شيعة العراق: طقوسيون وحركيون

«الشرق الاوسط» تفتح مع الباحث غانم جواد التاريخ السياسي الشيعي المعاصر

طالب في حوزة النجف العلمية يناقش استاذه («الشرق الاوسط»)
TT

«قوى التيار الشيعي في الإسلام السياسي، ظهرت بشكلها الحركي التنظيمي، من بين أوساط الحوزات الدينية في مدن مراقد أئمة المسلمين الشيعة، ومقر مرجعيتهم الدينية (النجف، كربلاء، الكاظمية) منذ منتصف القرن الماضي» لم يتفق الفقهاء على تعريف محدد لمفهوم او مصطلح «الشيعي»، وحسب الباحث الاسلامي الكاتب غانم جواد، فان «المشكلة تكمن في تعريف الشيعي، من هو الشيعي».

ويشرح جواد لـ«الشرق الاوسط»، قائلا ان«هناك شيعيا طقوسيا، وآخر غير طقوسي، والطقوسي هو الذي يؤدي طقوس الشيعة، مثل حضور مجالس عزاء مقتل الامام الحسين والبكاء او ضرب الصدور حزنا، من غير ان يفهم في علوم فقه التشيع، وهناك التشيع الحركي، السياسي، الذي نتج عنه ولادة احزاب اسلامية شيعية لتحكم باسم الطائفة. أما التشيع المدني فهو يشمل الشيعي الذي صار شيعيا بالانتماء، أي انه ولد من عائلة شيعية وبقي هكذا من غير ان يمارس اية طقوس او يتبحر في الفقه الشيعي، والتشيع الحوزوي الذي ينظمه ويديره علماء الدين من الشيعة».

ولكن هل التشيع مفهوم محدود، يقول الباحث جواد «هناك مفهوم ان كل من والى الإمام عليا وابناءه من فاطمة بالمحبة فهو شيعي، لكن هذا المفهوم ينطبق على غالبية المسلمين او جميعهم، اذ ان جميع المسلمين يوالون الامام عليا وابناءه، وربما ان الفرق بين الشيعة وغيرهم هو تأدية الطقوس، وهذا ايضا لا يمكن ان نأخذه كتأكيد على شيعية هذا وعدم شيعية ذاك».

ويخلص الباحث جواد الى ان « الشيعة هم من ناصر ليس عليا فحسب وانما آل البيت، وخرجوا في حركات معارضة على مر التاريخ يطالبون بالنصرة لآل البيت، وبسبب ولائهم الكبير جالسوا وتعلموا من آل البيت وطرحوا نظريات حول الاسلام لبلورة مفهوم شيعي جديد تطور بمرور الزمن حتى وصل الى المراحل الراهنة». مشيرا الى انه «تكونت في ما بعد حركات سياسية، حتى وان كانت خارج اطار الحكم العام، سميت هذه الحركات بالحركات الشيعية».

الشيعة السياسية: وبعيدا عن الدخول في تفاصيل المفاهيم والمصطلحات حول من هو الشيعي ومن هو غير الشيعي، فان ما نحن بصدده هنا هو شيعة العراق والتشيع السياسي، وحسب الباحث جواد، فان «قوى التيار الشيعي في الإسلام السياسي، ظهرت بشكلها الحركي التنظيمي، من بين أوساط الحوزات الدينية في مدن مراقد أئمة المسلمين الشيعة، ومقر مرجعيتهم الدينية (النجف، كربلاء، الكاظمية) منذ منتصف القرن الماضي، حيث ازدهرت في تلك المدن العلوم الدينية والفلسفية والتاريخ الإسلامي واللغة العربية وآدابها المتنوعة من الشعر العربي بصيغة التفعيلة، والقصة بتشكيلتها القصيرة والطويلة، والمقالة الأدبية»، مشيرا الى انه «في الوقت ذاته نأت المرجعية الدينية ـ في العراق ـ عن الانخراط في العمل السياسي، بعد إخفاق ثورة العشرين عام 1920، بسبب تضييق الحكومات المتعاقبة على النشاط المرجعي السياسي، ولانكفائها هي على نفسها، يعتبر سبباً آخر. مؤَسِسَةً لنمط تقليدي في علاقة الفقيه بالشأن العام (المجتمع والسلطة) نتج عنها تضيق في العمل السياسي في أوساطها وأصبح بمثابة العمل المحرم».

