حكم النساء

كريستينا فرنانديز.. ثاني امرأة تتولى الرئاسة في أميركا الجنوبية.. وتوقعات بتزايد العدد في قارة يسيطر عليها الرجالُ

كريستينا فيرنانديز مع زوجها بعد فوزها في انتخابات الرئاسة بالارجنتين في 28 اكتوبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

سجلت كريستينا فرنانديز دي كريشنر شهرة عالمية بعدما حققت نصرا ساحقا في الانتخابات لكي تصبح اول رئيسة منتخبة للارجنتين، ثاني اكبر دولة في اميركا اللاتينية.

واصبحت كريستينا فرنانديز، ثاني امرأة منتخبة تترأس دولة في اميركا اللاتينية في العامين الماضيين بعد رئيسة تشيلي ميشيل باتشليت عام 2006. وليس من المثير للدهشة ان تصف باتشليت، وهي صديقة شخصية لكريستينا فرنانديز، النصرَ بأنها مكسبٌ لكل النساء في دول اميركا اللاتينية. وتضم دول اميركا اللاتينية 24 دولة يتحدث سكانها الاسبانية والبرتغالية. وبالرغم من ان اميركا اللاتينية ليست كما كانت عليه قبل 30 سنة، فإن بقايا نظام ابوي لا يزال يسيطر على حياة الناس.

فانتصار امرأة اصبح امرا تاريخيا هناك، فحياة اميركا اللاتينية في القرن العشرين تتميز بغياب صوت النساء. فالقوانين من صنع سياسيين وهو ما يسمح بسيطرة الرجال. على الرغم من ان النساء يشكلن 50 في المائة من سكان اميركا اللاتينية. وفي منطقة يسيطر فيها الرجال على كل جوانب الحياة العامة، يرى بعض المراقبين ان توسع دور النساء لا يقل عن ثورة في دور الجندر ونقلة اجتماعية مهمة.

وقد كان هناك ثلاث نساء انتخبن من قبل في اميركا اللاتينية ـ فيولتيا تشامورو في نيكاراغوا وجانيت روزنبرغ في غويانا وميريا موسوكوسو في بنما. ويأتي دور نجاح كريستينا في وقت تسعى فيه النساء لدور اكبر في الحياة السياسية في اميركا اللاتينية. وربما ينضم الى باتشليت وفرنانديز عدد اخر من نساء اميركا اللاتينية. ففي باراغواي توجد لدى وزيرة التعليم السابقة بلانكا اوفار فرصة كبيرة في الحصول على ترشيح حزب كولورادو في انتخابات الرئاسة في شهر ابريل (نيسان) المقبل، بينما تقف ديلما روسويف رئيسة مكتب الرئيس لولا دا سيلفا في وضع جيدا لانتخابات الرئاسة القادمة عام 2010.

لقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة مشاركة النساء في المناصب القيادية سواء كان ذلك في المجال السياسي او الحصول على مناصب كبرى في مجال التعليم او الاعمال. فسارا بيترز غوارديا مديرة مركز دراسات النساء في اميركا اللاتينية في ليما عاصمة بيرو تعتقد ان نجاح السياسات في المنطقة يعكس رغبة واسعة النطاق على التغيير. واوضحت سارا بيترز أنه «ضاق العديد من الناس بالطريقة التي يدار بها العمل السياسي. ففي منطقة شوهدت حكومات عسكرية تنتهك حقوق الانسان، فإن انتخاب نساء لرئاسة القوات المسلحة يمثل محاولة لعلاج الجراح وتحقيق المصالحة.

ويصف خبراء علم الاجتماع انتخاب باتشليت العام الماضي في تشيلي، وهي واحدة من اكثر الدول المحافظة في اميركا اللاتينية بأنه تغيير اجتماعي نموذجي. وهي ام غير متزوجة، واول رئيسة اركان في نصف الكرة الجنوبي ـ وأول امرأة تصل الى هذا المنصب بكفاءتها.

