كركوك.. عراق مصغر

موقعها الجغرافي وثرواتها جلبا اليها المآسي.. وأحالتها سياسات «التعريب والتهجير والتبعيث» السابقة إلى برميل بارود

بقايا اطلال قلعة كركوك الاثرية، التي يعود تاريخها الى ما قبل الامبراطورية العثمانية («الشرق الأوسط»)
TT

على مدى حقب تاريخها السحيق والمعاصر، كانت مدينة كركوك الواقعة الى الشمال الشرقي من العاصمة بغداد بمسافة 250 كيلومترا، مطمعا للامبراطوريات الغازية القادمة من اقاصي الشرق والغرب تارة بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتارة من اجل ما تكتنزه في باطنها من ثروات نفطية وغازية هائلة، وغالبا للسببين معا.

فكركوك الجاثمة على بحر من النفط تنفرد بحالة خاصة جدا على ارض الواقع، تتميز بها عن سائر المدن العراقية الاخرى، من حيث نسيجها الاجتماعي المترابط والمؤلف من الأكراد والعرب والتركمان والكلدو أشوريين المتعايشين بوئام منذ مئات السنين والذين يدعي كل منهم احقيته التاريخية في المدينة، وفق ما يمتلكه من وثائق تاريخية تعود لحقب وعصور مختلفة عاشتها كركوك في ظل انظمة متباينة على مدى تاريخها الضارب في القدم، ما جعلها تحمل اكثر من نعت ولقب واسم، مثل قلب أو قدس كردستان، والعراق المصغر، ومدينة التآخي ومدينة الذهب الأسود وغيرها من المسميات التي تعكس مدى اعتزاز ابناء القوميات المتعايشة فيها بمدينتهم التي اصبحت قضيتها احدى أعقد القضايا التي تواجه السلطة في العراق الجديد.

اما جغرافيا فإن كركوك تحدها من الشمال سلسلة جبال زاكروس، ومن الغرب نهر الزاب الصغير، ومن الجنوب سلاسل جبال حمرين ونهر سيروان او ديالى من الجنوب الغربي، ويمر من وسطها نهر «خاصة» اضافة الى نهر الزاب الصغير، الذي يعتبر أهم روافد نهر دجلة والذي يقع على بعد 45 كلم من مركز المدينة وهو المصدر الاساسي للمياه النقية فيها ومياه ري المزارع والحقول المحيطة بالمدينة التي يبلغ عدد سكانها وفق آخر احصائية تخمينية اجريت عام 2003 نحو 760 الف نسمة.

وبالرغم من احداث العنف الدموية والانقلابات السياسية التي مر بها العراق منذ تأسيسه عام 1920، مرورا بالعهد الملكي ثم الجمهوري اواخر الخمسينيات من القرن المنصرم وانتهاء بزوال النظام السابق عام 2003 وما اعقبه من تقلبات سياسية، إلا أن التاريخ لم يسجل أية صراعات او تناحرات او اقتتالات عرقية او مذهبية او دينية في كركوك باستثناء احداث عام 1959 الدموية التي افتعلها بعض القوى السياسية طبقا لسياسة «فرق تسد» الشهيرة في العراق، بغية أشعال فتيل التناحر القومي بين الكرد والتركمان لأغراض سياسية خبيثة والتي راح ضحيتها عدد من المواطنين والشخصيات التركمانية المعروفة من امثال عطا خير الله ترزي باشي، الذي ما زال تمثاله منتصبا في احدى ابرز ساحات كركوك. وقد امعن معظم الانظمة التي تعاقبت على سدة الحكم في البلاد، في ايذاء سكان كركوك بذارئع وحجج مختلفة بموازاة سعيها المستمر الى تشويه الطابع الديموغرافي لهذه المدينة لصالح قومية معينة على حساب سكانها الاصليين، الا أن النظام السابق المعروف عراقيا بنظام البعث، فاق في تنكيله وبطشه بكركوك واهلها جميع الانظمة التي سبقته الى الحكم، اذ اعتمد سياسته الشهيرة بثلاثي التعريب والتهجير والتبعيث، اي استقدام العرب الموالين له من مناطق وسط وجنوب البلاد، واسكانهم في كركوك بهدف تعزيز الوجود العربي فيها، وتهجير سكانها الاصليين من الكرد والتركمان الرافضين تغيير هويتهم القومية للعربية الى محافظات غرب وجنوب العراق، بعد مصادرة اراضيهم وحقولهم الزراعية وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة ومنحها للعرب الوافدين بقرار ارتجالي من مجلس قيادة الثورة المنحل، وارغام المتبقي منهم على الانضمام الى صفوف حزب البعث بعد تغيير قومياتهم الى العربية طبعا. وقد طالت تلك السياسة الفريدة من نوعها في تاريخ الشعوب والتي استمرت زهاء اربعة عقود، عشرات الآلاف من الكرد والتركمان الذين تشتت شمل اسرهم في أرجاء العراق الأخرى ومات المئات منهم في ديار الغربة داخل وخارج الوطن من دون أن يرى موطنه ثانية، أو حتى يدفن في مسقط رأسه ناهيك من مئات آخرين من خيرة شبابها الذين علقوا في اعواد المشانق بذرائع سياسية واهمية لإرعاب الآف آخرين ودفعهم الى مغادرة موطنهم طواعية. وقد كان للأكراد الحصة الكبرى في كل تلك المآسي التي كابدتها كركوك.

