المهم.. ألا تضبط متلبسا!

مشكلة «التسول» الإسرائيلي: جميع رؤساء الحكومات بعد رابين تلقوا أموالا من الخارج.. وحققت معهم الشرطة في قضايا فساد

TT

كان اسحق رابين آخر رؤساء الحكومات في اسرائيل المشهورين بالاستقامة الشخصية والابتعاد عن الفساد. قصته مشهورة في مكافحة الفساد، منذ سنة 1977. فهو بعد خدمته العسكرية الطويلة التي بلغ فيها أعلى درجة في الجيش (رئيس الأركان)، عين سفيرا لاسرائيل في الولايات المتحدة (في فترة دقيقة جدا، إبان حرب أكتوبر 1973)، ثم وبعد استقالة رئيسة الوزراء، غولدا مئير، انتخب مكانها.

في حينها نشر الصحافي دان مرغليت، خبرا كشف فيه ان زوجة رابين، فتحت حسابا بنكيا شخصيا لها في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي كان يحظره القانون الاسرائيلي. فأقامت المعارضة الدنيا ولم تقعدها، ولم يتردد رابين، فظهر أمام شاشات التلفزيون وحمل على عاتقه الشخصي المخالفة التي قامت بها زوجته، وأعلن استقالته من رئاسة الحكومة. وقد ارتفعت أسهمه في صفوف الجمهور بعدة درجات، حيث احترمه الجمهور كثيرا على ثلاثة أمور: أولا انه تلبس الملف مع ان زوجته هي التي أقدمت على الخطأ، وثانيا لأنه لم يتنكر لزوجته بسبب خطأها، بل ساندها ووقف الى جانبها في المحكمة وهو يقول للصحافة «أخطأت ولكنها زوجتي وحبيبتي وهذا هو امتحان الاخلاص في الحب»، وثالثا لأنه تحمل المسؤولية الجماهيرية واستقال لكي يحافظ على منصب رئيس الحكومة نقيا.

وقد اعتبر رابين، بعد ذلك، «آخر الأنقياء» في منصب رؤساء الحكومات، حيث ان دائرة النصب والاحتيال في الشرطة الاسرائيلية، حققت مع جميع الرؤساء من بعده: شيمعون بيريس ثم بنيامين نتانياهو ثم ايهود باراك ثم أرئيل شارون وأخيرا، وليس آخرا على ما يبدو، ايهود أولمرت.

وفي هذه الأيام، حيث يشتد ضغط الطوق على رئيس الوزراء، ايهود أولمرت، أن يدفع بكرسي رئاسة الحكومة، ثمنا لأخطائه ومخالفاته الواقعة تحت باب الفساد، يعود اسم رابين وأسماء سابقيه مناحم بيغن واسحق شامير وليفي اشكول وغولدا مئير وموشيه شريت ودافيد بن غوريون، الى الذاكرة الجماهيرية الاسرائيلية وليس صدفة. فالاسرائيليون ملوا من مظاهر الفساد في الحكم واشتاقوا الى قادتهم التاريخيين المتواضعين في تصرفاتهم الشخصية. وقد خرجت الى الصحافة إحدى مساعدات رابين، نيفا لانير، وروت عنه الحكاية التالية: «اسحق (رابين) لم يعرف كيف يطلب مالا من الناس. كنا نقول له: ما هو مطلوب منك هو فقط أن تقول في نهاية كل حلقة بيتية ننظمها لك أنك تحتاج الى مال لتغطية نفقات حملتك الانتخابية، ولكنه لم يوافق. كنا نتشاجر معه حول ذلك، ثم نضطر الى القيام بهذه المهمة بدلا منه. على سبيل المثال كنا في لقاء حضره (رجل الأعمال الثري) يوسي ميمان، فكتب شيكا في نهاية اللقاء بقيمة 50 ألفا، مع ان القانون يسمح لنا بالحصول على 54 ألفا، فتوجهت اليه أن يتدخل فرفض. وعندما توجهت لوداعه قرب سيارته، سألته: لماذا لم تكتب الشيك بقيمة 54 ألفا، حسبما هو مسموح به في القانون، فمزق الشيك وأخرج دفتر الشيكات من جديد، وكتب شيكا جديدا. وذات مرة كنا في حفل لجمع التبرعات، فتقدم أحد الأشخاص منا وقدم لنا مبلغا نقديا في مظروف وقال انه يريد التبرع لحملة رابين الانتخابية بخمسة آلاف دولار، لكنه ليس معنيا بانتشار النبأ ويريد الحفاظ على السرية. فطلبت منه الانتظار حتى أشاور رابين، فعندما سمع بالقصة راح يصرخ بهستيريا، وهو يقول: لماذا تسأليني؟ ألم أقل لك أنني لا أريد التعاطي في موضوع المال؟!». وبالطبع، تناولت لانير المبلغ في حينه. فهل كان رابين طاهرا بذلك أم لا؟

