كيف تختار صحف أميركا مرشحها الرئاسي؟

مجلس تحريري من كل الأقسام يتناقش حول المرشحين.. ثم يختار المرشح الذي تدعمه الصحيفة بغالبية الآراء

اوباما.. ظاهرة جديدة دفعت الكثير من الصحف لتأييده («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الاحد الماضي، اختارت جريدة «بلين ديلار» التي تصدر في مدينة كليفلاند (ولاية اوهايو) السناتور باراك اوباما مرشحا باسم الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية. ايضا، اختارت السناتور جون ماكين مرشحا باسم الحزب الجمهوري. عن اوباما قالت الصحيفة: «ما لم تحدث اشياء غير متوقعة، عندما يأتي نوفمبر (تشرين الثاني)، سيدخل الحزب الديمقراطي التاريخ لانه سيرشح إما اول امرأة، أو اول اميركي افريقي، لرئاسة الجمهورية. لم يحدث ذلك في تاريخ اميركا من قبل حزب رئيسي، ومع احتمال كبير بالفوز».

واضاف عمود رأي الصحيفة: «ليس هناك فرق كبير بين برنامج الجانبين، ولا بين الفلسفة العقائدية لكل واحد. ينتمي الاثنان الى الجناح الليبرالي في الحزب، ويريدان تقديم ضمان صحي لكل مواطن، وتضييق الشقة بين الاغنياء والفقراء. ويعارض الاثنان سياسة بوش في العراق، ويريدان بدائل للطاقة بالاضافة الى النفط ...» واضاف عمود الرأي: «لأن اوباما ظاهرة جديدة، قررت صحيفة «كليفلاند بلين ديلر» ان تؤيده».

وقال لـ«الشرق الاوسط» برنت لانكن، مسؤول صفحة الرأي: «نحن لم نختر اوباما لانه ظاهرة جديدة فقط. ظواهر جديدة كثيرة تبرز هنا وهناك، ومن وقت لآخر». فلماذا فضلت الصحيفة اوباما على هيلاري كلينتون؟ قال: «لان قصته الشخصية قصة لا تحدث إلا في الولايات المتحدة. اين يتقابل رجل اسود من كينيا وامرأة بيضاء من ولاية تكساس، ويتزوجا، وينجبا طفلا يكبر لينمو في ولاية هاواي؟ اين يكبر طفل في عائلة فقيرة واجنبية، حتى يصل الى جامعة هارفارد؟ اين يقضي شخص سنتين فقط في مجلس ولاية تشريعي ثم يفوز بعضوية مجلس الشيوخ؟».

واضاف لانكن: «اوباما هو افضل شخص يواجه ما اسماه «مشكلة الاعراق المعقدة في المجتمع الاميركي» وخاصة العرقين الابيض والاسود. ربما لأنه ينتمي الى الاثنين» وقال ان اوباما ليس مثل القس الاسود الليبرالي جيسي جاكسون. ولا مثل القس الاسود الاكثر ليبرالية شاربتون. فبينما يتحدث الاثنان عن الجانب التاريخي من المشكلة، يتحدث اوباما عن «الجديد»، عن «الامل»، وعن «الجرأة».

هل وضع لانكن هذه الاعتبارات عندما قرر ان تقف الصحيفة مع اوباما؟ اجاب: «نعم. لكني لست الشخص الوحيد الذي يقرر ذلك. هناك مجلس كتابة الرأي، هو الذي يقرر». يتكون المجلس من اكثر من عشرة اشخاص، بينهم لانكن نفسه، الذي انضم الى صحيفة «كليفلاند برس» سنة 1970 ثم انتقل الى «كليفلاند بلين ديلر». تدرج في كل المناصب، من مخبر شرطة، الى مخبر مجلس المدينة ومكتب العمدة. ثم صار كاتب تحليل سياسي. ثم كاتب عمود خاص به. ثم عضو مجلس كتابة رأي الصحيفة. والآن، هو رئيس المجلس. وهناك كيفن اوبراين، نائب الرئيس. وايضا، يراجع أعمدة الرأي التي يكتبها صحافيون في الصحيفة. وشارون بروساد التي انضمت الى الصحيفة سنة 1991. وجو فروليك الذي يشرف، ايضا، على الاستفتاءات التي تجريها الصحيفة. وبيكي غيلورد التي عملت في مكتب الصحيفة في واشنطن العاصمة، وفي استراليا، ولهذا فهي متخصصة في الآراء السياسية الخارجية، منذ ست سنوات. وغلوريا منليار التي انتقلت الى الصحيفة من صحيفة «سنسناتي بوست»، وتكتب أيضا آراء في السياسة الخارجية. ومارك نيميلك (قسم الاقتصاد)، وراكيل روبنسون (قسم التعليم)، واليزابيث سليفان (السياسة الخارجية)، واليزابيث اوستر (قسم التأمين الصحي والاجتماعي)، وديك فيغلر (الفنون والترفيه).