وعلى الصعيد السياسي ظلت هذه المدينة ذات النسيج الاجتماعي المتعدد العقبة الكأداء والعقدة العصية عن الحل في كل جولات المفاوضات التي جرت بين السلطات العراقية والقيادات الكردية مطلع السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بعد جولات من الحروب والثورات الكردية التي انتهت كلها الى طريق مسدود، بسبب الخلاف على طبيعة ادارة كركوك وانتمائها الجغرافي والتاريخي بين طرفي الصراع. والادهى من كل ذلك ان سكان كركوك ظلوا طوال تلك الحقب المظلمة محرومين من الخيرات المادية المذهلة المتأتية من مبيعات النفط المستخرج من مدينتهم، والتي بددتها الانظمة السابقة في سبيل تنفيذ اجندتها السياسية او تعزيز ترسانتها العسكرية او تمويل حروبها وغزواتها التي جرت على البلاد برمتها المزيد المزيد من الكوارث والويلات فيما اهل كركوك يصارعون الفقر والعوز والحرمان، اما معالم المدينة وشواخصها التي كان من المفترض ان تضاهي معالم كبريات المدن في العالم المتمدن، فقد ظلت تعاني من الاهمال والاندثار والاضمحلال، حتى ان قلعتها التاريخية الشهيرة التي يعود تاريخها الى ما قبل الامبراطورية العثمانية والتي تضم ضريح النبي «دانيال» وعددا من الأئمة لم يبق منها سوى الاطلال وانصاف مآذن المساجد التي دمرت بفعل تقادم الزمن والتهميش المتعمد.

وغداة التحول السياسي الذي حدث في العراق ربيع عام 2003 انتقلت كركوك مثل سائر انحاء البلاد الى مرحلة سياسية أخرى اكثر تعقيدا، نتيجة للأرث الثقيل الممثل بالكم الهائل من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية الشائكة التي خلفها النظام السابق في هذه المدينة التي يشبهها بعض الجهات والأحزاب ببرميل البارود القابل للانفجار في اية لحظة، ما لم يتم حل كل تلك المعضلات العويصة بكثير من التأني والصبر والحوار والمرونة والتضحية ومزيد من الحكمة والعقلانية في التصرف.

