يوم في حياة.. سعد

الطفل العراقي الذي خبر كل شيء.. العمل والدراسة.. واللعب القليل والنوم المتقطع.. والحياة الصعبةفي بلد الـ 5 ملايين يتيم

سعد (يسار) مع أحد أصدقائه في الورشة («الشرق الأوسط»)
TT

تؤكد تقارير منظمات مجتمع مدني دولية واخرى محلية عراقية معنية بالطفولة أن سوء الأوضاع المعيشية للعائلة العراقية في الوقت الراهن دفع الآلاف من الاطفال الى ترك الدراسة والانخراط بأعمال لا تتناسب واعمارهم وبناهم الجسمانية، او في افضل الاحوال جعلهم يعملون بعد عودتهم من المدرسة، ما ساهم بزيادة نسبة الامية بين صفوفهم وبالتالي تعرضهم للمعاناة والحرمان من ابسط حقوقهم ألا وهي التعليم والرعاية الصحية.

وبما انه يصعب الحصول على إحصاءات رسمية للأطفال المتسربين من المدارس في بلد تتدهور فيه العديد من القطاعات ومنها قطاعا التربية والتعليم، فان نسبة اطفال الشوارع تزداد يوما بعد آخر، فالكثير منهم تحول الى عامل تنظيف او بائع صحف ومجلات او صانع في احدى ورش تصليح السيارات او حتى مساعد لسائق سيارة اجرة وهي مهنة ينظر اليها المجتمع نظرة دنيا. سعد رعد.. طفل عراقي يبلغ من العمر 13 سنة يعمل في ورشة لتصليح وصيانة السيارات (فيترجي) تقع بالقرب من منزله في احدى مناطق بغداد، بعد ان يعود من مدرسته الابتدائية، ويتقاضى مقابل عمله مبلغا ماليا يفوق احيانا الـ 10 آلاف دينار عراقي يوميا، اي ما يعادل 7 دولارت مع البقشيش في افضل الاحوال، يخصص جزءا كبيرا منه لتوفير مستلزمات الدراسة له ولاشقائه الخمسة والباقي يساهم به في واردات العائلة.

الطفل سعد، وترتيبه بين اشقائه هو الثاني بعد شقيقه عباس الذي يبلغ من العمر 16 عاما ويعمل حارسا في احد النوادي الثقافية، حكى لـ«الشرق الاوسط» يوما في حياته وكيفية قضائه الساعات الاربع والعشرين من يومه ما بين الذهاب للمدرسة وانجاز الواجبات المدرسية لا سيما انه في الصف السادس الابتدائي، اي هو على اعقاب مرحلة الانتقال الى المتوسطة، وبين الساعات التي يقضيها في العمل الذي لا بد ان يقوم به لمساعدة أسرته، وإشباع رغباته في اللعب مع أقرانه، فضلا عن تلبية بعض طلبات المنزل التي يكلف بها من قبل والدته او والده . يقول سعد «انهض من النوم باكرا وتحديدا في الساعة السابعة لاذهب للمدرسة، وبعد انتهاء الدوام اعود للبيت واستبدل ملابسي بملابس العمل واتناول الغداء مع اخوتي، بعدها اذهب للعمل في ورشة الصيانة حتى الساعة السادسة مساء وهو وقت الاغلاق، اي اقضي ما يقارب من 6 ساعات يوميا في العمل اثناء ايام الدراسة، لكن في ايام الجمعة والعطل الرسمية فإني اعمل 11 ساعة في اليوم والحال نفسه بالنسبة لفترة العطلة الصيفية التي تستمر لاكثر من ثلاثة اشهر». ويضيف سعد «منذ اربعة اعوام وانا امارس العمل نفسه ولا اتغيب عن الورشة إلا في ايام المرض او في حالات طارئة جدا، وفي بعض الاحيان اتعرض لاصابات طفيفة في يدي او رأسي اثناء النزول تحت السيارات لتصليح العطل، لكن على الفور اعالجها بنفسي واعود للعمل من جديد، وذلك لان طبيعة عملي تتطلب تحمل الاعباء وتلبية طلبات الزبائن باستمرار ولا يمكن لمثل هذه الاصابات ان تعيقني عن العمل».

