومحسوبين عليها، وكان رجال حماس يقولون، «لمن نجلب الاموال، وندفع الرواتب؟ لابناء فتح»!!، اما فتح فقد اعتبرت جنودها مسؤولين من حكومة حماس اولا واخيراً.

وقالت مصادر فتحاوية في غزة، لـ«الشرق الاوسط»: لقد كانوا جوعى، وليسوا مستعدين للموت من اجل قيادة تركتهم يجوعون، فلم يقاتلوا ابدا». وقالت «لقد اتصلت بعض قيادات المواقع العسكرية بحركة حماس من اجل تسليمها المواقع دون قتال، رفضوا الموت في معركة خاسرة». وقالت مصادر اخرى لـ«الشرق الاوسط» ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس «كان يتصل شخصيا بقيادات المواقع العسكرية ليحثهم على الصمود، دون جدوى». انتصرت حماس وصلى رجالها في المواقع التي «حررت» ومضت تبني سلطتها غير آبهة بقرارات السلطة في رام الله، موحدة ومزهوة، وربما كانت تعتقد ان القصة لن تطول، او ان النصر مختلف عن الهزيمة، ليس له ثمن. لم تظهر الخلافات في غزة سريعا، لكنها ظهرت في رام الله على الفور.

كان فتحاويو رام الله منزعجين من فتحاويي غزة «الهاربين من حماس»، وبعضهم قال لـ«الشرق الاوسط» ان ابو مازن لم يرغب في رؤية اي منهم، لقد حاول ان يبعدهم جميعا الى مصر. لم يكن ينقص فتح تيارات اخرى، حتى يظهر تيارَا غزة ورام الله. وتناقلت الصالونات السياسية الفتحاوية، ان قيادات معروفة في فتح برام الله كانت سعيدة بما جرى في غزة، ليس حباً في حماس، بل نكاية في محمد دحلان، القيادي الذي كان يوصف بانه رجل فتح القوي في القطاع.

غاب دحلان عن المشهد السياسي، وصارت حماس تباهي بأنها أسقطته، وطلبت من فتح ان تفرح بذلك، ولا زال بعض الفتحاويين في رام الله اليوم يبشرون بأن دحلان عائد، وسيقود فتح، وربما يكون الرئيس القادم، وقال مقربون من دحلان لـ«الشرق الاوسط»: انه يعرف ان فتح طعنته من الخلف. ويناقش ابناء فتح احتمال ان يكون مروان البرغوثي القيادي الاسير في السجون الاسرائيلية، خيار فتح القادم، ثم يتساءلون ما اذا كان احد في فتح قادراً اصلاً على انقاذها.

وفي مقاهي رام الله الفاخرة، يجلس فتحاويون متقاعدون ومناضلون سابقون، وبعضهم كان قد تقلد مناصب مهمة، غاضبين من كل شيء، من حماس وفتح والسلطة.. ومن الاسماء والرموز والتاريخ والحاضر، يقولون ان الشعب الفلسطيني يعيش بين عصابتين، واحدة اختطفت فتح، وأخرى سيطرت على غزة.

لكن ليس هذا رأي كل الفلسطينيين، ولا كل الفتحاويين، وبالطبع ليس رأي الحمساويين، فهناك من لا زال في فتح يؤمن بانها ستنهض اقوى من ذي قبل، وستقود المشروع الوطني، وستستعيد غزة، لكنهم لا يعرفون متى وكيف، وعلى يد من، عباس او دحلان او البرغوثي او القدومي، او رجل آخر، قد يطل فجأة في اي وقت.

ويعتقد كثيرون التقتهم «الشرق الاوسط» ان فتح بدون قيادة، وليست تنظيما اليوم.

