السعودية: تسونامي الأسعار

TT

إذا كانت مواطنة بريطانية في العام 1932 تدعى «دونوهيو» هي أول من رفع قضية تتعلق بحماية المستهلك بعد تناولها لزجاجة عصير كان بها حشرة، واستطاعت كسبها في آخر المطاف، فإن أحداثا مماثلة لمواطنين محليين في السعودية لا يزالون عاجزين عن الوصول بأصواتهم للدوائر القضائية في البلاد بسبب البنية التحتية المتواضعة لجمعيات حماية المستهلك.

واتسعت دائرة الجدل حول ضرورة وجود جمعية قوية لحماية المستهلك السعودي، بعد موجة من ارتفاع الأسعار في معظم السلع الاستهلاكية، وصفها البعض بـ«تسونامي الأسعار» وسببت شكوى لدى عدد من القطاعات، فيما كانت مفردة «التضخم» هي الأكثر نجومية في تقارير المحللين الاقتصاديين على القنوات الفضائية التي بدأت أصابع الناس أمامها تتوقف عند البرامج الاقتصادية أكثر من نظيراتها من برامج «المنوعات». ويعتقد عبد المحسن البدر، وهو كاتب إعلامي، أن الحكم على قوة جمعيات حماية المستهلك، لا يأتي فقط في مسألة مراقبة الاسعار، التي قال إنها مسؤولية تتحملها عدة جهات، لكنه وسّع إطار التعريف ليشمل بث الوعي واستثمار كل القنوات الشعبية والاعلامية، لإيجاد مستهلك «ضاغط» يمكنه لعب دور«المحور» في جعل تلك الجمعيات تمارس دورها الحقيقي أمام المستثمرين بكل قطاعاتهم.

وفي السعودية هناك نوع من الحوار بشأن حماية المستهلك، ولكن على طريقة «كرة الطائرة» بحيث يرمي كل طرف بالكرة بكل قوته محاولا اسقاطها في أرض الآخر، وتأتي الغلبة دائما لصالح القطاعات الحكومية، التي تشير إلى قوى العرض والطلب في الاسواق العالمية، وإلى السلوكيات الاجتماعية للأفراد ودورها في تشجيع التجار على عمليات الاستغلال.

تلك الطروحات، يقابلها منصور اليامي، وهو موظف في القطاع الاهلي في السعودية، بالقول إنها أصبحت «أسطوانة مكرورة»، غير أنه يبدي تفاؤله بحزمة من القرارات الحكومية الرفيعة المستوى صدرت منتصف الاسبوع الجاري، بهدف ضبط الاسواق، والحفاظ على معدلات الاسعار من تزايدها، ودعم بعض السلع الاساسية التي تراوحت الارتفاعات فيها بين 30 و40 في المائة، والتي كانت سلعة «الأرز الهندي» قصّت شريط الارتفاعات تلك اوائل العام الفائت.

وبدت صورة حماية المستهلك تتضح بعد نقاشات شهدها الوسط الاعلامي السعودي، وتزايدت بعد صدور قرار انشاء جمعية حكومية لحماية المستهلك منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، لتشمل مسألة حماية خطوط الانتاج للسلع سواء في معايير الجودة، أو التنوع، أو القيمة السعرية، وحتى في الاعلانات التجارية الخاصة بتلك السلع. ويتذكر السعوديون كيف تدخلت هيئة الاتصالات السعودية قبل نحو عام لوقف نزيف الاعلانات التجارية المتبادلة بين شركتي الاتصالات العاملة في البلاد، بسبب ما رأت أنه لا يخدم المستهلك النهائي.

ولعل في تدخل بعض الجهات أو الهيئات الحكومية، في مراقبة أو محاسبة بعض الجهات الاهلية التي تقع تحت مظلتها، ما يؤكد أن هناك دورا تكامليا بين جمعيات حماية المستهلك والجهات الرقابية، وأن لا تناقض في الادوار كما يبدو من الوهلة الاولى، حيث يشير الكاتب البدر في هذا الاتجاه، لمنظومة متكاملة من الوعي يرى بأنها «الرهان» على سوق استهلاكية ذات قيم وضوابط واضحة تتميز بمعدلات عالية من «الافصاح» وتحترم مسألة الدراسات والابحاث لمواجهة أي هزّات سعرية يمكنها أن تعصف بأحلام وطموحات الطبقة المتوسطة من الناس في السعودية.

مصطلح «دراسة البدائل» في السوق السعودية، رغم ما يعلق عليه الخبراء من أهمية، في التحكم بالسوق من قبل «المستهلكين» وليس «التجّار»، الا أن المصطلح نفسه لا يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الناس، إذ تطل ثقافة محلية تكرست بفعل السنين، حول جودة أي منتج تداوله الاكثرية على أنه الأفضل من دون أن يكون ذلك الرأي مدعوما بدراسات تحليلية من جهات محايدة، وهو الدور الذي تلعبه جمعيات مماثلة لحماية المستهلك في دول أخرى من العالم. تلك الظاهرة السعودية يفسرها، صالح باجنيد، وهو موظف لا يزيد راتبه عن 300 دولار، بجهل الناس بالبدائل، وسيطرة الاعلانات التجارية على قرارات الناس رغم تفاوت مداخيلهم.

باجنيد، الذي يرعى 6 أطفال ووالدته وشقيقة مطلقة، ويسكن في غرفتين فقط، اكتفى بالقول حول ارتفاع الاسعار، بالقول: «أشعر بالاختناق». وفي السعودية كانت دراسة حديثة حول ارتفاع هامش الربح لدى عدد من تجار التجزئة والمواد الغذائية من 3 في المائة إلى 9 في المائة، في الوقت الذي انتشرت في كثير من المطاعم السعودية لافتات صغيرة تتحدث عن رفع أسعار وجباتها، وقامت جهات أخرى بحملات إعلانية مكثفة لاقناع الناس بأسعارها الجديدة خشية حدوث ردة فعل سلبية من المستهلكين، فيما يرى ناشطون في مؤسسات مدنية مهتمة، أن مخاوف الشركات من أي ردة فعل شعبية ما تزال غير «مبررة» حاليا، وأن المشوار لا يزال طويلا أمام وضع «المستهلك» و«التاجر» وجها لوجه وبينهما مسطرة من القوانين والحقوق التي تكفل للجميع حقوقهم.