بيلاوال.. الأخير وليس الآخر

عائلة بوتو: تراجيديا إنسانية دفعت ثمن ارتباطها بالحياة السياسية الباكستانية بين السجن والنفي والقتل

TT

شاء قدر الشاب بيلاوال بوتو زرداري، أن يكون مركز أنظار العالم، ليس فقط لانه سيخلف والدته بي نظير بوتو التي اغتيلت بواسطة انتحاري الاسبوع الماضي، في زعامة حزب الشعب، وربما زعامة البلاد في القريب، ولكن ايضا بسبب التركة السياسية المثقلة التي تضعه في موقف ربما لا يحسده عليه احد. لم يشفع لبيلاوال عمره الصغير، 19 عاما، للابتعاد عن فوهة المدفع الباكستاني أو مركز الصدارة في الحزب السياسي الكبير. واعلن الأحد الماضي على مضض وفي مؤتمر صحافي بمنزل أسرة والدته بمدينة نارديرو أنه قبل خلافتها في رئاسة الحزب بعد أن تنازل له والده عن هذا المنصب الذي أوصت به بوتو لزوجها.

وحسب تقارير صحافية متعددة فان بي نظير كتبت وصيتها السياسية، قبل يومين من مغادرتها دولة الامارات العربية عائدة الى بلدها في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، التي أرادت من خلالها الاطمئنان على مستقبل حزبها فيما لو تعرضت لمكروه في بلادها. ورفض بيلاوال في البداية تنازل والده عن المنصب، محبذا التفرغ للدراسة في هذه المرحلة، إلا أن الأسرة استطاعت إقناعه بتسلم المنصب، على أن يكون والده نائبا له، كما قال أحد المقربين من الاسرة علي جفري لصحيفة «الغارديان» البريطانية، والذي أكد ايضا أن الأسرة قامت بإعداد بيلاوال جيدا لهذا الدور. ولإطفاء المزيد من الشرعية قام آصف زرداري بتغيير اسم بيلاوال زرداري الى بيلاوال بوتو زرداري، كي يتسنى له حمل اسم العائلة التي يتسلم إرثها السياسي. وبين مؤيد ومعارض، ومتعاطف ومستاء، لهذا الاختيار، يجد بيلاوال نفسه في تحد كبير وعليه ان يشق طريقه في هذا الدرب الذي لم يختره بمحض ارادته، بل وجد نفسه مرغما أمامه. وبيلاوال هو أكبر أولاد بي نظير بوتو ويعني اسمه باللغة السندية «إحدى الطبقات الموسيقية في النغمة الهندية القديمة وتقابلها في النغمة الغربية (ايونين)». ولد في 21 سبتمبر (ايلول) من عام 1988 وهو العام الذي أصبحت والدته أول رئيسة وزراء لباكستان في العالم الإسلامي. وعاش بيلاوال مع والدته، في منفاه الاختياري متنقلا بين دولة الإمارات العربية المتحدة ولندن حيث أكمل مرحلة دراسته الابتدائية والمتوسطة في مدرسة راشد للبنين بإمارة دبي. وقد برزت في الشبل الصغير مظاهر وخواص القيادة حيث ترأس مجلس الطلبة في المدرسة، بل عكس اهتمامه بلعبة التايكوندو خاصة القوة والإصرار على مواصلة الحياة.