يقول العميد يوسف الشرقاوي من فتح «لا احد يقود فتح، انها بدون رأس، جسم يمشي وحده». ويستطرد «ربما جسم يسير بعدة رؤوس» ثم يقول كمن يتذكر شيئا: «روحت فتح». ويعتقد الشرقاوي كغيره ان فتح بوفاة ياسر عرفات توفيت، ويقول آخرون «ان فتح اليوم هي السلطة الفلسطينية، لكنها ايضا، لا تتحكم في السلطة». وتلك قصة اخرى، فلا رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ولا الوزراء الذين اختارهم، يمثلون فتح، بل يعتقد مراقبون ان فياض ذاهب نحو مواجهة مع فتح، التي يشكو بعض قياداتها، مما يعتبرونه انقلابا ثانيا في رام الله.

وقال احد الفتحاويين، «فياض اليوم مطلب وطني، بعد قليل لن يكون كذلك»، وكانت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية قد قالت قبل اسبوعين ان خلافا كبيرا نشب بين فياض وفتح، لعدم اشراكهم في الحكومة التي شكلها. وقالت الصحيفة إن عددا كبيرا من كبار قادة فتح يحضرون إلى مكتب فياض بشكل مستمر لمحاولة تغيير تركيبة الحكومة. ويتهامس البعض في رام الله (عاصمة فتح) ان تغييرا وزاريا قادم. ونقلت «هآرتس» عن مسؤولي فتح قولهم «ليس من المعقول في الوقت الذي يكون فيه الصراع مع حماس شديدا، ألا تمتلك فتح حقيبة وزارية مهمة». في اشارة الى ان جميع الحقائب المهمة في يد مسؤولين من خارج الحركة.

وذكرت الصحيفة أن خلافا بدأ يظهر أيضا بين محمود عباس وفياض، خاصة بعد مقاطعته للقاء أولمرت، حيث ظهر بدلا منه رئيس ديوان حكومة فياض، د. سعدي الكرنز. وقالت الصحيفة ان «الانفجار» قادم بين فياض وقادة حركة فتح، بسبب دوافع سياسية وتصميم فياض على تشكيل حكومة مستقلة عن فتح، «غير حزبية»، الأمر الذي سينظر إليه عدد من قادة فتح بأنه ضربة لهم، علاوة على ان عباس منح فياض صلاحياته التي منعها عن حماس. وأوضحت الصحيفة أن المحيطين بفياض الذين تم تعيين عدد كبير منهم في مناصب وزارية، يجهزون لانتخابات مقبلة ولتأسيس حزب جديد ينافس فتح.

ويناقش العديد من السياسيين الفلسطينيين، بينهم رجل الاعمال منيب المصري، ونائب رئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، تشكيل احزاب جديدة بديلة لفتح وحماس، وبمباركة الرئيس عباس نفسه، ويستشهدون بتجربة حزب «كاديما» الاسرائيلي، الذي استطاع «اختطاف السلطة من حزبي العمل والليكود التاريخيين» في اسرائيل.

وتعتبر الخلافات مع فياض احدى الجبهات غير المعلنة التي تقاتل عليها فتح، لكنها بدأت تشتد مع الاعلان عن نية فياض تقليص عدد العسكريين الى النصف، مما يعتبره كثيرون في فتح تنكرا لمناضليها وحقهم، وضربة اخرى للحركة، وتحديدا للحرس القديم فيها. وقد اقر ابو علي شاهين، احد مسؤولي فتح الكبار، وعضو المجلس الثوري للحركة، ببعض الاستياء داخل حركته من فياض، وإن قال انه يتمتع بالمصداقية.

وعلى جبهات اخرى، تعلو بعض الاصوات التاريخية في فتح التي تبدو كانها اقرب لحماس مما تتبناه حركتهم، وليس سرا ان قيادة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية على خلاف حاد مع القيادي التاريخي في فتح، فاروق القدومي، الذي هاجم ابو مازن بشكل واضح في بعض تصريحاته، مؤكدا وجود «فتحين»، فتح المقاومة وفتح السلطة. وكان هاني الحسن، القيادي التاريخي الآخر في الحركة، قد قال بعد معركة غزة «إن الحسم العسكري الذي نفذته حماس في غزة افشل خطة الجنرال الاميركي دايتون»، فردت فتح الجريحة على الحسن بقوة. وأقاله الرئيس من منصب المستشار. وشكل لجنة تحقيق لمساءلته، لكنه لم يخضع لها.

