ماكين.. يضحك على عمره

رؤساء كثر مروا على الولايات المتحدة كانوا كبارا في السن ولكن المرشح الجمهوري سيكون أكبرهم

ماكين يستمع الى أسئلة الصحافيين الذين يرافقونه في الطائرة خلال حملته الانتخابية وتبدو خلفه زوجته سيندي («الشرق الأوسط»)
TT

يوم الاربعاء الماضي، اجتمع مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية جون ماكين، بثلاثة سياسيين اميركيين مشهورين ليختار واحدا منهم نائبا له: الاول، ميت رومني، حاكم ولاية ماساتشوستس السابق الذي ترشح الى جانب ماكين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، لكنه فشل. والثاني، شارلز كريست حاكم ولاية فلوريدا. والثالث، بوبي جندال حاكم ولاية لويزيانا، ووالداه من الهند. وقد ارتفعت اسهم بوبي بسبب عرقه، على امل كسب اصوات السود والهاسبانيك الذين يتوقع ان يصوتوا للمرشح الديمقراطي، والمرجح ان يكون باراك اوباما.

في الليلة نفسها، قال بيل ميهر وهو فكاهي كان في قناة «اي بي سي»: «اجتمع ماكين مع عشرين شخصا ليختار واحدا منهم نائبا له. رفض ماكين ان يكشف اسماءهم، لكنه قال انهم كلهم يعرفون الاسعافات الاولية لانقاذ المصابين بالسكتة القلبية!».

لم تكن هذه النكتة هي الاولى التي تتطرق الى كبر سن ماكين الذي يبلغ من العمر سبعين عاما، فمنذ فترة طويلة، يلقي ديفيد ليترمان، مقدم برنامج مقابلات ليلي في قناة «ان بي سي»، نكات عن كبر سن ماكين. في كل ليلة يشبه ليترمان ماكين الى هذا وذاك، مرة قال انه يشبه «الرجل في مخزن مواد البناء الذي يصنع المفاتيح والاقفال». ومرة أخرى قال انه يشبه «المتقاعد في المعاش الذي يكرر قصصه، ولا يعرف انه يفعل ذلك، ويستغرب عندما يقول له الناس ذلك». ومرة قال انه يشبه «سيئ الحظ الذي لا يقدر على ان يفتح باب سيارته».

وقال جون لينو، فكاهي في قناة تلفزيون «ان بي سي»: «ماكين متزوج من شقراء اصغر منه بعشرين سنة، ورثت عشرة ملايين دولار، وتملك عائلتها مصانع للبيرة. شقراء مجانا، وبيرة مجانا، وثروة مجانا. لا اعرف لماذا يريد ان يكون رئيسا للجمهورية؟».

عندما يتحدث الاميركيون عن ماكين، يناقشون اربعة مواضيع: مبادؤه (ينتمي الى الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري)، وماضيه (بطل حرب، قاتل في فيتنام، واسر فيها لخمس سنوات)، وشخصيته (يشتهر بالمناكفة والمزاج الحاد)، وعمره (سبعون عاما).

في عصر التلفزيون والفيديو، لا يقدر ماكين على اخفاء تجاعيد وجهه، وعينيه الغائرتين، وحتى مشيته البطيئة وكلامه المتعثر، وآثار جروح وامراض على وجهه. لكنه يستفيد من آثار الجروح ويقول «إنها من حرب فيتنام، بالاضافة الى جروح اخرى، في جسمي تشويهات اكثر من تلك التي في جسم فرانكينشتاين» ( قصة سنة 1818، وفيلم فيما بعد، عن طبيب خلق انسانا مشهوها جدا).

الا ان هذه التشويهات على وجهه، ليست كلها من آثار التعذيب في حرب فييتنام، فجزء منها من آثار «ميلانوما»، سرطان جلد اصابه وتعالج منه وقد يعاوده ويكون هذه المرة قاتلا بنسبة خمسة في المائة من الحالات.

أما عن عمره، قال مرة في مقابلة مع محطة «سي ان ان»: «انا اكبر عمرا من تراب الارض». وعلق روجر سايمون، صحافي في صحيفة «بوليتيكو»: «ماذا ستكون والدته وعمرها اكبر منه بخمس وعشرين سنة؟ اقدم من حمم بركان؟».