وكما يظهر من قراءة حركة المرجعية الشيعية في النجف، أن نتاج ومفاعيل حركة المرجعية بطرح ما حققته من انجازات في مجال التبليغ الديني والفتيا والانتشار المحدود، لم تتسم بالدينامكية، ولم تغير في ميزان القوى داخل المحيطات الاجتماعية والسياسية التي يصل إليها ذراع المرجعية، بل ساهم عزوفها أحياناً عن الشأن العام في تعضيد الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة. فالتحولات السياسية التي شهدها العراق منذ عقد الخمسينات كانت من الخطورة الجدية لأن تعدل من صيرورة المرجعية لضرورة مواكبة التغييرات شديدة السرعة في العراق عموماً، بل كان الرهان قائماً على أن انحصار تأثير المرجعية في المجال الفقهي والإرشادي ليس المعبر الحقيقي والواقعي الى قيادة الأمة، والاحتفاظ بالرصيد الكامل من المقلدين (الأتباع)، وإنما قد يؤدي الى دفع المرجعية خارج مضمار التأثير الاجتماعي. وفي ضوء وعي إشكالية انكفاء المرجعية وانحباس سلطانها، تجري قراءة تجارب التشكيلات السياسية الشيعية في العراق، كتعبير احتجاجي ضمني على النظام المرجعي القائم وتوفير النصاب السياسي له». ويكشف جواد في حديثه لـ«الشرق الاوسط» عن ان «مراجع الدين اعتبروا الحكومة العراقية ابان تشكيل الدولة في سنة 1921 غير شرعية. وقد حُرم العمل في مراكزها ومؤسساتها كنوع من المقاومة السلبية والاحتجاج المدني، بسبب تشكيلها من قبل الاحتلال البريطاني آنذاك. ولما اشتدت حاجة الناس الى خدماتها، أجاز جمع من مراجع الدين، العمل في الوظائف الحكومية، شرط ألا يكون العمل محرماً، وما يقبضه الموظف الحكومي من راتب جراء عمله، يعد حلالاً، إذا حصل على إجازة المرجع الأعلى بقبض المال نيابة عنه، على اعتبار أن أموال الحكومة مجهولة المالك، تعود ملكيتها إلى الإمام المهدي المنتظر. الفقه الشيعي الإمامي لا يعترف في الأصل بشرعية أي سلطة غير سلطة الإمام الغائب المنتظر، والمرجع الديني الأعلى بوصفه نائباً عاماً عن الإمام المنتظر يملك صلاحية منح إجازة قبض الأموال الحكومية».

الشيعة العشائرية: لقد طبعت حركة التشيع في العراق ميزتان اساسيتان، الاولى الطبيعة الاثنية والثانية العائلية، ويفسر جواد هذه الظاهرة، قائلا «ان الدين بطبيعته عابر للجغرافية والإثنيات بشكل عام، تشترك في هذه الخاصية كل الأديان والمذاهب، عند المسلمين الشيعة عموماً فإن المذهب أكثر عابرية للمناطق والإثنيات، يدلنا على ذلك أن مراجع النجف حالياً السيد السيستاني والشيخ الفياض والسيد سعيد الحكيم والشيخ البشير، ينتمون لإثنيات مختلفة ولأصول جغرافية متعددة».

اما تفسير الميزة الثانية وهي سيادة وتمثيل أبناء مدن العتبات المقدسة للقرار الشيعي الديني والسياسي، فيعود لسببين: أولاً، لأنهم يديرون المراقد الدينية والمؤسسات الشيعية، وكونهم جزءا متميزا من التيار الديني المحافظ (التشيّع الحوزوي). ثانياً، انتماؤهم لعوائل أو عشائر كبيرة مشهورة ولها امتداد تاريخي». ومن النماذج التاريخية مثلاً: عائلة الشبيبي، التي برز منها الشيخ محمد رضا الشبيبي، وجعفر الشبيبي، وعائلة الجواهري، وعائلة الحكيم، وعائلة الصدر، وعائلة الشيرازي، وعائلة الشرقي، وعائلة الكليدار، وعائلة كاشف الغطاء، وعائلة الخالصي وغيرها. هذه العائلات التاريخية لعبت دوراً في الماضي، واستناداً لذلك الإرث، تلعب اليوم دوراً مهماً في الحياة السياسية العراقية ـ الشيعية.

