قانون الانتخابات اللبناني.. القنبلة التالية

زعماء اعتبروه أخطر من مشكلتي الرئاسة والحكومة ومطالبات بقانون عام 1960

TT

سجالات السياسيين تتفاعل مدا وجزرا، في الفترة الاخيرة، حول قانون الانتخاب النيابي اللبناني. هذا الموضوع الذي لا يلبث ان يعود الى دائرة الاضواء بعد وضعه في الادراج. وإذا توافرت ظروف ما قد تبقيه في الثلاجة في المستقبل القريب، فإنه لا شك سيخرج منها مجدداً لأن انتخابات 2009 النيابية لم تعد بعيدة. والأكثر من ذلك فان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتبر منذ أيام أن هذا الموضوع أخطر من مشكلتي رئاسة الجمهورية والحكومة. في ظل استمرار الفراغ الرئاسي، وتعقد الازمة السياسية أطل هذا الموضوع من جديد الى الواجهة الايام الماضية. ذلك أن قانون الانتخاب هو في صلب الأزمة التي يعيشها لبنان، لا بل هو صلبها. وفيما تطالب بعض قوى المعارضة باعتماد قانون العام 1960 الذي يرتكز على القضاء الاداري في توزيع الدوائر الانتخابية، تبدي اطراف في الموالاة تحفظا ليس على هذا القانون فحسب، انما عن البحث في قانون الانتخابات بشكل عام، على اعتبار انه ليس اولوية المرحلة.

آراء 3 نواب من الموالاة والمعارضة، فضلا عن رأي خبير الانتخابات، عبدو سعد، التقتهم «الشرق الاوسط»، اختلفت حول النتائج المحتملة لتوزّع المقاعد، بحسب قانوني عامي 2000 و1960، وحول بنود أخرى تخص هذا الموضوع. النائب هنري حلو من اللقاء الديمقراطي الذي يتزعمه النائب وليد جنبلاط، رأى انه من حيث المبدأ ان «البحث في قانون للانتخاب سابق لاوانه، لأن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية، ثم تأليف حكومة وحدة وطنية ثم يحين الموعد للبحث في قانون للانتخاب». وقال: «لا شك في ان قانون العام 1960 أفضل بكثير من قانون العام 2000 لانه يحافظ على وضع أسلم. ففي قانون الالفين ليس هناك معيار واحد في تقسيم الدوائر الانتخابية فتارة تعتمد المحافظة وطورا القضاء. نحن لسنا ضد قانون 1960، لا بل نؤيده انما مع تعديلات وإعادة النظر في التقسيم في بعض المناطق مع الاخذ في الاعتبار توازن الطوائف. طبعا، لا نريد ان ينتخب المسيحيون نوابهم والمسلمون نوابهم لأنني اؤمن بالعيش المشترك. ولكن يجب توافر حد ادنى من التوازن في توزيع الدوائر بشكل يضمن للطوائف حقوقها. اما ما يطالب به مسيحيو المعارضة (العماد ميشال عون) فاعتقد انه مجرد شعار. وإذا قرأنا تصريحات المعارضة نلاحظ انها تحاول اظهار الموالاة وكأنها معارضة للـ1960». وفيما فضّل حلو عدم الخوض في تفاصيل توزيع الدوائر تاركا الامر لاجتماع تتفق فيه قوى «14 آذار» قال: «الافكار الجديدة تناقش في مجلس النواب». واعتبر ان ما يقال عن اجماع المعارضة على قانون العام 1960 «فيه الكثير من الشكوك. فعندما يحين الوقت للبحث بجدية سنرى اذا كانت المعارضة ستمشي به». وعن الاقتراح الذي اعدته الهيئة الوطنية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس قال: «اطلعت عليه ولكن كان لدي الكثير من الاسئلة والملاحظات. اعتقد انه معقد لانه يجمع بين النسبية والاكثرية، فما هو المعيار الذي سيعتمد في اختيار مرشحي كل من الفئتين؟». اما النائب مصطفى علوش من كتلة «المستقبل» فقال ان «قانون العام 2000 لم يتناسب مع تطلعات معظم الفئات، أما قانون العام 1960 فكان محاولة لاعادة الثقة الى المسيحيين والحؤول دون هيمنة القوى الاخرى عليهم. لقد كان قانونا جيدا في ذلك الوقت، ولكن حصل الكثير من التغيرات السكانية الديموغرافية التي توجب، في حال بروز ارادة لاعتماده، إجراء تعديلات معينة. نحن نؤيد درس هذا القانون وتعديله. ففي طرابلس حيث هناك 8 نواب، الوجود المسيحي اصبح ضئيلا جدا وأعتقد ان من الافضل جعل بيروت وحدة متكاملة. الواقع ان هذه التفاصيل تدرس في مجلس النواب.