ويدرس بيلاوال الآن القانون في جامعة اكسفورد حيث تخرج جده ودرست والدته بها، وعندما علم بحادثة اغتيال والدته عاد إلى باكستان، ولكنه لم يتوقع أن موت والدته في حادثة الاغتيال سيجبره على دخول المعترك السياسي، وهو في هذا السن، ففي 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي سلمه والده راية قيادة الحزب ليصبح اصغر سياسي من عائلة بوتو سيقود حزب الشعب الباكستاني، ولكن ماذا ينتظر بيلاوال من مستقبل سياسي؟ وهل سيكتب القدر له ما كتب لوالدته وجده وبقية أفراد عائلته؟ وفي إطار الاستعدادات الجارية لإعداد الزعيم السياسي المقبل لباكستان توجه زعيم الحزب الجديد بيلاوال، رفقة شقيقتيه، الى مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة حيث كان يعيش الاشقاء الثلاثة مع والدتهم الراحلة، ومن المقرر ان تواصل الشقيقتان دراستيهما في دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما يتوجه الزعيم الشاب الى العاصمة البريطانية لندن لاستئناف دراسته في إطار الخطوات الرامية الى إعداده وتأهيله ليتولى مهام قيادة الحزب وزعامة باكستان، كما كان جده ذو الفقار علي بوتو وأمه بي نظير بوتو. ولم يكن مفاجئا ان يطلق عليه والده اسم بيلاوال بوتو زرداري لإرضاء كافة التيارات السياسية في الحزب، فهو وإن كان في الواقع لا يحمل اسم بوتو، إلا ان إطلاق الاسم عليه من شأنه ان يغلق الطريق علي من يمكنه الطعن في تلك المسألة.

ويتميز بيلاوال بالخجل الشديد، فمن شدة خجله قام بتغيير اسمه في جامعة أكسفورد الى «لواليب»، وهو عكس لحروف اسمه الأول ليتقي بذلك شهرة لا يحبذها وسط أقرانه في الجامعة البريطانية الشهيرة، حيث يدرس. وانتقد محللون سياسيون باكستانيون الطريقة التي تم بها اختياره لخلافة والدته، واشار بعضهم إلى المفارقة التي مثلتها دعوته لقيادات حزب الشعب بإدارة شؤون الحزب بـ«طريقة ديمقراطية» وهو الذي جاء الى الرئاسة بالتعيين ولم ينتخبه أحد، بل ان والدته كانت رئيسة مدى الحياة، واعتبرتها صحف أخرى «تمثيلية غير لائقة».

وكتبت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في عددها ليوم الاثنين، ان «باكستان تستحق أفضل من هذه التمثيلية الإقطاعية البشعة» وتشير الى ان قرار بوتو التوصية لزوجها بزعامة الحزب، اتخذ بطريقة أوتوقراطية. وعندما نتحدث عن السياسة في باكستان لا بد أن يأخذنا الحديث عن عائلة بوتو المخضرمة التي اقترن اسمها وبقوة بالسياسة الباكستانية، فقد لعبت هذه العائلة منذ حقبة السبعينيات دورا حيويا في تحديد ملامح السياسة الباكستانية إلا انها دفعت ثمنا باهظا لانخراطها في العمل السياسي تمثل في تحويل العمل السياسي إلى مأساة إنسانية تنوعت ما بين حوادث اغتيال وقتل والسجن والاعتقالات والنفي.

إلا أن أدمى واقعة تعرضت لها هذه العائلة هي حادثة الاغتيال التي تعرضت لها السيدة بي نظير زعيمة حزب الشعب الباكستاني رئيسة الوزراء السابقة لتضيف صفحة جديدة من المآسي تسجل في صفحات كتاب هذه العائلة، ولتضيف حلقة جديدة للغز قد يعجز عنه او يتجاهل المحققون عن فك رموزه لأسباب ربما سياسية أو أهداف أخرى.