ولم يستطع بعض العسكريين في السلطة الفلسطينية ان يقتدوا بالحسن، وخضعوا للجنة تحقيق ثانية شكلتها الرئاسة الفلسطينية، واوصت لاحقا بمحاكمة 150 عسكريا مسؤولا قصروا في الدفاع عن مقرات السلطة.

وبدأت المحكمة العسكرية في اريحا بمحاكمة 8 من العسكريين، واتهم الفتحاويون القادمون من غزة، رئاسة السلطة بذبح المؤسسة العسكرية. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية سابقا توفيق ابو خوصه لـ«الشرق الاوسط»: «انهم يحاكمون الضباط الذين دافعوا عن السلطة، ولم يحاسبوا السياسيين المسؤولين عن الهزيمة». ويقول ابو خوصه ان قياديين كبارا في فتح رفضوا الامتثال لاوامر الرئيس بالذهاب الى غزة قبل ايام من الانقلاب، ولم يسألهم احد ولم يحاكمهم. ويتساءل «أين هي المؤسسة السياسية؟ وماذا عن الذين تخاذلوا أو تآمروا أو تواطأوا قبل وأثناء «الانقلاب» وبعده.

ووسط كل هذه الخلافات والاختلافات والاتهامات، وجه مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، بسام ابو الشريف، رسالة صعبة للرئيس الفلسطيني، زادت الطين بلة، اتهمه فيها بالدكتاتورية، وبانه اهمل مناضلي فتح القدامى، ورفض معالجة بعضهم في المستشفيات، داعيا ابو مازن الى الاقتداء بسيرة الراحل عرفات «الذي كان يلتقي الناس، ويساعدهم، ويطمئن على شعبه، ومناضليه». وقال مستشار عباس الاعلامي نبيل عمرو لـ«الشرق الاوسط»، ردا على ابو الشريف «هذه الرسالة لا تعنينا بشيء».

ويشكو ابناء فتح في كثير من الاحيان من الاهمال. وعندما استقالت الهيئة القيادية التي شكلها الرئيس عباس لتقود فتح في القطاع بعد سيطرة حماس، قال أحد اعضائها احمد نصر لـ«الشرق الاوسط» آنذاك «ان الاستقالة جاءت على خلفية اهمال رام الله لواقع آلاف الاسر الفتحاوية التي تعيش بدون رواتب». ورغم نفي امين سرها ابراهيم ابو النجا للاستقالة فان اعضاء في اللجنة قالوا لـ«الشرق الاوسط» ان اللجنة قدمت استقالتها للرئيس عباس مرتين، والمرة الثانية جاءت بعد لقاء جمع رئيس اللجنة زكريا الآغا بابو مازن، شكا له فيه عن الحال الصعبة، والضغوط التي تتعرض لها اللجنة من آلاف الفتحاويين». وقالت جميلة صيدم عضو اللجنة القيادية المستقيلة «هم لا تنقصهم الاموال في رام الله، لكن الفتحاويين يجوعون في غزة». وقال احمد نصر «ان فتح لم تتعلم من درس غزة»، وبدا غاضبا. واضاف «ان مصر التي فيها 70 مليوناً تعلمت من درس غزة، ولم تتعلم رام الله».

وهي تهمة جاهزة، يطلقها كثير من الفتحاويين لاسباب مختلفة، قد تبدو شخصية احيانا، اذ يشكون من عدم الاهتمام بشؤونهم. وكان لافتا او مفاجئا ان قيادات فتح في غزة ايضا لا زالت مختلفة. وكشفت مصادر فتحاوية لـ«الشرق الاوسط» ان استقالة الهيئة القيادية في غزة كان لها اسباب اخرى، من بينها ان سلطة رام الله فتحت خطوطا مع قيادات فتحاوية في القطاع، لا تعترف بالهيئة القيادية. وعند السؤال عن مبررات الخلاف رغم ما حل بفتح في القطاع، جاء الجواب مجددا «بأن فتح لم تتعلم الدرس».

