العالم يضحك.. سياسيا

محظوظ أوباما يذهب إلى أيوا فيصوتون له لأنه أسود.. ويذهب إلى ولاية والدته كنساس فيصوتون له لأن أمه بيضاء.. ويذهب إلى ألاباما.. فيصوتون له عندما يقول لهم إن جدود أمه كانوا تجار رقيق

TT

يوم السبت الماضي، ظهر باراك أوباما وهيلاري كلينتون، اللذان يتنافسان على الترشيح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الديمقراطي، في مناظرة تلفزيونية، استعدادا للانتخابات الأولية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي.  وكانت المناظرة ودية، بالمقارنة مع المناظرة الحادة بينهما في الاسبوع الماضي، قبل الانتخابات الاولية في ولاية ساوث كارولينا. في المناظرة الاولى، تبادلا الاتهامات، وقال اوباما لها: «لا أعرف هل أنا انافسك أو أنافس زوجك؟» اشارة الى ان زوجها، بيل كلينتون، شن هجوما عنيفا عليه، وقال ان هناك تضخيما حول الكاريزما التي يتمتع بها. لكن، بعد المناظرة الاولى، تصالح اوباما وهيلاري، واتفقا على تحاشي الاتهامات. ولهذا، كانت المناظرة الثانية ودية أكثر. وقال بعض الناس انها كانت رتيبة ومملة. وعلق على ذلك الفكاهي التلفزيوني جاي لينو (مقدم برنامج تلفزيوني يومي فكاهي في تلفزيون «ان.بي.سي»): «لم تكن مناظرة. كانت مثل نشرة الأخبار. قدم باراك الاخبار الرياضية، وقدمت هيلاري النشرة الجوية».

وهكذا، كل ليلة، يرفه الأميركيون عن أنفسهم بمشاهدة برامج فكاهية تتندر على الحملات الانتخابية للمرشحين، والمنافسات، والدعايات، والاتهامات بين السياسيين والمرشحين.  ويعتبر لينو من اشهر الفكاهيين في التلفزيون. لكن هناك ايضا: ديفيد ليترمان (تلفزيون «سي.بي.اس»). وكانون اوبراين (تلفزيون «اي.بي.سي»). وبيل ميهر (تلفزيون «اتش.ام.او»). وآخرون مثل: توم كيميت، وايمي بويار. ففي الصباح، يتناقش السياسيون، وتتوارد الاخبار. وفي المساء، يتندر الفكاهيون على كل نقاش، وكل خبر. وزاد ذلك خلال الشهور القليلة الماضية مع اقتراب انتخابات الرئاسة والكونغرس (بعد تسعة شهور).

في الشهر الماضي، نقلت الاخبار ان شخصا يهوى جمع الانساب القديمة في الانترنت، وفي مراكز الوثائق، بحث في جذور والدة اوباما (والده اسود من كينيا، ووالدته بيضاء من ولاية كنساس). ووجد ان جدودها هاجروا من ايرلندا.

وفي نفس الليلة، تنافس الفكاهيون في التلفزيون على التندر على ذلك:

قال اوبراين: «سيقول معارضو اوباما: نعم امه من ايرلندا، لكنه ليس من ايرلندا».

وقال ميهر: «سيكسب اوباما أصوات سود ايرلندا».

وقال ايضا: «ضمن اوباما تأييد اللوبي الايرلندي الأسود في الكونغرس».

وبعد ذلك بأيام، نقلت الاخبار ان هناك صلة قرابة بين جدود اوباما في ايرلندا، وجدود نائب الرئيس ديك تشيني، الذي هاجر جدوده ايضا من ايرلندا.

وقال اوبراين: «نادى تشيني اوباما، وقال له: اعمل معي في منزلنا من دون مقابل ما دمت قريبي».

وقال ليترمان: «قال تشيني: الآن عرفت من اين ورث أوباما هذا السخف».

وقال: «في عائلة تشيني سحاقية (ابنته)، وأسود (اوباما).  هذه نسبة اعلى من عدد السحاقيات والسود في كل الحزب الجمهوري».

وقال آخر: «لم نسمع بهذه الأشياء الغريبة في الماضي: أوباما قريب تشيني. وجولياني زير النساء». (اشارة الى زوجات، ونساء كثيرات، في حياة جولياني، عمدة نيويورك السابق).

