ثورة الأرز المقبلة

طعام نصف سكان الأرض.. لا يكفي لـ17% منهم.. ما يهدد باضطرابات في آسيا

نيبالية تقوم بعملية تفريق القش عن الحبوب في حصاد الارز بقرية على مشارف العاصمة كاتماندو (إ.ب.أ)
TT

تنذر أزمة ارتفاع أسعار الأرز الذي يستهلكه نصف سكان الارض، والنقص الحاد في انتاجه، الى حدوث اضطرابات عنيفة خاصة في القارة الاسيوية التي تزرع وتُستهلك أكثر من 90% منه. فحسب تقارير المنظمات الدولية وجهات رسمية فان المتوفر من هذه السلعة لا يكفي الا في حدود 17% فقط من الاحتياجات، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب في ظل معدل النمو السكاني في آسيا الذي يصل لنحو 56 مليون نسمة سنويا. ومن المقدر أن يكون هناك 1.4 بليون مستهلك جديد للأرز بحلول عام 2025 . ولتلبية الحاجات سيتعين إنتاج 10 ملايين طن إضافية كل عام لسد النقص. فتلك السلعة الاستراتيجية ارتفعت أسعارها في الأسواق العالمية بشكل جنوني وصلت إلى أكثر من 50% خلال الشهرين الماضيين وتضاعفت على الأقل مرتين منذ عام 2004. وحسب مؤسسة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة، ومقرها روما، فإن أسعار الأرز قد ارتفعت بنحو 40%، العام الماضي. ونتجت عن ذلك أزمة في الطلب على الأرز، تضرب دولا في غاية الفقر بقارة آسيا، مثل ميانمار وأفغانستان وباكستان وبنغلاديش وإندونيسيا وماليزيا، مما أجبر هذه الدول على الإنفاق بصورة أكبر على استيراد الأرز. وتبلغ كمية الارز، حاليا أكثر من 520 مليون طن، ويعد طعاما رئيسيا لنحو 2.5 مليار نسمة، في القارة الآسيوية، ويمدهم بأكثر من ثلثي حاجتهم من السعرات الحرارية.

وخلال الأشهر الستة المنصرمة، زاد السعر العالمي للأرز من 430 دولارا (آب ـ أغسطس 2007) إلى 590 دولارا (فبرايرـ شباط 2008). كما زاد نقص الأرز من المخاوف بشأن اندلاع الثورات وأعمال العنف في آسيا. وأدت الأسعار المرتفعة بالفعل إلى مظاهرات في الفلبين وهي أكبر مستورد للأرز في العالم. وطلبت الحكومة التي ترأسها غلوريا أرويو من الشعب ادخار الأرز المتبقي. كما تعهد المتمردون الشيوعيون بالاستفادة من الأوضاع لإثارة الاضطرابات في البلاد. ولأنها تخشى من «قوة الشعب» والانقلاب عليها، فإن أرويو تشتري الأرز بأسعار عالية من فيتنام لتهدئة الشعب. وبصورة مشابهة، تضاعفت أسعار الأرز في بنغلاديش خلال عام واحد، مما أثار القلق، ولكن الأمر لم يصل إلى الاضطرابات بعد. وأدت الفيضانات والأعاصير خلال العام الماضي إلى خفض الإنتاج، وأجبرت الحكومة على زيادة الاستيراد. وتستورد بنغلاديش الأرز من الهند وتايلاند وفيتنام وميانمار، ولكن ذلك يصبح صعبا. فالهند تجد مشترين يدفعون أكثر في الشرق الأوسط للحصول على الأرز البسماتي، وبذلك فإنها تتجنب دول شرق آسيا. وقامت الهند بعد إلحاح شديد بتخصيص 500 ألف طن من الأرز لتصديرها إلى بنغلاديش. ولكنها زادت السعر إلى 505 دولارات بدلا من 425 دولارا للطن. ويقول خبراء الاجتماع بأن ندرة الأرز في المستقبل سوف تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية في عدد من البلاد، ولن يكون الغرب الثري في مأمن عن ذلك. ولكي تتجنب الكارثة، اتخذت العديد من الدول الآسيوية خطوات صارمة لاحتفاظ بمخزون من الأرز. فقد اتخذت الهند خطوات للحد من صادرات الأرز في محاولة لتهدئة الأسعار والتأكد من كفاية مخزون الطعام لشعبها الذي يزيد عن المليار. وأفاد المحلل الزراعي ديفندر شارما، من منتدى التكنولوجيا الحيوية والأمن الغذائي، ومقره نيودلهي، بأن النقص المتزايد في الأرز أجبر الحكومة على منع التصدير. وفي كمبوديا، أمر رئيس الوزراء هان سين بمنع تصدير الأرز لكبح جماح الأسعار داخل البلاد. وقامت فيتنام وهي مصدر أساسي للأرز، أصيب المحصول لديها بفيروس يسمى تنجرو بالإضافة إلى غزو حشرة النطاط البنية، كذلك بمنع تصدير الأرز. ومع ذلك، يزعم خبراء الأرز بأن الطلب المتزايد على الأرز لاسيما من أفريقيا والشرق الأوسط يعتبر مساهما مهما في الارتفاع الجنوني للأسعار. فقد أدى الطلب العالمي على الأرز إلى وصول المخزون منه إلى أدنى مستوياته خلال ثلاثة عقود، مع تضاعف معدل السعر خلال السنوات الخمس المنصرمة. وشهدت إندونيسيا التي كانت دولة مصدرة للأرز انخفاض مخزونها إلى أدنى مستوياته خلال العقد الأخير.