المهم ان لانير جلبت المثل لتعطي من هذه القصة نموذجا في الطهارة. والأهم ان هذه الحكاية لا تعطي الدليل على ان رابين تصرف بطهارة. أو على الأقل، لم يعط المثل الأعلى في هذه القضايا، لأنه لم يمنع مساعدته من أخذ المبلغ بل صاح بها لماذا تخبره فقط. ولا يقل أهمية عن ذلك، ان تصرف رابين يبدو في نظر الاسرائيليين أفضل ألف مرة من تصرفات الرؤساء الذين أعقبوه. فجميعهم تلقوا النقود من متمولين في الخارج. والمشكلة هي: من منهم ضبط متلبسا، ومن نجا بريشه من قبضة القضاء.

من مراجعة سجلات التاريخ الاسرائيلي يتضح أن أسس سياسة الفساد الحالية تعود الى الجذور، الى بدايات الحركة الصهيونية. فقد قامت هذه الحركة على أساس التبرعات. في البداية جمعوها من أجل شراء الأرض الفلسطينية «إنقاذ أرض اسرائيل من الغزاة العرب»، كما كانوا يقولون، ثم من أجل شراء السلاح للدفاع عن الاستيطان اليهودي في أرض اسرائيل. ومع ان قيم النظافة والاستقامة الشخصية كانت أعلى منها في هذه الأيام، إلا ان هناك عدة حكايات عن أموال تدحرجت الى الجيوب.

وتقول الباحثة ايتي أبراموف ان الحركة الصهيونية ومن ثم الدولة العبرية فيما بعد سارت وفق سياسة: «تَسَوّلْ لي فأتَسَوّلْ لك». وتضيف الباحثة نافا تسورئيل، ان «التسول» الاسرائيلي لدى يهود الولايات المتحدة بشكل خاص ولدى المتمولين اليهود عموما في العالم، عبر طريقا طويلا منذ إنشاء الدولة العبرية سنة 1948، وحتى اليوم. وقد بدأ هذا النهج في زمن رئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، الذي أرسل غولدا مئير (التي كانت في حينه مندوبة اسرائيل لدى الأمم المتحدة ثم وزيرة خارجية ورئيسة حكومة)، واكتشف انها فنانة في تجنيد التبرعات. وتضيف أبراموف ان «بداية هذا التسول كانت في تجنيد الأموال نقدا لصالح الدولة الحديثة. فقد كانت بحاجة الى أسلحة ومواد غذائية وأدوية ووقود. وقد عادت غولدا من أول رحلة تسول حاملة مليون دولار نقدا. ولكن هذه الأموال لم توظف في حينه للرحلات الشخصية أو شراء الفيللات أو الحملات الانتخابية، كما هو الحال اليوم، بل لاحتياجات اسرائيل الحيوية. ولكن، ومنذ ذلك الوقت تطورت وتبدلت الأمور، فأصبح التسول وسيلة لتمويل الأحزاب، وبعدئذ لتمويل الحملات الانتخابية الشخصية للسياسيين، وما فتئ أن تحول الى تمويل مباذل الحياة الشخصية للسياسيين».