وأضاف: الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان قد اعطى وعدا علنيا للبطريرك نصر الله صفير باعتماد قانون 1960 وليس الرئيس نبيه بري الذي كان مصرا على النسبية مع الدوائر الكبرى». وقال: «البطريرك صفير غيّر رأيه بناء على المعطيات المستجدة، اما لماذا غير رأيه في غضون سنتين فهذا سؤال يطرح على البطريرك وليس علينا».

وأكد ان «لا رغبة لنا في العودة الى قانون العام 2000 على الاقل بسبب اللغط الذي اثير حوله وخاصة بالنسبة الى تقسيمات بيروت والتي اريد منها ضرب شعبية الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كذلك ان (اتفاق) الطائف ينصّ على اعتماد المحافظة دائرة انتخابية مع بعض التعديلات التي تراعي التنوع الطائفي. كذلك يجب مراعاة منطق العدالة عند وضع قانون للانتخابات».

من جهته، أعرب النائب نبيل نقولا، عضو تكتل «التغيير والاصلاح» الذي يترأسه عون، عن مفاجأته بما صدر عن البطريرك صفير حول قانون العام 1960 «بسبب التغيير الديموغرافي» فهل هذا يعني إلغاء المسيحيين في المناطق الموجودين فيها؟ في بيروت مثلا هناك 9 نواب مسيحيين، هل يتخلى المسيحيون عن حقهم في انتخاب هؤلاء النواب؟ لا احد شرح لنا معنى التغيير الديموغرافي. انها علامة استفهام برسم غبطة البطريرك. لقد سمعنا رفض القانون 1960 لكننا لم نسمع أي شرح للاسباب». وأضاف: «الى جانب ذلك يرتكز نظامنا على الديمقراطية التوافقية أي انه بغض النظر عن التغير الديموغرافي يظل مجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. كما ان التيار الوطني الحر ينادي بقانون انتخاب نسبي على صعيد لبنان ككل. ولكن هذا يصح حين تكون الاحزاب أحزابا وطنية عابرة للطوائف. وحين تتحقق هذه نطالب بدائرة صغرى أو دوائر كبرى مع النسبية. أما والأحزاب الوطنية غير متوافرة في لبنان قبلنا بقانون العام 1960 من اجل البطريرك. فإذا اعتمدت الدوائر الصغرى تقع المناطق في قبضة المتمولين الكبار لانه حينها يصبح شراء الاصوات امرا سهلا ولا يتطلب نجاح المرشح اكثر من 5 آلاف صوت اذا ترشح في دائرته نحو 8 او 9. كذلك ان تقسيم المناطق يجري بطريقة تعسفية، بيروت مثلا مقسمة بحسب قانون الالفين 3 دوائر تضيع فيها قوة الصوت المسيحي». ولفت الى ان قانون العام 2000 قسّم على اساس القانون 1960 مع فارق أن الاول فرز المناطق بشكل ضاعت معه قوة تأثير الصوت المسيحي. اما الثاني الذي سمعنا اقوالا عنه انه يرجعنا 40 عاما الى الوراء، فنقول يا ليتنا نعود الى العام 1960 حين كان اللبنانيون يتعايشون من دون هذه الحساسيات الطائفية». وعن مشروع القانون الذي أعدته «الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب»، قال نقولا: «انه جيد كونه اتى بإصلاحات كثيرة لكنه مشروع معقد في الوقت نفسه (لاعتماده النسبية والأكثرية). نريد قانونا سهلا».

