مايكروسوفت.. ما بعد بيل غيتس

تواجه تحديات كبيرة لمنافسة الشركات الموازية بعد مغادرة «الأب الروحي» منتصف عام 2008

TT

من الممكن اعتبار أن السمة الغالبة لشركة «مايكروسوفت» عام 2007 كانت طرح كل جديد، ولكن سمتها عام 2008 ستكون المغادرة ومواجهة التحديات، ذلك أن مؤسس الشركة «بيل غيتس» سيترك منصبه الإداري المباشر في الشركة في شهر يونيو (حزيران) المقبل ليخصص جهوده نحو الأعمال والمشاريع الخيرية، ولكنه سيبقى متابعا لأحداث الشركة بين الحين والآخر. وتقوم الشركة بالإعداد لرحيل «بيل غيتس» منذ 2006 عندما أعلن نيته ترك منصبه في الشركة، وتم تعيين «كريغ ماندي» و«راي أوزي» لأخذ أدواره والتعاون مع المدير التنفيذي العام للشركة «ستيف بالمر».

ويرى المحلل «دوايت ديفيس» الذي يعمل في شركة الأبحاث «أوفوم» بأن مغادرة «بيل غيتس» لن تكون ذات وقع كبير، ذلك أنه لن يتم قطع علاقته بالشركة بشكل كامل، ولكنه سيكون حدثا ضخما في عالم التقنيات وفي تاريخ الشركة، وسيؤثر على صورة الشركة في العام المقبل بشكل كبير جدا.

وستواجه الشركة تحديات كبيرة هذا العام في الكثير من المجالات، حيث أنها ستخوض منافسات شرسة مع شركات أخرى في مجال الإعلانات والبرامج المجانية عبر الإنترنت، ومحاولة نشر نظم التشغيل «ويندوز فيستا» و«ويندوز سيرفر» و«ويندوز موبايل» ونظام قواعد البيانات «إس كيو إل سيرفر» و«كومبيوترات الأسطح»، بالإضافة إلى تنافس مشغلها «زون» مع مشغل «آبل آي بود» وجهاز الألعاب «إكس بوكس 360» Xbox 360 مع الأجهزة الأخرى الموجودة في الأسواق، ومواجهة بعض القضايا القانونية. وقد تؤثر بعض أو جميع هذه الأمور على أسعار أسهم الشركة في أسواق المال، وحتى على ثقة المستثمرين والمستخدمين.

وحاولت الشركة العام الماضي الدخول بشكل كبير في عالم الإنترنت، خصوصا بعد قيامها بشراء شركة الإعلانات «إيه كوانتيف» المتخصصة في الإعلان عبر الإنترنت، وبمبلغ 6 مليارات دولار، ولكنها بقيت في منافسة حادة مع شركة «غوغل» في مجال البحث، مع إظهار بعض الدراسات أن «غوغل» تتفوق بشكل أكبر في الأسواق الأميركية. وتقوم «مايكروسوفت» بالتطور في مجال الإعلانات عبر الإنترنت عن طريق عقد صفقات مع أسماء لامعة، مثل «فيسبوك» و«فاياكوم»، ولكن وحدة الإنترنت في الشركة تبقى بدون أرباح بسبب المبالغ الكبيرة التي تنفقها الشركة على مراكز المعلومات والمشاريع الأخرى.

ويقول مدير الأبحاث في شركة الأبحاث «دايركشنز أون مايكروسوفت» و«روب هيلم» بأن كمية المال التي تم تحديدها لقسم الإنترنت في «مايكروسوفت» ليست كافية، ويجب على الشركة تغيير هذه الاستراتيجية عام 2008. ويقول ستيف بالمر إن الشركة تتوقع شراء حوالي 20 شركة في كل عام من الـ5 أعوام المقبلة، وبمبالغ تتراوح بين 50 مليون دولار إلى مليار للشركة الواحدة، وذلك قياسا بالمبالغ التي دفعتها الشركة في عمليات الشراء الأخيرة التي حصلت في السنوات القليلة الماضية.

