البرلمانيات يتقدمن.. ولكن ببطء

18% من نواب العالم نساء.. ورواندا تسبق السويد في الترتيب.. وفنلندا الأولى تاريخيا.. وفهميدة ميرزا في باكستان أحدث رئيسة برلمان وعددهن 35

فهميدة ميرزا التي انتخبت رئيسة للبرلمان في باكستان الاربعاء في طريقها لمبني «الجمعية الوطنية» مع عدد من اعضاء حزبها حزب الشعب الباكستاني (أ.ف.ب)
TT

لم يكن انتخاب الجمعية الوطنية (البرلمان) في باكستان، لفهميدة ميرزا، 51 عاما، أول امرأة رئيسة لها الاربعاء، هو الأول للنساء اللائي يتقلدن مثل هذا المنصب عالميا، فقد سبقتها اخريات، في بلدان أخرى، وفي اعوام مختلفة. رئيس البرلمان البكستاني المنتهية ولايته تشودري أمير حسين، قال ان فهميدة، وهي طبيبة تنتمي لعائلة سياسية من اقليم السند، ومن حزب الشعب الباكستاني، الذي كانت ترأسه بي نظير بوتو رئيسة وزراء باكستان الراحلة، هزمت بسهولة مرشحا من الحزب الرئيسي الذي يؤيد الرئيس برويز مشرف بنسبة 249 صوتا الى 70 صوتا. لكن نضال المرأة عالميا، لشق طريقها لبرلمانات العالم، لم يكن بهذه السهولة بالمرة.

وبحسب الاتحاد البرلماني الدولي، فإن أعداد السيدات اللاتي يترأسن البرلمانات في جميع أنحاء العالم، وصل عام 2007، الى 35 سيدة، من بين 262 رئيسا للبرلمانات والمجالس التشريعية، أي بنسبة غير مسبوقة تُقدر بـ17%، لكنه اعتبرها تقدما بطيئا. وتقول أندرس جونسون، الأمينة العامة للاتحاد، إن هناك تقدماً حققته المرأة في برلمانات منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وصفها بأنها شهدت أكبر زيادة في العالم في هذا المجال في عام 2006. وقالت ايضا ان «النساء يواصلن كسب أرض في السياسة.. لكن بتقدم بطئ للغاية».

وبإجراء مقارنة بما كان عليه وضع النساء في برلمانات العالم عام 2005، فقد زادت نسبة تمثيلهن في المجالس التشريعية بنسبة 2%، بناء على ما نشرته الأمم المتحدة في «خريطة العالم للنساء في السياسة 2008»، ذكرت فيه أن نحو 18% من النواب في العالم هم نساء. وتقول الدراسة إن دولة رواندا بأفريقيا تتصدر قائمة التمثيل النسائي في البرلمان بنسبة تبلغ 49% تقريباً، وتأتي السويد في المركز الثاني بنسبة 47%، ثم فنلندا في المركز الثالث بنسبة تبلغ 41.5%، رغم أنها كانت أول دولة في العالم تمنح النساء حق التصويت في عام 1906.ولا تزال مشاركة المرأة الأميركية في البرلمان دون المتوسطة، بينما تقف مصر، والبحرين، والكويت واليمن، في ذيل لائحة تضم سبع دول تبلغ نسبة مشاركة المرأة في المجالس التشريعية فيها أقل من 3%.

وبناء على مسح أجراه الاتحاد البرلماني الدولي على 177 دولة، فقد ظهر أن مصر تأتي في ذيل القائمة بالنسبة الى الدول العربية مع دول اخرى بالنسبة لحصول النساء على مقاعد برلمانية، مقارنة بالرجال، حاصلة على نسبة 2.4% في البرلمان المصري (مجلسي الشعب والشورى)، ثم السودان 5.3% والعراق، 6.4% وسورية 10.7% ثم تونس 11.5%.