سعد يتميز ببنية ضعيفة وبصره ايضا ضعيف، إلا ان هذا لا يمنعه او يعوقه عن العمل. خلال وقت الاستراحة المخصص له في الورشة روى سعد بعض التفاصيل الدقيقة من حياته ضمن عائلة بسيطة. بدت عليه ملامح وصفات الرجال الذين يتحملون الاعباء وهم في سن مبكرة، لا سيما ان اطفال بعمره ومن نفس الحي الذي يسكن فيه لا يعرفون معنى العمل وجل اهتمامهم ينصب في ممارسة هواياتهم باللعب. يشاهدهم سعد وهم يلعبون كرة القدم في احدى الساحات القريبة من محل عمله، كما ان بعضهم يقضون اوقاتا طويلة في محال الالعاب الالكترونية يمارسون هواياتهم التي حرم منها سعد.

يقول «لا أجد وقت فراغ للعب مع اصدقائي او اخوتي إلا نادرا، فبعد عودتي من العمل انشغل بالتحضير لواجباتي المدرسية حيث يساعدني في ذلك والداي، واثناء مراجعتي للواجبات دائما ما اغط في نوم عميق لا استيقظ منه الا عند الصباح، وبسبب هذه الحالة دائما ما تطلب مني والدتي ترك العمل إلا اني ارفض ذلك، فما احصل عليه من مال يساعد عائلتي كثيرا، كما اني تعودت على العمل واصبح لي اصدقاء من الزبائن دائما ما يسألون عني صاحب الورشة في حال غبت او انقطعت عن العمل ويعطوني بقشيشا نظير ما اقوم به لهم من خدمات». ولم يذق سعد طعم النوم في وقت الظهيرة منذ اعوام، وانما يكتفي بما يحصل عليه ليلا، على النقيض مما يحصل عليه بعض اشقائه الصغار واصدقائه خصوصا في الصيف الذي يكون فيه النهار طويلا. وعند سؤاله عن هواياته المفضلة اجاب «لعب كرة القدم ومشاهدة افلام الرسوم المتحركة بالدرجة الاساس ومن ثم ركوب الدراجة الهوائية وهي معطلة في الوقت الحاضر، لكن لا امتلك الوقت الكافي للقيام بتلك المسائل الا في وقت محدود ومتباعد».

يسكن سعد مع عائلته في بيت متواضع في منطقة الوزيرية استأجره والده الذي يعمل حارسا في احدى السفارات الاجنبية قبل سنوات بعد ان كانوا يسكنون في منطقة تقع في اطراف العاصمة بغداد، ولا تبعد مدرسته عن المنزل سوى امتار معدودة، ودائما ما يشاهده زملاؤه في المدرسة وهو يعمل وكذلك مدرساته وهو امر لا يشكل لديه اي احراج او مشكلة .

يقول سعد «كثيرا ما يمر اصدقائي في المدرسة من امام الورشة سواء كانوا بمفردهم او مع أسرهم، فيلقون علي التحية وانا بدوري ارد عليهم وبعضهم يأتي مع والده لتصليح سيارتهم في ورشتنا فاقدم بعض الخدمات البسيطة لهم، وكذلك عدد من المدرسات يأتين بسياراتهن من اجل صيانتها اسبوعيا ويشاهدني اعمل هنا بعضهن يطلب مني ترك العمل والاخريات يثنين علي ويطلبن من صاحب الورشة الاهتمام بي وعدم تأخيري في العمل».

أشاد صاحب الورشة بالمجهودات التي يبذلها سعد، قائلا «في بعض الاحيان يقوم باعمال اكبر من حجمه، ويبذل مجهودات تجعله يلاقي احترام وتقدير الزبائن الذين دائما ما يكرمونه بمبلغ من المال يفوق أجره الذي امنحه اياه». ويضيف كريم «يعمل سعد في جميع الايام، حتى في الاعياد والمناسبات، انه يختلف عن بقية الاطفال، فيحضر قبلي للورشة واجده ينتظرني واقفا امامها  في الصباح، اسلوبه في التعامل مع الزبائن ممتاز جدا والكل يحسبه شقيقنا وانا اخبرهم هو كذلك لكي لا اجعله يشعر بانه غريب او مجرد عامل».

