طريق أمين

سائق تاكسي مصري يروي كيف يبحث عن «طرق سالكة» في شوارع القاهرة المزدحمة

أمين في سيارته يستعد ليوم جديد («الشرق الأوسط»)
TT

«أمين» سائق تاكسي مشغول بثمن قوت أولاده في شوارع العاصمة المصرية القاهرة الداخنة والمزدحمة. ومن إشارات المرور الخانقة، ومن فوق كوبري 6 أكتوبر، ومن فوق كوبري المنيب بوسط العاصمة المزدحم جدا، يبحث عن «طرق سالكة» في عتمة الغلاء. فرضت الظروف على محمد السيد أمين الذي يجوب شوارع القاهرة حياة متقشفة وصعبة، بعد أنه خرج إلى الدنيا في بيت تُصلي جدرانَه شمسُ صيفِ القاهرة، ضمن بيوت متراصة ومكبوسة في بعضها البعض على «شارع السد» الشهير بضاحية السيدة زينب الشعبية بالقاهرة. في ذلك اليوم ماتت والدته، وكأن أول درس تعلمه في الحياة هو أنه سيصبح يتيماً. قسوة الظروف من حوله جعلته لا يفكر في الزواج.. لكنه اضطر إليه اضطراراً بعد تقدمه في العمر.. الحياة صعبة، ومنذ عمل سائق سيارة أجرة منذ نحو 20 عاماً وهو يخاف من أن الحياة قد لا تستقيم له. يبدو أن هذا الحدس أصبح صحيحاً وهو في العقد السادس من العمر. ولو لم يتزوج لكان من الممكن أن ينزح بعيداً عن ضجيج القاهرة وزحمتها، ولكان الآن في الإسكندرية أو أية مدينة ذات «شوارع سالكة» بدلاً من إشارات المرور التي يقف فيها بالساعات هنا، وبدلاً من استنشاقه عوادم محركات السيارات المحيطة به.

وفي وقت كانت البلاد تدخل حقبة الانفتاح الاقتصادي في نهاية السبعينات، ويبشر رئيسها آنذاك، الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، بالرخاء، كانت فرص العمل في العاصمة المصرية شحيحة لشاب في العشرين من عمره، لم يكمل من تعليمه إلا المرحلة الابتدائية، ولم يجد ابن ضاحية السيدة زينب مفراً من الالتحاق بشقيقه في الأردن للعمل هناك في غسل أطباق أحد مطاعم مدينة عمَّان، في محاولة للهرب من مستقبل غير واضح، على ما بدا له في ذلك الوقت.

يتذكر أمين، وهو يتحدث عن موجة غلاء جديدة تضرب البلاد هذه الأيام، ولحقت بالوقود والبنزين الذي يملأ به خزان سيارته يوميا، الناس الذين خرجوا في مظاهرات 17 و18 يناير سنة 1977 بمئات الألوف في شوارع مدينة القاهرة التي تحولت الآن إلى ما يشبه الكراج الكبير المكدس بسيارات تزحف على مهل. لعبتْ صورة القاهرة وهي في فوضى عارمة، خلال مظاهرات أعقبت قرارات الرئيس السادات زيادة الأسعار، دوراً كبيراً في قرار سائق التاكسي محمد السيد أمين، السفر للخارج عام 1979، وظلت في ذهنه على ما يبدو حتى عاد، بعد نحو ثماني سنوات من الطواف بين بلاد العرب والأجانب، إلى مصر، بحصيلة زهيدة لا تزيد عن 1500 جنيه..«أي حوالي 6 آلاف جنيه بأسعار هذه الأيام»، لكنه ظل بعيداً عن السياسة وعن الانتخابات وعن الاستفتاءات، لدرجة أنه لا يعرف أسماء أي من ممثلي دائرته الانتخابية، دائرة دار السلام والبساتين، وهي منطقة فقيرة أصبح يعيش فيها منذ ورث شقة صغيرة عن والده، وتقع قرب ضاحية المعادي الثرية، بشوارعها التي ما زالت تحتفظ بجانب من هدوئها القديم بجنوب القاهرة. حين تعلَّمَ أمين قيادة السيارات في مدرسة تابعة لإدارة مرور البساتين، وهي الإدارة الوحيدة التي كانت تدير أمر المرور في العاصمة في ذلك الوقت، وحين اجتاز امتحان القيادة والقراءة واللياقة الطبية، لم يدر بخلده أن اختياره لمهنة السياقة ستتحول إلى مهنة تعرقل مسيرة حياته، بعد أن تحولت شوارع القاهرة، بمرور الأيام، وبتكاثر السيارات والناس، إلى ما يشبه حَوَارٍ ضيقة تحتاج لحواة وبهلونات، لا سائقين، للمرور فيها سواء بالطول أو بالعرض، على الكباري أو في الشوارع.

بدأ محمد السيد أمين حياته يعمل على سيارات أجرة «تاكسي» عند أحد ملاك تلك السيارات، التي غالباً ما تكون متهالكة تسير بالكاد، وكثيرة الأعطال، وكان يأمل، بداية، أن يدخر لشراء «تاكسي» خاص به، يعمل عليه بدون ضغوط من المالك، لكن هذا الأمل ظل يتباعد يوماً بعد يوم منذ عام 1988 حتى الآن لأسباب كثيرة على رأسها ارتفاع نفقات المعيشة.

ومثلما كان يستشعر اليأس من امتلاك تاكسي، كانت الرغبة في الزواج، وتحمُّل مسؤولية أسرة، تتراجع من أمام عينيه ليلة بعد ليلة.. قال: «تزوجتُ من خمس سنين فقط.. لم أكن أضع موضوع الزواج في دماغي، لأن الوضع هنا، زي ما شفته، هو أني بصفتي رجل أرزقي، اشتغل على باب الله لن أكون قادراً على الزواج.. الزواج مسؤولية، والأولاد مسؤولية في مدينة كبيرة يختلط فيها الصعايدة (القادمون من جنوب البلاد للاستقرار في العاصمة) بأهل الدلتا (شمال) ما حدش يعرف حد، ولا حد يساعد حد، ولا حد يسلف حد، لغاية ما تتحسن الأمور.. فيه ناس طيبون لكن موضوع الزواج لقيته صعبا».

منذ السابعة صباحاً، حيث تبدأ الشمس ترتفع رويداً رويداً من وراء الغلاف الضبابي الذي يجلل سماء العاصمة المصرية، وحيث تبدأ أبواق السيارات في الارتفاع بمرور الدقائق، متعجلة فتح إشارات المرور أمام الذاهبين لأعمالهم ومدارسهم، يبدأ أمين عمله، وقد اتخذ من أسرته الصغيرة (ربة منزل، وبنت 11سنة وولدان 3 سنوات و6 أشهر)، بضاحية دار السلام ذات الشوارع الضيقة والخالية من أرصفة المشاة، مركزاً للكون ينطلق ليعود إليه بالتاكسي الذي يعمل عليه في الوقت الحالي، وهو سيارة ماركة «لادا» موديل عام 1994 روسية الصنع سعتها 1200 سي سي، وهي (هذه اللادا الملونة بالأبيض والأسود) واحدة من ضمن آلاف سيارات التاكسي التي أصبحت تمثل عبئاً على الحكومة لتسببها في زيادة ازدحام العاصمة وكثرة وقوع الحوادث، بعد أن وصل عددها بالقاهرة إلى 49440 سيارة، فيما يبلغ إجمالي سيارات التاكسي في المدن الثلاث المتلاصقة (القاهرة وغربها الجيزة وشمالها القليوبية) 80 ألف سيارة تاكسي من بينها 2600 سيارة مضى على سنة صنعها من 30 إلى 40 سنة، وأصبح مظهرها، الذي يعود لسبعينات القرن الماضي، غريباً وسط السيارات الحديثة.

يعمل أمين لمدة تزيد عن عشر ساعات يومياً، ليستطيع سداد مقابل عمله على التاكسي للمالك.. «مطلوب مني أورد له (لمالك التاكسي) 50 جنيها في اليوم سواء كسبت المبلغ أو لا.. وفوق ذلك مطلوب مني أن أملأ الخزان بالوقود، وسداد حساب الزيت، وحساب المخالفات.. كل هذه الأعباء تجعلني مثل أي سائق أجرة آخر، سواء يعمل على تاكسي أو ميكروباس لا يملكه مثلي، يجري عايز يسابق الزمن ليجمع الخمسين جنيها أولاً لصاحب السيارة، ثم يجمع أي مبلغ إضافي له ولأسرته، عشان كده معظم حوادث السيارات تحدث من سائقي التاكسي والميكروباس بسبب محاولة كسب الزمن». وفي ظل ارتفاع الأسعار والزحام، وضغوط المالك، وفقر الزبائن المحليين، يقول أمين «فيه بعض السائقين متخصصون في اصطياد الزبائن العرب القادمين من الخليج.. لو المشوار بـ 4 جنيهات يقول له المشوار بـ 40 جنيها.. أو 60 جنيها.. أو حتى 100».

ومع ارتفاع سعر البنزين في مصر منذ يوم الاثنين الماضي، بنسب تصل لنحو 50% يقول أمين إنه اعتاد على زيادة الأسعار.. «كل ما يرتفع سعر البنزين، اللي كان في الثمانينات لا يزيد عن 35 قرشاً للتر، كل ما صاحب السيارة ينبه علينا ضرورة زيادة الأجرة على الراكب.. يعني في الأول زاد لخمسين قرشا وبعدين، لا أذكر متى بالضبط وصل سعره لأكثر من جنيه، وبعدين لما نطلب من الراكب زيادة يتعارك.. يقول حرام عليك حرام عليك.. ده ظلم.. طيب ليه يقول كده وهو عارف إن أنا مش مسؤول عن ده».

ويتابع «في سنة 1988 كان الزبون يدفع في المشوار من دار السلام لرمسيس (بوسط العاصمة)، حوالي 4 جنيهات أو 5 جنيهات.. ماكنتش أطلب من الزبون أجرة محددة.. ساعتها (أي في ذلك الوقت) كان فيه تشدد من الحكومة على مراقبة عدادات سيارات التاكسي.. لازم العداد يكون شغالا، ولا زم الحساب يكون وفق قراءة العداد، ولأن الراكب يعلم أن غالبية عدادات سيارات التاكسي لا تعمل، فإن السائق كان لا يطلب أجرا محددا، والراكب يعطي ما فوق ما يظن أنه أعلى من قيمة العداد، يعني يدفع زيادة شوية عن القمية الرسمية اللي غالباً في تقديره تكون جنيهين ونصف أو ثلاثة». لكن ما هي طريقة الدفع الآن مع استمرار عدم الاعتماد على تعريفة العدادات التي غالباً ما تكون معطوبة أو معطلة؟، يوضح امين قائلاً: «دلوقتي لا بد من الاتفاق بين الطرفين.. بين الزبون والسائق.. يقوله لغاية رمسيس تاخد كام، السواق يقول عشرين.. الزبون يقول لا حادفع 15، وبعدين يتفقوا على 17 جنيها مثلاً».

وربما لهذا السبب أصبح أمين يتهرب من التورط في مشوار مع زبون لوسط البلد..«في مشاور لميدان التحرير أو ميدان رمسيس تستهلك السيارة بنزين زيادة.. من عشرين سنة كان مشوار من دار السلام لرمسيس يستهلك حوالي 2.5 إلى 3 لترات، أما الآن وبسبب الزحام، وحرق الموتور للبنزين على الفاضي فيستهلك المشوار من 5 إلى 6 لترات.. حتى أسعار زيت العربية ارتفعت.. كنت أغير الزيت للسيارة كل أسبوع لأن السيارة لا يوجد بها نظام عداد بالكيلومتر، وكان ثمن جركن الزيت 4 كجم 8.5 جنيه ومن آخر الثمانينات وسعره يرتفع ويرتفع حتى وصل أقل نوع منه دلوقتي لـ30 جنيها».

ولكي يقتصد في استهلاك البنزين ويتجنب العراك مع الزبائن حول الأسعار رسم أمين لنفسه طرقا وحدودا يسير فيها بعيداً عن الزحام.. «أتوكل على الله وأطلع بالعربية.. المشوار اللي مش عاجبني ما أرضاش آخذه..فيه أماكن هادية شوية ما يكونش فيها زحمة مثل المعادي والقاهرة الجديدة و6 أكتوبر، لكن داخل البلد زحام رهيب.. أكثر منطقة زحمة هي شارع القصر العيني.. أكثر مناطق الزحام أيضاً الجيزة وأشد منها منطقة فيصل، والأكثر شدة منطقة الهرم.. حين بدأت أعمل على التاكسي قبل 20 سنة لم تكن الشوارع بمثل هذا الزحام».

وعن أشهر الاختناقات المرورية التي تعرقل مسيرته في مشوار من دار السلام إلى وسط المدينة، أي بالتحديد، إلى ميدان رمسيس، يقول امين: «أولاً مشوار زي ده عذاب وله حساب (أجرة) لوحده.. ممكن تقضي في الطريق ما بين ساعة وساعتين.. لو انت جاي من دار السلام والمعادي فتلاقي أول إشارة في منطقة البوابة القريبة من مصر القديمة، وبعدها إشارة نقابة الصيادلة في شارع القصر العيني، وفي آخر القصر العيني في ذات الاتجاه، هناك إشارة مرور الجامعة الأميركية في ميدان التحرير، وبعدها إشارة عبد المنعم رياض، قبل أن تسلك طريق رمسيس نفسه، وهذا الطريق هو الآخر شديد الصعوبة بسبب كثرة المداخل والمخارج المتفرعة منه سواء المؤدية لشارع شامبليون ومنطقة معروف، وشارع عبد الخالق ثروت.. هناك، على اليمين فيه نقابة الصحافيين والمحامين ودار القضاء العالي.. وعلى اليسار، أي من الشوارع الجانبية القادمة من شارع الجلاء اللي فيه مقرات جرايد كبيرة زي الأهرام ومحاكم ومصالح حيوية، فالزحام أشد».

سبب الزحام ليس التكدس أمام الإشارات المرورية فقط، بل يرجع أيضاً إلى «ركن سيارات على جانبي الشوارع، خاصة في شارع رمسيس، وكذلك هناك سائقون يكون الواحد منهم عايز يدخل شارع على الشمال، بينما هو ماشي على اليمين، ثم يقرر الانعطاف فجأة إلى الشمال، فيعطل سير السيارات.. مفروض يبدأ في الانتقال بسيارته إلى الجهة الشمال، قبل مدخل الشارع بثلاثمائة متر أو أربعمائة متر، حسب قواعد المرور.. اللي ما يلتزمش بالقواعد بيشارك في دربكة الدنيا في الشارع». مشتكيا إن بعض السائقين لا يعرفون قواعد المرور، و«البعض الآخر عارف بس بيستهبل». ويتابع «المشكلة هي أن منازل الكباري ضيقة.. تصميم نزلة الكوبري مش مضبوطة.. أية نزلة بتلاقيها ضيقة مثل نزلة المنيب من عند الطريق الدائري (جنوب العاصمة)».

وفيما عدا بعض الطرق الحيوية التي تخلو إلى حد ما من الزحام ومن الحفر والمطبات الصناعية، كطريق صلاح سالم، وطريق مصر الجديدة وطريق الميرغني والنزهة وغيرها (بالضواحي الشرقية الراقية بالعاصمة) يتعثر أمين عادة «في شوارع مكسرة تهلك العربية ياما أكلت مطبات صناعية لأنه لا توجد عليها علامات إرشادية.. العلامات الإرشادية عن المطبات لا توجد إلا في الأماكن القريبة من بيوت الناس المهمين».

ويبدو أنه كلما مرت الأيام تكاثرت الخطوب على رأس أمين، فهو لا يعرف هل ينجو بالسيارة التي يعمل عليها من ارتفاع سعر البنزين أم من الزحام، و«خناقات» الركاب أم من الحفر والمطبات بالشوارع.. أم أن الأفضل أن ينجو بنفسه من دخان عوادم السيارات وتكاليف علاجه منها «دخلي في الشهر يصل في حده الأقصى في بعض الأحيان إلى 500 جنيه.. ومنه أشتري حليبا و3 علب سريلاك (نوع من غذاء الأطفال) لطفلي الصغير محمود وعمره الآن 6 أشهر، بحوالي 50 جنيها في الشهر، و30 جنيها أشترى بها خبزا بواقع جنيه في اليوم..وأفطر خارج البيت، سندوتشين واحد فول وواحد طعمية، كان ثمنهما في السابق، يعني أي قبل 15 سنة، 30 قرشا، أصبح اليوم 150 قرشاً.. وأترك مصروفاً للبيت من أجل طعام الأسرة، وتوفير وجبات يومية للغداء.. زوجتي تشتري أرزا وأي خضار يكون سعره رخيصا مثل السبانخ، وتبلغ تكلفة هذا الطعام حوالي 30 جنيهاً كل أربعة أيام.. نقعد نأكل منه، ونضع الباقي في الثلاجة، ونسخن ويأكل منه الأولاد، وأنا معهم، إذا عدت للبيت مبكراً، لمدة أربعة أيام أو خمسة أيام.. نسخن ونأكل ونسخن ونأكل نوعا واحدا لمدة لأسبوع.. تزوجت منذ خمسة أعوام، ولم تدخل بيتي لحمة.. لا في الأعياد ولا في غير الأعياد.. إنما أحب الستر لا أريد أن أستدين حتى لا يأتي أحد ليطرق باب بيتي ويطلب دينه..الحمد لله..» عندي بطاقة تموين (للحصول على سلع مدعمة من الدولة) عبارة عن زجاجة زيت وزنها أقل من لتر، و1.5 كجم أرز، و1.5 كجم سكر، وباكو شاي.. ده كله مقابل 6 جنيهات ويكفيني لثلاثة أو أربعة أيام.. سعره في السوق يصل دلوقتي لحوالي 20 جنيها».