ويعطينا يحيئيل لايتر، الذي أشغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، فكرة حول طرق التسول تلك فيقول: هناك طرفان في هذه المعادلة، السياسي الاسرائيلي المتلقي، وهو بحاجة الى المال لمختلف الأغراض من جهة، والمتبرع من جهة ثانية، وهو يهودي يفتش عن المظاهر ويحب ان تلتقط له الصور مع السياسي ليتباهى أمام عائلته وأصدقائه بأنه يقيم علاقات مع ذلك القائد اليهودي. وبالنسبة لبعضهم تعتبر هذه مجدا يعبرون فيه عن مدى يهوديتهم أو صهيونيتهم. ويضيف: «انهم، أي المتبرعين، يتحدثون كثيرا عن «اللقاء مع القائد الاسرائيلي» في بيوت العبادة وفي المناسبات العائلية وأمام الأصدقاء وحتى في برك السباحة والجاكوزي. يحبون الظهور على انهم قريبون من الحكم. مهم جدا لهم ان يزوروا البلاد ويجتمعوا ولو لبضع دقائق مع رئيس الحكومة أو مع وزير الدفاع أو الخارجية أو رئيس أركان الجيش وغيرهم. والمفتاح لذلك يكون في دفع التبرعات بسخاء. وكلما دفع أكثر، تزداد فرصه لالتقاط صور أكثر». ويجمع الباحثون الاسرائيليون على ان كل رؤساء الوزراء في اسرائيل والعديد من المتنافسين على مناصب في اسرائيل أدوا هذا الدور. ومن كان منهم بعيدا عن ذلك لم يكن منزها، بل ترك الآخرين يفعلون. فعلى سبيل المثال، اسحق رابين، رفض التعاطي في الموضوع المالي قطعيا. ولكن موظفيه فعلوا ذلك من أجله. ومن استعراض تاريخ الرؤساء من عهد ما بعد رابين، تتضح الصورة التالية:

شيمعون بيرس، وهو الرئيس الحالي لإسرائيل، لم يصل الى درجة الشبهات البوليسية في مناصبه السابقة (وزير خارجية ووزير دفاع ورئيس حكومة). وفي أول استجواب له أغلق الملف. ولكنه يتعرض لانتقادات كبيرة بسبب علاقاته الواسعة مع رجال الأعمال والأثرياء في اسرائيل والعالم. وتترك هذه العلاقات أثرا سلبيا وتقولات عديدة عن الفوائد الشخصية التي يجنيها من ورائها.

آخر الانتقادات له أسمعت حول تنظيمه «مؤتمر الرئيس»، أواسط الشهر الماضي، بمناسبة احتفالات اسرائيل بالذكرى السنوية الستين لتأسيسها. فقد كان ذلك مؤتمرا مهما من حيث الحضور فيه، حيث انه دعا اليه الرئيس الأميريكي جورج بوش وعدد من رؤساء دول العالم السابقين وعشرة فائزين بجائزة نوبل للسلام، ومن حيث أبحاثه، حيث نوقشت خلال المؤتمر أوضاع اسرائيل واليهود سلبا وايجابا وعرضت فيه آخر 60 انجازا علميا وتكنولوجيا وغير ذلك. لكن تمويل المؤتمر بالكامل (حوالي 13 مليون دولار)، ورد من عدد من الأثرياء في العالم. جميع هؤلاء الأثرياء شاركوا في المؤتمر كمحاضرين، أحدهم أدار ندوة وزوجته أيضا أدارت ندوة أخرى. ونظم لهم لقاءات ومأدبة مع الرئيس بوش، بناء على طلبهم. وقد اعتبرت وسائل الاعلام هذا المؤتمر «مهرجان بهرجة» لا أكثر، وتساءلوا حول عقده على هذا النحو قائلين ان أولئك الأثرياء سيحظون بمكانة خاصة لدى الرئيس الاسرائيلي لقاء المجد الذي أحرزه بيريس لشخصه. بنيامين نتانياهو، مثل في تحقيق الشرطة أكثر من مرة، لكن المحققين لم يستطيعوا التوصل الى لائحة اتهام ضده. ومع ذلك فقد عرف عنه انه نجح في اقامة أفضل وأمتن علاقات مع اليهود الأميركيين. وقد نجح في ذلك كونه أميركي الجنسية. فهو كان قد سافر مع والد المؤرخ وأنهى فيها دراسته الابتدائية. وعاد الى اسرائيل وخدم في الجيش ثم عاد الى الولايات المتحدة لإتمام دراسته الجامعية، حيث درس الهندسة ثم ادارة الأعمال ثم العلوم السياسية. واشتهر في النشاط السياسي بعد أن قتل شقيقه يونتان، قائد عملية تحرير الرهائن في عملية «عينتيبي» في أوغندا سنة 1976.