وكذلك، فإن جارتها تايلند تكافح من أجل مواكبة الارتفاع غير المعقول لأسعار الأرز، بعد تذبذب أسعار صرف العملة. وكذلك فإن بعض الدول الرئيسة في تصدير الأرز تستفيد من نقص المحصول وقامت برفع أسعار تصديره. وحددت فيتنام سعر الطن بـ460 دولارا، مما يعني زيادة مقدارها أكثر من 50% عن العام الماضي. ويتم تخصيص مقدار كبير من الأرز المصدر من فيتنام إلى الفلبين، وطلبت الرئيسة غلوريا أرويو من رئيس الوزراء الفيتنامي نجيويون تان دونغ الشهر الماضي ضمان استمرار توريد الأرز. وتبيع تايلند الآن الأرز بأكثر من 500 دولار للطن، رغم أن سعره كان لا يتجاوز 325 دولارا العام الماضي. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب المحلي للأرز ليصل لـ770 مليون طن بحلول عام 2025 في ظل معدل النمو السكاني في آسيا الذي يصل لنحو 56 مليون نسمة سنويا. ومن المقدر أن يكون هناك 1.4 بليون مستهلك جديد للأرز بحلول عام 2025 ولتلبية الحاجات سيتعين إنتاج 10 ملايين طن إضافية كل عام.

وتعد الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان بعد الصين، وستكون من أوائل الدول المتوقع أن يرتفع فيها الطلب على الأرز بنسبة 46 في المائة. والدول الأخرى في المنطقة هي الفلبين بنسبة 42 في المائة وماليزيا بنسبة 56 في المائة وبنغلاديش بنسبة 51 في المائة وفيتنام بنسبة 45 في المائة وميانمار بنسبة 42 في المائة وإندونيسيا بنسبة 38 في المائة. ولكن ما هو أكثر أهمية هو أنه في ظل توسع الطبقة المتوسطة وزحف المدن، كما هو في اليابان وكوريا، من المنتظر أن تنمو الجودة التسويقية للأرز. ويقف مخزون الأرز العالمي في الوقت الحالي عند 72 مليون طن، وهذا هو المعدل الأسوأ منذ منتصف السبعينات ويكفي لتغطية نحو 17 في المائة من الاستهلاك العالمي سنويا، حسب بيانات من وزارة الزراعة الأميركية. ومنذ ثمانية أعوام كان المخزون يكفي 35% من الطلب. وتشير تقارير من أماكن مختلفة في أسيا إلى أن المستهلكين يزيدون من مخزون الأرز لديهم في ضوء الارتفاع القياسي في أسعار الأغذية في العالم. ونفد الأرز من على أرفف المحلات، بسبب الخوف من الزيادة في الأسعار، بحسب تقارير إعلامية.

