الجريمة.. والعقاب

سعد الحريري ما بين حجم البياض في الشعر وحجم السواد في الوطن.. أخطأ وأصابَ في زعامةٍ كبُرَ في كل يومٍ فيها عاماً

TT

بعد أكثر من عام على ارتدائه عباءة والده رفيق الحريري، وقف سعد الدين الحريري خلال مناسبة عامة، وقال: «الله وحده يعلم كم سنة كبرت في هذه السنة». ذلك العام، عام اغتيال الحريري، أضاف الى عمر الشاب أثقالا، خسر سعد واسرته وجميع اللبنانيين رجلا بقامة رفيق الحريري لم يتحمل الكثيرون في الداخل والخارج عرض كتفيه. مطلع تلك السنة، وتحديدا غداة 14 فبراير(شباط)2005 قرر اللبنانيون الانتفاض على جريمة الاغتيال. انتصر الدم على السيف وأخرج الاجماع الداخلي معطوفا على دعم خارجي عارم الجيش السوري من لبنان. بموازاة هذا الانتصار، شرع فريق لبناني في وضع أساسات بناء سيكبر لاحقا ليحاصر الغالبية المنتصرة و«يستهزئ» بالدعم الخارجي.

أين كان سعد الحريري قبل تلك السنة؟

في الطفولة كان الفتى يعيش مع أخويه بهاء والراحل حسام في كنف جده بهاء الدين وجدّته هند وعمته بهية في مدينة ص يدا، بوابة الجنوب اللبناني، كان هادئاً. لا يحب المشاغبة، وحنونا في تعامله مع العائلة.

المرحلة الثانية كانت في «Institut de palessy»، حيث تابع تحصيله بعد اجتياح اسرائيل لبنان عام1982 . آنذاك كان سعد ينفق في يوم مصروفه الأسبوعي. كان يشتري السندويشات هربا من طعام المدرسة. وخلال «الويك آند» لم يكن يفارق البيت للنزهة مع رفاقه. كان يقبع قرب الهاتف منتظرا اتصال والده. وبعد المرحلة الفرنسية عاد سعد الى السعودية عام1985 ، وهناك أكمل تعليمه الثانوي، وأنشأ مع رفاقه فريق كرة قدم، اعضاء الفريق ما زالوا اصدقاءه حتى اليوم.