وفي الأردن يقول برنامج إدارة الحكم في البلاد العربية التابع للأمم المتحدة، إن قضايا تتعلق بمكانة المرأة في البلاد تتعرض إلى الشد باتجاهين متعارضين من جانب قوى سياسية متنافسة، وجاءت الانتخابات التشريعية الأردنية في عام 2003 مخيبة لآمال النساء، فمن مجموع 54 امرأة ترشحن في الانتخابات لم تفز أي منهن بمقعد نيابي، مع أن أكثر من 40 امرأة منهن كنّ مشاركات نشطات في الدورات التدريبية التي نظمها «المعهد الوطني الديمقراطي» هناك.

ولم تنتخب في تاريخ الأردن قبل عام 2003 لعضوية مجلس النواب إلا امرأة واحدة. لكن ست نساء أصبحن أعضاء في برلمان 2003 بفضل نظام «الكوتا (الحصة النسبية) النسائية». وحصلت النساء المرشحات على أكثر من ضعف عدد الأصوات التي حصلت عليها المرشحات في انتخابات 1999. ومع أن عدة دول في العالم الثالث، بما فيها الدول العربية، عدلت تشريعاتها من أجل تمكين المرأة من خوض الانتخابات التشريعية، إلا أن دولة مثل موريتانيا تبدو الأكثر تميزاً بوضعها نظاماً تحفيزياً لتمويل الأحزاب السياسية التي تتمكن من إنجاح المزيد من النساء على لوائحها، ما أدى إلى حصول المرأة على 20% من مقاعد الجمعية الوطنية، إضافة لفوز 1120 امرأة بعضوية المجالس البلدية في الانتخابات التشريعية والبلدية بموريتانيا قبل نهاية 2006.

ورغم أن إحراز تقدم في التمثيل النيابي للمرأة في مصر يؤثر بالإيجاب على باقي الدول العربية، إلا أن انتخابات مجلس الشعب (المجلس الأول بالبرلمان) لم تحصل فيه النساء إلا على 4 مقاعد فقط من 444 مقعداً، إلا أن رئيس الدولة عيّن لاحقا 5 نساء أعضاء في المجلس كجزء من حصته الدستورية، إذ يحق له تعيين 10 أعضاء. أما في المجلس الثاني بالبرلمان (مجلس الشورى)، الذي يضم 264 مقعداً فعيّن رئيس الدولة 13 امرأة بين أعضائه، وفي آخر انتخابات محلية عام 2002 فازت 774 امرأة بمقاعد بلدية ومحلية من بينهن 750 امرأة من أعضاء الحزب الحاكم.

ومع أن «برنامج إدارة الحكم في البلاد العربية» يشير إلى أن عدم المساواة بين الجنسين ما يزال سائدا في المجتمع المصري، إلا أن مرشحات مصريات خضن تجربة الانتخابات يقلن إن هناك ما هو أكثر من نظرة التمييز ضد المرأة، وهو استخدام العنف و«البلطجة» من جانب مرشحين رجال مقتدرين مالاً ونفوذاَ، ضد مرشحين آخرين سواء من الرجال أو النساء، وهو أمر لا قبل للمرأة به، خاصة إذا كانت رقيقة المشاعر، مبدعة، مثل المرشحة فتحية العسال، أو كاتبة بصحيفة الأهرام المصرية، ذات حس مرهف، مثل أمينة شفيق التي خاضت ذات تجربة الانتخابات بوسط القاهرة، وهالها ما رأته من اقتتال بالمطاوي والسيوف والعصي بين أنصار المرشحين.