ويقول الدكتور محبوب حسين، خبير عالمي في الأرز، إن هذا يرجع لظاهرة الاحترار العالمي التي كان لها أثرها في ارتفاع معدل تساقط الأمطار والفيضانات وموجات الجفاف التي ضربت أبرز الأقاليم المنتجة للأرز. ويضيف الخبير العالمي: «هناك مشاكل في المناخ. تواجه المحاصيل مخاطر حقيقية. ربما تكون المشكلة الآن في محصول الأرز، ولكن الدور سيكون على محصول آخر إذا استمرت ظاهرة الاحترار العالمي». ويشير إلى أنه «منذ الثمانيات من القرن الماضي تم تحويل مساحات من الأراضي الزراعية لمناطق صناعية وملاعب للغولف ومناطق سكنية ومراكز تجارية. ومما جعل الأمر أكثر سوءا هو أن بعض المناطق التي تم ريها على نحو كامل كانت من ضمن هذه المناطق». ويضيف أن تنفيذ اتفاقيات الغات في دورة أوروغواي ربما يقلل من الحوافز لإنتاج الأرز وذلك لأن الدول ذات الدخل المتوسط والعالي ستكون مضطرة لفتح أسواقها، حيث كانت اليابان وكوريا تحت ضغط لفعل هذا. وأشار إلى أنه إذا قاموا بذلك فإن اسيا سوف تفقد 20-25 مليون طن من الأرز من المنطقة.

ويضع بعض الخبراء المعنيين باللائمة على الحكومات الآسيوية في أزمة الأرز الحالية. كتب روبرت زيجلر، من معهد أبحاث الأرز الدولي، أحد القوى المحركة وراء الثورة الخضراء في آسيا خلال الستينات، أن الحكومات تجني ثمار سنوات أهملت في الأبحاث المرتبطة بالزراعة والري وغيرهما من الأشياء التي تساعد المزارعين. ويخشى العلماء من أن تؤثر ندرة المياه وعوامل التعرية تأثيرا كبيرا على ما يقدر بـ400 مليون هكتار من الأرض الزراعية في آسيا، في الوقت الذي توجد فيه 47 مليون هكتار عرضة للهلاك بسبب عوامل كيميائية وفيزيائية.

وخلال الـ25 سنة القادمة، ستقل كمية الأرض البور بمعدل النصف في جنوب آسيا وبمعدل الثلث في شرق آسيا. ومن المتوقع أن تنخفض كمية وجودة المياه الصالحة لزراعة الأرز. وإذا ما استمرت الاتجاهات القائمة، فإن معظم البلاد لن يكون لديها اكتفاء ذاتي من الأرز خلال عشرين عاما. ومن الأسباب الرئيسية وراء الانخفاض في زراعة الأرز الأرباح الضعيفة التي تعود على المزارعين. وتشير إحصاءات من كوريا إلى أن عدد مزارعي الأرز نقص بمعدل الثلثين خلال المدة من 1965 حتى 1995. ويقول بعض علماء الأرز إنه يمكن منع الكارثة عن طريق أبحاث تهدف رفع سقف الغلة الحالية. عقد خلال الشهر الأخير مؤتمر بالشراكة بين معهد أبحاث الأرز الدولي في مانيلا ومؤسسة الأرز الآسيوية التي أسست حديثا، وخلاله أدرك الخبراء أن هناك حاجة للوصول لنوعيات جديدة وغلة أفضل وسياسات تستهدف المزارعين لتلبية الطلب العالمي المتزايد. ويسعى أشهر فعالي الخير في العالم للحد من أزمة الحبوب المتنامية، فقد أعلن رئيس شركة مايكروسوفت بيل غيتس عن منحة قدرها 19.9 مليون دولار على ثلاث سنوات للمعهد الدولي لأبحاث الأرز لمساعدة 400 ألف مزارع صغير في جنوب آسيا وأفريقيا في الحصول على سلالات أفضل من الأرز وتكنولوجيا أكثر تقدماً. وتسعى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ولديها اكتفاء ذاتي لحد كبير، لحماية قطاعات الأرز عن طريق فرض تعريفة استيراد كبيرة أو تقديم الدعم. فقد جمدت الصين سعر الأرز وأعلنت أن المزارعين سوف يحصلون على أسعار أكبر للأرز والقمح، في محاولة منها لتلافي مشاكل إنتاج الأرز الموجودة على نحو واسع في غيرها من الدول الآسيوية.