وسيقوم شركاء ومنافسو الشركة بمراقبتها عن كثب في هذا العام لمشاهدة مدى ابتعادها عن برامجها التي طالما تم طرحها على الكومبيوترات الشخصية، ذلك أن الشركة تعزم طرح الكثير من الخدمات والبرامج التي تعمل عبر مواقع الإنترنت، والتي يتم تمويلها بواسطة الإعلانات التي توضع في تلك المواقع عوضا عن دفع المستخدين مبالغ لقاء ترخيص البرنامج للاستخدام على الكومبيوترات. وتقوم الشركة حاليا بالتوجه نحو هذا المجال عبر برنامج «دايناميكس سي آر إم» المتخصص في إدارة الزبائن والعلاقات في محاولة لمنافسة موقع «سيلزفورس دوت كوم». ومن المتوقع أن تقوم الشركة بطرح منتجات أخرى تتبع هذا الأسلوب. وقامت الشركة بطرح منتج آخر على الإنترنت اسمه «أوفيس لايف» يقوم بالسماح للمستخدمين بالحصول على بعض (وليس جميع) مزايا مجموعة برامج «أوفيس» المكتبية. أما بالنسبة لنظام التشغيل «ويندوز فيستا» الذي تم طرحه العام الماضي وسط ضجة إعلامية كبيرة، فإنه لم يحصل على حجم مبيعات مقنع بسبب تردد المستخدمين نظرا للمواصفات المرتفعة التي يتطلبها من الكومبيوتر ليعمل بشكل كامل، وبسبب أن المستخدمين مرتاحون مع نظام التشغيل «ويندوز إكس بي» ولا توجد حاجة ملحة للتطوير إلى نظام آخر. ويرى المحلل مايكل غارتنبيرغ الذي يعمل في شركة الأبحاث «جوبيتير ريسيرتش» أن نظام التشغيل «ويندوز فيستا» لم يحصل على إعجاب المستخدمين بالشكل المرجو. ويبقى السؤال هو كيف ستقوم «مايكروسوفت» بتغيير أسلوبها في تسويق النظام وإصلاح العيوب الموجودة فيه لإقناع المستخدمين بضرورة التطوير؟. وتجدر الإشارة إلى أن الشركة ستقوم بطرح مجموعة الإصلاحات الأولى للنظام Service Pack 1 في الأشهر القليلة المقبلة، والتي من المفترض أن تقنع الكثير من الشركات باستخدام «ويندوز فيستا« في اجهزتها بسبب ارتفاع مستويات الأمن وتسهيل العمل ووفرة الدعم الفني الكامل له. ولكن الخبراء التقنيين يرون أن العائق الأكبر أمام الشركات والأفراد في تبني هذا النظام هو وجود ضرورة لتغيير الأجهزة الحالية لديهم، أو بعض القطع فيها، من أجل أن يعمل النظام بشكل صحيح، الأمر الذي يُعتبر مكلفا جدا لهم. ومن المتوقع أن تقوم الشركة بطرح إصدار جديد من نظام التشغيل «ويندوز» عام 2010. وستقوم الشركة بطرح إصدارات جديدة من نظام التشغيل «ويندوز سيرفر» و«إس كيو إل سيرفر» هذا العام، ولكن الإصدار الجديد من «ويندوز سيرفر» لن يحتوي على عنصر مهم لإيجاد الأوساط الافتراضية Virtualization التي تسمح بتشغيل أكثر من نظام تشغيل واحد في الوقت نفسه وعلى الجهاز نفسه. ولن تقوم الشركة بطرح إصدار يحتوي على هذه التقنية إلا في وقتٍ لاحقٍ من السنة، الأمر الذي سيضعها أمام منافسة شرسة قبل وبعد ذلك.