عاد ليعزز العلاقات مع الأميركيين، في سنة 1982، عندما عين ملحقا سياسيا في السفارة الاسرائيلية في واشنطن. وبعد سنتين عين سفيرا في الأمم المتحدة (1984 ـ 1988)، ثم نائبا لوزير الخارجية ورئيس حكومة ووزير مالية. ويقول مساعده، يحيئيل رايتر: «نتنياهو كان ساحرا بالنسبة لليهود الأميركيين، لغته الانجليزية الممتازة، ذكاؤه وقدراته الخطابية الفذة حطموا قلوب الكثير من الأميركيين. انه المحاضر المطلوب رقم واحد. عندما يحاضر يأتون اليه من أبعد المناطق ليسمعوا أقواله. وبالطبع بعد المحاضرة يبدأ جمع التبرعات. وبعد التبرعات تقام العلاقات. ونتانياهو فنان في نسج علاقات الصداقة مع الأغنياء. لم يكن يدير ظهره للمتبرعين بعد الدفع، بل يتصل بهم أسبوعيا. يخبرهم عن نشاطه في ذلك الأسبوع وعن خططه للأسبوع المقبل. أحدهم، يهودي متدين ومتطرف سياسيا، يدعى يوسف غوتنيك، قام بتمويل حملة عالمية بين اليهود بعنوان: «نتانياهو جيد لليهود». ولكن العلاقات بينهما جمدت بسبب رضوخ نتانياهو لادارة الرئيس بيل كلينتون، وانسحابه من الخليل. إلا ان نتانياهو عاد اليه وجدد العلاقات في سنة 1999 عشية الانتخابات، وعاد غوتنيك ليمول له حملته. ومن أبرز ممولي حملات نتانياهو أيضا الثري اليميني ايرفينغ موسكوفتش، الذي يرفد المستوطنين بعشرات ملايين الدولارات لمشاريع تهويد القدس والضفة الغربية» وجوزيف مرملشتاين، الثري الأميركي الذي أسس منظمة «عطيرت كوهنيم»، التي تهتم بتهويد القدس الشرقية.

ولكن أشهر هؤلاء المتمولين، هو صاحب شركة العطور، رون لاودر، الذي كلفه نتانياهو عندما أصبح رئيسا للحكومة (1996 ـ 1999)، بحمل الرسائل بينه وبين الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، لفحص امكانية استئناف المفاوضات السلمية.

وفي مطلع هذه السنة، نشر اسم متمول بريطاني يتبرع بسخاء لصالح نتانياهو، هو جوش راو، من مانشستر. وقد نشر اسمه في اطار ما ورد عن مبلغ دفع لفندق في لندن مبلغ 17 ألف جنيه استرليني لتمويل طعام وشراب نتنياهو خلال أسبوع واحد فقط، حضر فيه الى المدينة في يوليو (تموز) 2006، لكي يشرح الموقف الاسرائيلي من حرب لبنان الأخيرة. وقد حققت النيابة في القضية وخرجت بالاستنتاج ان «هذه القضية مخجلة للسياسة الاسرائيلية وتفوح منها رائحة كريهة ولكننا نطرحها على الجمهور ليحكم عليها ولا نرى حاجة بنقلها الى القضاء».

ايهود باراك، وزير الأمن الحالي ورئيس الحكومة الأسبق (1999 ـ 2001)، كان يتصرف في هذا الموضوع كجنرال. لا يفهم في موضوع جمع التبرعات. ولا يحسن التعامل مع المتبرعين. يرفض مسايرتهم واجراء لقاءات مجاملة معهم. ولكنه لا يتنازل عن أموالهم. فاعتمد بالأساس على موظفيه ومساعديه.