اذ صارت كركوك منذ عام 2004 تعاني الى جانب قلة الخدمات بكل اشكالها واهمال السلطات المركزية لها، من فقدان الامن والاستقرار بسبب بروز العديد من التنظيمات والجماعات والميليشيات التي تمارس العنف الذي حصد ارواح المئات من ابنائها، الذين قضوا اما جراء الانفجارات او الاغتيالات السياسية، بالرغم من الجهود المضنية لقوى الأمن والشرطة والجيش العراقية التي استطاعت خلال الأشهر الستة الأخيرة من عام 2007 تحقيق استقرار نسبي في كركوك وضواحيها. أما اجتماعيا فإن اواصر العلاقات العريقة ووشائج القرابة والدم الوثيقة بين سكانها من مختلف القوميات فقد ظلت كما السابق عصية على الدسائس والاحابيل التي استهدفت زرع الفتنة وبذور الشقاق بينهم لغايات سياسية مشبوهة. اذ ما زالت الدوائر والمؤسسات الرسمية والاحياء السكنية والمتاجر الكبرى، بل وحتى المقاهي الصغيرة تجمع الاكراد والتركمان والعرب والآشوريين وكأنهم اسرة واحدة. وتخلو علاقاتهم تماما من الحساسيات والمشاكل والعقد والخلافات السائدة في اوساط الاحزاب والكتل السياسية التي تقود المحافظة. ولكن قضية كركوك السياسية والجغرافية بقيت حتى الآن عالقة من دون حل جذري يرضي جميع الاطراف، بالرغم من تجربة انتخابات مجالس المحافظات التي تعتبر الاولى من نوعها في العراق، وعملية الاستفتاء على الدستور الدائم 2005 الذي صوت عليه تسعة ملايين عراقي، والمتضمن للمادة 140 القاضية بحل مشكلة كركوك في ثلاث مراحل هي التطبيع، والإحصاء السكاني، ثم الاستفتاء الشعبي لحسم مصير المدينة من قبل سكانها الأصليين، انفسهم تحت سقف زمني أمده عام واحد انتهى بنهاية عام 2007، من دون انجاز أي من تلك المراحل الثلاث بشكل متكامل، الأمر الذي اثار مزيدا من المشاكل بين القوى السياسية الكردية المتمسكة بتطبيق المادة المذكورة باعتبارها استحقاقا دستوريا ينبغي الايفاء بها من جهة، وبين الحكومة العراقية التي يتهمهما بعض الأوساط الكردية بالتقصيرالمتعمد في تطبيق بنود وفقرات تلك المادة وبعض القوى العراقية العربية والتركمانية التي تطالب بالغاء المادة 140 على اعتبار ان مفعولها قد انتهى بنهاية السقف الزمني المحدد لها ما يتطلب تعديل بنودها وفقا لأحكام الدستور من جهة ثانية.

اما على ارض الواقع فهناك تطبيق فعلي، ولكن بوتيرة بطيئة لبنود ومراحل تلك المادة الدستورية، حيث يتم ايام السبت والاحد والاثنين من كل اسبوع تسجيل اسماء المئات من الأسر العربية الوافدة والراغبة بالعودة الى مواطنها الاصلية السابقة في محافظات وسط، وجنوب العراق والتي تقف في طوابير طويلة امام مقر مكتب لجنة تنفيذ المادة 140 الكائن في ديوان محافظة كركوك للحصول على التعويضات المادية التي تقدمها اللجنة والبالغة 20 مليون دينار عراقي، ما يعادل 16 الف دولار. وقد تم لحد الآن تسجيل اسماء اكثر من 20 الف عائلة وافدة، بينما يقف المهجرون من كركوك من الكرد والتركمان في طوابير طويلة ايضا أيام الثلاثاء والاربعاء والخميس للحصول على تعويضات تبلغ عشرة ملايين دينار عراقي، اي نصف المبلغ الذي تتقاضاه الأسر الوافدة التي كانت قد نالت من النظام السابق مبالغ مماثلة، عندما استقدمت الى كركوك علاوة على قطع الاراضي السكنية والزراعية الممنوحة لها جزافا، فيما تواصل محكمة حل نزاعات الملكية البت في اكثر من 35 الف قضية ودعوى قضائية تخص النزاعات على ملكية الاراضي والعقارات التي صادرها النظام السابق بقرارات فورية ومنحها للموالين له من الوافدين، لكنها لم تحسم لحد الآن سوى 5% فقط من مجموع تلك القضايا.

اما بخصوص مستقبل مدينة كركوك، فإن آراء الشارع الكركوكي متضاربة حوله، فالرأي العربي مثلا مقسم بين مؤيدين لضمها الى اقليم كردستان الشمالي، وهم قلة من عرب كركوك الأصليين الحريصين على ديمومة علاقاتهم الطيبة مع جيرانهم الكرد، وبين رافضين لذلك الأمر ومطالبين إما بإبقائها محافظة مرتبطة بالسلطة المركزية أو جعلها اقليما مستقلا بحد ذاته، وهم غالبية من العرب الوافدين الى كركوك، والذين ما برح الكثير منهم يكن ولاء لحزب البعث، ويضمر حنينا واضحا لعهد حكمه الانفرادي، وكذلك الامر بالنسبة لرأي الشارع التركماني المنقسم ايضا بين مؤيدين لانضمام كركوك الى اقليم كردستان ورافضين له، في حين تجمع الغالبية العظمى للكلدو اشوريين على ضرورة احترام رأي سكان كركوك الأصليين في حسم مصير مدينتهم. أما رأي الشارع الكردي، فإن غالبيته المطلقة تؤيد ضم المدينة الى اقليم كردستان، على اعتبار ان ذلك حق تاريخي مسلوب، ينبغي ان يعاد لأصحابه، فيما ظهرت في الآونة الأخيرة قلة قليلة من اكراد المدينة المطالبين ايضا بجعلها اقليما مستقلا بحد ذاته، ولهم في ذلك وجهة نظر خاصة، يعبر عنها بوضوح دلير صابر الذي يعمل مترجما للغة الفرنسية، قائلا ان ضم كركوك الى اقليم كردستان سيعود بالضرر على اكراد المدينة بالمقام الاول، لأن الوظائف والمناصب وكذلك خيرات المدينة، ستذهب الى كوادر الاحزاب الكردية الزاحفين من بقية المدن الاخرى، فيما يبقى ابناؤها الأصليون محرومين من كل شيء، بينما يرى فخر الدين عزة، المواطن التركماني البسيط أن أهل كركوك يطالبون الاحزاب كلها بتركهم وشأنهم لتقرير مصير مدينتهم بأنفسهم، وهم في ذلك لا ينشدون سوى الامن والاستقرار ومعيشة افضل مما هم فيه الآن.

