تاريخ متجدد

62 عاما مضت على إنشاء الأمم المتحدة وما زالت الأجندة نفسها حاضرة

TT

62 عاما مضت على إنشاء هيئة الأمم المتحدة، ورغم كل تلك السنوات إلا أن كثيرا من الاجندة المطروحة على طاولتها لم تتغير كثيرا خاصة فيما يخص الوطن العربي، أو دول العالم الثالث، وهو ما يعزيه البعض الى ان الهيئة الدولية ولدت «عاجزة» في ان تكون في صف الدول الصغيرة فيها. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية اتفق المنتصرون على ألمانيا النازية، على إنشاء هيئة دولية لتحل محل عصبة الأمم المتحدة الهشة من أجل حفظ السلام والأمن الدوليين ولتجنب كارثة وقوع حرب كونية ثالثة. وصاغوا بذلك ميثاقا جديدا، وضعوا نسخته الاصلية في مركز «الأرشيف القومي» للولايات المتحدة في واشنطن. وليس أبلغ دليل على «الاستهانة» ان النسخة الاصلية من الميثاق الذي صادقت عليه 51 دولة مؤسسة في مدينة سان فرانسيسكو يوم 24 أكتوبر (تشرين الثاني) عام 1945، لا يزال يرقد في «الأرشيف القومي للولايات المتحدة في واشنطن»، ولا تستطيع المنظمة الدولية الحصول عليه أو ضمه الى أرشيفها في نيويورك. وفي الحادي عشر من اكتوبر الماضي اطلع الأمين العام الحالي بان كي مون على نسخة مصورة من الميثاق الأصلي ووعده مسؤولو المركز بإرسال «نسخة» مصدقة من الميثاق لتكون جزءا من وثائق الأمم المتحدة في مركزها الأساسي بنيويورك.

وتبدو هذه الحكاية على طرافتها ذات مغزى، كما علق دبلوماسي رفيع المستوى من دول حركة عدم الانحياز قائلا «ان الدول العظمى ما زالت تتحكم بمصير الأمم المتحدة وبتأويل ميثاقها بما يناسب مصالحها». ومع السخرية المرة التي ميزت تصريح هذا الدبلوماسي الذي رفض ذكر اسمه يرى سفير الصين وانغ غوانغيا أن «اشياء كثيرة حدثت وثمة بنود جديدة ادخلت على ميثاق الأمم المتحدة لم تكن في حسبان مؤسسيها الأوائل». وبعد مضي اكثر من نصف قرن ما زالت الأمم المتحدة شاهدا على التغييرات الكبيرة التي حصلت في العالم خلال هذه الفترة. وشهدت الفترة الأولى من انشاء الأمم المتحدة بروز حركات التحرر الوطني، وإنشاء دولة إسرائيل، وظهور قرار التقسيم الشهير عام 1948، ومع الخمسينات من القرن الماضي ازداد عدد الدول المستقلة التي اخذت بالانضمام الى الأمم المتحدة، إما بتحريض من الولايات المتحدة أو من روسيا الاشتراكية أو بواعز من حركة عدم الانحياز. وربما كان أول امتحان واجهته الأمم المتحدة وميثاقها هو الحرب الكورية في خمسينات القرن الماضي وحرب قناة السويس.

ومع استمرار الحرب الباردة خلال اكثر من نصف قرن بقيت الأمم المتحدة مرآة لعكس ما يجري من صراع بين كتلة الاتحاد السوفياتي وكتلة الولايات المتحدة وما يدور من فلكهما من دول صغيرة أو كبيرة. ويصف دبلوماسي مخضرم دور الامم المتحدة وقتها بانه «كان مناسبا لفهم ما يجري في العالم ولكن الآلية لمواجهة ما يجري من أحداث كانت غير مناسبة ابدا».

ويضيف جيمس جونا وزير خارجية سيراليون السابق الذي كان يعمل وكيل الأمين العام في عهد بطرس غالي «كان القرار السياسي بسبب الحرب الباردة مصابا بالشلل المزمن في الأمم المتحدة» غير أنه يستدرك «أن الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة خصوصا البرنامج الانمائي ومنظمة الصحة وبرنامج الغذاء العالمي قد ساهمت بجدية وبحرص وأحيانا بعطاءات وافر من الدول الغربية وأميركا في مساعدة برامج التنمية لدول العلم النامي».

