القاعدة.. في بيتنا

«قاعدة المغرب الإسلامي» تفتح جبهات قتال جديدة بالمنطقتين المغاربية والعابرة للساحل.. وتثير المخاوف

عنصران مشتبهان بتهمة الإرهاب في طريقهما الى محكمة سلا بالقرب من الرباط (أ. ف. ب)
TT

أثارت العمليات الإرهابية، التي شهدتها منطقة المغرب العربي منذ مطلع العام الجاري، هواجس مصالح استخبارات دول المنطقة من توسع نشاط فرع القاعدة في شمال أفريقيا، ومن التهديد الكبير الذي أصبح يشكله على استقرار هذه الدول ومصالح القوى الأجنبية، من خلال استهداف رعاياها المقيمين بالمنطقة.

وكان الهجوم على ثكنة بمنطقة لمغيطي شمال موريتانيا في 5 يونيو (حزيران) 2005، مؤشرا خطيرا على منعطف جديد في مسار «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» آنذاك، معناه أن أتباع أسامة بن لادن في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الافريقي، عازمون على فتح مواجهة مع حكومات دول الساحل، وفي نفس الوقت دعوة غير مباشرة لتدخل القوى الغربية المعروفة بنفوذها بالمنطقة. وقد عززت حادثة اختطاف سائحين نمساويين في عمق الأراضي التونسية في فبراير (شباط) الماضي، هذا التوجه ثلاث سنوات بعد عملية لمغيطي.

وموازاة مع اعتماد العمل الانتحاري أسلوبا لزعزعة الاستقرار في الجزائر والمغرب، تميز نشاط القاعدة بعمليتين لافتتين في الصحراء، كانتا مؤشرا على أن شيئا جديدا يجري التحضير له في الجنوب، وعلى تخوم الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر. أولاهما كانت الاعتداء على مطار جانت (1800 كلم جنوب الجزائر، قرب الحدود مع ليبيا) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والثانية، وهي الأخطر، اغتيال 8 دركيين من حرس الحدود في كمين بمنطقة بالوادي في فبراير الماضي.

وقد كان لافتا، بالنسبة للأجهزة الأمنية أن تنفيذ عملية مسلحة بالقرب من الحدود الشرقية، مقدمة لعمليات أخرى خارج الحدود قد تتم في تونس، أو في مالي أو النيجر أو حتى في ليبيا.. المهم أن مصالح الاستخبارات كانت قد أشارت عبر تسريبات للصحافة، أن القاعدة تبحث عن صدى إعلامي يشد إليها الانتباه مدة طويلة. وقد تكرست هذه القناعة الأسبوع الماضي بتنفيذ عمليتين إرهابيتين، إحداهما بالعاصمة والثانية في شرقها واستهدفت موظفي شركة فرنسية، كانوا قد تعرضوا لهجوم في الخريف الماضي.

موريتانيا ملاذ السلفيين المغاربيين ومن أبرز تجليات نقل الارهاب خارج الجزائر في المدة الأخيرة، اغتيال ثلاثة جنود موريتانيين بمنطقة الغلاوية شمال موريتانيا، وبعدها تفجير ملهى بالقرب من سفارة إسرائيل بموريتانيا، إضافة إلى اغتيال فرنسيين بنواكشوط، وإن لم تعلن القاعدة مسؤوليتها عنه، فهو يحمل حسب خبراء أمنيين بصمات عناصرها.

ويتفق متخصصون في محاربة الارهاب، على أن موريتانيا أضحت ملاذا لكل الاصوليين الحركيين الذين يسعون للاطاحة بأنظمة المنطقة. فزيادة على توفر أتباع كثيرين للقاعدة، لا يجد السلفيون الجزائريون أية صعوبة في التوغل إلى عمق الأراضي الموريتانية بما فيها العاصمة نواكشوط، لشن اعتداءات ضد أهداف مدنية محلية وأجنبية، وتنظيم عمليات استعراضية ضد ثكنات عسكرية خصوصا في الشمال. وقد كانت الأحداث الأمنية الأخيرة خطيرة، في نظر مصادر تتابع التطورات، أكدت شعورا بالنشوة لدى عناصر القاعدة بعد فترة من «الركود» في الصحراء، سببها توقف بلمختار عن النشاط، إثر ظهور مؤشرات عن رغبته في تطليق الارهاب.

غير أن أكثر ما سجلت بها القاعدة حضورها، خارج حدود الجزائر هي دفع فرنسا إلى الضغط على منظمي سباق رالي داكار، لإلغائه نهاية العام الماضي. حيث نجحت في تحقيق صدى إعلامي غطى على خسائرها طول عام 2007، ضمن ما يعرف بـ«خطة ضرب الرؤوس»، التي أفقدتها قيادات مؤثرة في التنظيم، أهمهم زهير حارك وعبد الحميد سعداوي وسمير سعيود، وعبد الفتاح أبو بصير وغيرهم.