ويؤكد الباحث جواد ان «هذه العوائل تلعب حالياً دوراً سياسياً قوياً خاصة: عائلة الحكيم، والصدر. وتتولى قيادة الأحزاب، وهذه القيادة تستمد قوتها من إرثها العائلي، كالسيد عبد العزيز الحكيم والسيد مقتدى الصدر. هذه السمة العائلية تمثل شرعية تاريخية للقيادة، باعتباره ابن أو حفيد ذاك المرجع أو هو من نسل تلك العائلة».

بالطبع هذا لا يشمل كل الأحزاب الشيعية سواء داخل العراق أو خارجه. كما لا ينطبق ذلك على حزب الدعوة في العراق فصراعه مناطقي.

أما على الصعيد المناطقي، فنلحظ هيمنة النجف على الحياة السياسية الشيعية، والسبب ربما يعود في جزء كبير منه لوجود المرجعية الدينية في النجف. ولكن ظهرت إلى جانبها منافسة كربلاء لنفس الاعتبار، أي وجود بعض المراجع المقيمين في كربلاء، فحدث تنافس على قيادة الشيعة من هاتين المدينتين. وقد دخلت مدن الجنوب (البصرة والعمارة والناصرية) متأخرة في مجال المنافسة أيضاً، ولكن على صعيد قيادة التنظيمات الدينية وليس المرجعية. لهذا لم يكن غريباً أن تنشأ التنظيمات الدينية في محيط المرجعية: النجف وكربلاء. فحزب الدعوة ظهر في النجف، ومنظمة العمل الإسلامي ظهرت في كربلاء، وحتى تلك الأحزاب الصغيرة التي ظهرت في بغداد وغيرها كانت مجرد توابع في الفلك النجفي والكربلائي.

على ان هناك استثناء في ذلك حركة السيد محمد صادق الصدر، فرغم وجوده المرجعي في النجف، إلا أن قواعده الشعبية كانت في مناطق المحرومين الشيعة الممتد من مدينة الصدر (الثورة) في بغداد إلى البصرة. بعكس حزب الدعوة وغيره، الذي كان يمثل النخبة المتعلمة الشيعية، فإن السيد محمد صادق الصدر توجه في حركة مشابهة للسيد موسى الصدر بجنوب لبنان إلى العشائر والريف والمحرومين، الذين كانوا مهملين من قبل المرجعية ومن الأحزاب الدينية، وهناك بنى قواعده الشعبية. بينما التفت المجلس الإسلامي الأعلى، حتى وهو في المنفى إلى دور العشائر وحاول استقطابها، إلا أن نجاحه كان محدوداً، لأن السيد الصدر كان السباق في هذا المجال، وما زالت العشائر عصب قوة السيد مقتدى الصدر، وتهيم بوالده لأنه اهتم بها في وقت لم يهتم بها أحد، لا الدولة ولا المرجعية ولا الأحزاب.

ويؤكد جواد، انه على الرغم من أن الأحزاب الدينية العراقية لها امتداد في كل المناطق الشيعية، ولكن الثقل مختلف بين منطقة وأخرى. وعلى الرغم من هذا، وكأي تنظيم سياسي، كان لا بد أن تكون هناك ميول وولاءات مناطقية داخل أعضاء وقيادة كل تنظيم، وهذا بسبب النشأة المناطقية للأحزاب الدينية، الأمر الذي أدى إلى ظهور مشكلة حقيقية هي أن التوازن المناطقي في الأحزاب على صعيد القيادة الحزبية أصبح مختلاً لصالح النجف وكربلاء، وهذا أدى بدوره إلى حدوث انشقاقات وتصدعات في حزب الدعوة مثلاً، وظهرت دعوات كثيرة حول إهمال مدن الجنوب، وهو إهمال نابع من ضعف التمثيل القيادي لتلك المناطق في قيادة الأحزاب، ومن ثم قيادة الدولة العراقية الحديثة الحالية.