وحول الموضوع نفسه، تحدث مدير «مركز بيروت للأبحاث والمعلومات» خبير الانتخابات اللبناني عبدو سعد، فقال: «المتضرر الاول والاساسي في حال اعتماد قانون 1960 هو تيار المستقبل لان بيروت ستقلب موازين القوى. فبحسب هذا القانون قسّمت العاصمة 3 دوائر: الدائرة الاولى وتضم الاشرفية، الرميل، الصيفي، المدوّر، بالإضافة الى حيّين صغيرين هما المرفأ وميناء الحصن. وهذه الدائرة ذات غالبية مسيحية إذ هناك نحو 47 ألف ناخب مسيحي مقابل 8500 سني واقل من 2500 شيعي. وهنا لن تكون الانتخابات نزهة للمعارضة انما ستكون خسارة حتمية لتيار المستقبل. الدائرة الثانية، ذات غالبية سنّية وتضمّ 3 احياء الباشورة، زقاق البلاط، ودار المريسة. وفيها 24 ألف ناخب سنّي و20 الف شيعي و2000 مسيحي. وهنا وبحسب الاستطلاعات سيكون الفارق بين 5 في المائة و10 في المائة للمعارضة، ذلك ان تيار المستقبل يسيطر بنسبة 70 في المائة على الناخبين السنّة والباقي موزّع على الزعامات السنّية القديمة. أما الناخبون الشيعة فجميعهم ملتزمون مع المعارضة. الدائرة الثالثة، تشمل رأس بيروت، المزرعة، المصيطبة. وهي ذات غالبية سنّية مع طيف ارثوذكسي، وهذه الدائرة سيكتسحها تيار المستقبل. فتكون الحصيلة في بيروت وحدها، 13 مقعدا معرضة لان يخسرها تيار المستقبل. وكمراقب أعتقد أنه اذا اعتمد قانون الالفين يضمن تيار المستقبل أخذ كل المقاعد في بيروت». وأضاف: «المسيحيون سيكونون المستفيدين من قانون العام 1960. وطرح مسألة القضاء سيؤثر سلبا على الموالاة المسيحية. فهذه ستحصل على مقعدين في قضاء بشري (في الشمال) ومقعد في البترون (شمال بيروت). اما (النائب والوزير السابق سليمان) فرنجية فسيكتسح زغرتا. وفي عكار والبقاع الغربي، لن يفوزوا بأي مقعد من دون الاستعانة بتيار المستقبل. وفي الشوف وعاليه سيحتاجون الى لائحة النائب وليد جنبلاط ليفوزوا... بكركي تطالب باعتماد القانون 1960 منذ العام 1992 واليوم غيّرت رأيها رغم ان الدوائر الصغرى تضمن التمثيل المسيحي».

ورأى ان «القانون الـ 1960 فاسد. وادعو لجعل لبنان دائرة واحدة مع النسبية لانها تضمن وصول الاقليات. وليس صحيحا ما يدعيه السياسيون من ان النسبية مضرة بلبنان. واعتقد انهم بنوا آراءهم هذه بعد قراءة كتب لمحللين غربيين عن هذا الموضوع...ان قانون الانتخاب في لبنان لم يتغير منذ 82 عاما. لقد اجريت تعديلات شكلية عليه. وهو بدعة وهرطقة انتخابية».