وينظر السائق، الذي يحاول منذ عدة سنوات تحسين مستوى معيشته بدون جدوى إلى العالم من خلال بعض قنوات محلية قبل أن يخلد إلى النوم، وقد جاءه التليفزيون أخيراً كهدية من صاحب السيارة التي يعمل عليها.. لكنه قبل أن ينام أيضاً يجهد تفكيره في أقساط الثلاجة التي اشتراها بالقسط بعد سداد 500 جنيه مقدم «جبت الثلاجة من معرض يعرف صاحب العربية صاحبه.. مضيت (وقعت على) 25 كمبيالة في 75 جنيهاً شهرياً.. جبت الثلاجة بعد ما خلصت أقساط البوتاجاز.. ليس لدي مكواة وأخرج من بيتي وملابسي مكرمشة.. كما إن ملابسي تعبت من كثرة تلوثها بشحوم وزيوت العربية عند محاولة إصلاحها حين يصيبها عطل في الطريق».

تبلغ مساحة الشقة التي يعيش فيها امين نحو 54 متراً مربعاً وتتكون من حجرة وصالة «أنام أنا وأولادي وزوجتي في ذات الغرفة.. الصالة ليس بها أي فرش أو أثاث ما عدا سجادة ثمنها 175 جنيها.. أسدد فاتورة كهرباء، حوالي 12 جنيها شهرياً، وفاتورة مياه كل 3 شهور حوالي 25 جنيها».

ومع كل هذه النفقات الباهظة مقارنة بدخل زهيد، يدخن أمين علبة بها 20 من سجائر الكليوباتر الشعبية التي ارتفع سعرها من 125 قرشاً إلى 150 قرشاً في الزيادات التي اقترحتها لجنة الخطة والموازنة في البرلمان، ووافق عليها غالبية النواب، يوم الاثنين الماضي. قال: «كانت العلبة التي بها 10 سجائر في الثمانينات بـ 11.5 قرش.. ومن وقتها وكلما زاد ثمن السجاير أقول أبطلها، وبعدين أرجع أدخن تاني».

وقبل الارتفاع الكبير في الأسعار، كان أمين يصطحب أسرته للتنزه فوق الكباري العلوية التي تربط بين القاهرة والجيزة، ومنها كوبري الجامعة وكوبري عباس وكوبري المنيب، ليلقوا نظرة على النيل من فوق، وعلى أضواء القاهرة، عن يمينهم، وأضواء الجيزة عن شمالهم «كنت آخذ الأولاد ونروح الكورنيش نشرب شاي، والآن.. أي يوم بدون عمل بالنسبة لي خسارة كبيرة. ثم إن أي خروج بالأسرة معناه مزيد من المصاريف.. توقفنا عن ذلك.. وقفة العربية محسوبة عليَّ بالخسارة».

لا يزور امين أحداً، ولا يزوه أحد إلا فيما ندر «أنا مشترك في نقابة النقل البري وأسدد 120 جنيهاً كل 3 سنوات لكن لم أستفد منها بأي شيء..ليس لدي صوت انتخابي.. ولم أشارك لا في استفتاءات تعديل الدستور، ولا في انتخابات برلمانية أو رئاسية.. لا أعرف من هم نواب الدائرة.. لا أهتم بمثل هذه الأشياء أنا اهتمامي بلقمة العيش».