ويحاول ماكين ان يثبت للصحافيين والمواطنين انه لا يزال «شابا» رغم كبر سنه. في السنة الماضية، عبر هو وابنه جاك «القراند كانيون» (فوهة نهر كولورادو العميق)، مشيا مسافة ميل الى اسفل، حتى وصلا الى النهر، وعبراه. ثم صعدا مسافة ميل حتى وصلا الى سطح الارض مرة اخرى، وعادا بصور وزعاها على الصحافيين.

الا ان ماكين، المرشح العجوز، لم يكن اول مرشح لرئاسة الجمهورية يعاني من امراض، فمن قبله عانى كثيرون من أمراض، منهم من كشف الصحافيون امراضه، ومنهم من لم تكشف أمراضهم. فمثلا، لم يكشف الصحافيون ان الرئيس جون كنيدي كان مصابا بمرض «اليسون» (مرض نادر تتكون فيه أورام من البنكرياس تؤدي إلى قرحة المعدة) منذ ان كان عمره ثلاث عشرة سنة. وانه ظل يحقن بحقن «كورتيزون». في ذلك الوقت، قبل سبعين عاما تقريبا، كان المرض قاتلا، ولم يكن يقدر على شراء الدواء غير الاغنياء (وآل كنيدي اغنياء حتى اليوم).

في عام 2000، كشف ذلك الدكتور جفري كلمان، بعد ان درس ملف كنيدي الطبي، وقال: «عكس صورته التلفزيونية كشاب متحرك، ووسيم، ونشيط، لم يكن الرئيس كنيدي يتمتع بصحة جيدة منذ فترة طويلة قبل ان يكون رئيسا»، واضاف: «يعني هذا ان انتخاب رئيس اكبر سنا، او اصغر سنا، لا يعني شيئا كثيرا». وفي العام نفسه، وربما بسبب كشف مرض كنيدي، الح الصحافيون على المرشحين لرئاسة الجمهورية في ذلك الوقت ان يكشفوا تفاصيل امراضهم. كان هناك آل غور، وبيل برادلي من الحزب الديمقراطي، وجون ماكين، وجورج بوش، وديك تشيني من الحزب الجمهوري. وكشف ماكين عن اكثر من 1,500 صفحة من ملفاته الطبية. وكانت اكبر الملفات حجما، لأن جزءا كبيرا منها من الملفات العسكرية عن حرب فيتنام، وعلاجه من اصابات وامراض خلال الحرب، وخلال الاسر. لكن، وعكس شائعات كثيرة، لم تكشف ملفات ماكين انه مصاب بخلل عقلي.

في ذلك الوقت، تبجح ماكين للصحافيين، وقال: «ملفاتي الطبية ملفات جندي اميركي، اذهبوا وابحثوا عن المجانين والمعتوهين».

كان ذلك قبل ثماني سنوات، والآن، صار كبر السن مشكلة اخرى. الآن، سياسيا، ليس متطرفا في الداخل والخارج. واقل من الرئيس جورج بوش تأييدا لرأسمالية بدون حدود، ولتخفيضات في الضرائب لا يستفيد منها الا الاغنياء. واذا كان بوش «كومباشونيت كونسيرفاتيف» (محافظ عطوف، رغم ما فيها من تناقض)، فان ماكين «كومباشونيت مودريت» (معتدل محافظ).

ايد ماكين غريمه بوش عندما اعلن حرب العراق، ولا يزال يؤيده، لكنه، مؤخرا، بدا ينتقده. ربما لانه، مثل نسبة كبيرة من الاميركيين، تأكد له ان حرب العراق كارثة لم تشهد اميركا مثلها في تاريخ سياستها الخارجية.

مؤخرا، قال لصحيفة «واشنطن بوست»: «حرب العراق كارثة مثل قطار تحطم، ولغز مثل شوربة صنعتها ساحرة».

وساله صحافي صحيفة «بوليتيكو» انه لم يعد الرجل الفكه الذي يقول نكتة بعد نكتة، قال: «كيف اروي النكات ونحن في حالة حرب؟» وقبل ثلاثة شهور، قال: «سنبقى في العراق مائة سنة» وعندما انتقده حتى زملاؤه الجمهوريون، قال، في الاسبوع الماضي: «سنبقى خمس سنوات»، وفي كل الحالات، يبدو من كلام ماكين ان حرب العراق اثرت عليه نفسيا وسياسيا، واضافت الى تأثير كبر سنه.