هيكلة الجماعة وتوزيع نشاطها عبر المناطق لكن من أين يستمد التنظيم كل هذه القوة التي أربكت دولا وأجهزة أمنية تملك خبرة كبيرة في محاربة الارهاب؟ وأين تنتشر هياكله في الجزائر ومن هم قياداته، وكيف يتم توزيع الأدوار بينهم؟ يتحرك التنظيم بشكل حصري، بأمر من قائده العام عبد المالك دروكدال الشهير بـ«أبي مصعب عبد الودود»، الذي تولى القيادة في خريف 2004 خلفا للزعيم نبيل صحراوي المعروف بـ«مصطفى أبي إبراهيم»، الذي قتل في عملية استخباراتية تمت بفضل تعاون عناصر من الجماعة مع مصالح الأمن. ويعد دروكدال رابع مسلح يتولى قيادة التنظيم، بعد المجيد ديشو، وحسان حطاب وصحراوي. الاول قتل في عملية عسكرية عام 1999 والثاني استقال في 2003، ثم سلم نفسه للسلطات العام الماضي.

ويذكر التنظيم في أدبياته أن «الأمير» يختار وفقا لمقاييس محددة، أهمها العلم الشرعي والأمانة والقوة والأقدمية وأن يكون سليما من العاهات التي تعيقه عن إدارة شؤون الجماعة.

ويأتي بعد القائد من حيث الأهمية، «أهل الحل العقد» وهم حاليا مجلسان: «مجلس الأعيان» و«مجلس الشورى»، والفرق بين الأول والثاني أن الأول يعتمد على قادة مناطق النشاط المسلح ومن ينوب عنهم، وهم من ذوي النفوذ لدى أقوامهم. أما الثاني فيتكون من أهل الخبرة في العمل المسلح والتخصص في مجالات كثيرة، أبرزها العسكرية والشرعية والسياسية والطبية والهندسية. ويدخل فيه مسؤولو اللجان والهيئات العسكرية والطبية والاعلامية والشرعية.

ومن الوجوه الحالية في «مجلس الأعيان»، قاضي الجماعة «أبو الحسن رشيد» ومسؤول المالية «أحمد أبي عبد الله»، ومسؤول الدعاية الذي يحرر بيانات تبني الأعمال المسلحة «صلاح ابو محمد». وزعيم المنطقة الشرقية «يونس الباتني»، وقائد المنطقة الوسطى الغربية «عاصم أبي حيان». وتملك أجهزة الأمن معطيات عن «مجلس الأعيان» مفادها أن أعضاءه يؤثرون في اتخاذ القرار ولهم حظوة لدى القائد العام. ومن بين أبرز هؤلاء: أحمد جبري قائد العمل المسلح بالشرق أيام «الجماعة الاسلامية المسلحة»، وأبو دجانة الاغواطي وأبو داود موسى وآخرون.

وبخصوص طريقة اتخاذ القرار، قال أحد مؤسسي «الجماعة السلفية»، التي أصبحت «القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي» (تخلى عن الارهاب عام 2006)، رفض نشر اسمه: «نعتمد كثيرا على الشورى عند اتخاذ أي قرار، بحيث نتناول الموضوع من وجوهه العديدة مع استشارة أهل الخبرة والاختصاص وأهل الرأي، ومع مراعاة أيضا توصيات المكتب السياسي الذي يدرس ويناقش ويتابع الأحداث والتصريحات، ويجمع المتغيرات السياسية والملفات المهمة تحسبا لرفعها للقيادة كي تطلع عليها مع إرفاقها بتوصيات ملائمة ونصائح في كل ملف. وتابع نفس الشخص في مقابلة قصيرة مع «الشرق الأوسط»: «إننا نحرص على تنظيم لقاءات دورية في مجلس الأعيان ومجلس الشورى كي نتدارس أوضاع الجماعة ونناقش المستجدات ونتابع الخطط ونضع الاستراتيجية، ونتدارك الأخطاء ونضع الخطط البديلة. ونأخذ بعين الاعتبار تعليمات وأوامر القيادة العامة تحت إشراف شيخنا أسامة بن لادن»، من دون توضيح كيف يتلقى التنظيم الأوامر من بن لادن ولا كيف يجري التواصل معه.

ويتوفر التنظيم المسلح على لجان، أهمها العسكرية والشرعية والاعلامية والمالية والطبية والاتصال و«ديوان الأمير» والمكتب السياسي. مع العلم أن كل لجنة تطرح برنامجها السنوي وفق الاستراتيجية العامة، ويتم عرض البرنامج على المجلسين السابقين وتتم مناقشته واعتماده ثم تقييمه والمحاسبة عليه.

ويعتمد التنظيم في تنفيذ عملياته على حوالي 700 مسلح، منتشرين في سبع مناطق حسب التقسيم الجغرافي لنشاط الجماعة يجري العمل به منذ تأسيسها عام 1998. وهي المنطقة الأولى (وسط غرب) والمنطقة الثانية (شرق العاصمة) والخامسة (جنوب شرق البلاد) والسادسة (شرق البلاد) والرابعة (غرب البلاد)، إضافة إلى المنطقة الصحراوية التي تضم جهاديين من منطقة الساحل وهي مسؤولة عن اختطاف السائحين النمساويين.