ويقول دكتور العلوم السياسية، عبد الستار قاسم، ان فتح لم تتعلم، لانها ليست تنظيما كما يعتقد البعض، واضاف «اذا وجدت الاموال، ففتح تتجمع واذا غابت تتفرق». وحسب قاسم، فان الناس ينظرون الى فتح بعد هزيمتها في القطاع على انها «نمر من ورق»، ويزيد بقوله «ان بعض قيادات فتح قالت له لولا طبيعة الضفة المختلفة لطردتنا حماس من البلاد».

ويخلط ابناء فتح الجد بالهزل عند الحديث عن واقع الضفة الغربية، ويقولون ان حماس «الدموية» تستطيع احتلال الضفة كذلك، لكن مصادر امنية فلسطينية قالت لـ«الشرق الاوسط» ان حماس لا تستطيع، ولن تجرؤ، وليست لديها القدرة، وسيكون ردنا جذريا وصعبا». وتحتل فكرة سيطرة حماس على الضفة مساحة واسعة من التفكير، والحديث والتندر احيانا، وحتى من خلال الرسائل الخليوية التي يتناقلها الفلسطينيون، ورد وزير الداخلية شخصيا على تهديدات من قيادات في حماس، بالصلاة في مقر المقاطعة برام الله قائلا «ان تجربة غزة لن تتكرر، ولدينا القوة الكافية». وتؤكد مصادر أمنية مطلعة لـ«الشرق الاوسط» ان قرار توجيه ضربة قاصمة لفتح في الضفة الغربية بات وشيكا، اذ تنتظر الاجهزة فقط الخطوة الاولى من حماس، وبأي اتجاه، كي ترد على نطاق واسع.

وتتهم فتح حماس باجراء اتصالات مع الاسرائيليين، وفتح خطوط، والاهم، بوقف المقاومة التي كانت حماس ترفض وقفها قبل ان تكون في سدة الحكم. وينعت الفتحاويون مقاومة حماس بالكاذبة، وأنها كانت تخدم مشروعا سياسيا فقط، وليس عقيديا كما تقول الحركة. وينتاب الفتحاويين قلق جدي من اتفاق حمساوي ـ اسرائيلي، يفضي الى ان تمسك حماس بالسلطة كلها في الضفة وغزة. وتسوق فتح امثلة كثيرة على وقف اطلاق صواريخ القسام في القطاع، ومنع الآخرين من اطلاقها احيانا، وهي اتهامات اكدتها لـ«الشرق الاوسط» مصادر في الجهاد الاسلامي. وقالت المصادر ان حماس منعت مقاتلي سرايا القدس من اطلاق الصواريخ تجاه سديروت اكثر من مرة. وتعتقد فتح ان ذلك في سياق التنسيق مع الاحتلال. وقالت مصادر رفيعة في فتح ان «حماس تجري الاتصالات مع الاسرائيليين عن طريق دولة عربية صديقة لاسرائيل». وتتساءل المصادر عن سر امتناع الاسرائيليين عن توجيه ضربة الى غزة. وتعتقد المصادر ان ذلك بهدف تقوية حماس. ويقر ابناء فتح باهمال الحركة لمجموعة قضايا ساعدت حماس، اهمها «الدين»، وكانت حماس منذ نشأتها قد سيطرت على منابر المساجد، واسست جمعيات خيرية للفقراء، واغدقت الاموال على ابنائها، واهتمت اهتماما كبيرا بعائلات رجالها الذين قضوا اثناء الانتفاضة، او اعتقلوا. وتقول نجاة ابو بكر، عضو المجلس التشريعي عن فتح لـ«الشرق الاوسط»، ان فتح انتبهت متأخرة، للأسف، لدور الدين في السياسة، واتهمت نجاة حماس بتوظيف الدين، وفق مصالحها الخاصة. وقالت انهم يكذبون حتى من على منابر المساجد.