المرجعية: وفي ظل وسط بالغ المحافظة، ومشبع بتقاليد الطاعة للمرجع الديني الأعلى، يصعب جداً أن تتحرك أي مجموعة تسعى لبناء ثقافة سياسية حديثة تهدف إلى بناء دولة إسلامية، تحل بديلاً عن السائدة، ما لم تحرز رضا ودعم مجتمع الحوزة الدينية. بيد أن هناك استثناءات في قيادة بعض المراجع الدينيين ونشاطهم السياسي المحدود، من أمثال الامام محمد حسين كاشف الغطاء، واحتجاجات السيد ابو الحسن الأصفهاني وتحركات الشيخ مهدي الخالصي والإمام السيد محسن الحكيم راعي الحركة الإسلامية المعاصرة، وغيرهم في عقود العشرينات والثلاثينات الى نهاية الستينات من القرن الماضي. ويرى جواد، انه رغم هذا المناخ الديني المتحفظ على العمل السياسي، ظهرت بعض النشاطات الجماهيرية ذات الطابع السياسي، أحدثها الشعور القومي العام تارة والوطني تارة أخرى، مثل المظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومظاهر الدعم والتأيد للثورة الجزائرية في نهاية الخمسينات، والتفاعل الايجابي مع أحداث ثورة تموز عام 1958، وما تبعها من تصاعد نشاط الشيوعيين، الذي حمل شعارات سياسية تحط من بعض التقاليد الدينية الراسخة عند العراقيين، وتستهدف تبديلها بأخرى حضارية، فكانت تلك الاستفزازات الشيوعية كفيلة في إيقاظ المرجعية، بل واستنفارها دينياً، استنفار لا يخلو من استغلال وتحريض سياسي، فصدرت فتاوى تحريم الشيوعية، واعتبرتها كفراً وإلحاداً، وقد حققت رواجاً بين العراقيين. فوضعت فتوى التحريم تلك المرجعية الدينية على المسرح السياسي الاحتجاجي، رغم إرادة المرجعية العامة القاضية بالانكفاء عن الحقل السياسي، إذ فرضتها موجة التسييس العارمة بعد ثورة تموز عام 1958. ومن ثم مظاهرات الاحتجاج الشعبية ضد مجازر البعثيين عام 1963، ومناهضة الطائفية السياسية لحكم عبد السلام عارف. كل تلك التطورات حركت الراكد السياسي عن المجتمع الديني والمرجعية الدينية ووضعها في مواجهة الأحداث. الحركات والأحزاب الشيعية العراقية: ان النسخة الشيعية لفكر وتنظيم الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي في عهد الخمسينات والستينات، (بمعزل عن التطورات الحديثة في كلا التنظيمين)، وامتداد تأثير حزب الدعوة الاسلامية إلى خارج العراق، خصوصاً في لبنان ودول الخليج العربي، عند التجمعات الشيعية في تلك البلدان، ثم ما تبعها من تشكيلات حزبية انتهجت العمل السري أسلوبا لتنظيماتها، كمنظمة العمل الإسلامي (1965)، وتنظيم الحركة الاسلامية (أواخر الستينات)، ثم تشكيل حركة جند الإمام، وبعدها الحركات العديدة التي زادت عن 30 تجمعا وحركة، تأسست كلها ردا على سياسات النظام السابق تجاه العراقيين، احتضنتها وجندتها السلطة الإيرانية لمعارضة ومحاربة النظام العراقي أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. كانت معظم هذه التنظيمات تتلقى الدعم والإسناد من قبل مكتب حركات التحرر التابع للحرس الثوري الإيراني برئاسة مهدي الهاشمي، إلا أن جمعا من الشخصيات الإسلامية العراقية وعددا من علماء الدين، نظموا جموع العراقيين المهاجرة والمهجرة في إيران، في تشكيلات أخرى تعمل ضد النظام العراقي، خارج نفوذ وسلطة مهدي الهاشمي منها: مجلس العلماء للثورة الاسلامية في العراق، تشكل عقب استشهاد المرجع السيد محمد باقر الصدر في ابريل (نيسان) 1980 ليقوم بمهام القيادة للعمل الإسلامي في العراق، ولم يكتب له الاستمرار في العمل، تأسيس الجيش الثوري الإسلامي لتحرير العراق (بعد منتصف 