وربما لهذا السبب، وأسباب أخرى عديدة رصدت منظمات نسائية عزوفاً من جانب النساء عن خوض آخر انتخابات برلمانية جرت في مصر عام 2005 إذ لم يزد عدد من ترشحن فيها عن 14 سيدة، منهن 6 مرشحات عن الحزب الحاكم و7 مرشحات للتحالف المعارض الذي ضمَّ نحو 14 حزبا وقوى سياسية صغيرة، إضافة لمرشحة واحدة رشحتها (للمرة الثانية في تاريخها) جماعة الإخوان المسلمين.. بينما كان إجمالي عدد المرشحين 7 للتنافس على 444 مقعدا بمجلس الشعب. ورغم أن عدد النساء المسجلات في جداول الانتخابات المصرية يصل إلى 37%، (11.6 مليون ناخبة من بين 32 مليون ناخب) لكن الغريب أن نسبة تمثيل المرأة في البرلمان لا تتعدى 2%. وربما هذا ما دفع نواباً وخبراء شاركوا أخيراً في ورشه عمل نظمتها «الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية» حول برلمان 2005 بتصنيف المرأة ضمن «الفئات المهمشة» لتراجع عدد المرشحات في تلك الانتخابات، ولضعف ما حصلت عليه من مقاعد تحت قبة البرلمان، مقارنة بما كان عليه الوضع في انتخابات عام 2000، والتي ترشح لها ‏120‏ سيدة (‏11‏ من الحزب الحاكم و‏97‏ مستقلة، و12 من حزبي الوفد، والتجمع‏‏) لم يفز منهن سوى سبع مرشحات فقط.

وتقول دراسة لـ«مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية»، إن ضعف التمثيل البرلماني..«هو قاسم مشترك بين المرأة المصرية والخليجية»، مع الأخذ في الاعتبار حداثة التجربة السياسية للمرأة الخليجية، ففي سلطنة عمان، بلغ عدد المرشحات في انتخابات مجلس الشورى (2000 ـ 2003) حوالي 21 امرأة في مقابل 550 مرشحًا، أي بنسبة 3.8%، وفي انتخابات (2004 ـ 2006) انخفض العدد إلى 15 مرشحة مقابل 506 بنسبة 3%، وفي مملكة البحرين خاضت ثماني سيدات في عام 2002، وبنسبة حوالي 4.2% من إجمالي عدد المرشحين البالغ عددهم 191 مرشحا. لكن الدراسة تقول أيضاً إنه رغم ذلك فقد كانت نسبة إقبال المرأة الخليجية على صناديق الاقتراع عالية، ففي مملكة البحرين كانت نسبة الناخبات في الانتخابات النيابية حوالي 47.4% من إجمالي عدد الناخبين، وفي سلطنة عمان، بلغ عدد الناخبات حوالي 100 ألف بنسبة 38.2% من إجمالي عدد الناخبين.

بدرية سيد، عضو اللجنة المركزية لحزب التجمع اليساري المعارض، روت تجربتها مع الانتخابات لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إنها كانت تأمل، حين تقدمت لخوض انتخابات المجالس المحلية في عام 2002 بجنوب القاهرة أن ترتقي خطوة إلى الأمام لخوض الانتخابات البرلمانية بعد ذلك، لكنها تقول إن ما حدث معها في تلك الانتخابات جعلها ترفض فكرة المنافسة مجدداً لا في المحليات، ولا غيرها من المجالس النيابية.

ومع ذلك، ومنذ تعرضها لـ«عملية إحباط مأساوية»، بدأت «بدرية» تعمل مجدداً من أجل المستقبل، خاصة حين أنصفها القضاء وأصدر حكماً بإبطال نتيجة الانتخابات في دائرة مصر القديمة، التي ترشحت لها في محليات 2002. تقول بدرية إن حزب التجمع، مثل أحزاب أخرى، بما فيها الحزب الحاكم، يعمل على عدة اتجاهات سعياً وراء تمثيل أفضل للمرأة، لهذا شاركت مع عديد من النساء، من حزب التجمع وأحزاب أخرى، بالاشتراك في ورش العمل التي ينظمها المجلس القومي للمرأة، للاطلاع على مزيد من الخبرات اللازمة لخوض الانتخابات في مجتمع يوصف من جمعيات نسوية مصرية بأنه «مجتمع ذكوري» يعطي الأفضلية للرجل على حساب المرأة.