والطريقة التي استخدمها براك كانت باقامة جمعيات خيرية واجتماعية يتم تحويل التبرعات غير القانونية عبرها. وكما هو معروف، فقد فتحت الشرطة الاسرائيلية ملفات تحقيق عديدة حول هذه الجمعيات، ولكنها لم تتوصل الى تقديم لوائح اتهام، لأنه اتضح بأن مديري جمعيات باراك عرفوا كيف يستغلون الثغرات القائمة في القانون الاسرائيلي لتصبح الأموال شرعية. وقد حققت الشرطة في فضائح هذه الجمعيات طيلة سنتين، غير انها خرجت بالاستنتاج ان القانون مطاطي. وانه من أجل معالجة حكيمة لهذه القضايا، ينبغي تركيز الجهود على تغيير القانون، وليس على من استغل هذا القانون وثغراته بذكاء. وقد جرى تغيير القانون لكي يلائم هذه الحالات. ولو ان باراك تصرف اليوم بمثل ما تصرف في حينه، لكان اليوم وراء القضبان.

رئيس الحكومة السابق، أرئيل شارون، كان أكثر الرابحين من التبرعات الأميركية وأكثر الذين ارتبط اسمهم بالفساد. ولولا انه أصيب بشلل دماغي، لم يفق منه رغم مرور حوالي سنتين ونصف السنة، لكان هو الآخر في غرف التحقيق.

لقد حصل شارون على تبرعات كثيرة جدا من الخارج وبشكل غير قانوني. ولكنه لم يتهم مباشرة فيها لأن ابنه، عومري، أخذ على عاتقه ملف الشبهات ضد والده في تجنيد أموال التبرعات. فقد أقام الابن شركات وهمية في الخارج وتم تحويل الأموال بواسطتها لتمويل مصاريف شارون وحملاته الانتخابية. وادعى بأن والده لا يعرف شيئا عن هذه الشركات والأموال. وانه الوحيد الذي يتحمل مسؤولية عن ذلك. ويمضي اليوم عومري شارون محكومية بالسجن ثمانية شهور بعد ادانته بتلك التجاوزات، وسينهي محكوميته قبيل نهاية الشهر الجاري. على اثر تجميع هذه المعلومات، التي يتضح منها ان جميع رؤساء الحكومات في اسرائيل، تورطوا في تلقي أموال غير قانونية، يسأل السؤال: إذن لماذا يقع أولمرت وحده تحت طائلة القضاء وتقام ضده محكمة جماهيرية ميدانية، وحتى قبل أن ينتهي التحقيق ضده وقبل أن تقرر النيابة انها ستوجه ضده لائحة اتهام، يتم الحكم على مستقبله السياسي بالإعدام؟!! الاجابة التي تسمع اليوم بصوت خافت في أروقة الحكم الاسرائيلية، ويلمح اليها أولمرت من آن لآخر، هي ان الحرب عليه ليست حربا ضد الفساد ولا الحصول على أموال. انها حرب على الطريق السياسي المفاجئ الذي انعطف اليه. فهو يدير مفاوضات مع السلطة الفلسطينية ويتعهد بالعمل على التوصل الى اتفاق اعلان مبادئ حول التسوية السياسية الدائمة قبيل نهاية السنة الجارية، ويدير مفاوضات مع «حماس» (بالوساطة المصرية) حول التهدئة وحول صفقة تبادل اسرى، يطلق بموجبها سراح الجندي الأسير، جلعاد شليط، مقابل 450 أسيرا فلسطينيا، ويدير مفاوضات مع حزب الله حول تبادل الأسرى ويدير الآن مفاوضات مع سورية أيضا. فعلى ما يبدو ان هذا التوجه من أولمرت، هو الذي استقطب ضده هذا العداء، فقرروا الانتقام منه. ولم يهمهم ان أمثاله من رؤساء الحكومات، لم يقدموا للقضاء، مع انهم تصرفوا مثله أو أسوأ.