المرحلة المفصلية في حياة «المسالم الأكبر» سعد الدين الحريري، كما يقول «رئيس أركانه» وابن عمته نادر الحريري، كانت في جامعة «جورج تاون» بواشنطن. يضيف نادر: «كنت أصغر منه. شعرت آنذاك أن شخصيته تبلورت. صار قطبا بين رفاقه وبرزت قدرته». مع توليه شركة «سعودي اوجيه» عام 1996، أثبت الشاب، 26 عاما، انه نجح في الامتحان. ترك الخطوط الخلفية في مدرسة رفيق الحريري. يصفه المقربون انه «سر ابيه»، فقد كان الحريري (الأب) يقول «اطلبوا لي سعد» كلما أراد رجلا للمهمات الصعبة. «المسالم الأكبر»، سعى في تلك المرحلة الى الاحتفاظ قدر ما تسمح له أعماله بعاداته التي يحبها، منها تخصيص عطلة الجمعة في منزله بالسعودية لممارسة هواية الطبخ، فـ«الشيف سعد» يعد أطباقا شهية، كما يقول نادر الحريري، سعودية وفرنسية وإيطالية. وهو ذواقة في هذا المجال. ويضيف: «نفسه طيب. لا نجامله عندما نقبل على ما يطبخ بشراهة». اما هو فيحرص على طبق من البيض المقلي على مائدته التي يجب ان تجمع الاهل والأصدقاء دائما ومن دون مناسبات». عدا الطبخ كان سعد يغرق ساعاتٍ في الإنترنت. يحب السباحة والغطس، لكنه لا يستطيع التمتع بحياة عائلية طبيعية لأن جدول اعماله يحول دون ذلك، لذا يسعى الى التعويض لزوجته لارا العظم وولديه حسام 9 سنوات ولؤلؤة 6 سنوات عندما تسمح له الظروف، إلا ان الأقدار لم تترك سعد «مسالما أكبر» ورجل اعمال صاحب هوايات. لم تعد تسمح له بهذه «الرفاهية». ومن دون أن يقول «اطلبوا لي سعد» كلفه والده الراحل بمهمة أخيرة هي الأصعب. التزمها سعد المعروف بطبع هادئ. فهو ومنذ قررت العائلة تحميله المسؤولية، أعاد ترتيب أولوياته، وإن بقي يتمسك برفضه إقامة أي حاجز بينه وبين الناس، لأنه لا يستطيع العيش الا داخل المجموعة. كل من يعرفه يؤكد انه بشوش بالفطرة. يحب النكتة ويعشقها لكنه يتحفظ خارج دائرة المقربين. اذا ارتاح الى أحد في اللقاء الاول يسأل عنه دائما ويبقيه في باله، وإذا تململ من أحد استنجد برفيق دربه ودرب الوالد هاني حمود، كي يأخذ عنه «كتفا». وما ان ينهي اللقاءات الرسمية حتى يسارع الى ارتداء سروال جينز وقميص «بولو» ويجلس الى «فريق أركانه»، صامتا أغلب الاحيان. يتكلم قليلا ويستمع كثيراً. وهكذا بدأ سعد رحلته الى الهموم الكبيرة تلك السنة. صار زعيما بين عشية وضحاها. سعى منذ البداية الى الانفتاح على الجميع، لكنه كشف عن وجهٍ لا يساوم عندما يتعلق الامر بالمسائل المبدئية. ربما لهذا السبب، لم يستطع كل من الامين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، واحدا تلو الآخر، ضمه تحت جناحهما تحت عنوان الصداقة المميزة التي كانت تربطهما مع والده الراحل، وذلك بحجة رعايته وحمايته أحيانا من «حلفائه». فقد حرص منذ البداية على استبعاد اي طرح يجده غير محق ومن أي جهة أتى. وحصد كما والده حملات شرسة للنيل منه واختلاق الاشاعات سواء على الصعيد الشخصي والعائلي او على الصعيد السياسي.

جوابه الوحيد على هذه الحملات كان جهده للحؤول دون تقليص حجم الارث السياسي للحريري. وغالبا ما كان يسأل: «هل المطلوب إقفال بيت رفيق الحريري حتى نحصل شهادة حسن سلوك من الآخرين».

ارتضى الحريري تلقف كرة النار: زعامة عصية على التماهي الفوري بسبب تجربة الشهيد الكبيرة داخليا وخارجيا. قيادة ثورة الأرز بشقيها. إنهاء صفحة النظام الأمني السوري ـ اللبناني او ما اصطلح على تسميته في أدبيات الأغلبية «عهد الوصاية» وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بالشكل الذي ترتضيه المرحلة الجديدة.