وفي الاسبوع الماضي، تلقى اوباما تأييد عدد من آل كنيدي من بينهم السناتور ادوارد كنيدي، وابنة عضو الكونغرس ادوارد كنيدي الصغير، وكارولين ابنة الرئيس الراحل جون كنيدي، وايونيس كنيدي عمتها. ووقف بعضهم الى جانب اوباما عندما تحدث في الجامعة الاميركية في واشنطن، وفي ولاية كولورادو، وفي هوليوود، وسط نجوم الافلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. وتندر على ذلك بعض الفكاهيين: قال لينو: «كانت اسهم اوباما مرتفعة جدا حتى ايده السناتور كنيدي». (ليبرالي، لكن تقول اشاعات انه يدمن الخمر).

وقال: «وقف اوباما وسط آل كنيدي في ندوة الجامعة الاميركية في واشنطن. هل يريد ان يكون رئيسا في البيت الابيض؟ أو خادما في بيت آل كنيدي؟».

وقال آخر: «لماذا أيد آل كنيدي اوباما؟ لأن جدهم الكبير زار كينيا في القرن التاسع عشر. لم يقدر على أن يصطاد اسدا ببندقيته. لكن، اصطاد مرافقه الكيني (يقصد جد اوباما) الاسد بيديه».

وفي الشهر الماضي، فاز اوباما على هيلاري في ولاية ايوا.  وقال لينو: «نال اوباما ستين في المائة من اصوات الشباب. وثلاثين في المائة من اصوات النساء. ومائة في المائة من اصوات السود. كيف ذلك؟ صوت له الاسود الوحيد في الولاية».

وقال ميهر: «محظوظ اوباما. يذهب الى ولاية شمالية (مثل ايوا)، ويصوتون له لأنه أسود يعطفون عليه. ويذهب الى ولاية والدته (كنساس)، ويصوتون له لأن امه بيضاء.  ويذهب الى ولاية الباما (في الجنوب)، ويصوتون له عندما يقول لهم ان جدود امه كانوا تجار رقيق».

وقال لينو: «حقيقة، اميركا هي اعظم دولة في العالم. في الاسبوع الماضي، ذهب كيني الى ولاية كاليفورنيا اللاتينية، التي يحكمها نمساوي (اشارة الي كثرة اللاتينيين في الولاية، والى الحاكم شوارتزنيغر، المولود في النمسا).

وقال اوبراين: «هل تعلموا لماذا اثار اوباما اهتمام البيض في ولاية نيو هامبشير؟ لأنه أول أسود يشاهدونه».

وقال لينو: «ينتقد بعض الناس اوباما، لأن اسم والده هو حسين. بالنسبة لي، اسم حسين اجمل من اسم بوش».

النكتة السياسية ربما تكون قديمة قدم التاريخ ذاته. الفيلسوف اليوناني القديم سقراط، قال مثلا «فن الضحك هو نفس فن التراجيديا». وقال زميله أرسطو: «النكتة مثل الشعر».

وقال عمانويل كانت، الفيلسوف الالماني العظيم (توفي سنة 1804) في كتابه «نقد اصدار الاحكام»: «يضحك الإنسان عندما يتحول شيء جاد.. إلى لا شيء». وروي نكتة عن الهنود (الذين كانت تحكمهم بريطانيا في ذلك الوقت): «فتح بريطاني زجاجة شمبانيا، فاندفعت الشمبانيا الى الخارج في سرعة هائلة. استغرب الهندي، وسأل: كيف حدث هذا؟ قال البريطاني: قوة الضغط. فسأل الهندي: لا أقصد كيف خرجت الشمبانيا من الزجاجة. كيف دخلت الزجاجة؟». وأصر الفيلسوف كانت على ان النكتة ليست عنصرية. وقال: «نضحك على هذه النكتة، ليس لأن الهنود اقل حضارة منا. وليس لأننا نعرف علم الفيزياء الذي لا يعرفونه. نضحك لأننا توقعنا معلومة جادة، لكن الهندي خيب أملنا».