وقال رئيس المجلس، انهم يجتمعون كل صباح لدراسة اخبار الصحيفة في ذلك اليوم، والآراء التي كتبوها في اليوم السابق، واخبار اليوم التالي المتوقعة، والآراء المتوقعة. وقال ان الآراء تكون عادة عن احداث اليوم السابق، وذلك «حتى يكون هناك متسع من الوقت للنقاش في احداث امس، ولأننا لا نقدر على ان نكتب رأيا عن خبر سيكتب في جريدة اليوم التالي، ولم يرسل بعد الى المطبعة».

كيف قرر الاجتماع تأييد اوباما مرشحا للحزب الديمقراطي؟

قال رئيس مجلس الرأي، عادة، يفعل ذلك مع نهاية الشتاء (كل اربع سنوات، خلال الانتخابات التمهيدية). لكن، هذه السنة، قرر المجلس استعجال ذلك لأن الحملة الانتخابية بدأت مبكرة. عكس آراء اخرى تقرر في نفس اليوم اعتمادا على الاخبار اليومية، في موضوع مرشح لرئاسة الجمهورية يختار المجلس مجموعة صغيرة من اعضائه لدراسة المرشحين، وإعداد تقرير ليعرض على المجلس. ويقرر المجلس القرار النهائي.

هل يصوت المجلس؟ قال: «نعم، لكن ليس مثل اعضاء لجنة. نحن لسنا لجنة تقرر وتخطط. نحن مجلس رأي، ولهذا نحاول ان يكون كل شيء توافقيا. لا نقول من مع من؟ ومن ضد من؟ نقول: من يفضل هذا على ذاك».

واضاف: «نحن لا نكتب قرارا تشريعيا، ولا قانونا قضائيا. إما مع هذا او ضد هذا. نحن نكتب رأيا، ولهذا نستطيع ان نقدم اكثر من وجهة نظر، ثم نختار منها واحدة».

وقال: «اوضح رأي الصحيفة ان هيلاري كلينتون تتمتع بمزايا كثيرة، مثل خبرتها، وسنواتها في البيت الابيض، وسنواتها الاكثر من سنوات اوباما في الكونغرس. لكننا قلنا ان اوباما يعطي احساسا بالتغيير، والتحدي، والتجديد».

وقال: «لم نقل: من مع هيلاري؟ ومن مع اوباما؟ سجلنا آراء كل واحد في مجلس الرأي. وفي النهاية، انا قلت انه يبدو ان الاغلبية مع اوباما.  وعندما كتبت الرأي، وضعت آراء الذين ايدوا هيلاري. وعرضت الرأي على آخرين. اقترح احدهم اضافة جملة، واقترح آخر اضافة كلمة. وفي النهاية، اتفقنا، ونشرنا الرأي باسم الصحيفة كلها».

لكن هل يضع مجلس الرأي في الاعتبار رأي القراء؟ وهل اغلبية سكان كليفلاند مع هيلاري كلينتون؟ او مع باراك اوباما؟

أجاب: «نحن نفرق بين رأي الصحيفة، ورأي قراء الصحيفة. خصصنا صفحة للقراء تحت عنوان «خطابات الى رئيس التحرير». ومثل صحف اخرى كثيرة ننشر خطابات قصيرة عن مختلف المواضيع. ونفضل الخطابات التي تعلق على رأي الصحيفة الذي نكتبه كل يوم. لهذا، نحن نفصل بين رأي الصحيفة، ورأي قراء الصحيفة. ولهذا، لم نضع اعتبارا لرأي القراء عندما اخترنا اوباما. وضعنا اعتبارا لرأينا نحن، رأي الصحيفة».