وكان سعد قد اعد دراسة خلص فيها الى نتائج افتراضية لتوزع المقاعد بين الموالاة والمعارضة اذا بقيت التحالفات السياسية القائمة على حالها وذلك استنادا الى استطلاعات الرأي التي يجريها المركز بشكل دوري: بحسب قانون الالفين، ستحصل الموالاة على 61 مقعدا والمعارضة على 67 مقعدا. ففي الجنوب، ستحصد حركة «امل» و»حزب الله» 22 مقعدا من اصل 23، وفي زحلة وبعلبك والهرمل ستحصل المعارضة على 17 مقعدا بالاضافة الى مقعد واحد في البقاع الغربي و27 مقعدا في جبل لبنان وبعبدا. وبحسب القانون نفسه، ستحصل الموالاة على 21 مقعدا في الشمال و5 في البقاع الغربي وواحد في الجنوب أي في صيدا و13 في عاليه والشوف و6 في بيروت. فيكون المجموع 46 مقعدا للموالاة والبقية للمعارضة. أما اذا عُمل بقانون العام 1960 فستحصل المعارضة على 81 مقعدا والموالاة 47 مقعدا. وفي التفاصيل، ان المعارضة ستكتسح 22 مقعدا في الجنوب، 5 في كسروان و3 في جبيل، بالاضافة الى 3 في زغرتا و10 في بعلبك والهرمل و6 مقاعد في بعبدا. ولها أرجحية الحصول على 7 مقاعد في زحلة وواحد في البقاع الغربي و8 في المتن الشمالي ومقعد واحد في البترون واثنين في الكورة، بالاضافة الى 8 مقاعد في دائرة بيروت الاولى و5 مقاعد في دائرة بيروت الثانية. في المقابل، ستكتسح الموالاة 22 مقعدا في الشمال تتوزع كالآتي: 2 في بشري 7 في عكار و3 في الضنية والمنية و8 في طرابلس وواحد في كل من البترون والكورة، فضلا عن 8 في الشوف و5 في عاليه و6 في دائرة بيروت الثالثة، كذلك ستضمن 5 في البقاع الغربي وواحداً في الجنوب.

في ظل اختلاف المعطيات وتنوع الارقام وتباعد الرؤى حول تقسيم الدوائر الانتخابية، يبقى السؤال هل سينعم لبنان بقانون انتخابي عادل يضمن صحة التمثيل؟ وإذا تحقق هذا «الحلم»، هل سيوصل الى المجلس النيابي شخصيات قادرة على ادارة البلاد أم أن المشكلة أعمق من ذلك وتطاول جوهر ارادة العيش المشترك؟

وإذا تعذر التوافق على قانون، أي قانون سيعتمد لتنظيم الانتخابات المقبلة؟ وهل ستنظم أم ان الفراغ سيوسّع دائرته ليشمل بعد رئاسة الجمهورية مجلس النواب والحكومة؟

* نظام مختلط بين الأكثرية والنسبية

* بيروت: «الشرق الاوسط»

* يرتكز اقتراح القانون الذي اعدته الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب التي شكلها مجلس الوزراء اللبناني، على النظام المختلط بين الاكثرية والنسبية. ذلك انه ينصّ على انتخاب 77 نائباً في الاقضية بحسب قاعدة الاكثرية، و51 نائباً ينتخبون في المحافظات التقليدية الست وفق قاعدة النسبية، بعد تقسيم جبل لبنان الى دائرتين هما جبيل وكسروان والمتن الشمالي دائرة، وبعبدا ـ الشوف ـ عاليه دائرة، وتقسيم بيروت ثلاث وحدات ادارية. وأرسى الاقتراح مجموعة من الاصلاحات ابرزها: اقامة هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات بدلا من وزارة الداخلية، تنظيم الانتخابات في يوم واحد في كل لبنان، تمكين اللبنانيين المغتربين من الاقتراع، خفض سن الاقتراع من 21 سنة الى 18 سنة، تحديد كوتا للنساء بـ 30% من عدد المرشحين، فضلاً عن بنود تنظيم الدعاية الانتخابية ووضع سقف لنفقات الحملات الانتخابية. وأناط المشروع بالهيئة المستقلة سلطات الرقابة على وسائل الإعلام المرئي والمسموع لجهة التقيّد بالأحكام المتعلقة بالدعاية الانتخابية. وبالنسبة الى فرز الأصوات لن يتم على مستوى القرية أو المحلة بل على مستوى القضاء وذلك تفاديا لترهيب الناخب بتمكين المندوبين من تحديد دقيق للأفراد الذين صوتوا لمصلحة هذا المرشح أو ذاك.