هذه تعليقات اميركيين على كبر سنه: كتب ديفيد: «لست صحافيا، لكني كلما اشاهد ماكين الاحظ انه رجل كبير في السن، ولا يقدر حتى على ان يتكلم بطريقة طبيعية، لماذا لا يلاحظ الصحافيون ذلك؟ ولماذا لا يكتبون عنه؟».

وكتبت ليزا من ايوا: «احترم ماكين بسبب ماضيه العسكري، والتضحيات التي قدمها في حرب فيتنام، لكني شاهدته، في السنة الماضية في التلفزيون نائما، عندما كان بوش يلقي خطاب الاتحاد امام الكونغرس».

وكتب هنري الصغير: «صار ماكين مثل غوثموغ، في فيلم «لورد اوف ذا رينغ» (شخصية غير بشرية في فيلم خرافي)». وكتب فوق الجميع: «ماكين مثل جورج ويلسون في كارتون «دينيس ذا مانيس» (رجل كبير في السن، وضجر، وعلى حافة الموت بسكتة قلبية)». وكتبت آنسة من ميسوري: «والدي عمره سبعون سنة، مثل ماكين، ولا يقدر على ان يدير منزلنا، ناهيك عن ان يدير الولايات المتحدة».

وحتى اذا فاز ماكين برئاسة الجمهورية، حسب احصائيات الماضي، ربما سيموت في البيت الابيض موتة طبيعية.

لكن ماكين لن يكون اول رئيس كبير في السن مريض للولايات المتحدة، فقد دخل الى البيت رؤساء كبار في السن وتوفي بعضهم ميتة طبيعية خلال فترة الرئاسة، مثل: الرئيس زاكاري تايلور (سنة 1848)، والرئيس وارن هاردنغ (سنة 1920)، والرئيس فرانكلين روزفلت (سنة 1945).

لكن، في الجانب الآخر، عاش الرئيس الثاني جون ادامز حتى التسعين سنة، والرئيس توماس جفرسون حتى الثالثة والثمانين، والرئيس رونالد ريغان حتى الثالثة والتسعين، والرئيس جيرالد فورد حتى الثانية والتسعين، والرئيس هربرت كلارك هوفر حتى التسعين، والآن، عمر الرئيس جورج بوش الأب ثلاث وثمانون سنة، ومثله تقريبا الرئيس جيمي كارتر.

اذا فاز ماكين، سيسجل رقما قياسيا كأكبر الفائزين عمرا برئاسة الجمهورية اول مرة، ويأتي بعده الرئيس رونالد ريغان (تسع وستون سنة).

لتفادي النكات والاسئلة الحرجة، ربما يريد ماكين ان يفعل ما فعل ريغان، ونجح فيه: ان يضحك على كبر سنه، ويضحك الآخرون، ويقلل حساسية الموضوع.

ففي سنة 1981، في مبنى الصحافة الوطنية في واشنطن، قال: «اعرف ان اتحادكم تأسس سنة 1919، كنت صحافيا، كما تعلمون، وكنت هنا».

في الشهر الماضي، ظهر ماكين وزوجته في برنامج جاي لينو الفكاهي. وخلال البرنامج، نفت زوجته سيندي ان يكون زوجها كبيرا في السن، وقالت ان مشكلته الوحيدة هي قيادة السيارة، وصارت هي تقود السيارة بالنيابة عنه، لكنها قالت ان هذه مشكلة قديمة، وقالت: «زوجي لا يزال نشطا وقويا، وخلال الصيف، سيذهب مرة اخرى مع اولاده الى «غراند كانيون»، ويهبطون الى نهر كولورادو، ويصعدون منه».

وقالت انهما عندما تزوجا كان عمره 42 سنة، وكانت هي عمرها 25 سنة (تزوج وطلق قبلها)، واضافت: «عندما قابلته اول مرة، خفض عمره اربع سنوات، لكنه كتب العمر الحقيقي في وثيقة الزواج»، لو لم يفعل ذلك لكان عمره الآن 64 سنة، وربما كان عمره ليحدث كل هذه الضجة!