أوباما.. واختبار الشرق الأوسط

جولته الإنتخابية موجهة إلى الأميركيين وما سيقوله لن يعجب العرب ولا إيران

TT

قبل بضعة أيام ظهر إعلان على الموقع الالكتروني لصحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية في طبعتها الانكليزية، حمل صورة للمرشح الديمقراطي للانتخابات الأميركية باراك أوباما، والى جانبه صورة للرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد. وأرفق الاعلان بسؤال يقول: «هل من المقبول اجراء لقاء غير مشروط، مع قادة معادين لاميركا؟».

هذا الاعلان الموجه أساسا الى الأميركيين اليهود، الذين يطالعون صحيفة «جيروزاليم بوست» على الانترنت، والى الاسرائيليين في المرتبة الثانية، لم يضف الى رصيد اوباما لدى الناخبين الاميركيين اليهود، والمواطنين الاسرائيليين، الا المزيد من الانزعاج والقلق من مواقفه التي يرونها «ضعيفة» في ما يخص قضيتهم، أو على الاقل اضعف من مواقف منافسه المرشح الجمهوري جون ماكين. وفي مقابل القلق الإسرائيلي واليهودي، ينظر العرب عموما الى أوباما بارتياح اكبر، مما ينظرون فيه الى ماكين. فأوباما هو المرشح الذي قال اثناء حملة الانتخابات التمهيدية العام الماضي في أيوا، أول الولايات الاميركية التي صوتت، ان «لا شعب يعاني اليوم أكثر من الفلسطينيين». وأوباما هو المرشح الذي قال انه يريد ان يجلس للحوار مع الرئيس الايراني.

وبالإضافة الى ان اوباما ينتمي الى الحزب الديمقراطي، الذي تٌعتبر سياسته الخارجية عموما أقل تشددا من الجمهوريين، هناك عوامل أخرى تلعب دورا اساسيا في اضافة صورة أكثر قبولا له، وقد يكون أبرزها اسمه الثلاثي: باراك حسين اوباما. فعلى الرغم من حرص المرشح الديمقراطي الكبير على الابتعاد بقدر استطاعته عن كل ما يطبعه بالاسلام، خوفا من ان يرهب ناخبيه الاميركيين، وتشديده على انه مسيحي مؤمن وممارس، يبدو ان اسمه يضفي لديه صفات محببة تجعله أكثر قبولا لدى العرب، وسكان الشرق الاوسط. اضافة الى ان كونه رجلا أسود ينادي دائما بالوحدة، وعدم التمييز والمساواة بين كل الأجناس والأديان، يعطي انطباعا بأنه قد يكون أكثر تفهما لقضايا العرب والشرق الأوسط المعقدة. وعلى وقع كل هذه الانطباعات، يتوجه أوباما الى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، في أول زيارة يقوم بها الى المنطقة. الا ان أهم ما في هذه الجولة انها قد تجيب عن التساؤلات حول انفتاح اوباما على طرفي الصراع، ومدى اختلاف مواقفه عن مواقف الرئيس الاميركي جورج بوش أو منافسه ماكين، وقد تثبت صحة أو خطأ هذه الانطباعات المسبقة.

مؤخرا، بدا اوباما وكأنه يحضر الأرضية لزيارته. فكثف من تصريحاته المطمئنة لاسرائيل وللمجتمع اليهودي في الولايات المتحدة. نظم لقاءات مع قادة الطوائف اليهودية ومع جاليات يهودية في ولايات مختلفة. أكد لهم أن دعمه لاسرائيل غير قابل للجدل، وان القدس عاصمة اسرائيل، وانه لم يكن مسلما يوما، وان الشائعات والحملات المركزة التي تشيع انه مسلم، هدفها ترويع الاميركيين اليهود.

هذه المواقف ليست مواقف اوباما وحده. هي مواقف الولايات المتحدة ببساطة، بغض النظر عن رئيسها، وبغض النظر عن الحزب الذي يحكمها. فبين خطاب بوش والجمهوريين والخطاب المتوقع من اوباما خلال زيارته للشرق الاوسط، لن يكون هناك اختلافات كثيرة في السياسة العاملة. ويقول غرايم بانيرمان، وهو عضو سابق في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس متخصص في قضايا الشرق الاوسط ومستشار سابق في وزارة الخارجية الاميركية لقضايا الشرق الاوسط: «ينظر الى الديمقراطيين في الولايات المتحدة على انهم أضعف من الجمهوريين عموما في ما يتعلق بالامن القومي، لذلك لا يمكن الا ان يصدر عن اوباما مواقف قوية في دعمه لاسرائيل والحرب على الارهاب، من دون ان يدخل في التفاصيل»، مضيفا أن اوباما سيحاول تفادي التفاصيل، كي لا يقيد نفسه بمواقف معينة، لن يمكنه التملص منها في حال أصبح رئيسا. فـ«الأمور التي تقال في الحملات الانتخابية، مختلفة عن الامور التي تقال حين يصل المرشح الى البيت الأبيض».