كرة النار هذه علمت سعد الحريري ان عليه السير في حقل ألغام وبين نقاط نارية لا مائية. وإن عليه التعامل مع التسويات من دون السقوط فيها. تارة كان ينجح في الحساب وتارة كان يخطئ. التسوية الاولى كانت الحكومة الانتقالية برئاسة نجيب ميقاتي. والثانية كانت الانتخابات ولوائحها وتحالفاتها الرباعية. والثالثة كانت النزول الى الشارع من دون وسطاء ولا رتوش. التحدي الاصعب بالنسبة اليه بدأ يظهر مع سيره قدما في مجاهل السياسة اللبنانية. اعتمد البقاء «ابن أبيه» في الخطوط الكبرى المبدئية، وفي الوقت عينه بدأ ينسج قماشة خصوصيته كزعيم شاب وسط «مخضرمين غالبيتهم من زعماء المليشيات الذين شاركوا في الحرب الاهلية اللبنانية». هذه الخصوصية برزت في خضم السجال المتعلق بتشكيلة حكومة الوحدة الوطنية التي كان يقود معركتها الامين العام للجامعة العربية، عمرو موسى. آنذاك ارسل سعد الى بري «تشكيلة» ربطات عنق من ارفع الماركات العالمية، قسمها الى ثلاثة أقسام وفق الحصص المقترحة في حينه 19 ربطة عنق للموالاة و10 للمعارضة وربطة عنق واحدة لـ«وزير لا لون له ولا طعم ولا رائحة»، وذلك لدرء خطر الثلث المعطل. كذلك برزت خصوصيته في عدم توليه رئاسة الحكومة بعد الفوز الساحق لقوى 14 آذار في الانتخابات النيابية. اعتبارات عدة ارتبطت بقراره هذا، منها انه كان طري العود في المعترك السياسي بعد اشهر من جريمة اغتيال والده. وايضا انه لم «يبلع» اضطراره الى التعامل بأي شكل من الأشكال مع الرئيس السابق اميل لحود، كما انه لا يريد الذهاب الى دمشق، وهو الذي يقول علنا ان النظام السوري اغتال والده. ولأنه في الاصل يثق برفيق درب الوالد الرئيس فؤاد السنيورة وبقدرته على تدوير الزوايا والاستقطاب الهادئ والثابت تجاه مشروع الغالبية. في المعارك الانتخابية، كان والده يحث الناخبين على التصويت للائحته الانتخابية بكاملها ومن دون تشطيب، فيقول: «زي ما هيّ». سعد وخلال الحملات في صيف 2005 كان يترك الزجاج المضاد للرصاص ويربك حراسه ليزيد على «زيّ ما هي» وصفته المتضمنة مجموعة «الوصايا العشر»، والتي تبدأ من الاستيقاظ باكرا لتنتهي بالتصويت. وكان ينهي كل خطاب انتخابي بعبارة: «انا افديكم بالروح والدم» رداً على هتافاتهم. شهر رمضان المبارك من المبادئ الموروثة عن رفيق الحريري. يحرص خلاله على لقاءات اجتماعية مع مختلف شرائح اللبنانيين على الصعيدين الشعبي والنخبوي. مرة حاول احد كبار الاقتصاديين «المعارضين» انتقاده فقال: «ألم يكن من الافضل ان تتبرع بتكاليف هذه الولائم الى المحتاجين؟». أجاب سعد غاضباً: «لا أحد يزايد على آل الحريري في هذه المسألة. نحن نقوم بواجبنا بما أمر به المولى». كذلك طلب منه خلال اجتماع مع بعض علماء الدين السنة ان يدعمهم بمواجهة «الهجمة الشيعية» على أهلهم، فكان جوابه حازما: «في بيت رفيق الحريري لا أسمح بكلمة «سني» او «شيعي» لم ينطق بها والدي ولن أنطق بها». يقول القريبون منه انه في السنة الاولى لتسلمه الامانة، كان كل يوم يكبر شهرا، هو الذي كان يمضي أيامه البيروتية في الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية، متنقلا بين «مجاهله». صار ينتظر «أمر اليوم» لينتقل من قريطم الى أيِّ مكان. وفي غضون ذلك، اكتشف محاولات كثيرة لاغتياله تعدت الخمس، كان مسؤولو الامن يخبرونه بها وكان يفضل الصمت. في تلك السنة ايضا، كانت عينه على التحقيق الدولي في اغتيال والده وقلبه على ما قد يجره التحقيق على لبنان. صدقت عينه ولم يكذب قلبه. قافلة الشهداء الذين لحقوا بالوالد رسخت مخاوفه ابتداء من سمير قصير وجورج حاوي ومرورا بالنواب جبران تويني وبيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، وإن نجا كل من الوزير الياس المر والاعلامية مي شدياق، وليس انتهاء باللواء فرنسوا الحاج والعقيد وسام عيد. ارتكب الاخطاء في خطواته السياسية الاولى. بعضها كان يعترف به مثل اعتذاره للمملكة العربية السعودية عن تعاطيه السلبي مع بعض بنود الورقة السعودية لحل الازمة اللبنانية وتنفيس الاحتقان مع سورية. وأحجم عن الاعتراف بالبعض الآخر الذي تسببت به «حداثة خبرته بالسياسة»، إضافة الى حسن ظنه بالآخرين. عند النقطة الأخيرة يسكت القريبون منه عن الكلام المباح لأن الافصاح غير متاح.