ويوجد عدد كبير من النساء يخدمن في الاجهزة التشريعية. فربع اعضاء المجالس المحلية في اميركا اللاتينية من النساء، وهو ضعف النسبة قبل عام عقد. كما تشكل النساء ربع الوزراء في المنطقة واكثر من خمس اعضاء المجالس النيابية في كوستاريكا والارجنتين وبيرو وغويانا وسورينام واكوادور وهندوراس والمكسيك، وهو ضعف المعدل بالمنطقة في التسعينات. وفي الوقت نفسه اقرت 14 دولة في اميركا اللاتينية قوانين لضمان ألا يقل عدد المرشحات في الانتخابات عن 40 في المائة من النساء. كما تم تطبيق اجراءات مماثلة في مناصب النقابات بل وفي المناصب التنفيذية. وفي الأرجنتين التي كانت اول من خصصت نسبة معينة للنساء، يصل عدد النساء في المجلس النيابي إلى 35 في المائة بينما يصل عددهن في مجلس الشيوخ الى 43 في المائة. وعبر القارة، فإن ربع المناصب في الحكومات المحلية مخصص للنساء. بالمقارنة يصل عدد النساء في الكونغرس الاميركي الى 16 في المائة فقط.

وفي منطقة معتادة على مفهوم الرجال القوي اكثر من المرأة القوية، فإن هذه الارقام تعكس النقلة الحقيقية في سياسات الجندر. فقبل ثمانين سنة، لم يكن لدى النساء في أي دولة في اميركا اللاتينية حق التصويت. غير ان الرجال ليسوا سعداء بسلطة النساء، فالتقارير الصحافية من بوليفيا تقول ان الرجال لا يقبلون سيطرة المرأة عليهم، ونتيجة لذلك يشن السياسيون حملات ضد المسؤولات المنتخبات. وطبقا لمنتدى الاقتصاد العالمي، الذي يحدد المساواة في الجندر في 116 دولة اعتمادا على المشاركة في التعليم والصحة والاقتصاد والسياسة، تأتي النساء اللاتينيات خلف الرجال في عدد من الدول في اماكن اخرى من العالم. فكولومبيا تعتبر الاعلى 22 من بين 115 دولة، وغواتيمالا الأسوأ حيث تحتل المرتبة 95. بينما تحتل الارجنتين المرتبة 42 وباراغواي 65 والبرازيل 68 وتشيلي 79.

إلا ان نساء اميركا اللاتينية اكثر تعليما من الرجال. وان نسبة البطالة بينهن اعلى من الرجال، وهناك تفرقة في المرتبات وقيود على ساعات العمل. والعنف ضد النساء هو واحد من اكثر مشاكل السلامة العامة في المنطقة. وهو القاعدة وليس الاستثناء في اميركا اللاتينية والبحر الكاريبي. وذكرت وكالات التنمية ان ما يتراوح بين 25 في المائة و50 في المائة من النساء في المنطقة تعرضن لإساءة المعاملة من الرجال.

وكشفت دراسة في المكسيك عام 2003 ان نصف النساء المكسيكيات فوق سنة الخامسة عشرة عانين من بعض اشكال العنف الجسدي او العاطفي في 12 شهرا. بينما وجد استطلاع في تشيلي ان نصف النساء كنا ضحايا لاساءات مماثلة. وشعر العديد من التشيليين بالقلق هذا العام من موجة قتل النساء على يد شركاء حياتهن. ووقعت في البرازيل وحدها 160 الف حالة عنف ضد النساء في 2005، حيث يمثل العنف المنزلي معظم الهجمات. إلا ان 2 في المائة فقط من حالات العنف المنزلي في البرازيل تنتهي بالسجن. واشارت لجنة لحقوق الانسان في اميركا اللاتينية IACHR فيما يتعلق بحقوق النساء ان العنف ضد النساء زاد وشرع في معاملته كنوع من قضية الامن العام.

وقالت لجنة حقوق الانسان «IACHR» إن الضحايا الذين يحاولون الإعلان عن أفعال عنيفة يواجهون غالبا تمييزا وسوء معاملة على أيدي المسؤولين، مع تزايد عدد النساء الصاعدات إلى قمة السلطة والحكومات تأخذ مواقف أكثر حزما. وأصدرت بلدان مثل تشيلي والأرجنتين قوانين تتعامل مع العنف المنزلي باعتباره إساءة وتشكيل محاكم خاصة ودوائر خدمات داعمة للنساء المعرضات للعنف.