1980)، وكان يتبنى تعبئة العراقيين في الخارج، وزجهم في النضال ضد الحكم العراقي، ولم تنجح المساعي لتشكيله بسبب الاختلافات والصراعات حول تصدر الساحة الاسلامية العراقية، ونشأ عنها عدم الاتفاق حول نسب المشاركة في الجيش من قبل الأطراف التي وافقت على تشكيله، تشكيل جماعة العلماء المجاهدين في العراق، في أوائل الثمانينات، ككيان سياسي وعسكري وتطوير لجماعة العلماء التي تأسست في النجف ـ العراق في خمسينات القرن الماضي برئاسة آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين، التي كانت توجه الجهد الإسلامي الدعوي، ومن إصداراتها في تلك الفترة مجلة «الأضواء الإسلامية» انحصر عملها ضمن دائرة حزب الدعوة، ولم توفق الجماعة في قيادة الجالية العراقية في إيران، واستقرت الرئاسة للعلامة الشيخ محمد باقر الناصري الى اليوم. مكتب الثورة الإسلامية في العراق عقب نجاح الثورة الإيرانية، ويعد المكتب تشكيلا فاعلا سعى لتجميع العراقيين المستقلين من غير المنضوين لحزب الدعوة الاسلامية ومنظمة العمل الإسلامي، ويتكون المكتب من وحدتي التنفيذ والشورى، وليقوم بمحاولة لترصين العلاقات مع القوى الاسلامية العراقية جميعها. التي زادت عن 20 تنظيما وحركة. ثم عاد وتجمع مكتب الثورة الاسلامية مع جماعة العلماء والتنظيمات الشيعية الصغيرة الأخرى، وانضم اتجاه إسلامي كردي متحدر من مناطق حلبجه العراقية، يرأس المجموعة الشيخان عثمان وأخوه علي عبد العزيز والشيخ محمد البرزنجي، إضافة الى تجمع إسلامي شيعي تركماني ليعلنوا تشكيل المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق (1982) كمؤسسة «جهادية» ضد النظام الحاكم في العراق، وإطار سياسي موحد لكل الحركات والتنظيمات الاسلامية العراقية، بعد خوض مباحثات تفصيلية دقيقة وبتوجيه مباشر من القيادة الإيرانية، فأسس الجناح العسكري «فيلق بدر» المؤلف في معظمه من أفراد الجيش العراقي الأسرى من الحرب العراقية – الإيرانية، الذين رفضوا العودة للعراق في فترة الحكم البعثي، فأعلنوا تطوعهم لهذا الفيلق لمقاتلة النظام، وفعلاً اشترك في كثير من العلميات العسكرية أثناء الحرب، ودخل العراق بعد التغيير، ثم تحول الى منظمة مدنية تسمى «منظمة بدر». وأخيراً ما أنتجته حركة الشهيد آية الله السيد محمد صادق الصدر (بعد انتفاضة عام 1992) من تأسيس تيار شعبي واسع يغلب عليه الانتماء الشعبي والعشائري، والمحرومون من أبناء الوسط والجنوب العراقي، ويضم توجهات سياسية متعددة وأحياناً متباينة في مواقفها المعلنة، سمي لاحقاً بالتيار الصدري، وله ميليشيا تسمى «جيش المهدي»، الذي تأسس في حياة الشهيد محمد صادق الصدر، كما يقول احد قادته ويدعى «أبو سجاد» من مدينة الصدر، كان «جيشا عقائديا مهيأ للثورة ضد الحكم لولا مؤامرة قتل الصدر الأب». و«الجيش مدرب من خبراء عسكريين من الجيش السابق». الجناح الثاني من التيار الصدري «حزب الفضيلة» ومرشده الروحي المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي أحد أبرز تلامذة الشهيد محمد صادق الصدر، ورأسه منذ الإعلان عنه بعد التغيير الدكتور نديم الجابري، إلا انه أبعد عن الرئاسة عقب حصول خلافات وظل احد أبرز قياداته. وتعد التشكيلات الشيعية السالفة الذكر، تنظيمات عقائدية دينية ذات أهداف سياسية، فلا توجد في طروحاتها التأسيسية وتعديلاتها أو في عملها التنظيمي دعوة لتبني الديمقراطية أو مفاهيم حقوق الانسان أو الحريات العامة، إلا بقدر ما يخدم تحركاتها السياسية.