لكن لا يحتاج الى افصاح ان نتبين انه من حسن الظن مثلا انه استبعد أي موقف خصومي مع كل من قطبي المعارضة بري ونصر الله. وقال ردا على سؤالنا اياه عشية انتهاء الانتخابات النيابية، وترؤسه أكبر كتلة برلمانية عن مدى صواب الاتفاق الرباعي: «لا مشكلة لديَّ مع بري ونصر الله. ولن تكون هناك مشكلة». لذا لم يعتبر انتخاب بري رئيسا للمجلس خطأ... لا يزال هو والاغلبية النيابية يدفعان ثمنه». أما جوابه على من يعيّره بتحالفه مع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع فهو: «لم أكن وحيدا عندما بدأ تحالف «حزب الله» و«حركة أمل» شريكين ايضا، وذلك كما بينت انتخابات عاليه والمتن الجنوبي في جبل لبنان. وكذلك القرار الأول الذي اتخذ في المجلس النيابي الحالي. كما أوقعه ظنه الحسن في شباك طاولة الحوار التي أدت كما تبين لاحقا الى تعطيل المجلس واقفاله في وجه النواب وشل المؤسسات الدستورية في البلاد نتيجة هذا الاقفال.

ومن حسن الظن ايضا انه عشية حرب يوليو 2006، كان يعقد اجتماعات ماراثونية مع السيد حسن نصر الله ليبحث وإياه الوسائل العملية لدمج «حزب الله» في الدولة اللبنانية، سواء لجهة الاستفادة من خبرة المقاتلين في الجيش اللبناني او لجهة توفير فرص عمل ومنح دراسية للمتفرغين. كما دخل الرجلان في تفاصيل تنمية المناطق وانشاء الشركات وانعاش الضاحية الجنوبية لبيروت. تؤخذ عليه بعض المآخذ الاعلامية ـ السياسية عندما يرتجل، أكثر مما هي الحال عندما يتلو نصا مكتوبا. لكنه يحب ان يرتجل وعباراته خلال المناسبات الشعبية تدل على قدرته على محاكاة جمهوره بتلقائية. قد يناديه أحدهم خلال إحدى المناسبات: «يا سعد» فيجيب مبتسما: «يا نعم». كما يؤخذ عليه انه لا يتابع عن كثب بعض الخطوات الميدانية المتعلقة بشؤون الناس من مساعدات او ما شابه، كما كان يفعل والده. وقد انتقد قبل 14 فبراير الحالي بأنه استخدم المشاريع العمرانية والمساعدات لحث اهالي الشمال على المشاركة في ذكرى اغتيال والده. هذا التوقيت سجل ضده. اعتصام المعارضة وسط بيروت حوله زعيما سنيا، الامر أنهكه كما ينهكه اليوم وبعد اقتحام العاصمة من قبل المعارضة ربط هذه الزعامة بالفتنة التي تسبب بها تحوّل سلاح المقاومة الى سلاح ميليشيوي. لذا وعندما تلقى معلومات عن ان نية «حزب الله» استخدام السلاح في بيروت، عاد ليلا على جناح السرعة من الخارج وقال للمقربين منه: «إياكم والمواجهات فحزب الله، ومن خلفه سورية وايران يريدان حربا أهلية في لبنان للإطاحة بالدولة ومن ثم بكل شيء املا في اعادة انتاج سلطة شبيهة بعهد الوصاية». ونسق بسرعة مع الزعيم الدرزي، النائب وليد جنبلاط، حول هذا الموضوع على الرغم من ان هذا الموقف سيظهر قوى الغالبية النيابية بمظهر المستسلم. إلا انه فضل ذلك على حرب تطيح لبنان. فسعد كما جنبلاط، مع تسجيل فرق هو ان جنبلاط اتخذ قراره هذا عن تجربة، في حين ان سعد لم يجرب ولا يريد ان ينساق ليجرب. في هذا الاطار علمه وليد جنبلاط ان أي خصم سياسي من الدرجة العاشرة يمكن القضاء عليه بساعة، ولكن محو آثار هذه الخطوة ومصالحات الاسر والعائلات والطوائف قد يتطلب اشهرا وسنوات. عدا ذلك، يعرف سعد جيدا ان المطالبة بمحاسبة من أراق دم والده ورفاقه ومن اغتيلوا يضعفها دخول محازبيه ومؤيديه في لعبة اراقة الدماء ولو من باب رد الفعل على الاعتداءات التي تستهدفهم منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في خريف 2004.