لكن هل يؤثر تفضيل مرشح معين على تغطية الصحيفة لاخبار الحملة الانتخابية لهذا المرشح وتجنب نشر اخبار سلبية حوله؟ قال لانكن: «نحن نفرق بين اربعة اشياء: بين راي الصحيفة ورأي القراء. وبين رأي الصحيفة والاخبار التي تنشرها. هناك حائط في الجريدة يفصل بين الرأي والخبر. ونحن، في هذا، مثل صحف اميركية اخرى كثيرة».

من بين هذه الصحف التي تضع حائطا بين رأيها واخبارها صحيفة «واشنطن بوست». يتكون مجلس الرأي في «واشنطن بوست» من: فريد هايات (مع الصحيفة منذ سنة 1981)، ويساعده جاكسون هايل (منذ سنة 1978). ويعمل معهما: جو أن ارناو، وجوناثان كيبهارت، ولي هوكستر، وشارلز لين، وروث ماركوس، وايفا ريدريغوز. ويكتب بعضهم اعمدة على شرط الا تكون اكثر من عمودين كل شهر. والهدف هو ان تعكس الاعمدة آراء آخرين، وان تكون منفصلة عن رأي الصحيفة. واكدت ديبورا هاويل، مراقبة الصحيفة (اومبدسمان) وجود حائط بين رأي الصحيفة واخبارها. ووجود حائط آخر بين رأي الصحيفة وآراء القراء. وايضا بين رأي الصحيفة وكتاب الاعمدة. وقالت ان الصحيفة لا تختار مرشحا خلال الانتخابات التمهيدية، لكنها تفعل ذلك عندما تقترب انتخابات رئاسة الجمهورية. وقالت ان الصحيفة تفصل بين شيئين آخرين: رأيها، والاستفتاءات الشعبية التي تجريها (يوجد تنسيق بين «واشنطن بوست» وتلفزيون «ايه بي سي»). في الفترة الاخيرة، وكل اسبوعين، تنشر الجريدة والقناة نتائج استفتاءات عن الانتخابات التمهيدية. لكن، قالت هاويل، ان ذلك لا يؤثر على شيئين: اولا: رأي الصحيفة. وثانيا: التغطية الاخبارية. (اوضح آخر استفتاء انه اذا اجريت الانتخابات الرئاسية الآن، سيفوز اوباما على ماكين بنسبة 47 مقابل 43، مع عدم تصويت نسبة 10 في المائة).

وعن فصل الخبر عن الرأي، قال ليونارد داوني، مدير تحرير «واشنطن بوست» التنفيذي: «يوجد حائط يفصل بين الرأي والخبر». كان داوني يتحدث عن تأييد مجلس الرأي في الصحيفة لحرب العراق، واذا كان ذلك اثر على تغطية الصحيفة لأخبار الحرب. وقال: «لا يؤثر على اخبارنا سوى واجبنا الصحافي بأن نقدم الحقيقة للقارئ. وان نترك له ان يحكم على ما نقدم. اكرر: هناك خط فاصل بين الصحافيين الذين يعملون في قسم الاخبار، وبين كتاب الراي الذين يعملون في قسم الافتتاحي». ما معنى «خط فاصل»؟ ألا يتكلم المخبرون مع اعضاء مجلس الرأي؟ ألا يتقابلون في المكتب، في المطعم، في مناسبات خارجية؟ قال داوني: «نتكلم طبعا مع بعضنا البعض، ولكن عن كل شيء غير رأينا في افتتاحياتهم، وغير رأيهم في طريقة كتابة اخبارنا. نتكلم عن الاولاد والرياضة والطقس. يجب ان تعلم انني اعني ما اقول عندما اقول «خط فاصل». وهناك خط فاصل آخر، بين رأي الصحيفة والشركة التي تملكها، والذين يملكون الشركة. قال: «تدير الشركة الصحيفة وتصرف عليها. لكن، يوجد خط فاصل بين اخبار وآراء الصحيفة في جانب، وبين الشركة واصحابها في الجانب الآخر».