بي نظير بوتو قضت حياتها كزعيمة سياسية مخضرمة تعرف كيف تلعب بالبيضة والجحر في جو سياسي يحكمه قانون البقاء للأقوى وتمكنت بوتو من التعامل مع هذه المعادلة السياسية بشكل ناجح ولكن حياتها لم تخل من الاخفاقات حيث تعرضت للاعتقال وقضت سنوات في دهاليز السجون الباكستانية وغربة المنفى الاختياري لتنهي قصة حياتها المحتمومة بعد عودتها إلى باكستان في الثامن عشر من شهر أكتوبر الماضي بعملية اغتيال تحوم فوقها كثير من التساؤلات والجدل عمن يقف وراءها ومن المستفيد؟ وقبل الخوض في تفاصيل حياة بي نظير بوتو لا بد أن نعود إلى جذور هذه العائلة للوقوف على الشخصية التي بدأت النضال السياسي والذي كان أول الدماء التي أريقت ثمنا للدخول في السياسة الباكستانية، الا وهي شخصية ذو الفقار علي بوتو، مؤسس حزب الشعب. عاش بوتو في الفترة ما بين 1928 ـ 1979، وهو سياسي باكستاني تدرج في المناصب الرسمية وكان منها: رئيس البلاد (1971 ـ 1973) رئيس الوزراء (1973 ـ 1979). أسس حزب الشعب الباكستاني «PPP» وأُعدم عام 1979 بعد محاكمة مثيرة للجدل ادت الى اغتيال سياسي معارض.. في خطوة اعتبرها البعض بدفعٍ من القائد العسكري محمد ضياء الحق.

ولد ذو الفقار علي بوتو في إقليم السند الذي أصبح تابعا لباكستان بعد عام 1947، لعائلة إقطاعية، وكان الولد الوحيد للسيد شاه نواز بوتو أحد الشخصيات الباكستانية المعروفة. وتلقى بوتو تعليمه الأولي في المدرسة العليا لكاتدرائية بومباي (مومباي حاليا)، ثم سافر إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته العليا في مجال العلوم السياسية بجامعتي كاليفورنيا الجنوبية عام 1947 ثم جامعة أكسفورد في بريطانيا التي نال منها شهادة في الحقوق. وتزوج ذو الفقار مرتين، الأولى وهو في الثالثة عشرة من عمره من ابنة عمه آن هيريس ولم ينجب منها. والثانية من نصرت إصفهاني، الإيرانية، عام 1951 وأنجب منها أربعة من الأولاد أكبرهم بي نظير. تأثر بوتو بشخصية مؤسس دولة باكستان الحديثة، محمد علي جناح، وكان يؤمن بما أسماه الاشتراكية الإسلامية تارة، والاشتراكية الديمقراطية تارة أخرى. وارتدى لباسا يشبه الزي الذي كان يرتديه القادة الاشتراكيون في الصين. ويعتبر مؤسسات المجتمع المدني صمام أمان بالنسبة للمجتمع الحر. ويدعو إلى سيطرة الدولة على المؤسسات الإنتاجية الحيوية حتى لا تشعر الطبقات الفقيرة بوطأة متطلبات التنمية.

اشتغل بوتو فور انتهائه من دراساته بالخارج في مهنة المحاماة. ولمع اسمه على المستوى القومي للمرة الأولى عام 1954 بسبب مواقفه الرافضة للدعاوى الانفصالية التي بدأت بوادرها في الظهور بين باكستان الغربية والشرقية. ثم ازدادت شهرته بعد أن سافر ضمن الوفد الباكستاني لحضور جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1957 والتي ألقى فيها الخطاب الرسمي لبلاده وكان عن العلاقات الهندية ـ الباكستانية. ورأس وفد بلاده أيضا في أول مؤتمر دولي يعقد في جنيف بسويسرا تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1958 لمناقشة القانون الدولي للبحار.

وكان أول منصب سياسي رفيع يتولاه بوتو في حكومة الرئيس إسكندر علي ميرزا هو وزارة التجارة عام 1958. وفي الفترة من 1963 إلى 1966 شغل بوتو منصب وزير الخارجية، وكان من أهم إنجازاته خلال تلك الفترة زيادة فعالية السياسة الخارجية الباكستانية ضمن دول عدم الانحياز، وتوصله إلى اتفاقية للحدود مع الصين في 2 مارس 1963 إضافة إلى تطويره لعلاقات باكستان بكل من تركيا وإيران ودول العالم العربي.

ولعب ذو الفقار علي بوتو دورا مهما في المشكلة الكشميرية إبان عمله وزيرا للخارجية، وكان يمثل دائما الخط المتشدد داخل الحكومة في ما يتعلق بطرق حل هذه القضية. واستطاع في عام 1965 إقناع الرئيس أيوب خان بالهجوم على الأراضي الكشميرية الخاضعة للسيادة الهندية وهو ما أشعل الحرب الثانية بين الهند وباكستان. ولم يستطع الجيش الباكستاني تحقيق نصر حاسم على الهند، الأمر الذي دفع بالرئيس أيوب خان إلى توقيع اتفاقية سلام مع الهند في يناير 1966 عرفت باسم اتفاقية طشقند.

وترك ذو الفقار علي بوتو الحكومة عام 1966 بعد أن تفاقمت الخلافات بينه وبين الرئيس محمد أيوب خان بشأن اتفاقية طشقند. وأسس عام 1967 حزب الشعب الباكستاني واختير أمينا عاما له وحدد الأسس التي تقوم عليها المنطلقات الفكرية للحزب في النقاط التالية: المحافظة على العقيدة الإسلامية، اعتبار الديمقراطية أساسا لسياسات الحزب، قيام النظام الاقتصادي على المبادئ الاشتراكية، حصر السلطة بيد الشعب. وقد لقي هذا الحزب تأييدا واسعا لدى قطاعات عريضة من الباكستانيين وبالأخص في الأوساط الطلابية ولا سيما بعد أن راح بوتو يتهم الجيش بالتقصير في حرب 1965 ويطالب الحكومة بمزيد من الديمقراطية ويتهمها بسوء استعمال السلطة.

وكان من نتيجة هذه الانتقادات الحادة أن ألقي القبض عليه واعتقل لمدة ثلاثة أشهر خلال عام 1968. سببت انتقادات بوتو تنامي الغضب الشعبي تجاه حكومة أيوب خان ما أجبره في النهاية على الاستقالة عام 1969 ليتولى السلطة بعده أغا محمد يحيى خان. وهزمت باكستان في حرب 1971 أمام الهند، وكان من أهم نتائج هذه الهزيمة انفصال باكستان الشرقية تحت مسمى بنغلاديش، ولم يستطع الرئيس أغا محمد يحيى خان تحمل تبعات هذه الهزيمة فقدم استقالته ليتولى الحكم من بعده ذو الفقار علي بوتو الذي فاز حزبه بأغلبية الأصوات في باكستان الغربية أثناء الانتخابات البرلمانية التي كانت قد جرت في ديسمبر (كانون الأول) 1970. وخلال تولي بوتو الرئاسة كان من أهم إنجازاته: اتخاذ عدة إجراءات وقرارات مهمة لتحديث الصناعة الباكستانية عموما من ناحية، وفرض سيطرة الدولة على الصناعات الرئيسية من ناحية أخرى، قرار انسحاب بلاده من الكومنولث بعد اعتراف بريطانيا والدول الغربية بدولة بنغلاديش الجديدة، نجاحه في حصول باكستان على مفاعل ذري من فرنسا وهو ما أثار أزمة داخل المعسكر الغربي آنذاك، توصله عام 1972 إلى اتفاقية سياسية مع الهند عرفت باسم «اتفاقية شملا» مهدت الطريق أمام استعادة باكستان الأراضي التي سيطرت عليها الهند في حرب عام 1971، انتهاء مشكلة أسرى الحرب الذين ألقت الهند القبض عليهم في باكستان الشرقية عام 1971، تشجيع صناعة الحديد والصلب في باكستان، تأميم كل البنوك العاملة في باكستان، استضافة بلاده للقمة الثانية للدول الإسلامية التي بلغ عدد الحضور فيها آنذاك 38 دولة. وفي عام 1973 وبعد أن أقرت الجمعية الوطنية دستور البلاد أصبح ذو الفقار علي بوتو رئيسا للوزراء.

استمر حكم ذو الفقار علي بوتو في منصبه حتى عام 1976 حينما نجح انقلاب عسكري قاده الجنرال ضياء الحق في إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن بتهمة الابتعاد عن الممارسات الديمقراطية. ووضع ضباط الانقلاب ابنته بي نظير، التي تولت فيما بعد رئاسة الوزراء بعد أول انتخابات جرت بعد وفاة ضياء الحق بحادث غامض، تحت الإقامة الجبرية، ولم تفلح الوساطات الإسلامية والدولية في الإفراج عنه. وفي أبريل 1979 نفذ فيه حكم الإعدام ليودع الحياة السياسية الباكستانية عن عمر يناهز 51 عاما.

في عام 1953 شهد ولادة أول وأصغر رئيسة وزراء في العالم الإسلامي بمدينة كراتشي بإقليم السند جنوبي باكستان، وترعرعت بوتو في كنف والدها ذو الفقار على بوتو وشربت على ايديه صنعة السياسة، وتلقت التعليم الجامعي والدراسات العليا بين جامعتي هارفارد بالولايات المتحدة واكسفورد بالمملكة المتحدة، ولكن موت والدها شنقا على أيدي الجنرال الراحل ضياء الحق بعد عامين من انقلاب عسكري عام 1977، أرغمها على دخول معترك الحياة السياسية وهي لم تناهز الرابعة والعشرين من العمر. وفي أعقاب إعدام والدها بقيت بي نظير تحت الإقامة الجبرية إلى أن استطاعت الخروج من باكستان، ولم تعد إليها مرة أخرى إلا بعد ثلاثة أشهر من وفاة ضياء الحق في حادث طائرة عام 1988 لتتولى قيادة حزب الشعب الباكستاني. وبدأت أول تحرك سياسي لها دخلت به التاريخ من أوسع أبوابه حينما ارتأت الانتقام من عملية شنق والدها، بتبني سياسة جديدة من خلال شعار رفعته يقول ان «الديمقراطية خير وسيلة للانتقام». واقتدت بي نظير بالمثل القائل «هذا الشبل من ذاك الأسد» وفضلت انتهاج فكر وسياسة والدها إلا أن ذلك امتزج بأفكار غربية بسبب معيشتها وترعرعها في أروقة الجامعات الغربية بين الولايات المتحدة وبريطانيا، ولتخرج بأول تصريح علني لها يعكس الكيفية التي ستنتهجها في حياتها السياسية عندما ألفت كتابها عام 1989م عن حياتها الخاصة وأطلقت عليه «إبن القدر» بيد أن محللين سياسيين كانوا يصفونها هنا على أنها «ابنة الغرب» بسبب نهجها لنمط التفكير الأميركي والغربي في تسيير الأمور السياسية في باكستان حيث كانت تعارض وبصراحة شديدة أي فكر إسلامي متشدد، كالفكر الذي تتبعه جماعة طالبان وتنظيم «القاعدة». وتزوجت بي نظير عام 1987 من رجل الأعمال وعضو البرلمان آصف علي زرداري وأنجبت منه ثلاثة من الأبناء، هم بيلاوال الأكبر، وبختيار وآصفة.

نجحت بوتو في تحقيق نصر سياسي كاسح في عام 1988 لتكون أول رئيسة وزراء في العالم الإسلامي بل وأصغرهم سنا حيث كان عمرها آنذاك لا يتعدى 35 عاما، وواجهت حكومتها العديد من المشاكل أهمها المشكلات الاقتصادية التي لم تستطع التعامل معها بفاعلية، ما شجع عليها خصومها السياسيين الذين رفعوا عليها وعلى زوجها آصف زرداري العديد من قضايا الفساد وسوء استعمال السلطة. ودخلت البلاد فيما يشبه الفوضى السياسية وازداد معها احتقان الحياة السياسية، الأمر الذي دفع الرئيس الباكستاني غلام إسحق خان إلى إسقاط حكومتها في أغسطس (اب) 1990. وفي غضون ذلك حكم على زوجها الذي كان يشغل منصب وزير الاستثمارات الخارجية بالسجن ثلاث سنوات (1990 ـ 1993) على خلفية اتهامات سابقة بالفساد.

وبعد التجربة الأولى لها في السياسة الباكستانية لم تكل من تكرار المحاولة مرة أخرى واستطاعت بي نظير من تقلد منصب رئاسة الوزراء مرة أخرى في أكتوبر 1993 إلا أنها هذه المرة أيضا تمكنت من الحفاظ على حكومتها لمدة ثلاث سنوات حتى عام 1996. والمثير للاستغراب هو تجدد الاتهامات لزوجها آصف زرداري بالرشوة والفساد واختلاس المال العام حيث كان يتقاضى نسبا على كل الفواتير الاستهلاكية من الغاز والكهرباء حتى بات يلقب في المجتمع الباكستاني برجل النسبة (%). وآصف علي زرداري هو من مواليد 21 يوليو (تموز) عام 1956 وهو رجل أعمال إقطاعي له نفوذ واسع في إقليم السند الواقع بجنوبي باكستان، وينحدر من عائلة مسلمة شيعية من أصول بلوشية وسندية. وقد أصبح رئيساً لحزب الشعب حاليا مناصفة مع ولده الأكبر بيلاوال.

ولم تجد بي نظير مناصا من مواصلة السياسة في باكستان بعد خسارتها أمام غريمها السياسي نواز شريف لكنها في عام 1999 فضلت الهروب إلى منفى اختياري بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبريطانيا، وفي نفس العام شهدت الحياة السياسية في باكستان تغيرا كبيرا عندما قام الرئيس برويز مشرف بانقلابه الأبيض على حكومة شريف وتربع على الحكم في باكستان حتى الان.

وفي الثامن عشر من أكتوبر الماضي قررت بوتو العودة مرة أخرى إلى ارض الوطن ولكن هذه المرة عادت بصفقة سياسية طال الحديث عنها مع الرئيس مشرف الذي أصدر بموجب الصفقة عفوا رئاسيا لصالح بوتو وعائلتها من كافة قضايا الفساد لتعود، ولكن القدر المحتوم وضع حدا لطموحات بي نظير السياسية.

والمفارقة في قدر هذه العائلة السياسية المرموقة هي أن نهايتها دائما إما القتل أو النفي أو الاعدام، وهو القدر المحتوم الذي واجهه شقيقها الأكبر مرتضى بوتو ـ الذي كان يعول عليه الكثيرون بأن يكون رمزا بارزا في السياسة الباكستانية، بعد وفاة والده ذو الفقار، فبعد عودته من أفغانستان عقب حادثة شنق والده في عام 1993 لقي مصرعه في حادثة إطلاق نار في ظروف غامضة في عام 1996، وأخته بي نظير كانت تقود الحكومة الباكستانية آنذاك، كرئيسة للوزراء. وكان نداء الموت قد نادى أخاهما الآخر شهانواز مسبقا عندما وجد مقتولا على شاطئ الريفيرا بفرنسا وأيضا في ظروف غامضة وكأن الغموض والقتل والاستهداف كتب على قدر هذه العائلة.

وبالنظر إلى ما تقدم من أحداث دراماتيكية خُطت بها صفحات تاريخ عائلة بوتو من حقبة السبعينيات إلى الآن، يضع كثيرون ايديهم في قلوبهم من استمرار هذه الاحداث وتكرارها، ما يهدد حياة بيلاوال، الاخير في عائلة بوتو، الذي تقلد منصبا رفيعا، ولكن لن يكون الآخر.