إلا أن أهم ما في هذه الجولة، أنها موجهة إلى الأميركيين وليس الى بلدان الشرق الاوسط. فهي جزء من الحملة الانتخابية، علما انه من النادر ان ينظم مرشحون للانتخابات الاميركية جولات الى الخارج قبل انتخابهم. ولكن الحرب على الارهاب التي اطلقها بوش بعد 11 سبتمبر (أيلول)، جعلت الاميركيين يلتفتون اكثر الى العلاقات مع الخارج وخاصة الدول المضطربة. ويقول جون فورتييه، وهو خبير في الانتخابات من معهد «اميريكان انتربرايز»، ان اهتمام الاميركيين بالسياسة الخارجية اصبح أقوى بعد اعتداءات سبتمبر وحرب العراق، وهو ما يدفع بالمرشحين الى تنظيم زيارات الى الخارج في محاولة لطمأنة ناخبيهم الى قدرتهم على التعاطي مع المجتمع الدولي. وتحمل الجولة أهدافا اخرى بالنسبة الى اوباما، متعلقة أيضا بالناخبين الاميركيين. فأوباما هو شاب لا يتعدى عمره السابعة والاربعين، وخبرته السياسية لم تتعد يوما مقعدا في الكونغرس. واذا تمكن من ان يفوز على هيلاري كلينتون التي حملت شعار الخبرة، بشعاره «التغيير»، الا ان عليه ان يثبت اليوم في مواجهة ماكين، الرجل الذي يبلغ من العمر 70 عاما، وكان مقاتلا في فيتنام، ولديه خبرة في السياسة الخارجية، انه قادر على المنافسة في السياسة الخارجية. وبسبب ذلك، يقول بانيرمان، إن على اوباما ان يكون حذرا جدا، لأن الجولة قد تنقلب ضده وتؤذيه. فأحد نقاط ضعفه هو نقص خبرته في مجال السياسة الخارجية، وهو عليه ان يثبت عكس ذلك، ويثبت انه بدلا من الخبرة يتمتع بالحكمة.

كذلك، يقول ادوارد وولكر، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى مصر واسرائيل، ان اوباما الذي لم يدل بتصريحات كثيرة عن الشرق الأوسط خلال حملته الانتخابية، سيتوجه الى الشرق الاوسط ليثبت خبرته في قضايا المنطقة، وليبرهن انه قادر على التعاطي مع شخصية دولية ورؤساء دول. ويتوقع وولكر ان يدلي اوباما بمواقف اميركا الثابتة المؤيدة لاسرائيل، وسيحاول ان يركز حديثه على ضرورة الاستمرار في الحرب في افغانستان، حيث يتراجع الوضع في مقابل تخفيض عدد القوات في العراق، حيث بدأ يتحسن الوضع. باختصار، سيكرر اوباما مواقفه مع تحاشي الدخول في التفاصيل. وستكون مواقفه واضحة وقوية، «فالأميركيون لن ينتخبوه اذا ظنوا انه رقيق في التعاطي مع ايران والمنظمات المتشدد الأخرى في المنطقة»، يقول السفير السابق. ولكنه يضيف ان ذلك لا يعني أن اوباما سيغير مواقفه من ايران حول استعداده للحوار معها. وأوباما كرر أصلا مواقفه أمس الاول حول الحوار مع ايران، وقال تعليقا على تجربة ايران لصواريخ طويلة المدى قبل يومين، ان هذه التجربة تثبت ضرورة الحوار الدبلوماسي المباشر مع طهران. وهذا الموقف بالتحديد هو أحد المواقف التي يحاول اوباما تسجيلها لتمييز نفسه عن بوش وماكين وسياساتهما في المنطقة، وهو ما يحاول تحقيقه من هذه الجولة أيضا.ويقول دونالد وولفسنبرغر وهو خبير في شؤون الانتخابات من مؤسسة بروكينغز الاميركية، ان مواقف اوباما من ايران ليست دليل ضعف، وهي مواقف تميزه عن منافسه. وتميز أوباما عن ماكين وبوش برز في مواقفه من العراق، علما انه مؤخرا حاول التملص قليلا من وعوده بسحب الجنود خلال 16 شهرا. كما ان تميزه برز في حديثه عن مسار السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فهو يقول انه لن ينتظر حتى نهاية عهده، كما فعل بوش، للبدء في التوسط لمحادثات السلام، بل سيبدأ في العمل على ذلك فور دخوله البيت الأبيض. فبين تكرار مواقف اميركا الثابتة من القضايا الكبرى في المنطقة، ومحاولته تمييز نفسه عن الجمهوريين، يسعى اوباما الى الحصول على الأمرين. فهو بحسب فورتييه، سيحاول تصوير نفسه على انه شخصا قادر على التواصل مع العالم، وأنه شخص مسؤول اكثر من بوش الذي يرفض الحديث مع أعداء الولايات المتحدة ويوصف بأنه متهور. الا ان جولته هذه قد تحمل إليه انتقادات من جميع الاطراف في الشرق الاوسط. ويتوقع فورتييه ان تصدر بعض الانتقادات والتشكيكات من الجانب الاسرائيلي بمصداقية مواقفه، ويتوقع ايضا انتقادات «من العالم الاسلامي بسبب تصريحاته الداعمة لاسرائيل». ولكن هذه الانتقادات والانتقادات المضادة، قد لا تكون ذات أهمية كبيرة لاوباما. فهدف زيارته الرئيس ليس الحديث مع بلدان الشرق الأوسط، بل مع الاميركيين. وكما قال بانيرمان، فإن مشكلة وصعوبة الشرق الاوسط، هي ان تعتبر هذه التصريحات التي ستقال الآن خلال الحملة الانتخابية ثابتة، بعد وصول المرشح الى البيت الابيض. فبعد وصوله الى الرئاسة، سيكون عليه ان يدلي بتصرحات مختلفة عن تلك التي كان يدلي بها خلال حملته الانتخابية. فجميع الاطراف في الشرق الاوسط، ستكون بانتظار كل كلمة ستصدر عن اوباما، للبحث عن الفرق بينه وبين الجمهوريين، وبرأيي بينرمان، هذا خطأ. فما سيقال خلال الجولة سيكون موجها للاميركيين، وليس لأشخاص في الشرق الاوسط، والأمران مختلفان تماما. ولذلك، وبحسب كلمات بانيرمان، فمن المؤكد ان ما سيقوله اوباما خلال جولته، لن يريح سكان الشرق الأوسط، باستثناء إسرائيل.