وكان يمكن أثناء فترة الحرب الباردة رصد القضايا السياسية الكبرى التي كانت وما زالت على اجندة الأمم المتحدة سواء في دورات الجمعية العامة أو في مجلس الأمن الدولي الذي يعتبر أهم جهاز سياسي للمنظمة الدولية نظرا لدور الدول العظمى فيه (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) وعلى رأس هذه القضايا النزاع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ومن ثم القضية الكورية ومن بعد مشكلة قبرص وكانت انذاك مشكلة افريقيا والنظام العنصري المتحكم في بريتوريا. ومن ثم انضمت اليها مشكلة الصحراء الغربية.

ولكن مع زيادة سكان العالم واشتعال الحروب واندلاع النزاعات والأزمات في أكثر مكان في العالم وجدت الأمم المتحدة نفسها أمام كم هائل من التحديات والأزمات ولم تعد هذه التحديات تتخذ الصبغة السياسية المباشرة وانما بدأت تواجه قضايا تخص الفقر والمجاعة والأمراض الفتاكة والتصحر والكوارث الطبيعية والبيئة وأسلحة الدمار الشامل. وإذا كان لا يدور في ذهن مؤسسي الأمم المتحدة الأوائل غير مبدأ الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بهدف تجنب وقوع حرب كونية ثالثة، فقد فات عليهم ما يواجهه العالم اليوم من ازمات ونزاعات هي ليست فقط مصدر قلق كما قال الأمين العام بان كي مون بل هي مصدر تهديد لأمن واستقرار العالم والكرة الأرضية. يقول بان كي مون بمناسبة يوم الأمم المتحدة «عندما ننظر اليوم الى العالم حولنا فهو مصدر قلق خطير بالنسبة لنا من تغيير المناخ الى الفقر المدقع الى الأزمات من دارفور وحتى الشرق الأوسط»، وهو على حق عندما يصف هذه التحديات بالمعقدة والعميقة.

وفي تاريخ الأمم المتحدة تأخذ القضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي حصة الأسد من القرارات التي صدرت خصوصا من الجمعية العامة في دوراتها المتعاقبة والاستثنائية. ومنذ السبعينات من القرن الماضي تصدر عن الجمعية كل سنة عدة قرارات تخص النزاع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، منها ما ينفذ وهو ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، وما لم ينفذ وهو ما يتعلق مباشرة بالصراع السياسي. وقد تعودت وفود الدول الأعضاء على تقارير الأمناء العامين التي تختتم تقاريرها بالجملة الشهيرة التي تقول «ان إسرائيل لم ترد على طلب الأمين العام» ودائما تتخذ القرارات من دون آلية لتنفيذها. ويفيد سفير بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور قائلا «ان القرارات تكتسب أهمية سياسية وتعكس مزاج الدول الأعضاء في المنظمة الدولية». ويرى دبوماسي عربي أخر «ان أهمية هذه القرارات كونها تشكل جزءا من القانون الدولي بالنسبة لنا وهي وثيقة قانونية للتمسك بها في المفاوضات». وقد يكون من المفارقة أن كل القرارات التي اتخذها مجلس الأمن فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي لا تخضع لبنود الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (فصل العقوبات وإجازة استخدام القوة العسكرية) وعلى رأس هذه القرارات القراران الشهيران 242 و338 رغم انها تطالب القوات الإسرائيلية بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد حروب خاضتها مع الدول العربية. بالعكس تماما من عشرات القرارات التي اتخذت بشأن العراق بعد غزوه للكويت عام 1990 ودول عربية اخرى حيث خضعت للفصل السابع.

ومع أزمة الخليج وانتهاء الحرب الباردة انفتحت شهية مجلس الامن باتخاذ عشرات القرارات من مثل هذا النوع، كانت الحصة الكبيرة منها تخص أزمات ومشاكل في، أو مع، الدول العربية، فكانت لليبيا حصة من هذه القرارات بسبب أزمة لوكربي، والسودان بسبب أزمة دارفور.. وأخيرا الملف اللبناني السوري الذي كان من حصته قراران يتصرفان بموجب الفصل السابع، الأول إلزام سورية على التعاون مع لجنة التحقيق الدولية المكلفة التحقيق عن جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والثاني القرار الخاص بتشكيل المحكمة ذات الصفة الدولية لمحاكمة مرتكبي جريمة اغتيال الحريري. وتسعى دول أوروبية وآسيوية وافريقية الى تغيير ميزان القوى في الأمم المتحدة من خلال تغيير آلية مجلس الأمن لإصلاحه وخلق توازن مع القوى الكبرى. وتدفع المانيا واليابان والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ومصر بهذا الاتجاه. وثمة اعتقاد يسود بين أغلبية الدول النامية أن اصلاح مجلس الأمن يشكل المفتاح لإصلاح الأمم المتحدة لتستجيب لمرحلة ما بعد الحرب الباردة وتحديات القرن الحادي والعشرين.