ويؤكد صاحب الورشة انه يعتمد على سعد في كثير من الامور فيجعله يقوم بأعمال صيانة اجزاء من محرك السيارة وعملية تبديل دهن المحرك، وتغيير الاطارات وغيرها من الاعمال التي اصبحت لا تشكل عائقا بالنسبة له، موضحا ان سعد ينفذ كل ما مطلوب منه على افضل ما يرام  من دون ملل. سعد يمتلك هاتفا جوالا خاصا به يتصل بواسطته باصدقائه واهله ورب العمل، وكذلك يستخدمه للتسلية وممارسة الالعاب التي يحتوي عليها الجهاز، كما ويقوم بتعبئة الرصيد له كل شهر عن طريق الاموال التي يحصل عليها.

ولا تشكل التفجيرات وأعمال العنف التي تحصل في مناطق قريبة من محل عمله عائقا امامه، لكنه يعاني كغيره من العراقيين من الاثار التي تترتب نتيجتها. يقول صاحب الورشة «حصل اكثر من انفجار حول ورشتنا وكنت اتوقع ان يأتي اهل سعد ويأخذوه للبيت لكن هو من يتصل بهم ويطمئنهم على حاله ويذهب ليرى موقع الانفجار ومن ثم يعود ويخبرني بالتفاصيل التي يسمعها من رجال الشرطة، لكن تلك الاعمال تؤثر على نفسيته، فمرة جاء يبكي، قلت له ما بك، قال رأيت اشلاء اناس راحوا ضحايا الانفجار، وهو ما دفعني لمنعه من الذهاب بعدها».

ويروي سعد عملية اغتيال تعرض لها صاحب سيارة كان هو ووالدته الشهود عليها فقط، فيقول «كنت ذاهبا مع والدتي للمستوصف القريب من منزلنا واثناء السير في الشارع توقفت سيارتان خرجت مجموعة من المسلحين من الاولى واطلقوا النار على صاحب السيارة الثانية الذي كان بمفرده ولاذوا بالفرار، وصرخت والدتي وبقيت مصدوما ولم اعرف ماذا افعل سوى الصراخ وطلب النجدة من اصحاب المنازل المجاورة لكي ينقذوا المصاب الذي كان ما زال على قيد الحياة».

وعن حياته العائلية وأمنياته المستقبلية، وما يسعى لتحقيقه، قال «علاقاتي مع اشقائي جيدة جدا ويسودها الاحترام، واتمنى ان اصبح مهندسا او طبيبا، مستواي العلمي جيد ويؤهلني لذلك، وانا استطيع ان اوفق في الوقت ذاته بين دراستي وعملي لمساعدة عائلتي».   يرى أخصائيون اجتماعيون ان الأطفال العراقيين ما بين الـ 6 ـ 17 عاما يتسربون من المدارس بأعداد كبيرة غالبا طلبا للعمل، حيث يعمل غالبيتهم في مهن مختلفة، فهم منتشرون في تقاطعات الطرق يبيعون السجائر والمناديل الورقية، كما يعملون عتالين في الأسواق التجارية، أو يعملون صناعا وحرفيين في الورش الصناعية. ويؤكد هؤلاء الاخصائيون ان سبب التسرب الرئيسي يعود الى العوز وسوء الأوضاع المعيشية للعائلة العراقية في الوقت الراهن. وتقول الباحثة الاجتماعية محاسن البياتي «ان جيلا كاملا نشأ من دون رعاية أسرية سليمة بسبب الحروب والصراعات، وقد ازداد الوضع سوءاً في تسعينيات القرن الماضي وخلال السنوات الاربع المنصرمة فأصبحت المعاناة أكبر، وبالنتيجة وجد جيل غير مستقر نفسياً ناقم على كل شيء، ليكون ابناً للشارع أو وقوداً لمعارك الميليشيات والمجاميع الإرهابية وفريسةً سهلة لأي أفكار هدامة لا معنى لها».   وتضيف البياتي «المؤسسات المعنية لا تقدم شيئا للاطفال ولا للاسرة، والوضع الحالي بالنسبة لهم مزر جدا، فالتسرب مستمر من الدراسة، وغياب البرامج التثقيفية والتعليمة للاطفال وعدم الاهتمام بالمواهب الكامنة عند عدد كبير منهم يؤدي الى استمرار حالة الحرمان والمعاناة لشريحة كبيرة من الاطفال». وتؤكد الباحثة العراقية انه لا توجد هناك خطط وبرامج حكومية تساعد على إنهاء معاناة الاطفال، وان كل ما يطرح في هذا الشأن من قبل الوزارات والمؤسسات المعنية لا يلبي الطموح، مشيرة الى الحالة المزرية التي تعاني منها دار الاطفال الثقافية. الحظ لا علاقة له بأطفال العراق، لا يعرف الطريق اليهم ولا يحدد مصائرهم. أقدار حياة أطفال العراق مقسمة الى نمطين، أطفال العوائل المتمكنة ماديا خرجوا مع عوائلهم الى الدول المجاورة واستمروا في دراستهم والعيش بين اهاليهم، أما اطفال العوائل الفقيرة والمعدمة فهم ضحايا الأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة. ما يهمنا في قصتنا هم اطفال النوع الثاني، اطفال العوائل الفقيرة أو المعدمة، هؤلاء الذين نراهم عند الاشارات الضوئية يبيعون الصحف أو قطع الحلوى او يستجدون، وفي أحسن الأحوال يعملون كأيد عاملة رخيصة للغاية.