حين توجهت بدرية لأقاربها بجنوب القاهرة، والذين ترجع أصول أغلبيتهم لقبائل وعائلات بصعيد مصر، لتعلن لهم نيتها في خوض انتخابات المحليات عام 2002، استُقبلت من جانب كثيرين منهم بالترحاب لكنها لم تدرك أن «الترحاب بخوض التجربة» يعني «تأييدها في ما ذهبت إليه»، إلا في يوم التصويت، إذ اكتشفت أن عليها أن توفر للناخبين منهم سيارات لنقلهم إلى مقار التصويت، وتحمل نفقات إطعام مئات المندوبين، ودفع أموال يصل إجماليها لعشرات الآلاف من الجنيهات لناخبين يريدون ثمناً لأصواتهم الانتخابية. تتذكر تلك الأيام وتقول.. «كانت العملية برمتها مفاجئة لي.. كانت أول انتخابات أخوضها، ولم أكن أتخيل أن ما كنت أسمعه من قبل عن النفقات الباهظة للفوز بمقعد في المجلس المحلي ستحدث معي.. كانت هناك وجوه غريبة لبلطجية مسلحين بالسيوف والمطاوي وزجاجات مياه النار على استعداد للدفاع عن المرشح، الذي دفع لهم أكثر.. كنت أنا استنجد بقبيلتي وعائلتي وأعضاء الحزب الذي أنتمي إليه.. كنت أستنجد حتى برجال الأمن الذين يحرسون لجان التصويت، لكن المشكلة كانت تكمن في أن منظومة العملية الانتخابية، سواء للمحليات أو البرلمان، تحدث بهذا الطريقة منذ نحو 30 سنة، ولا يملك أحد تغييرها في يوم التصويت العصيب.. هذا يتطلب وقتاً طويلاً من العمل لتغيير هذا النمط الشاذ من المنافسة».

وشاركت «بدرية» بعد ذلك في ورش عمل مع الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة، الدكتورة فرخندة حسن، وتدربت مع 440 سيدة أخرى من أحزاب مختلفة، على خوض الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005، لكن أمينة المجلس القومي للمرأة نفسها، قالت إنها فوجئت بأن الأحزاب لم ترشح إلا عدد قليل جداً ممن تم تدريبهن بالمجلس القومي للمرأة.

وفي رأي رئيس الحزب الناصري ضياء الدين داود، الذي لم يرشح أي نساء على قوائمه في انتخابات البرلمان الأخيرة، فإن الحملات الانتخابية أصبحت تحتاج لأموال طائلة، فيما أوضح مساعد رئيس حزب الوفد، محمد سرحان، في حديث له، أن المجتمع، خاصة بالقرى المصرية حيث تتحكم العلاقات العائلية والقبلية، لا يساعد على نجاح المرأة المرشحة للانتخابات، خاصة أنها (الانتخابات) تجري بالنظام الفردي، إذ لم تفز أي من السيدات الثلاث اللائي رشحهن الوفد في تلك الانتخابات.

يقال إن جماعة الإخوان المسلمين تتحفظ عادة عن ترشح نساء في الانتخابات النيابية والمحلية على أساس أن المرأة مكانها البيت وتربية الأولاد، لكن الجماعة رشحت في انتخابات البرلمان عام 2005، لثاني مرة في تاريخها، الدكتورة مكارم الديري الأستاذة المساعدة في جامعة الأزهر (من بين 160 مرشحاً رجلاً) إذ كانت الجماعة تسعى لترشيح 25 امرأة. وتعزو الجماعة قلة مشاركة المرأة (الإخوانية) في الحياة السياسة، منذ منتصف القرن الماضي، إلى ما تقول إنه تعرُّض المنتمين للجماعة للعديد من حالات الاعتقال السياسي.

ولتدارك السلبيات التي تؤدي إلى انخفاض نسبة ترشح المرأة للانتخابات التشريعية في برلمانات العالم، أفردت اتحادات لبرلمانات إقليمية ودولية، فصولاً خاصة لتمكين المرأة ومساواتها بفرص الرجل في الترشح وخوض الانتخابات، وذلك على خلفية اتفاقات تابعة للأمم المتحدة تلزم الدول المختلفة بإزالة الحواجز التي تعيق المشاركة السياسية والتشريعية للمرأة، وهو ما بدأ ينعكس على العديد من التشريعات والمبادرات الحكومية هنا وهناك، أو كما قالت أندرس جنسون الأمينة العامة للاتحاد البرلماني الدولي: ان «النساء يواصلن كسبن أرض في السياسة.. ولكن بتقدم بطيء للغاية».