وكتب عن النكتة سيغموند فرويد، نمساوي أسس علم النفس (توفي سنة 1939 في لندن). وقال انها تريح النفس من تعقيدات الحياة. وهذه هي نكتة فرويد المفضلة: «دخل رجل متجرا، وطلب كيكة، وخرج بها. ثم عاد، وقال انه لا يريد كيكة، لكنه يريد زجاجة نبيذ. اعطاه صاحب المتجر زجاجة نبيذ. فتح الرجل الزجاجة، وشرب كل النبيذ، ودار ليخرج من المتجر. أوقفه صاحب المتجر، وقال له: «لم تدفع قيمة النبيذ». أجاب الرجل: «لكنى ارجعت الكيكة». قال صاحب المتجر: «لكنك لم تدفع قيمة الكيكة؟»، أجاب الرجل: «لكني لم آكلها». واهتم فرويد بما تسمى «النكتة السوداء»، التي تتندر على أشياء حزينة، مثل الموت أو القتل. في الوقت الحاضر، صارت النكتة علما اكاديميا، يدرس في جامعات، وتكبت عنه كتب جادة. واحد من الذين كتبوا عنها هو مارفين منسكي، استاذ التفكير النفسي والذكاء الاصطناعي في معهد ماساسوسيتس للتكنولوجيا (أم.آي.تي)، ومؤلف كتاب «النكتة ومنطق التفكير الباطني».   قال منسكي: «ليست النكتة كلاما فارغا (كما قال كانت). وليست للترفيه (كما قال فرويد). النكتة فيها معاني، وفيها معلومات». ويمكن ان تكون المعلومات جادة أو كلاما فارغا، مؤدبة أو بذيئة، مسيئة أو مشيدة. هنا، يتدخل «التفكير الباطني» ليحدد ذلك.  وقال منسكي: «الحقيقة عقلانية اكثر منها باطنية. لكن، الترفيه باطني اكثر منه ظاهري. لحسن الحظ، نحن نعيش في مجتمع متحضر، لا يريد الإساءة الى الآخرين، ويريد ان يكون مهذبا واخلاقيا. لهذا، نتردد قبل القاء نكتة، خاصة اذا كانت عن جنس معين، أو عرق معين. أو عن امرأة في حضور امرأة».

وقال إن عبارة «احذر» تظهر في العقل الباطني (لترشده، أو تحذره)، مثلما تفعل لسائق سيارة. لماذا؟ لأننا نريد تجميد المنطق والعقلانية عندما نلقى نكتة، أو نسمع نكتة.

ولهذا، يقول الانسان المهذب: «هل سمعتم هذه النكتة؟». وذلك ليغير تفكيره، وتفكير السامعين، من المنطقي الى الباطني. وقال منسكي انه ينظر الى اليوم الذي يقدر فيه الكومبيوتر على تحويل النكتة الى منطق، ليربط بين العقل الباطني والبراهين العلمية، موضحا: «النكتة ليست ظرفا. انها تعكس واقعنا الذي هو خليط من كلام فارغ وكلام مفيد».

في البداية، لم تكن النكتة سياسية. كانت قبلية، تتندر القبائل على بعضها البعض، وتتهكم على غيرها، وتقلل من قيمتهم. ومع بداية الدولة الحديثة، صارت النكتة وطنية ذات معاني سياسية. يتندر شعب على شعب آخر (مثل نكتة الفيلسوف كانت عن الهنود). أو، داخل الوطن، يتندر اقليم على اقليم. واجاد البريطانيون، والاسكوتلنديون، والايرلنديون التندر على بعضهم البعض لتحقيق مكاسب سياسية. مثل تلك النكتة عن بريطاني وفرنسي واميركي ومكسيكي في طائرة، ولا بد أن يهبط منها ثلاثة حتى لا تسقط. هبط البريطاني بعد ان هتف: «ليحفظ الله الملكة». وهبط الفرنسي بعد ان هتف: «فيفا لا فرانس». وعندما جاء دور الأميركي، هتف: «يعيش الامو» (مكان معركة انتصر فيها الاميركيون على المكسيكيين)، ورمى المكسيكي.

وعن اليهود، تقول نكتة روسية، ان الرئيس فلاديمير بوتين قال إنه لا بد من الاستعداد للحرب العالمية الثالثة. سأله مستشاروه: «من هو العدو؟» قال: «الصين». سألوه: «لن نقدر على هزيمة الصينيين. عددهم مليار ونصف المليار». فرد: «ليس العدد مشكلة. انظروا الى خمسة ملايين يهودي هزموا مائتي مليون عربي». سألوه: «هل في روسيا خمسة ملايين يهودي؟».

وتعتمد النكات عن الشعوب الأخرى على انطباعات مسبقة (ستيريوتايب): فيتندر الاميركي على البريطاني البارد، والالماني قليل ادب، والبولندي الغبي، واليهودي البخيل، والعربي زير نساء. ويتندر البريطاني على الاميركي الساذج. ويتندر الالماني على حضارة الاميركي غير المصقولة، ويتندر الفرنسي على الأكل البريطاني، وعلى الاستهلاك الاميركي. وهناك نكت ذات معاني سياسية عن: برود الغربيين، وكسل الافارقة، وفوضي اللاتينيين، وكثرة سكان الصين، وادمان الروس للفودكا. ومثلما يلقي فكاهيو التلفزيون، وعامة الناس، نكاتا عن السياسيين، قرر الاذكياء من السياسيين ان يلقوا نكاتا عن انفسهم. وفعلا اثبتت أبحاث علمية ان هذا النوع من السياسيين يلقى تأييدا (في الحقيقة: عطفا) من كثير من الناس.