ومن المتوقع أن نشاهد في ربيع هذا العام انتشار «كومبيوترات الأسطح» التي طرحتها الشركة في الأسواق، وخصوصا في الأماكن العامة والتجارية، الأمر الذي يجعلها متأخرة عن الخطط الأولية لها التي توقعت طرح هذه الاجهزة في شهر نوفمبر« («تشرين الثاني«) من العام الماضي. وليس متوقعا أن تطرح الشركة في هذا العام إصدارا جديدا من نظام التشغيل الخاص بالهواتف الجوالة المسمى «ويندوز موبايل»، ولكنها ستقوم بطرح تحديثات تراكمية للنظام، وطرح بعض الأجهزة الجديدة التي تعمل عليه. ولا ننسى التحدي الكبير الذي تواجهه الشركة في مجال مشغلات الموسيقى الرقمية، حيث أن مشغلها «زون» يواجه صعوبة في التنافس مع مشغل «آبل آي بود»، وخصوصا بعد طرح الشركتين للجيل الجديد من مشغلاتهما العام الماضي.

تجدر الإشارة إلى أن الشركة تواجه بعض المشاكل القانونية المتعلقة بمنتجاتها، وخصوصا بعد خسارتها للقضية المرفوعة ضدها في الاتحاد الأوروبي. ولكن القضية الأكبر التي تواجه الشركة في هذه الفترة هي تلك التي قامت شركة «أوبيرا سوفتوير» التي تقوم ببرمجة متصفح الإنترنت «أوبير» برفعها في الاتحاد الاوروبي حول قيام «مايكروسوفت» بوضع متصفح «إنترنت إكسبلورر» ضمن نظام التشغيل «ويندوز»، الأمر الذي جعل المستخدمين يقومون باستخدام متصفح «إنترنت إكسبلورر» عوضاً عن اختيارهم لمتصفح آخر، بالإضافة إلى عدم تقيد متصفح «إنترنت إكسبلورر» بالمعايير القياسية العالمية للمواقع. وتعد «مايكروسوفت» بطرح إصدار جديد من المتصفح في النصف الأول من هذا العام، والذي سيدعم المعايير القياسية العالمية للمواقع وسيقدم مستويات أمن أفضل واستقرارية أعلى، والكثير من المزايا الجديدة.

وسيكون هذا العام عاما محوريا في عالم صناعة الألعاب والاجهزة، حيث أن جهاز «مايكروسوفت» المسمى «إكس بوكس 360» يتحدى انتشار وهيمنة جهاز «نينتندو وي» وقدرات جهاز «سوني بلايستيشن 3» الكامنة والتي بدأ ظهور بعضها أواخر العام الماضي. واستطاع جهاز «بلايستيشن 3» منافسة جهاز «وي» أواخر العام الماضي، الأمر الذي حد من انتشار جهاز «إكس بوكس 360» في الأسواق، وخصوصا في مواسم الأعياد السابقة.

وواجه جهاز «إكس بوكس 360» بعض المشاكل التقنية منتصف العام الماضي، حيث تم اكتشاف عيب في تصنيعه أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأجهزة وتعطلها عن العمل بشكل دائم، الأمر الذي اضطر الشركة إلى وضع ميزانية بلغت مليار دولار لإصلاح المشكلة وتعويض المستخدمين. وتقول الشركة إنها تريد لقسم الألعاب والترفيه الخاص بها، والذي يتضمن قسم «إكس بوكس 360» أن يصل إلى مستويات تشغيل مربحة في السنة المالية الحالية التي تنتهي في 30 يونيو من هذا العام.

وستؤثر جميع هذه التحديات على الأمور المالية للشركة، حيث ان المستخدمين قد يتخوفون أو يترددون في هذا العام من الاستثمار في منتجات الشركة نظرا لتصورهم بأن سبب نجاح الشركة هو غيتس، وأن الشركة لن تستطيع النجاح بشكل كامل في جميع المجالات المذكورة. وقد يؤثر هذا الأمر على أسعار أسهم الشركة في أسواق المال، إلا أن الشركة متأكدة من عدم تأثير هذه الأمور على مستقبلها بشكل سلبي، وأنها تستطيع تجاوز جميع العقبات الموجودة أمامها بنجاح، حتى بغياب «الأب الروحي» للشركة، ذلك أنه يوجد لدى الشركة طاقم ممتاز من المديرين والتقنيين والمحللين الخبراء الذين يستطيعون حل جميع المشاكل، بالإضافة إلى وجود الدعم المادي الكبير لجميع المشاريع والحلول المقترحة.