اليوم هل يشعر سعد الحريري بالاستياء لأنه جال العالم ليقول ان القرار 1559 نفذ في لبنان، وان المقاومة ليست ميليشيا وسلاحها يخضع للحوار الداخلي، ثم اكتشف عكس ذلك؟ لا يزال سعد متحفظا في الذهاب الى أقصى رد فعل. من سمع خطابه عشية الثامن من مايو (أيار) الحالي بعد اعلان نصر الله الحرب المفتوحة، يستطيع ان يلاحظ مدى استعداده للتراجع في أماكن كثيرة حفاظا على السلم الأهلي، فمشروعه الاساسي كان، ولا يزال، تلافي الرصاص الطائفي. وكأنه يخفي تحت جلده درعا واقيا من الفتنة التي يجر اليها. ربما تجاهل صوتا يهمس في وعيه بأن كل محاولاته لدرء الفتنة والوصول بالبلاد الى بر الامان لن تنجح لأن جريمته في الاساس ان دم والده أخرج النظام السوري من لبنان. وان هذا النظام لم يبلع كيف ان «السنة» هم الذين رفضوا اعتبار جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مجرد حادث عرضي يقع تحت خانة القضاء والقدر، فطالبوا مع غيرهم من اللبنانيين الرافضين أصلا مصادرة هذا النظام البلاد والعباد بخروجه ومحاسبة المرتكبين. ومعروف ان هذا الدمج في المطالب كان السبب المباشر للخروج الذي لم يشف منه بعد نظام الوصاية. لكنه يكذب وعيه ويحاول دائما مد يد الحوار، ليأتيه الجواب ضبابيا او مشككا . وآخر الأجوبة كان قذيفتين صاروخيتين استهدفتا دارته في قريطم، ناهيك من اقتحام مكاتب «تلفزيون المستقبل» وتخريبها وإحراق احد مبانيها ورفع صورة الرئيس السوري بشار الاسد في حرمها بعد نزع صور رفيق الحريري وتمزيقها... ارتكب المجرم جريمته الكبرى باغتيال الحريري وأكملها بعقاب الضحية. اخذ عليه، ربما، رد فعله على هذا «الحوار القاصف» تعييراً لأهالي الجنوب بحضنهم اثناء العدوان الاسرائيلي صيف 2006، ومن ثم تهديدهم بفقدانهم هذا الحضن اذا تكرر العدوان. لكن الرد اللفظي لم يطبق على الارض. فقد تراجع الرجل وأغضب مريديه وغيرهم لحقن الدماء وتجنب الفتنة الطائفية. دحض بموقفه هذا كل الاتهامات السابقة عن انشائه مليشيا لـ«تيار المستقبل» وعن تدريب عناصرها على يد الضابط السابق أحمد الخطيب في الاردن واقليم الخروب في الشوف اللبناني. أظهر بما لا يقبل جدلا من أصحاب المنطق ان لا ميليشيات لديه، ولا جماعات مقاتلة، الامر الذي لم يعجب من كان يخطط لحرب أهلية باقتحامه احياء بيروت السكنية. ماذا بعد؟

سعد الحريري الذي كبر في العام الاول لدخوله معترك السياسة سنوات كثيرة تغيرت اسئلته بالتأكيد. لم يعد يسأل عن حجم البياض في شعره بل عن حجم السواد في وطنه.