لكن الدكتور شفيق المهدي، مدير عام دار ثقافة الاطفال يدق ناقوس الخطر عندما يكشف عن انماط أخرى من وسائل استغلال الطفولة في العراق، وسائل لم تخطر على أذهان أكثر الكتاب الذين يتمتعون بخصوبة الخيال، منها «قيام بعض العوائل العراقية بتأجير أطفالهم لعصابات الاستجداء (الشحاتة) لتوزيعهم على مناطق معينة من بغداد للاستجداء». وقال المهدي في حديث لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من مكتبه في بغداد، ان «اجرة الطفل الواحد لهذه العصابات ألف دينار من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر، وألف وخمسمائة دينار حتى الساعة الخامسة مساء». ويتفق المهدي مع ضحى الضائع مسؤولة الاعلام في منظمة رعاية الطفولة (اليونسيف) التابعة للأمم المتحدة بعدم وجود أية احصائية رسمية تتعلق باطفال العراق «كون جميع الاحصائيات تخمينية»، حسب الضائع، وان «وزارة التخطيط او العمل والشؤون الاجتماعية العراقيتين لم تصدرا اية احصائيات حكومية تتحدث عن عدد اطفال العراق واعداد المستغلين منهم في ورشات العمل، او المستغلين جنسيا او المعاقين منهم او حتى اعداد القتلى من الاطفال نتيجة العنف اليومي وسوء الاوضاع الامنية»، حسبما يكشف المهدي.

وفي حديث للضائع لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من عمان، فان «عدد اطفال العراق يبلغ نصف عدد سكان البلد، ونحن نعني بالاطفال من هم دون الثامنة عشرة من عمرهم، ونحن نتوقع ان عدد الاطفال الذين يتعرضون للاستغلال في العراق، جميع انواع الاستغلال بما فيها الاستغلال الجنسي، والذين تسربوا من مدارسهم غير قليل، بل يبلغون نسبة كبيرة من غير ان اتحدث عن ارقام، كونها غير متوفرة رسميا لنا»، بينما يخمن المهدي عدد اطفال العراق بـ«15 مليون طفل ثلثهم 5 مليون، هم ايتام».

وتوضح مسؤولة الاعلام في اليونسيف ان «هناك قوانين دولية وبرامج لحماية الطفل وعدالة الاطفال»، مشيرة الى ان «اليونسيف تنفذ برامجها بالتعاون مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية ومنظمات المجتمع المدني التي تعنى بالطفولة».

وتشير الضائع الى ان «هناك قوانين عراقية تحمي الاطفال من الاستتغلال، ومن العمل المبكر، وتراعي ان يعمل الاطفال في سن السادسة عشرة في ظروف صحية جيدة لا تعرض الطفل للخطر، وليس في ورش تصليح السيارات وغيرها، وكذلك تراعي الاطفال المحتجزين في السجون العراقية»، وتقول مؤكدة ان «قانون حماية الاطفال موجود، ليس في العراق فحسب بل في جميع انحاء العالم، ولكن هذه القوانين غير منفذة».

ويصف مدير عام دار ثقافة الاطفال القوانين التي تعنى بحماية الاطفال العراقيين بانها «مجرد حبر على ورق وهي (القوانين) غير منفذة وغير فاعلة، هنا في بغداد بصورة خاصة وفي بقية المدن العراقية بصورة عامة وبسبب سوء الاوضاع الامنية والاقتصادية فان هناك عشرات الالاف من الاطفال ينامون في الحدائق وفي دور العبادة، وهناك عشرات الاطفال الذين اصطادتهم عصابات ترويج المخدرات ووظفتهم لنقل المخدرات بين مناطق بغداد او بين المدن العراقية، كون الجهات الامنية لا تشك بالاطفال، وهناك عشرات الالاف من الاطفال الذين تركوا مدارسهم وراحوا يعملون في ورش تصليح السيارات والنجارة والحدادة في ظروف صحية سيئة وخطرة مقابل اجور زهيدة».

وتؤكد الضائع ان «الاطفال هم في مقدمة ضحايا الحروب وسوء الاوضاع الامنية، كونهم عرضة لليتم وبالتالي فقدان مصدر عيشهم، مما يدفع بهم الى ترك مدارسهم للعمل مبكرا، ومن ثم الانحراف من غير ان ننسى الاطفال الذين هجروا مع عوائلهم الى المخيمات، وهؤلاء اكثر عرضة للاستغلال، سواء من اصحاب العمل او طرق الاستغلال الاخرى».

وفي الوقت الذي تصف فيه مسؤولة الاعلام في اليونسيف الجهات الحكومية العراقية بالمتعاونة مع برامج اليونسيف وذلك «من خلال مشاركة الوزارات العراقية بالبرامج التثقيفية وورش العمل التي تنظمها منظمة رعاية الطفولة التابعة للامم المتحدة ومشاركة حتى رجال الشرطة في هذه البرامج»، فان مدير عام دار ثقافة الأطفال يصف عمل اليونسيف بالفوقي كونهم «يعملون من عمان التي هي بعيدة عن بغداد متحججين بسوء الظروف الامنية، بينما يجب ان يكون عمل اليونسيف على الارض وفي واقع المشاكل التي يعيشها اطفال العراق، فنحن في دار ثقافة الاطفال، وهو مشروع وطني حقيقي لم يتأثر العاملون فيه بالتغيرات السياسية، وجميعهم من المتخصصين في مجال ثقافة الطفل منذ تأسيس المشروع في بداية السبعينات وحتى اليوم، قمنا بتنفيذ برامج عملية وسط ظروف التهديد بالقتل والاختطاف، وقدمنا شهداء خلال تقديم عروض مسرحية للاطفال ولم نتراجع عن تنفيذ برامجنا التثقيفية نتيجة سوء الاوضاع الامنية».

وقال المهدي عن مدى جدية الحكومة بمساعدة الاطفال بانها «تنطوي على حسن النوايا»، مستطردا بقوله «لا استطيع ان اقول اكثر من ذلك»، مطالبا بتأسيس وزارة للطفولة تهتم وترعى اطفال العراق صحيا وثقافيا وتتدخل في تغيير المناهج الدراسية السيئة والمشوهة». واوضح المهدي ان «هناك هيئة وطنية عليا لرعاية الطفولة تتكون من وزارات، الثقافة والداخلية والصحة والعمل والشؤون الاجتماعية والخارجية والعدل، وقد انتهت هذه الهيئة من كتابة قانون الطفل العام ورفعه الى مجلس النواب (البرلمان) العراقي».

مسؤولة الاعلام في اليونسيف تحذر وبشدة من «ان المشكلة كبيرة وخطيرة وتحتاج الى تكاتف الجميع لحلها، وهي (المشكلة) اكبر من ان نتصور حلها في ظل الظروف الراهنة»، مستدركة بقولها «لكن لا يوجد طريق لحلها او من المستحيل حلها، اذا عملنا جميعنا بجد سوف نصل الى حلول ناجحة». ودعا مدير عام دار ثقافة الاطفال الى «القيام بحملة حقيقية لحماية الاطفال» شرط ان يتمتع العاملون في هذه الحملة بالنزاهة والانتماء باخلاص للمشروع، لا ان يقع بأيدي اللصوص والحرامية الجدد، وان يتمتع العاملون في هذا المشروع الوطني بكفاءات عالية».

ويعترف المهدي بأن «الشرطة العراقية قامت ببعض المداهمات لورش العمل بحثا عن الاطفال الذين يتم استغلالهم هناك لكن هذه المداهمات ضيقة ولم تأت بنتائج عملية»، داعيا الى دعم حقيقي للاطفال وعوائلهم من خلال صرف رواتب من قبل شبكة الضمان الاجتماعي، التي تمنح المحتاجين مبالغ ضئيلة لا تكفي لسد مصاريف يوم واحد»، مشيرا الى ان «الحكومة لم ترصد في ميزانيتها ارقام مبالغ لدعم الطفولة في العراق».