وكان الرئيس رونالد ريغان واحدا من هؤلاء. سألوه عن سر ذلك. قال: «اسألوا وودي الن (الممثل والمخرج الاميركي الكوميدي). تعلمتها منه». وقال نكتة القاها الن عن نفسه، قال فيها: «شيء غريب. اليوم، قابلت شخصا اعتقد انني الممثل روبرت ريدفورد، سعدت وافتخرت بنفسي. حتى تأكدت من انه اعمي». (ريدفورد وسيم، والن ليس كذلك). تندر ريغان على نفسه مرات كثيرة، لأنه اكبر رئيس جمهورية سنا. قال: «لم اقرأ عن انجازات الرئيس روزفلت. قالها لي». وقال: «لو كنت أكبر سنا مما انا عليه، كنت عاصرت الرئيس ابرهام لنكون». وكان الرئيس لنكون من نفس نوع السياسيين الذي يتندر على نفسه. ولأنه لم يكن وسيما، قال مرة: «يقول اعدائي انني شخص ذو وجهين. لو كان عندي وجه آخر، كنت غيرت وجهي هذا».

وقال منسكي، مؤلف كتاب «النكتة ومنطق التفكير الباطني»، ان الاميركيين ربما اكثر شعوب العالم ضحكا على انفسهم. وقال ان لذلك صلة بثقتهم بأنفسهم، وعدم احساسهم بعقدة نقص، اذا ضحك عليهم آخرون، أو اذا ضحكوا هم على انفسهم. وهناك كتاب «اونلي ان اميركا» (لا يحدث هذا الا في اميركا). وفيه يتندر الاميركيون على انفسهم. مثلا: «اميركا هي الدولة الوحيدة، التي يصل فيها حامل «البيتزا» الى المنزل قبل الأسعاف».

وايضا، يتندر الاميركيون على تاريخهم القديم: «لماذا حارب الهنود الحمر المهاجرين الأوائل؟ لأنهم دخلوا اميركا بطرق غير قانونية». و«سألت المدرسة التلميذ: من وقع على اعلان الاستقلال؟ قال انه لا يعرف. استغربت، واستدعت والده. وسألته نفس السؤال. وقال انه لا يعرف. وقال لولده: انا لم اوقع على اعلان الاستقلال. اعترف اذا وقعت انت».

و«ماذا قال بول ريفيير(أحد ابطال التحرير الوطني في اميركا)؟ قال: سرج الحصان اتعبني» (في الحقيقة قال بطل الاستقلال الاميركي، وهو يتجول من مدينة الى مدينة على ظهر حصانه: «اعطوني الحرية او اعطوني الموت».

في انتخابات عام 2000، عندما تنافس الرئيس جورج بوش مع آل غور، وفاز عليه، تندر بوش على نفسه، وقال: «يسعدني ان انقل لكم اني قرأت امس كتاب «سندريلا» (اشارة الى اشاعات عنه انه لا يقرأ كتبا، وانه ليس مثقفا مثل آل غور). وبعد ان صار بوش رئيسا تأكدت الاشاعات، بل اعترف هو نفسه بأنه لا يقرأ الصحف اليومية، وانه ينام في العاشرة ليلا. وتندر فكاهيو التلفزيون على ذلك. وتندروا على ما هو اسوأ من ذلك، وهو فشل سياسات بوش، وتوريطه لأميركا في حرب العراق، وانطباع الاميركيين العام عنه بأنه رئيس فاشل. قال ليترمان: «سأل صحافي بوش: ماذا ستفعل لزيادة سعر غالون البنزين؟ اجاب: سأفعل كل ما استطيع حتى لا يصل سعر الغالون الى الف دولار». وقال اوبراين: «غضب اليهود من بوش، لأنه هنأهم بعيد رأس سنتهم قبل حلول المناسبة. فاعتذر، وقال لهم: سأعوض بتقديم هدية كريسماس» (اليهود لا يحتفلون بالكريسماس).

وقال لينو: «زار بوش العراق سرا بالليل ولمدة ثلاث ساعات. تماما مثلما فعل عندما تطوع في الحرس الوطني عندما كان في الجامعة». وقال ميهر: «عندما كان بوش في استراليا، تخفى صحافي استرالي في صورة اسامة بن لادن، واقترب من شقة بوش، حتى اعتقله حرس بوش. وطمأنهم بوش قائلا: عرفت انه ليس اسامة بن لادن، لأنكم قبضتم عليه». وقال ايضا: «عندما اعلنت ابنة بوش انها ستتزوج صديقها، قال بوش: الآن جاء دور كوندي»، (كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية).