قارة الكوارث

800 كارثة طبيعية وقعت في آسيا منذ 2001.. والصين تتخلى عن سياسة الطفل الواحد بعد زلزالها

مياه الفيضانات التي اعقبت الزلزال في الصين، تحاصر بلدة في جنوب غرب البلاد (أ.ب)
TT

في وقت كان يتحرك فيه العالم للتعامل مع إعصار نيرجس الذي ضرب بورما، وخلف كارثة انسانية، وقع زلزال ضخم في الصين بلغت قوته 7.8 بمقياس ريختر، ادى الى مقتل عشرات الآلاف. وكلا الكارثتين قد وقعت في فترة أسبوع خلال شهر مايو (أيار) الماضي. وزلزال الصين أكثر الزلازل ضراوة في قارة آسيا في الفترة الأخيرة، فهو في مثل قوة الزلزال الذي ضرب كشمير في أكتوبر (تشرين الأول) 2005، وحسب الاحصاءات الرسمية بلغ معدل الوفيات، الذي يعد الأسوأ الذي يضرب الصين على مدى ثلاثة عقود، نحو 70 الف شخص، بالإضافة إلى أكثر من 18 الف شخص ما زالوا مفقودين. كما تسبب الزلزال في تشريد نحو 5 ملايين شخص. وعلى الرغم من أن الزلزال قد ضرب منطقة شيتشوان الصينية، فقد أحس به من يعيشون في بكين (على بعد 1.500 كيلومتر) وفي شنغهاي (1.700). ولم تمض صدمة الزلزال، حتى ظهر تهديد جديد، وهو ظهور الفيضانات، حيث تسبب الزلزال في تكوين أكثر من 34 بحيرة بعد أن سدت الصخور والطمي الأنهار. وتم بالفعل ترحيل أكثر من 1.3 مليون شخص إلى مناطق مرتفعة خوفا من انهيار هذه البحيرات التي شكلها الزلزال. ويأتي التهديد العاجل من بحيرة تانجياشان، التي تقع بالقرب من مدينة ميانيانج بإقليم سيتشوان. وهو أحد 34 بحيرة شكلت بعد الزلزال وتمثل أكبر تهديد. وعلى الرغم من أن الجنود الصينيين عملوا لأيام على السيطرة على بحيرة تانجياشان، ما زال هناك تهديد، حسب خدمة الأخبار الصينية، وهناك نحو 80 الف بحيرة صغيرة في حجم حوض سباحة اوليمبي. وبسبب تساقط الأمطار بشكل مستمر في المنطقة التي ضربها الزلزال، أعلنت الوزارة الصينية أنه إذا استمر تساقط الأمطار، فإنه من المحتمل أن تنفجر البحيرة بنسبة 93 في المائة. أصبحت قارة آسيا من أكثر المناطق التي تضربها الكوارث الطبيعية في الفترة الأخيرة. وفي عددها الأخير أفادت مجلة «لو فيغارو» الفرنسية ان نحو 800 كارثة طبيعية قد وقعت في منطقة آسيا منذ عام 2001. ومن أكثر الدول المتضررة من هذه الكوارث اندونيسيا والصين والهند. وهناك عدد من الجبال والأنهار في بعض الدول الآسيوية عرضة للانهيارات والفيضانات. ومن المحتمل أن يتسبب التغير المناخي السريع والمتنامي في كافة أنحاء العالم الى مزيد من الكوارث، ولن يكون هذا في آسيا وحسب، ولكن سيمتد إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية. وتشير دراسة لمنظمة الأمم المتحدة إلى أنه من المحتمل أن يقع المزيد من الزلازل في مناطق أخرى من العالم. وحسب علماء فإن المشكلة الأكبر هي التغيرات في الطبقة التكتونية والتي تسببت في زيادة عدد الزلازل الخطيرة في العام الماضي بنسبة 80 في المائة. ويرشح هذا المعدل للارتفاع. ويلقي بعض العلماء باللائمة على الانعكاس القطبي، ومن المنتظر أن يستمر هذا حتى 2012، ومعنى هذا أن الزلازل والبراكين ستستمر حتى 2012. ومع هذا، تصنف أوروبا أكثر المناطق أمنا على الكرة الأرضية، وقد شهدت القارة الأوروبية إجمالي 180 كارثة طبيعية منذ 2001. وقد توصل فريق من الجيولوجيين في الولايات المتحدة الى أن 12 زلزالا من كل 15 زلزالا كبيرا ـ أي تصل قوته 7 درجات أو أكثر ـ منذ عام 1990 كانت السبب في توابع أصغر في القارات الأبعد. وقد أفاد بحث لمنظمة المساعدة الدولية «أوكسفام» أن عدد الكوارث الطبيعية التي تحدث لأسباب جيولوجية، مثل الزلازل والبراكين والفيضانات والتسونامي، قد ارتفع بمعدل أربعة أمثال خلال العقدين الماضيين، حيث كانت نسبة وقوع مثل هذه الكوارث في أوائل الثمانينات من القرن الماضي تقف عند 120 كارثة في العام، لكن هذا الرقم ارتفع بشكل كبير ليصل لـ500 في الوقت الحالي. وقد أفادت أبحاث لمركز أبحاث علم الأوبئة التي تتسبب فيها