العراق: المليارات المجمدة

لا أحد يعرف حجمها.. والبعض قدرها بـ50 مليار دولار > الاتفاقية الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد فتحت ملفها

عراقيون امام أحد المصارف في سوق جميلة بمدينة الصدر ببغداد (أ. ب)
TT

يلف الغموض الأموال العراقية المجمدة في الولايات المتحدة. التي تقول تقديرات غير موثقة ان رقمها يصل الى حدود 50 مليار دولار، لكن أحدا لا يستطيع ان يؤكد تحديدا مقدارها. وكان موضوع هذه الاموال العراقية المحتجزة، طُرح لأول مرة منذ سنوات عقب أن طلبت وزارة الخزينة الاميركية من 17 بنكاً ومؤسسة مالية رفع يدها عن مبلغ 1.7 مليار دولار، معظمها عبارة عن أصول مجمدة أودعها أفراد أو شركات لهم علاقة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتحويلها الى البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، حتى يتسنى للحكومة الاميركية توظيفها في صندوق «إعادة بناء العراق» تحت اشراف الأمم المتحدة، ومعظم تلك الأموال والودائع والممتلكات تعود الى فترة غزو العراق للكويت، لكن ستنضاف اليها بعد ذلك اموال اخرى دأبت السلطات الاميركية على «مطاردتها» في جميع انحاء العالم، وهي اموال تعود الى سنوات «النفط مقابل الغذاء»، حيث كان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين يبرم صفقات خارج إطار ذلك البرنامج ويودع مداخيلها بأسماء شركات او شخصيات غير معروفة في عدة بنوك حول العالم، وذلك للالتفاف على اجراءات الحظر.

وطفا حديث الاموال والممتلكات العراقية الى السطح مجددا بالتزامن مع محادثات شاقة يجريها حالياً الاميركيون والعراقيون، بغرض وضع اتفاقية أمنية واستراتيجية جديدة، تنظم وضعية القوات الاميركية في العراق والعلاقة بين البللدين. ونشرت تقارير صحافية تقول ان الولايات المتحدة تستخدم الاموال العراقية المودعة في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وبنوك اخرى للضغط على الحكومة العراقية وارغامها على التوقيع على معاهدة التحالف الأمني، وذلك بمساومتها على أساس «التوقيع مقابل الافراج عن الأموال».

وامتنعت المصادر الاميركية الخوض في تفاصيل المحادثات الجارية حالياً، واحالت وزارة الخارجية الاميركية على تصريحات أدلى بها ديفيد ساترفيلد أعلى مستشار في الخارجية الاميركية في شؤون العراق والذي يشارك حالياً في مفاوضات بغداد، حيث قال إن التفاوض يمكن ان ينتهي في يوليو (تموز) المقبل، ونسب الى ساترفيلد قوله في بغداد «نريد ان نرى سيادة العراق تعززت ولم تضعف».

من جهته، أكد سمير الصميدعي سفير العراق لدى الولايات المتحدة لـ«الشرق الاوسط»، انه لا توجد أية اموال حكومية عراقية مجمدة في اميركا وان الحكومة العراقية تشرف على جميع اموالها وممتلكاتها في الولايات المتحدة. وكان الصميدعي لمح في وقت سابق الى موضوع الأموال العراقية، لكنه أوضح ان الخلاف بين الجانبين الاميركي والعراقي كان بشأن فوائض الميزانية العراقية، حيث طالب بعض أعضاء الكونغرس، وعلى رأسهم نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، باستعانة اميركا بهذا الفائض من أجل تغطية جزء من عجز الميزانية الاميركية الذي تسببت فيه الحرب في العراق. وقال الصميدعي إن الاتفاقية التي يجري حولها التفاوض تستهدف «توسيع» دائرة القرار العراقي بدلاً من حصرها في «الموافقة او عدم الموافقة السنوية على الطلب لمجلس الأمن للتمديد للقوات الأجنبية في العراق». ولم يتطرق الصميدعي للتقارير التي تحدثت عن استعمال الاموال العراقية المجمدة كورقة ضغط في المفاوضات الجارية حالياً، واكتفى فقط بالاشارة الى ان «هناك معارضة بأساليب غير صحيحة داخل وخارج العراق للاتفاقية التي يجري التفاوض حولها». مشدداً على ان الحكومة العراقية المقبلة التي ستنبثق عن انتخابات عام 2009 وكذلك الادارة الاميركية الجديدة يمكنها تعديل الاتفاقية الامنية والاستراتيجية إذا ارادت ذلك.

وفي السياق نفسه أوضح حميد المعلة، مستشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، لـ«الشرق الاوسط» ان «الاموال العراقية ليست موجودة لدى اميركا وانما موجودة في حساب الامم المتحدة في اميركا (نيويورك) تحت ما يعرف قانون النفط والغذاء».

وقال المعلة ان الحكومة العراقية طرحت «بدائل» في حال استمرار الحديث عن هذه الاموال وربطها بالاتفاقية بين البلدين، «منها نقل الاموال العراقية (غير الحكومية) هناك من المصارف الاميركية الى مصارف اخرى، وهو حل غير مجدي ايضاً فليس هناك ضمانات ان لا تكون هناك ملاحقات قانونية في تلك المصارف في حال نقلها»، لكنه اضاف «ولذا تسعى الحكومة الى اطفاء ديون العراق والتخلص من تبعاتها او التنصل منها فليس من المعقول أن تبقى تلك الاموال محتجزة ويثار حولها العديد من المواضيع».

وتشير المعلومات الى ان المفاوضين الاميركيين يستخدمون ورقة 20 مليار دولار من اموال مجمدة بموجب قرارات قضائية اميركية ضد العراق للضغط على نظرائهم العراقيين من اجل القبول ببنود المعاهدة الأمنية والعسكرية. ويشار الى ان الاحتياطيات المالية العراقية في الخارج تتمتع بالحصانة بقرار تنفيذي أصدره الرئيس الاميركي جورج بوش، يحول دون ملاحقتها قضائياً. لكن الجانب الأميركي يقول انه في حال انقضاء مدة تفويض الامم المتحدة، وبدون وجود اتفاق يحل محله، ستفقد الاموال العراقية حصانتها، وهو ما يعني خسارة العراق لنحو 20 مليار دولار. ومنذ غزو صدام حسين الكويت عام 1990 مايزال العراق يعتبر من الدول التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلا أن المفاوضين الاميركيين يقولون ان ثمن الافلات من قيود البند السابع هو التوقيع على معاهدة تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، وفي هذا الصدد تقول صحيفة «واشنطن بوست» ان الحكومة العراقية تشعر بالاحباط لبقاء تصنيف العراق كمهدد للأمن العالمي، وان الولايات المتحدة، طبقاً للصحيفة لا تريد الالتزام بإلغاء هذا القيد، وقالت الصحيفة إن العراقيين يعتقدون ان الامر يعتبر «مساومة غير ملائمة».

ونفى مهدي الحافظ وزير التخطيط العراقي السابق والخبير الاقتصادي، صحة الأرقام المعلنة حول أموال عراقية (ليست حكومية) مودعة في البنوك في الولايات المتحدة، وقال لـ«الشرق الاوسط»، «إن هذه الارقام غير صحيحة، ولا يتجاوز احتياط النقد العراقي مبلغ 30 مليار دولار». فيما قال الخبير الاقتصادي العراقي باتع خليفة الكبيسي انه منذ ان وضعت اموال العراق المتأتية من عائدات النفط وتجميد امواله في الخارج منذ بدء الحصار الاقتصادي وحتى الان تحت التصرف الاجنبي لم تعد هناك امكانية لمعرفة حجم هذه الاموال وكيفية تراكمها من خلال الفوائد المترتبة عن هذه الأرصدة.

وقال مسؤول البنك المركزي العراقي الدكتور مظهر محمد صالح، إن ضغط الولايات المتحدة على المفاوضين العراقيين لتوقيع الاتفاقية باستخدام الاموال يبقى «مجرد تكهنات غير ممكنة الحدوث»، وأضاف صالح لـ«الشرق الأوسط» أن مثل هذه الاتفاقيات هي «قضية سياسية ينشط فيها الجانب الدبلوماسي، أما إدخال قضية أموال العراق المودعة في صندوق التنمية فغير ممكن لأسباب كثيرة، منها أولا وهو الأهم، أن هذا الصندوق محمي بموجب قرار مجلس الأمن المرقم  1483 مايس (أيار) 2003، وهنا يكون محصنا من أي ملاحقة قانونية وهذه الحماية مددت حتى نهاية العام الحالي». وقد أسس ما يعرف بـ«صندوق التنمية العراقي»، بموجب قرار مجلس الامن عام 2003، ويعد الصندوق «الوعاء الأساسي الذي تتجمع فيه عوائد الصادرات النفطية وكذلك المبالغ المتبقية من برنامج النفط في مقابل الغذاء، إضافة إلى الأموال العائدة للعراق في بعض البلدان العربية والأجنبية والأرصدة المجمدة سابقاً في المصارف الخارجية».

وقال وزير النفط العراقي السابق الدكتور ابراهيم بحر العلوم لـ«الشرق الاوسط» ان قرار مجلس الامن الصادر ألزم العراق بتحويل جميع موارده النفطية لحساب الصندوق وايضا تحويل بعض الاموال المجمدة في المصارف والدول الاخرى، يونيو (حزيران) 2004 وهو تاريخ انتقال السيادة للعراق وانتقل الاشراف للحكومة العراقية، واضاف بان قسما من اموال العراق المجمدة حول الى الصندوق واضاف: «حاليا هناك احتياط مالي عراقي يبلغ 45 مليار دولار اما في الصندوق فالى حدود الشهر الماضي هناك 10 مليارات دولار وفي البنك المركزي العراقي 30 مليار دولار، وأتوقع، اعتمادا على مبيعات النفط، سيدخل في الصندوق ما يقارب 25 مليار دولار وهي ايرادات النفط». واكد بحر العلوم ان «الامر التنفيذي الصادر عن الرئيس الاميركي هو لحماية اموال العراق تحت البند السابع وبالتالي نحن نطالب الولايات المتحدة بالخروج من البند السابع وبنفس الوقت نطالب بإيجاد آلية لحماية الاموال العراقية في اميركا وغير اميركا كي لا تكون عرضة للملاحقة القانونية تحت بند التعويضات والديون وغيرها».

جدير بالذكر ان الولايات المتحدة جمدت منذ عام 1991 حوالي 1.7 مليار دولار تعود للحكومة العراقية وسلمت الى سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق حينها ودفعت جزءاً منها رواتب للعراقيين المدنيين والعسكريين. كما قامت اليابان بتجميد حوالي 150 مليون دولار كودائع عراقية في حسابات بنكية في اليابان، وقد تمت اعادة اكثر من نصفها لصندوق تنمية العراق، كما اعيد حوالي 255 مليون دولار من حساب عراقي في سويسرا تبلغ قيمته نحو 585 مليون دولار. وكانت وزارة الخزينة الاميركية اعلنت في مارس (آذار) من عام 2004 عن تجميد جميع الاموال التي تعود الى اقرباء الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ومسؤولين آخرين، وتحويلها الى صندوق «إعمار العراق» ودعت الدول الاخرى ان تحذو حذوها. وذكر وقتها ان الحكومة العراقية المنتخبة يمكنها استرداد تلك الاموال. ويقول المحامي روبرت برايس الذي سبق ان تولى مكتبه الترافع في عدة قضايا تتعلق بأموال محتجزة» يصعب تحديد حجم هذه الاموال لأن بعضها ليست اموالاً سائلة بل عبارة عن ممتلكات تدار بواسطة جهات ليست هي المالكة، كما ان بعضها أودعت باسماء شخصيات كانت لها علاقة مع شخصيات ارتبطت مع النظام السابق في العراق لكن لا أحد يدرك طبيعة هذه العلاقات». وأوضح لـ«الشرق الاوسط» ان الحكومة العراقية الحالية إذا ارادت ان تسترد هذه الاموال، عليها اولاً ان تصل اليها ثم بعد ذلك لابد ان تمر من اجراءات قانونية معقدة، يمكن ان تستمر حتى سنوات».

ويقول راهال مهجان من مجموعة «يونايتد» للسلام والعدالة «حتى على فرضية وجود حكومة عراقية شرعية فإن ذلك لا يمنحها الحق لاسترداد الأموال العراقية، ليس فقط الاموال المودعة باسم أقارب صدام حسين بل الامر ينطبق كذلك على الممتلكات المجمدة».

وكانت وزارة الخزانة الاميركية حددت اسم 16 شخصية تم احتجاز ممتلكاتها، وتضم القائمة زوجة صدام حسين ساجدة خير الله، وبناته راغدة ورنا وحلا، وكذلك زوجته الثانية سميرة شهبندر وابنه علي. كما شمل قرار الحجز ممتلكات تعود الى عزة الدوري وزوجاته الاربع. وتشمل قائمة الأموال المحتجزة شركات كانت تديرها الدولة العراقية مثل «مؤسسة الدولة للسيارات»، ومؤسسة البترول المركزية، شركة العراق لناقلات النفط .

وتقول وزارة الخزانة الاميركية: ان هناك اموالاً تعود الى النظام السابق توجد في 20 دولة اخرى منها سويسرا، فرنسا، المانيا، روسيا، اسبانيا، مصر، تايلند، اندونيسيا، لبنان، ايران، كوريا الجنوبية، ماليزيا، اليابان، والمغرب، والسعودية، والامارات، والاردن، وسورية واليمن .

وتحت ضغوط اميركية أمكن تحديد مبلغ ملياري دولار توجد في دول اخرى وتم تجميدها بضغط اميركي. وكانت واشنطن هددت في وقت سابق بانها ستضطر الى منع الجهات التي ترفض تجميد الاموال العراقية سواء كانت تعود الى الدولة العراقية او الى افراد، من العمل في الولايات المتحدة . وتقدر مصادر وزارة الخزانة الاميركية الاموال العراقية التي توجد خارج اميركا بحوالي 12 مليار دولار، وهي في غالبها عائدات من مبيعات النفط التي كانت تتم عبر صفقات «النفط المهرب» أثناء الحصار المفروض على العراق. في حين قدرت حجم الاموال السائلة في البنوك الاميركية بحوال 1.4 مليار دولار.

أما بالنسبة للأموال العراقية التي توجد في اميركا، فإن وزارة الخزانة تقول إنها تخضع للامر التنفيذي الذي أصدره الرئيس جورج بوش بتجميد وحصر الاموال العراقية في اميركا وتحويلها الى «مصلحة الشعب العراقي». وسبق ان نشرت الوزارة اسماء البنوك التي توجد فيها اموال عراقية، ومنها بنوك «يو بي إس» «بنك الخليج العالمي» «بنك اميركا» «بنك واشوفيا» «البنك العربي»، «البنك الوطني لمصر» «بنك سوسيتي جنرال» «البنك الهولندي» «البنك التجاري الكويتي» و«اميركان اكسبريس».