لكن مواقف الاحزاب والكتل السياسية الكردية والعربية والتركمانية بخصوص مستقبل كركوك تقول غير ذلك، فالتيارات التركمانية تنقسم في رأيها حول مستقبل كركوك الى فصيلين لا ثالث لهما، الاول مؤيد لفكرة ضم كركوك الى الاقليم الشمالي، ويضم احزاب الإخاء والشروق والشعب والاتحاد التركماني المتحالفة مع الأحزاب الكردية والمشاركة معها في تكتل واحد يسمى قائمة كركوك المتآخية في مجلس ادارة المحافظة والتي نالت الأغلبية في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2005. أما الفصيل الثاني ويضم احزاب الجبهة التركمانية السبعة، بالاضافة الى حزب تركمان ايلي غير، المنضوي فيها والممثلة في مجلس المحافظة في اطار تكتل الجبهة التركمانية الذي يقاطع المجلس منذ الربع الأخير من عام 2006 بسبب ما تصفه بعدم جدية قائمة التآخي في تلبية مطالب التركمان، فإنه يرفض رفضا مطلقا فكرة ضم كركوك الى اقليم كردستان، الذي يسميه بإقليم الشمال مثلما يرفض بشكل قاطع تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، ويعتبرها أحد الأسباب الرئيسية للاحتقان السياسي في كركوك، ويعتقد بأن الغاءها سيحدث انفراجا سياسيا كبيرا في المدينة، وذلك طبقا لرأي حسن توران عضو مجلس المحافظة والقيادي في حزب العدالة التركماني، الذي يؤكد أن المادة 140 تنطوي على جوانب انسانية عديدة لكنها «سيّست» من قبل الاحزاب الكردية التي استغلت قضية المرحلين لتكريد المدينة عبر استقدام آلاف الأكراد من المدن الأخرى لتوطينهم في كركوك بغية تشويه ديموغرافيتها، مشددا على ان الاحزاب الكردية تمارس ضغوطا مختلفة على العرب الوافدين لحملهم على الرحيل عن كركوك، وبالتالي ترجيح الكفة لصالح الاكراد. في حين تشدد تركان شكر ايوب ممثلة الجبهة التركمانية في مجلس المحافظة، على أن كركوك كانت وستبقى مدينة عراقية ذات هوية تركمانية، وان قضيتها لا يمكن ان تحل الا بإرضاء جميع الاطراف المعنية. وتقول إن الجبهة التركمانية تمتلك مئات الوثائق التاريخية القديمة التي تبرهن على الأصل التركماني للمدينة وترى بأن الحل الوحيد والامثل لمعضلة كركوك، يكمن فقط في جعلها اقليما مستقلا ذا ادارة مشتركة، وهو ما يؤيده بشكل مطلق، التكتل السياسي العربي في مجلس المحافظة، ممثلا بالتجمع الجمهوري العراقي، الذي عبر عن موقفه الرسمي راكان سعيد عضو مجلس المحافظة، الذي يؤكد أن التجمع الجمهوري لم يكن ممثلا في لجنة صياغة الدستور التي صاغت المادة 140 وأن ممثليه قد اغتيلوا في حينها، ويعتقد بأن الجهة الوحيدة المخولة بإحياء المادة المذكورة هي البرلمان العراقي، ويقر بأن كركوك كانت دوما مدينة عراقية ذات سمات تركمانية، ويرى ان الاستئثار بالأحقية التاريخية للمدينة لصالح قومية معينة، سيفقدها سمتها العراقية، ويوضح أن العرب والتركمان متخوفون من ضم كركوك الى اقليم كردستان، انطلاقا من الشعور بأنهم سيتعرضون للاذابة والصهر القومي في البوتقة الكردية، وكذلك سيكون عليه الحال لو اصبحت كركوك اقليما تركمانيا او عربيا صرفا. ويرى ادوار اوراها البرواري معاون محافظ كركوك والشخصية الآشورية المستقلة، أن سكان كركوك من الكلدو اشوريين لا يحملون اجندة سياسية بخصوص قضية كركوك ويحترمون القانون والدستور، ورأي الأغلبية في هذا المضمار، وبما ان المادة المذكورة دستورية فإنهم يرون ضرورة في تطبيقها وسيؤدون النتيجة التي يقررها سكان المدينة مهما كانت طبيعتها لأن الاشورييين تهمهم مصلحة كركوك واهلها بالمقام الاول. اما عبد الرحمن مصطفى محافظ كركوك، فيرى أن المباحثات والمناقشات المستفيضة التي سبقت عملية صياغة الدستور العراقي، الذي صوتت عليه غالبية العراقيين في استفتاء شعبي حر، هو الاول من نوعه في تاريخ الدولة العراقية افضت الى قناعة الجميع بأن افضل حل لقضية كركوك يكمن ان يتم في اطار المادة 140 التي يمكن استكمال تنفيذها بسهولة في غضون الفترة الاضافية، لو توفرت الجدية في العمل وتهيأت المستلزمات المطلوبة لعمل اللجنة العليا، منوها بأن نتائج الاستفتاء ستكون الفيصل في القضية.

وبشأن التحسن النسبي الذي شهدته كركوك مؤخرا على صعيد الاوضاع الامنية، وما اذا كان مرد ذلك الى ولادة مجالس الصحوة في المحافظة، قال مصطفى قد تكون مجالس الصحوة أحد الأسباب الرئيسية للتحسن الأمني، ولكن الاسباب الأخرى تتمثل في تفعيل اجهزة الشرطة وقوى الأمن الداخلي، وتنامي مستوى الوعي لدى سكان المدينة الرافضين للعنف والارهاب، مؤكدا أن لكركوك مستقبلا مشرقا ومزدهرا، كونها تمتلك من مقومات التطور والرخاء الشيء الكثير.

ومما سبق يتبين ان الحلول السياسية المطروحة لحل معضلة كركوك تتمثل في ثلاثة خيارات، اولها حل القضية عبر تطبيق بنود المادة 140 المثيرة للجدل وموضع الخلاف وهو الخيار الذي يتمسك به الجانب الكردي حد النخاع، والثاني الابقاء على كركوك محافظة مستقلة مرتبطة بالمركز، والثالث جعلها اقليما مستقلا ذا ادارة مشتركة من جميع القوميات المتعايشة فيها، وهما الخياران اللذان تنادي بهما عدد من القوى التركمانية والعربية. ومع كل ذلك فإن القول الفصل لحسم الأمر سيبقى مرهونا بأهل المدينة الأصليين الذين هم ادرى بمصلحة مدينتهم ومستقبل أجيالهم القادمة.