وفي غزة التي تسيطر عليها حماس، لن تجد من يتحدث بوضوح وصراحة كما ستجد في رام الله. يقول المراقبون والصحافيون هناك، انه نظام بوليسي، لا يمكن الحصول على المعلومات من داخل تنظيمهم، انهم متكتمون ومهتمون بمظهر حماس الموحدة. ويقول بعض منظري فتح انهم (اي حماس) شيوعية هذا العصر (في اشارة الى تماسك التنظيم) لكن اصواتا مخالفة في حماس «الحديدية» بدأت تظهر للعلن، وتغمز تجاه سياسة الحركة، وظهر جليا الخلاف في وجهات النظر حول «الانقلاب» الذي نفذته حماس، باستقالة غازي حمد الناطق السابق باسم الحكومة من منصبه. ورغم نفي حماس، الا ان مصادر موثوقة في الحركة كانت قد قالت لـ«الشرق الاوسط» ان حمد استقال احتجاجا على سياسة الحركة.

وظهر الخلاف أخيرا بشكل عميق بعد احتجاب حمد عن وسائل الاعلام، والتزامه البيت. ورغم نفي حماس وجود خلافات مع حمد، أو انه جمِّد بقرار من الحركة بعد تصريحاته الاخيرة حول موافقة حماس على التفاوض مع الاسرائيليين، إلا ان فوزي برهوم الناطق باسم حماس قال لـ«الشرق الاوسط» ما زال محل احترام، لكنه الآن في بيته»، وعلم ان الاعتكاف جاء احتجاجا على الطريقة التي تعاملت بها حماس مع حمد حيث اظهرته في بيان رسمي لها، بانه غير ذي صلة ولا يعبر عن مواقف الحركة، انما عن موقفه الشخصي. ومثل حمد، فان مستشار هنية السياسي احمد يوسف قد غاب عن المشهد. وكانت بعض مواقع حماس ومنتدياتها قد انتقدت يوسف بشدة على مواقفه المعلنة، التي وُصِفتْ بـ«الفتحاوية». ورغم تأكيد حماس المتكرر على عدم وجود تيارات فيها، فان تعاطي قياداتها مع تداعيات السيطرة على غزة، تكشف عن وجهتي نظر مختلفتين تماما، واحدة تحث على التراجع، وبدء حوار فوري مع فتح، والثانية تلوح بنقل التجربة الى غزة. وكان وزير الخارجية السابق محمود الزهار احد ابرز قيادي حماس، قد أقر بوجود خلافات في وجهات النظر مع رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية، لكنه نفى ان تكون الخلافات قد تطورت الى اشتباكات مسلحة، كما قيل. وعُلِمَ ان الاختلافات تتركز حول عودة الحوار مع فتح، اذ يرفض الزهار اسلوب هنية المتكرر في طرح استعداد حماس للحوار، على اعتبار انه يظهر «استجداءً» للحركة. وظهرت في الايام الاخيرة، بوادر انقسام في الموقف أكثر حدة بين قيادتي حماس في غزة والضفة، وبينما هددت «حماس غزة» بالصلاة في مقاطعة رام الله، فان «حماس الضفة» قالت انها ستصلي في المقاطعة، ولكن خلف الرئيس محمود عباس.

وكان القيادي في حماس نزار ريان، قال من غزة ان حركته ستصلي في مقاطعة رام الله في الخريف بـ«التزامن مع تهديدات مشابهة اطلقها قياديون في الحركة بينهم محمود الزهار ومشير المصري، لكن القيادي الحمساوي المعروف في الضفة الغربية حسين ابو كويك، عبر عن رفض حماس في الضفة للتصريحات التي كان قد أدلى بها ريان من غزة». ووصف أبو كويك هذه التصريحات بأنها متسرِّعة ولا تعبر ولا تنسجم مع مواقف الحركة.

ويعتبر قاسم ان حماس بخلاف فتح، تنظيم هَرَمِيٌّ، ومتعصبة، ولا تقبل الرأي الآخر، ولا تسمع. وبينما تتواصل حرب الفصائل الفلسطينية، وتتعمق خلافاتها، حتى الداخلية منها، يعيش الفلسطينيون محاصرين بين 3 سلطات ثلاث؛ إسرائيلية، فتحاوية، وحمساوية، مع فقر أكبر، وبطالة أكثر، ومزيد من الفوضى، وخيبات أمل.