الكوارث ان الاحترار العالمي سيتسبب في مزيد من التغيرات القاسية في الطقس ما يعني وقوع فيضانات وحدوث موجات جفاف وأعاصير أقوى من التي تحدث في الوقت الحالي. وقد تنبأ العديد من المقالات التي نشرت في الصحف في الفترة من 2002 حتى 2007 باحتمالية حدوث زلزال كبير في منطقة سيتشوان ـ يونان. وفي الوقت نفسه، يقول بعض المهتمين بالشؤون البيئية في الصين ان عمليات بناء السدود الضخمة ادى الى انجرافات في التربة نتجت عنها مثل هذه الزلازل. ويوجد في الصين أكبر عدد من السدود من أي دولة أخرى في العالم، وبها نحو نصف مجمل السدود في العالم. وكان لوجود عدد كبير من هذه السدود في مركز الزلزال الذي ضرب سيتشوان سبب في تفاقم الوضع بعده. وقد قالت وزارة موارد المياه الصينية ان 69 مستودعا وسدا على حافة الانهيار. كما حذر الجيولوجيون لفترة طويلة من خطر بناء السدود في مناطق عرضة لوقوع الزلازل. فمن الممكن أن تنهار هذه الأبنية، وقد يتسبب ثقل المستودع الملحق بالسد في حدوث هزات خفيفة. ومع هذا، فلا يمكن وقف بناء سد «ثري جورجز» الذي تبلغ تكلفته 30 مليار دولار وهو أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية وقد أوشك على الاكتمال. وقد تم ترحيل أكثر من مليون شخص لبناء هذا السد. وأسوأ أثر إنساني لهذا الزلزال هو أنه أتى على جيل كامل، فمعظم من قضوا فيه من الأطفال على الرغم من أنه لم يتح حتى الآن أرقاما محددة ويقول المسؤولون انهم لا يستطيعون تقدير عدد القتلى من الأطفال. ولتعويض الآباء الذين فقدوا أطفالهم، أعلن المسؤولون عن سياسة «طفل واحد» في الصين أنه سيسمح للآباء الذين فقدوا أطفالهم خلال الزلزال أو يعاني أطفالهم من تشوهات إنجاب طفل آخر. وقد تسبب الزلزال في تشريد أكث من 5 ملايين شخص، وتكدس الناجون في خيام وفي ملاجئ مؤقتة. ويقول العاملون في القطاع الطبي انهم رحلوا نحو 10 آلاف شخص مصاب إلى مستشفيات خارج إقليم سيتشوان لتقليل الضغط على الموارد الطبية المحلية. وتزيد الأمطار من معاناة المشردين من الناجين الذين يعيشون في الخيام. وبعد مضي ثلاثة أسابيع من وقوع الزلزال، ما زالت العديد من المدن الصغيرة لا يمكن الوصول إليها، فقد تسببت الانهيارات في إغلاق الكثير من الطرق في الإقليم. وما زال هناك الآلاف من المفقودين، ومن الممكن أن يكونوا قد دفنوا في الأنقاض. وفقد في الزلزال الملايين من الحيوانات الحية ومساحة كبيرة من الأراضي المزروعة. وبالنسبة للصين، التي تستضيف اولمبياد هذا الصيف، كان من المفترض أن يكون عام 2008 احتفالا بالنمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده وبزوغها كقوة عالمية. لكن بدلا من هذا عانت من الكوارث والانتكاسات الأخرى. وفي هذه الأثناء، بدأت الصين في إعداد خطط تعمير للمنطقة التي ضربها الزلزال، وقد تبرعت الحكومة بـ70 مليار يوان لصندوق التعمير، ويتضمن هذا إعادة بناء البنية التحتية للطرق والجسور وخطوط إمداد الكهرباء والاتصالات التي دمرت جراء الزلزال. وتصل قيمة الدعم الأجنبي إلى مجمل 41.7 مليار يوان نهاية الأسبوع الماضي، ووزع نحو ربع هذا الدعم في المنطقة المتضررة، حسب وكالة الأنباء شينخوا.

ومع هذا، يقول بعض الاقتصاديين إن الزلزال من شأنه أن يزيد من معدلات التضخم في الصين، بسبب مشكلة نقص الحبوب الغذائية والطاقة. ويعد إقليم سيتشوان منتجا مهما للحبوب ولحوم الخنزير، وبه أكبر معدلات احتياطي الغاز الطبيعي في الصين. ويقول كثير من الاقتصاديين انه من المحتمل أن يتسبب الزلزال في تراجع ملحوظ في نمو إجمالي الناتج المحلي. ويقوم فريق من الخبراء في جمعية الصليب الأحمر الصينية بتدريب مجموعات من المتطوعين على العمل مع الناجين من الكارثة. ويقول ميتين بواسوجلو، وهو رئيس قسم أبحاث الصدمات في معهد الطب النفسي بلندن التابع للجامعة الملكية، إنه قد يعاني 80 في المائة من الناجين من آثار على المدى القصير لاضطراب ما بعد الصدمة.