وتسعى النساء للحاق بالرجال، فحسب احصائيات الامم المتحدة، فإن هناك نساء أكثر فأكثر في البلدان الأعضاء يكملن تعليمهن ويحصلن على دخل خاص بهن ويقللن من اعتمادهن على الأزواج العاملين. إنهن أيضا بأطفال أقل عددا. وتظهر احصاءات الأمم المتحدة أن معدل الاجر بالنسبة لأميركا اللاتينية ارتفع من 70% من معدل أجر الرجال عام 1990 إلى 90% من معدل أجر الرجال في السنة. ومن المتوقع تحقق المساواة ما بينهما قبل انتهاء عام 2015.

وتقول التقارير إن هناك نساء أكثر فأكثر في أميركا اللاتينية يطالبن بالتساوي في الحقوق الأولية ويعارضن العنف المنزلي ويحاربن أيضا التمييز ضد النساء. والكثير منهن امهات وحيدات منفصلات أو مطلقات من أزواجهن وأولئك اللواتي ما زلن متزوجات يعشن لوحدهن بينما أزواجهن يعملون على بعد مئات الأميال في شمال تشيلي.

وكتبت ميامي مستشهدة بماريا خوزيه لوبرتينو: «نحن تجاوزنا ذلك الجيل الذي كان بقاء المرأة في البيت أمراً مسلماً به. الكيانات العائلية الآن مختلفة والنساء يوسعن من نفوذهن». وفي تشيلي، كان هناك ما يقرب من 32% من العوائل تتزعمها نساء عام 2002 وفي أغلب الأحوال هن نساء وحيدات حسب الاحصاءات الحكومية ونسبة النساء العاملات في تزايد حيث ارتفع من 32% إلى 42%. أما في البرازيل فنسبة العوائل التي تتزعمها نساء هي 29% وفي الارجنتين بلغت نسبة الأمهات الوحيدات 18% عام 2001 حسب آخر إحصاء عام في البلد.

وبالنسبة لكارين بونياشيك، أول وزيرة للتعدين في تشيلي، فإن بقاء المرأة وحيدة خيار طبيعي للنساء العاملات. وترأس بونياشيك، 42 سنة، أكثر الوزارات التشيلية أهمية حيث أنها تشرف على مناجم تغطي 40% من ضرائب الدخل للبلد و65% من صادراته. كذلك هي ترأس مجالس النحاس الوطنية وشركات التعدين والطاقة.

وحسب إحصاء نظمه مركز إدارة كلية سيمونز الخاص بالجندر داخل المنظمات، فإن الشراكة ما بين ارنست ويونغ أظهر أن عالم البزنس يحتوي على 35% من المديرات في الشركات الخاصة، وهذا يشكل زيادة درامية مقارنة بعقد سابق فقط. وتبين استطلاعات الرأي أن النساء في مجال البزنس داخل كولومبيا في موقع حسن، وفي البرازيل والأرجنتين تحتل النساء موقعا معتدلا، وفي مجال البزنس في المكسيك، تحتل النساء 10% في مجال صناعة الأدوية والصحة. وهناك نساء في مواقع قيادية خلال السنوات الأخيرة في المحكمة العليا الارجنتينية. كما تتزعم النساء في أميركا اللاتينية حركات اجتماعية مهمة ويكسبن دخلا عاليا مقارنة بالماضي، وهن لأول مرة يفرضن على المجتمعات ذات السطوة الرجالية التعامل مع قضايا حساسة مثل العنف المنزلي والصحة التناسلية.

وكتبت الينا هيتون التي أصبحت أول قاضية ارجنتينية عام 2004 في المحكمة العليا: «أظن أن هناك تغييرا عاما»، وهي ترأس لجنة تعنى بمعالجة العنف المنزلي. يمكن القول إن أداء الحركة النسوية دورا في سياسات أميركا اللاتينية تأخر كثيرا، ويأتي انتصار فرنانديز خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن بينما تكسب النساء زخما سياسيا تظل أمامهن مهمة ما تحتاج إليه الجماهير، وهذا يتمثل في إنهاء التقاليد التي ترسخ هيمنة الرجال على المجتمع.